الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر الحائرة ! مخاض ولادة متعسرة: طبيعية ام قيصرية؟!

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2017 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


ان "الجرائم التاريخية" التى ارتكبتها، انظمة دول الربيع العربى – وغيرها - ، والتى تسببت فى تاخر التطور الحضارى لهذه المجتمعات، هى بلا منازع جريمة الجرائم، ان ما فعله هذا التأخر الحضارى، من اهدار لانسانية شعوب هذه المجتمعات، وانحطاط نوعية الحياة التى تحياها، هى الخسارة الافدح من بين كل الخسائر، انها الجريمة المرتكبة بفعل فساد هذه الانظمة وانانيتها واستبدادها، هذا الفساد المحمى فى الداخل، باجهزة القمع المموله من ثروات الشعوب المقهورة ذاتها!، والمدعوم خارجياً من الانظمة الاستبدادية الاقليمية، والاستعمارية العالمية، تلك "الجرائم التاريخية" التى تتضاءل امامها اى تكلفة (خسائر) لأى ثورة رغم بشاعتها!.

تعانى، السلطة الحاكمة فى مصر، سلطة يوليو الممتدة، من ازمة بنيوية مزمنة، مزمنة بحكم طبيعة بنائها نفسه، ازمة تاريخية، تلازمها منذ نشأتها فى 52 من القرن الماضى، ومستمرة حتى الان، تتمثل هذه الازمة البنيوية، فى كونها، بأنانية عمياء، تريد ان تستحوذ على كل السلطات فى يدها وحدها، فتصادر كل الحريات، "كعب اخيل"، نقطة مقتل سلطة يوليو!، وفى نفس الوقت، تضع اهدافاً، او هكذا تدعى، اهدافاً، لا يمكن لها ان تتحقق بدون مشاركة باقى قوى المجتمع، تلك القوى المستبعدة من قبل السلطة نفسها!. القوى المستبعدة، هى تلك القوى المستقلة، او بتعبير ادق، هى تلك القوى التى لا ترغب فى ان تكون مجرد جوقة تردد وراء السلطة، هذه الجوقة المتوفرة بكثرة فى كل العصور، اشتراكية معاها، رأسمالية معاها، اسلامية معاها، والتى هى (الجوقة) من ناحية، الافراز الطبيعى لسلطة لا تسمح بالرأى المستقل، "المخالف"، وهى من ناحية اخرى، بالرغم من كل جهود هذه الجوقة للترويج للسلطة، الا ان دورها فى جوهره، ليس سوى دور المرشد المضلل للسلطة!.


ان الفشل المتكرر لسلطة يوليو فى انجاز مهمتها الاساسية، "التنمية / العدالة / الامن"، على مدى ستة عقود، لا يمكن تفسيره الا بخلل فى بناء السلطة ذاتها، والذى لا يمكن تفسيرة باسباب شخصية، تتعلق بشخص هذا الرئيس اوذاك، لانه ببساطة ليس هناك رئيس يحكم بـ"دماغه"، حتى لو كان عبدالناصر، خاصة فى المراحل الاولى لسلطة الحكم الجديدة، فقصة ازدواج السلطة، "صراع السلطة"، بين عبد الناصر وبين عبد الحكيم عامر، بعد ان تخلصوا من محمد نجيب، معروفة للجميع، الامر الذى وصل ببعض المحللين الى الحد الذى اعتبروا فيه ان هزيمة 67 كانت طريق عبد الناصر للتخلص من عامر!، وبعيداً عن مدى صحة هذا التحليل من عدمه، يمكن استخلاص حقيقة شديدة الوضوح، بانه ليس هناك رئيس يحكم بـ"دماغه"، انما دائماً هناك فريق حاكم، للدرجة التى قد تصل الى حد الصراع فى قمته، كما انه لايمكن النظر للانجازات التى حققها عبد الناصر، دون النظر اليها باعتبارها معبرة بشكًل ما، عن قانون "القصور الذاتى"، (القانون الاول لنيوتن فى الحركة)، للمرحلة السابقة على 52، المرحلة التى شهدت تطوراً ملحوظاً فى الاقتصاد كما فى السياسة، فى مناخ من الحريات السياسية، والحريات العامة، الا ان عبد الناصر، او بالادق، فريق عبد الناصر، الذى فعل قانون "القصور الذاتى" فى الاقتصاد، قد عطله فى السياسة، اتساقاً مع الرغبة الانانية الضيقة، فى الاستحواذ على كل السلطات منفرداً، ومصادرة الحريات، "كعب اخيل"، نقطة مقتل سلطة يوليو!، وسر فشلها المزمن.


كما لا يمكن ايضاً، تفسير هذا الفشل المزمن لسلطة يوليو الممتدة بالقاء تبعية هذا الفشل المزمن على "شماعة" مؤامرة استعمارية امبريالية، وهذه "المؤامرة"، لايمكن هضمها لاسباب بسيطة وواضحة لاى عاقل، شرط النزاهة، اولاً: ان سلطة يوليو، ومن يوم مولدها، من بداية النصف الثانى من القرن العشرين، لم تكن باى حال من الاحوال معادية للامبريالية الامريكية، استعمار ما بعد الحرب العالمية الثانية، ما بعد الاستعمار الانجليزى / الفرنسى، بل العكس تماماً هو الصحيح!. ثانياً: ان نظرة خاطفة على الانجازات الرائعة، فى مجالى التنمية والعدالة والامن لشعوب العديد من دول العالم التى بدأت نهضتها فى نفس التوقيت، "النصف الثانى من القرن العشرين"، بالرغم من كونها، اما خارجة مدمرة من الحرب العالمية، (مثل المنيا واليابان)، وتخضع وفقاً لشروط استسلامها، لضغوط وقيود عنيفة من قبل المنتصرين، او انها دول كانت مستعمرات سابقة، (مثل الهند)، وتمتلك ثروات طبيعية وبشرية هائلة، وتعتبر سوق هائلة، يسيل لها لعاب الاستعمار الجديد كما كان القديم!.


ان الازمات المتتالية المزمنة، التى يعانى منها الشعب المصرى على مدى اكثر من ستة عقود، هى التعبير الحى، "الجسدى"، عن الازمة البنيوية لسلطة يوليو الممتدة، انه تعبير الفقر والجوع والمرض، لملايين المصريين، على مدى عشرات السنين، انه الفشل الاقتصادى والسياسى والاجتماعى والامنى ، انه الفشل فى الزراعة والصناعة والصحة والتعليم والبحث العلمى والفكرى والثقافى والفنى والشبابى والرياضى .. انه فشل فى كل المجالات، انه صفر المونديال!. (صرحت "كاثرين آشتون"، المفوضة العليا للاتحاد الأوروبي (سابقاً)، فى فبراير 2012 ".. أن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية، وأن ما تمت سرقته وإهداره من أموال وأرصدة مصر الطبيعية خلال الـ15 عاما الأخيرة من نظام مبارك يبلغ 5 تريليون دولار أمريكي – بغض النظر عن مدى دقة الرقم - وهو مبلغ يكفي لتحويل مصر إلى دولة أوروبية متقدمة .."!، - نشر في" التغيير" يوم 14 - 02 – 2012.)

ان مؤسسة الفساد، المؤسسة الاكبر على الاطلاق فى مصر، هى الحائط الفولاذى الضخم الذى يقف امام التنمية والعدالة والامن، والتى لم تستطيع، ولن تستطيع اى قوة، قيادة، ان تهزمه الا بالتفاف شعب واعى حر منظم، حول قيادته، تلك القيادة التى صاغ وعيها الادراك بالأولوية الحتمية لهذه المعركة، المعركة الجذرية ضد الفساد، وتوفرت ارادتها السياسية على اصرار حازم على هزيمة الفساد. بدون شعب واع حر منظم، لا هزيمة للفساد، اصل الداء.


أن القلق الأمني، الذى يصل الى حد الخوف المرضى، "الفوبيا"، المسيطر على سلطة يوليو، فيما يتعلق بالأمن الداخلي أو الخارجي، الخوف على استمرار سلطتها، والذى يكلف حفظ هذا الأمن، الاف المليارات، والذى بدلاً من سلوك الطريق الواضح لتحقيق امن حقيقى، والذى يتحقق، بالإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي وإفساح الحرية للشعب المصرى بأن يكون جزءا من حفظ الأمن، والذى عندها يكون المواطن المصرى أفضل ضامن لأمنه وأمن بلاده وأمن قيادته، ويتحقق بالفعل للدولة والنظام الأمن، بدلاً من الفشل حتى الآن، بدلاً من ذلك الطريق الواضح، تدفع المصالح الانانية، ضيقة الافق، لسلوك الطريق الضال، طريق ادانة القوى الراغبة فى التغيير السلمى!.


ان وجهى العملة، فى المخاض المصرى، وجهه العنيف المدمر، او وجهه الآخر الهادئ السلمى، كلاهما ليسا سوى تعبير عن ازمة النظام المصرى العتيق، الذى يحارب بأستماتة ليمنع ميلاد نظام "جنينى" جديد ينمو فى احشاء مجتمع عجوز عاجز. الوجهان يعبران عن شئ واحد، ان هناك مولود جديد قادم فى الطريق، وما وجهيه، العنيف والهادئ، سوى تعبير عن "الطلق" الذى يصاحب مخاض ولادة متعسرة، مرة يأتى الطلق عنيف، ومرة يأتى هادئ، تحت السيطرة، والى حين ان يأتى موعد تلك الولادة المتعسرة، على مصر ان تقرر، ايهما ستسلك، ولادة طبيعية ام قيصرية؟!. وكما كل شئ اخر، الافضل ان تأتى طبيعية.


"الديمقراطية هى الحل" !.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد هجوم إيران على إسرائيل..مقاطع فيديو مزيفة تحصد ملايين ال


.. إسرائيل تتوعد بالردّ على هجوم إيران وطهران تحذّر




.. هل تستطيع إسرائيل استهداف منشآت إيران النووية؟


.. هل تجر #إسرائيل#أميركا إلى #حرب_نووية؟ الخبير العسكري إلياس




.. المستشار | تفاصيل قرار الحج للسوريين بموسم 2024