الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس لم يستوعبها الزعيم عبد الكريم قاسم خلال حكمه

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2017 / 6 / 29
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ثورة 14 تموز 1958 حدثت نتيجة التراكمات المظومية التي وقعت على أبناء الشعب العراقي في ظل العهد الملكي الذي كان يسوده النظام الإقطاعي من حيث ملكية الأرض وعلاقات الإنتاج, أما المدن العراقية فكان طابعها الغالب هو الإنتاج شبه الرأسمالي الغير مكتمل, إذ يندر أن تجد رأسمالياً لا يملك أراضي في الريف العراقي.
لهذا كان لا بد لثورة الرابع عشر من تموز 1958 كغيرها من الثورات أن تحدث تبدلات جذرية في قوام السلطة السياسية وفي كيان الدولة العراقية, وكذلك في مجمل نسيج العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وبين طبقات وفئات وشرائح المجتمع العراقي, وبين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج.
كانت هجرة الفلاحين من الأرياف إلى المدن في تزايد مستمر, وتشكلت في ضواحي المدن أحياء لهؤلاء الفقراء وهي عبارة عن زرائب لا ماء فيها ولا كهرباء ولا أية مستلزمات للصحة والخدمات, وتسودها الأمية والفقر والجهل, وخالية من رعاية الطفولة والأمومة ومعزولة عن المجتمع.
لقد أقصت الثورة النظام الملكي وحكومته ومؤسساته, لكنها تأخرت كثيراً عن تطهير أجهزة السلطة السابقة وبخاصة الأمنية ووزارة الداخلية ومؤسسات القمع والتجسس السابقة.
لكن الغالبية الساحقة من الصناعيين والإقطاعيين كانوا غير راضين عن الثورة, فضلاً عن إهمال الثورة من الاهتمام بتطوير وتنمية الصناعات الوطنية وخلق فروع صناعية جديدة, والاهتمام بأوضاع العمال ونقاباتهم وتخليصهم من جور أصحاب العمل وإلغاء القوانين المجحفة بحقهم وتقليص البطالة, إلا أن الثورة كانت تجابه مسألة التعامل مع الشركات الأجنبية التي كان عددها (255) شركة, كان على قيادة الثورة دراسة هذه الأوضاع بعناية انطلاقاً من مصالح الوطن الاقتصادية والأمنية والتجارية والتنموية.
بسبب الخلافات المستمرة بين الزعيم عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف منذ اليوم الأول للثورة, حيث تم تجريد عارف من كل المناصب وتعيينه سفيراً للعراق في بون, وقد تضافرت القوى المناهضة للثورة من إقطاعيين وشيوخ وملاكي وبيوتات متنفذة وكبار التجار وفلول أحزاب نوري السعيد وصالح جبر ونواب واعيان العهد البائد للوقوف مع عارف حيث تندمج مع مطامح حزب البعث الجامحة نحو الوحدة الفورية مع مصر وسوريا, ووجدت صداها الايجابي لدى العقيد عبد الوهاب الشواف والضباط القوميين في الموصل, الذين أعادوا تشكيلتهم بعد أن حلوها بعد ثورة 14 تموز 1958, وكان عبد الناصر في سوريا ينتظر المجد على حصان ابيض إلى العراق ليعلن الوحدة مع جمهوريته المزعومة.
بعد إحالة عارف إلى المحكمة العسكرية في 9 كانون الأول 1958 وبعد عودته من ألمانيا إلى العراق بدون موافقة السلطات العليا في الرابع من تشرين الثاني 1958. وقد استغل حزب البعث القوميون الناصريون وأنصار عارف الأوضاع المتوترة هذه وهددوا القوى السياسية الأخرى بالويل والثبور, رفعوا شعار الوحدة الفورية واعتبروا أيام قاسم والشيوعيين معدودة. وهذا هو الدرس الأول الذي لم يستوعبه الزعيم قاسم من عمر الجمهورية العراقية الوليدة.
وتفاقم الوضع السياسي بعد محاكمة عارف والحكم عليه بالإعدام واستقالة الوزراء القوميون واستقطاب الصراع السياسي وتحوله إلى تناحر سياسي وتهديدات واغتيالات, وحبك المؤامرات سراً وعلناً وبشتى الأساليب وصولاً إلى توصل فؤاد الركابي إلى تحويل حزب البعث من حزب سياسي إلى عصابات للقتل والاغتيالات وتدبير الانقلابات.
وتعززت مواقع البعث والقوميين والناصريين وشيوخ العشائر وأيتام العهد البائد وعناصره الفاسدة في أجهزة السلطة في بعض وحدات الجيش. وانقلب العقيد الغاضب عبد الوهاب الشواف رأساً على عقب عارفياً وحدوياً إسلامياً قومياً ناصرياً, كما عبرّ عنه الضابط المتقاعد محمود الدرّة مذيع بيان ثورته في الموصل (1).
ووصلت الأمور إلى انفجار الوضع في الموصل في السابع من آذار 1959 وما آلت إليه الأحداث الدامية وما بعدها أثر فشل ثورة الشواف تلك وما أعقبها من المد الثوري وهذا هو الدرس الثاني الذي لم يستوعبه الزعيم قاسم.
وبعد سبعة أشهر من فتنة الشواف كما يسميها الفقيد زكي خيري, نفذ فؤاد الركابي وحزبه خطة (الحل الأوحد) أي اغتيال عبد الكريم قاسم, ونفذت الخطة بذكاء في السابع من تشرين الأول 1959 وأصيب قاسم بجروح, وهذا هو الدرس الثالث الذي لم يستوعبه قاسم.
إنها دروس ثمينة وعظات كان يجب الإفادة منها وتحليلها واستخلاص الاستنتاجات الغنية منها وتوظيفها في العمل السياسي الواعي, وفضلاً عن ذلك فإنها دروس ليس للشيوعيين وحدهم بل للقوى السياسية العراقية كافة وأحزابها ومنظماتها وكذلك للزعيم عبد الكريم قاسم نفسه.
وإزاء هذا الوضع عصفت بالعراق أحداث خطيرة, ونشأ في البداية تمرد رشيد لولان في كردستان العراق بحركة ضد الجمهورية الوليدة وفشل وقمع بجهود الحزب الشيوعي العراقي, وهذا الدرس الرابع. واشتد الصراع بين الضباط الأحرار واستقطب لدرجة اعدم فيه ضباط كبار مثل الطبقجلي ورفعت الحاج سري وغيرهما وحكم على آخرين بالسجن لمدد مختلفة, بدل أن يستوعبهم الزعيم وهم رفاقه بالأمس.
وجاءت أحداث كركوك لتصب الزيت على النار, أعقبها خطاب عبد الكريم قاسم في كنيسة مار يوسف في 19 تموز 1959. وقد جابهت ثورة 1958 تحديات ومصاعب ومؤامرات داخلية وخارجية إقليمية ودولية, سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية ترمي إلى إنهاكها وإجهاضها ومن ثم الإجهاز عليها وتدميرها والغاية من كل ذلك لإعادة الحصان الجامح إلى حضيرته.
ولعل من أسوأ ما جابهت ثورة 14 تموز 1958 وما عاناه الشعب العراقي بعد الثورة هو الخلافات بين الضباط وصراعاتهم على المناصب السيادية, وقد ترك ذلك بصماته على مسيرة الثورة ومصائرها وصولاً إلى نحرها في شباط 1963, وهذا هو الدرس الرابع بعد فوات الأوان.


المصادر
1- رشيد رشدي. منعطفات خطيرة في تاريخ الشعب العراقي.. إطلالة تاريخية. تقديم د. نمير العاني. ط1. 2013. سانت بطرسبوج. ص167.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024