الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأنّه أبي-الفصل الثّالث-3-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 6 / 29
الادب والفن


أفتح عينيّي وكأنّني أرى لأوّل مرة هذا العالم. أنظر إلى السّماء لا تشبه تلك السّماء.
لا أتوقّف. أغتنم الفرصة كي أرى وأسمع، وأشاهد. أقرأ الرّوايات من ألسنة أصحابها. خصّصت بعض وقتي للجلوس مع هؤلاء الذين أراهم في الزّوايا الدّاكنة .
رأيت رجلاً مسنّاً. ألقيت عليه التّحية، وجلست قربه على الرّصيف. كنت أستمع له، وأسجل كتابه في ذاكرتي. أرغب أن أجعل مسرحي عالماً كاملاً .هل يمكنني من خلال المسرح إيصال جميع الرّسائل؟
تحدّث عن سيرته الذّاتية. لم يكن غريباً مثلنا، أمّه من الغرب، وأبوه أيضاً.
قال: لستُ كبيراً جداً كما أبدو. لا زلت في السّتين.. أخصّص ساعة في اليوم للاكتئاب كي لا يهاجمني فجأة . أجلس أحياناً على الرّصيف، وأحياناً أتسّوّل كي أجرّب ما يفكّر به المتسّول . أعمل في السينما. إنّني محظوظ لأنّني أقف أمام الكاميرا، وتضيء عليّ.
يا إلهي! ظننته متسّولاً.
مثّلت سيرتي الذّاتية في فيلم
أتدري كيف يرحل الألم من الناس؟
لا يستطيع النّاس تحمّل الألم فيزرعونه -دون أن يدروا- على خلايا جسدهم فيصبح فيها جزءاً من حياتهم ، وتستمر الحياة.
اعتقدت في فترة من حياتي في الميتم أنّني محظوظ، فقد تمّت رعايتي بشكل جيد. ثم أخرجتني أمّي عندما وجدت عملاً . بدأت أسألها عن أبي البيولوجي. هذه التّسميات حديثة، وغربية، ففي بلادكم تعرفون من هو أبوكم حتى لو تخلى عنكم، أو حتى لو لم تكونوا أبناءه الحقيقيين، فلن تبوح امرأة باسم رجل مارست معه الجنس، لذا لا يتحمل المرء ذلك العبء النفسي في البحث عن أبّ، ولا يعرف السر، ولن يعرفه.
-ما أدراك أنّني لست من هنا؟
-لغة جسدك. لا تنسى أنّني ممثّل.
اعتنت بي أمي، وأبي الغير بيولوجي، لكّنّني لم أنسّ أنّ لي أباً آخر ، وعندما كنت أكرّر السّؤال على أمّي قالت لي اسمه، ومن أيّ بلد هو. اعتقدت أن معرفتي لأبي الآخر سوف تغيّر حياتي. عرفت أنّه فرنسي يعيش في فرنسا. بحثت عدّة سنوات حتى وجدت اسمه ورقم منزله وبريده، وأرسلت له رسالة. تواصل معي على الفور. استمعت لما قاله عن نفسه. لم يذكرني ولا يعرف اسمي.
شعرت أن مهمّتي في الحياة انتهت، فقد كنت قد وصلت إلى الثلاثين من عمري، وأبى الألم الذي سكن في خلايا جسدي إلا أن ينقسم بسرعة فأصبت بالسرطان، ولم أمت.
لا أحد يعلم أنّني مريض سوى صديقة تعمل معي. كنت أتمنى لو تكون زوجتي، لكنّني خفت أن أترك ابني، ويبحث عنّي كما بحثت عن أبي. نسيت أن أسألك ما اسمك أيّها الشّاب؟
-اسمي غريب
-اسمي مايكل
في مثل هذا الوقت اعتدت أن أتغيّر. أجلس على الرّصيف أتأمّل الحياة، ومن ثمّ أذهب إلى الغابة. أخلع حذائي، أرقص أمام السّماء فيهطل المطر. يمكنك أن ترافقني لو أردت.
-تعال يا غريب نقطف الأزهار.
-امرأة تناديني
-ههه. هذا أنا! الشّخصيّة الأخرى.
-ظننتك لا تجيد إلا الألم.
إنّك ممثّل بارع. تستطيع تحويل الغابة إلى مكان يضجّ بالحياة، فقد تحدّثت مع سكان الغابة، ومارست طقوس العبادة البدائية، وقلّدت الكلاب والذّئاب. أنت جريء. أرغب أن أكون مثلك، لكنّني أخجل.
-إن كنت سوف تصبح ممثّلاً عليك أن لا تخجل، لكن ليس جميع النّاس ممثلين.
-بل أنا ممثّل . لي عدّة أدوار في المسرح، لكنّني خجول، ومكتئب قليلاً، لا أعرف إن كان الألم رحل إلى خلايا جسدي، ولا أعرف أيهما أفضل وجود أبي في حياتي، أم أن أكون مثلك أبحث عنه.
أعدت إليّ بعض الألم الذي اعتقدت أنّني نسيته، فقد كنت في العاشرة أنتظر قدوم أبي، ولم يأت بل أرسل رسالة لي يقول لي بأنّه يحبني، ولا يحبّ أمي لذا لن يأتي.
انتظرته عشر سنوات قبل أن يعلن انسحابه من الأبوة. كنت أحسد التلاميذ الذي يأتي آباءهم برفقتهم. هو لم يكن موجوداً في حياتي، كنت أشعر أنّه لا يحبّني لأنّني ابن أمّي، وعندما بشّرني بزواجه اعتقدت أن أصل الإنسان ثعلب.
-لا أرغب أن تتمّ روايتك يا فتى. لا طعم لها. على بعد أمتار توجد شجرة عتيقة ، تلتّف الأفاعي حولها. اذهب إليّها واصرخ بالأفاعي، وامسك أفعى من رقبتها واجلبها. سوف تصبح صديقتنا.
-آه. لا تخفني! أنا لم أر أفعى في حياتي سوى في الكتب والأفلام.
-هي مهنة جميلة أن تروّض الأفاعي. لديّ جرو، وأرغب في اقتناء أفعى.
أخي يملك ثلاثة أفاعي وكلبين هم عائلته. يمشي كأنّه ملك يحيط به الحرّاس
-هل بإمكاني شراء أفعى تعيش معي ولا تلدغني؟
-بالطّبع!
منذ زمن طويل لم أتمتّع بحديث. تمتّعت برفقتك يا فتى. أرغب أن أبقى وحدي. خذ هذا عنوان عملي. يمكنك أن تأتي، سوف أعرض عليك دوراً ثانوياً في فيلم .
-أنت شجاع. شجاع. طردتني، وتقبلت الموضوع. شكرا لك. أنت تقول ما تشعر به. سوف أتعلم منك.
اسمه مايكل، وله أب بيولوجي، وأب آخر
أعطاني درساً دون أن يقصد
لماذا قرأني بتلك السّهولة؟ هل أنا ساذج أو بسيط؟ سوف أسأله بعد أن تتوثق علاقتنا. تحدّثت عنه لصديقتي مّي. فتحدّثت لي عن أحد أفلامه. كل النّاس تعرف كلّ شيء إلا أنا لا أعرف شيئاً. قالت ميّ أنّ أمّها أخذتها لحضور الفيلم عندما كانت في العاشرة. أين كنت أنا في تلك الفترة التي حصل فيها النّاس على تجاربهم؟
فكرة الأفعى مثيرة، وقد أصبحت جزءاً من هذا المجتمع. عشت هنا منذ كنت في السّابعة. سوف أقتني أفعى. لم لا إن كانت تعوّض ما أفتقده؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج