الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي


من القضايا الحساسة التي تتعامل بها وتخشاها نظم الحكم في المجتمعات الإسلامية مسألة الأمن القومي وحدود ما يعرف بالدفاع عن السيادة والأستقلال، فهذه النظم تبني نظريتها الأمنية والدفاعية على مرتكزين أساسيين هما، فكرة أن السلاح والقوة العسكرية هي الضمان الوحيد لبناء منظومة الأمن القومي والدفاع عن الدول والمجتمعات، مما جعلها تسخر الموارد البشرية والمالية والأقتصادية لبناء قوة عسكرية متضخمة، لا تراع فيها الحاجة الفعلية ولا تراع فيها القدرة على الأستخدام الأمثل مما سبب في هدر طاقات المجتمع في أوهام الخوف من الأخر، وعدم البحث عن وسائل دفاعية فاعلة بديلة تؤمن الحاجة وتستغل الموارد في إحداث تبدلات بنيوية داخل المجتمع، فالمجتمعات الإسلامية عموما هي الأكبر إستيرادا وأستهلاكا في سوق السلاح العالمي ومستلزمات الدفاع، وهي الأكثر تعرضا للأنتهاك والتدخل دون أن تستعمل هذه القدرات في عملية الدفاع.
الفكرة الثانية والتي أجهضت كل المحاولات الحقيقية في البناء والتنمية من خلال أستخدام الموارد وتوجيهها للأنفاق العسكري والدفاعي والأمني، أن هذه النظم والأستراتيجيات تبنى منطقها أن السلطة ورموزها هم المعني بالدفاع والأمن، أي شخصنة القضية وتحويل مفهوم الأمن القومي إلى مفهوم أمن السلطة وحمايتها من التغيير والتبدل، لذا نجد أن السياسات الدفاعية والأمنية تبنى على أهمية حفظ النظام السياسي للسلطة وليس حماية الوجود الأجتماعي ككل، وأوكلت مهم قيادة وإدارة هذا الملف لأركانها دون أن تمنح الخبراء والمختصين دور في القيادة أو رسم الأستراتيجيات.
الحقيقية التي لا يختلف عليها إثنان أن عسكرة المجتمعات الإسلامية والعربية وزرع أفكار الخوف من الأخر هي في الواقع، زرع لمبدأ سيادة السلطة وقوتها في وجه المجتمع والدفاع عنها، وإلا ما تفسير بقاء الديكتاتوريات الحاكمة طوال هذه المدة بحماية أمنية وعسكرية فاعلة وغياب الديمقراطية التي نتحدث عنها كثيرا ولا نراه في الواقع إلا أوهام وخيالات فكرية نتناولها في الصحف والأحاديث السياسية فقط.
إن النظام الأمني والدفاعي تطور وتحول من مفهوم المواجهة العسكرية وأستخدام القوة إلى أفاق أوسع ومتعددة الأساليب والبرامج، دون أن تفقد المجتمعات العالمية قدرتها للدفاع عن نفسها في مواجهة الأخطار والتهديدات الأمنية، فالدفاع والأمن الحقيقي يبدأ من الطفل ومرورا بالأسرة وصولا إلى عالمي الأقتصاد والسياسة الذكية التي تدير مصالح الشعب دون أن تنظر إلى تقديم أمن السلطة والنظام الحاكم من خلال البندقية، الأمن الأجتماعي اليوم هو الركيزة الأساسية في بناء منظومة أمن قومي حقيقي، وهذا يتطلب مناهج ومقاربات وأفكار صعبة تحول الرصيد العسكري إلى رصيد أمني غير محسوس في ظل عالم لم تعد فيه القدرات والقوة العسكرية عصية على الأختراق والضرب بأيادي ناعمة.
أصعب ما في القرار الذي يجب أن يكون حاضرا على طاولة التنفيذ، هو تغيير العقيدة العسكرية والدفاعية والأمنية، من نمطها الكلاسيكي التقليدي، إلى نمط ما يعرف بالدفاع المستكين، وهو دفاع الخنادق المؤمنة والمحروسة جيدا، هذه النظرية التي تتبناها بشكل رئيسي دول البلطيق وشمال أوربا تعتمد على بنية تحتية أساسها أن الأمن الخارجي يبدأ من الداخل، من خفض التوترات الأجتماعية إلى أدنى درجة ممكنة، والنقطة الثانية أنها تعتتمد التقنيات الأكثر قدرة على التحسس من الخطر وبناء منظومة الرد السريع اللا مركزي في التنفيذ، خاصة وأن تحسين العلاقات السياسية مع دول الأقليم وخفض التوترات الناتجة عن الأختلافات الفكرية والعقيدية هي أساس تجنب المجتمع أسباب التنازع والتضاد.
لاى بد للمجتمعات الإسلامية التي تسلك طريق النهوض أن تتصالح أجتماعيا في الداخل، وبناء أسس الدفاع الذاتي من خلال شبكة مصالح بينية داخل منظومتها المجتمعية، بحيث يكون من الصعب على أي فرد التفريط بهذا الأمن المجتمعي لشعوره الذاتي أن ذلك يعني فقدانه لأسس الحياة الكريمة التي يعيشها، غالبية المجتمعات الإسلامية تعيش صراعات داخلية أولا بين السلطة ومفهوما التحكمي الذي يستبعد الإنسان (الفرد الأجتماعي) في صناعة القرار والمشاركة فيه كون المنظومة الحاكمة مؤسسة على سلطة القوة أو ديكتاتورية القوة، أو على سلطة الأيديلوجيا والدين.
إذن المطلوب فك الشراكة التأريخية بين فكرة السلطة وبين فكرة الإدارة لمصلحة الأخيرة من خلال مفهوم الدولة المدنية، حيث يكون التحول إلى ديكتاتورية القانون الأجتماعي العادل، وبناء ديمقراطية فاعلة تجعل من المواطن قائد ومنفذ لمنهج الإدارة التي ينتخبها على أساس تداول متعدد التطبيقات، من إدارة الأسرة إلى إدارة المجتمع، بذلك يمكننا إعادة بناء إنسان قوي يعكس قوته ووعيه السياسي والفكري ليكون جزء أساسي من المنظومة الدفاعية والأمنية التي تحمي المجتمع من موقعه (الخندق) الذي يجسد لع معنى المواطنة الكاملة التي لا تقهرها سلطة أو حكومة أو تتحرش فيها الأفكار المتحركة نحو أهداف خارج المصلحة الوطنية والأجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران