الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقاد المؤسسة الرسمية يبتغون وجه السلطة ورضاها: الشاعر المصري مؤمن سمير: قصيدة النثر تتسع لتشمل كافة الفنون

مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)

2017 / 6 / 30
مقابلات و حوارات


نقاد المؤسسة الرسمية يبتغون وجه السلطة ورضاها: الشاعر المصري مؤمن سمير: قصيدة النثر تتسع لتشمل كافة الفنون

القاهرة ـ «القدس العربي» ـ محمد عبد الرحيم: منذ ديوانه الأول «بورتريه أخـــــير لكونشيرتو العتمة» عام 1998، وحتى ديـــــوانه «بــــلا خبز ولا نبيذ» الصادر منذ أسابيع، تبدو التجـــــربة مختلفة للشــــاعر المصـــري مؤمن سمير، في خضم التجــارب الكثيرة والمتباينة التي تكتب قصيدة النثر أو تدّعي كتابتها.
هناك إصرار من الشاعر على التجـــــديد ومحـــــاولة تجــــاوز المألوف في الكــــتابة، مـــا يجعل تجربته من التجارب اللافتة في القصيدة المصرية. إضافة إلى ذلك كتب سمير النقد وبعض القصص القصيرة والنصوص المسرحية، وكان لـ«القدس العربي» معه هذا الحوار:
■ هناك سمات غالبة على قصائدك كانعدام اليقين، والخسارات المتعددة، والسخرية من جدوى الحياة والأفكار الضخمة، ما تفسيرك لهذا الأمر؟
□ كل شاعر يكتب نفسه وحالته وقت الكتابة، ويحق للمتلقي أنْ يعتبر أنَّ قيمة ما، فنية أو جمالية هي سمة غالبة على إبداعه، إذا ما تكررت بشكل لافت من ديوان إلى آخر. وإذا ارتأيتَ أنت مثلاً أن هذه القيم تغلب على قصائدي فأنا مضطر للكلام حولها فقط، لأننا في حالة تحاور، لأن الأصل أن الأمر برمته متروكٌ للنقد. أنا بالفعل شخصٌ ولدت بلا يقين واحد، وعشت حياةً أجبرتني على الوقوف مباشرةً أمام اليقينيات، واختبارها مرةً بقسوة وثبات، ومراتٍ بضعفٍ وانسحاق، لأكتشف في كل مرّة أنها بعيدة عن جلدي ولحمي، بدرجة قربها وروعتها عند كل مَن مُنح نعمة الرضا، وبالإضافة لهذا كان يقيني الفني قريباً من هذا، فالتعبير الشعري عن حقائق ثابتة وعن مسلمات قد يخرج في ظني بالشعر إلى حقول أخرى، فالشاعر القانع المستسلم لعظمة الوجود، ولا يرى ولا يصطدم بتعقيدات الحياة وجوانبها المخفية المبهجة حيناً والمرعبة دائماً عن ماذا سيكتب؟ أما الخسارات فمتعددة الأشكال والألوان والسبل، فهي حالنا جميعاً وإن كان الإحساس بفداحتها يزيد عند كل من لا يملك وسائل للتواصل مع العالم إلا عن طريق الكتابة، فالشعر رغم ذاتيته إلا أنه موضوعي وعام دائماً، ولكن بوسائل تختلف في وضوحها وخفوتها تبعاً للمذاهب الفنية، لهذا فمن سيعبّر عن أفول نجم السرديات الكبرى وانكشاف وهم الأفكار الطوباوية للحياة والعالم إلا الشاعر المحلق خارج كل الأطر.
■ اعتمدَت قصيدة النثر المصرية في الأساس على المشهدية، لكنكَ تجاوزت ذلك، فما هو مفهومك لقصيدة النثر؟
□ أجمل ما في هذه السِكة في الكتابة أو قل هذه الطريقة في التعاطي مع العالم، هي قصيدة النثر، اتساعها ورحابتها وديناميتها واستيعابها الدائم والدائب لكل محاولات وتجارب وألعاب وهواجس الشاعر، بقدرتها نفسها على التعبير عن قضايا إنسانية جمعية، وعن أفكار وفلسفات وتواريخ. إنها قصيدة نسبية تنتمي للأرض لا للسماء، لا تملك كتباً مقدسة، بل ديدنها المرونة التي تتسع لكل ما كان يُظَن أنه لا ينتِج الشعر. قصيدة تنفتح على الفنون جميعاً لتنصهر التجربة بتجلياتها في نص واحد قابل للنقد وللنقض، ولا يعتبر أبداً نهاية القول. وبالنسبة للمشهدية فهي لم تكن سمةً غالبةً على الأداء والإنتاج المصري في قصيدة النثر فقط، ولكن في الأغلب الأعم من الشعريات العربية، ثم مع تراكم إنتاج كل شاعر يذهب إلى أنهار أخرى ليوسع دائرة بصره وبصيرته. لم تعد هذه القصيدة توسم بأنها قصيدة تفاصيل فقط، أو قصيدة اليومي والمعيش ونفي الأيديولوجيا، بل صارت هناك قصائد نثر بعدد مَن يكتب هذه القصيدة – إذا استبعدنا بالطبع الأدعياء ومن ينتج نصاً يحيا بالكامل على نصوص آخرين- إنها قصائد تقترح جمالياتها من داخلها وليس وفقاً لباترون أو لنموذج.
■ هناك إصرار منك على إدخال بعض المفردات العامية في القصيدة، دون انفصام لغوي، فهل هي سمة فنية عندك، أم قصد لخلخلة القداسة المزعومة للغة؟
□ أنا لا أقصد شيئاً لذاته قبل الكتابة، بل تقترح الكتابة ومنعرجاتها وتحولاتها، لغتها وماء الكتابة فيها، ولم أجد أبداً أي فرق في الدرجة والإمكانات والأهمية بين اللغة العربية الرسمية الفخمة واللغات واللهجات المحلية، بل واللغات الأجنبية كذلك، كلها تجارب وإبداعات بشرية للتعبير عن الذات وتحولاتها وللتعاطي مع أنماط ومناحي حياة كل جماعة بشرية وثقافتها في مرحلة معينة. كل ما يخدم بنيان ومعمار وبنية القصيدة وتفترضه الحالة الشعرية أستخدمه فوراً، لا قداسة عندي لأي قيمة ولأي بِنية، والحقيقة أنه لم تعد هذه القداسة موجودة فكل الثوابت يتم إعادة النظر فيها طول الوقت.
■ هل استطاعت قصيدة النثر المصرية تجاوز الموروث، بمعنى هل أحدثت قطيعة ضرورية حتى تتحقق بالفعل؟
□ لم يخل أي وقت منذ بداية القرن العشرين من أصوات تغرد خارج السرب، وترى القصيدة من منظور آخر يختلف عن التوجه العام، هذه الأصوات الرائدة نجحت في إحداث الصدمة ولم تخلق تياراً، وهو الأمر الذي بدأ يتحقق باطراد وببطء في الدول العربية وفي القلب منها مصر منذ منتصف القرن الماضي، إلى أن وصلنا للسبعينيات والثمانينيات وبدأت هذه القصيدة في الانتشار والذيوع، واستغرق الوصول لمرحلة التسيد والانتشار المهول الوقت منذ التسعينيات وحتى اليوم. ولكن مَن قال إن من شرائط قصيدة النثر المصرية ــ أو غيرها ــ إحداث قطيعة تامة وكاملة مع الموروث حتى تتحق؟ إن لها آليات مختلفة بالفعل عن سابقاتها وتَنْتُج من وعي مختلف ومتمايز عن التجارب الماضية، لكنها دائماً وأبداً تستفيد بحرية تامة من كل التجارب والشعريات السابقة وتحترمها وتتفاعل معها، بلا أي قواعد حاكمة تفرض وتُغَلِّب اتجاهاً ومنحى فنياً على الآخر، هذا هو سرها، فإذا كانت تتلاقح شعرياً مع كل التجارب الشعرية التي ينتجها العالم بلا أية شوفينية فنية، ومع الأفكار والفلسفات ومع التراث الشعبي والفنون كافة، ألا تلتفت وتحترم من دخل في تكوينها حتى إن تناقض مع قيمها وتوجهاتها؟
■ هل تحول النص الشعري إلى مقروء أكثر منه مسموعاً كما كان من قبل؟ وبدوره كيف يتصل الأمر بجماهيرية الشعر الآن؟
□ دائماً ما نقول على القصيد النثري إنه نص كتابي وليس شفاهياً، وبالطبع ليس المقصود القراءة والإلقاء، ولكن المعنى أن الوعي الذي ينتج هذا النص هو وعي مركب، مديني معقد ومكتنز يبتعد خطوات عن بساطة وسذاجة القيم الشفاهية الأولية البسيطة، التي قد ترفع من قداسة الموسيقى مثلاً وتأتي بأسباب وغايات عليا، رغم أن مناط الأمر يكمن في أن الموسيقى تُسهِّل الحفــــظ وتتيح الذيوع والانتشار! يمكن أن ينسحب الأمر على الشعر كله حالياً، فلا مجال كبــــيراً للسماع ــ رغم الموضات الشعرية التي تخلقها الميديا لأسباب ليست شعرية ــ فالقراءة أصبحت عادة مألوفة، سريعة ومتناسبة مع عصرها اللاهث، الدواوين الورقية أقل من دواوين بي دي إف في الانتشار، والقصائد المنتشرة هي قصائد وسائل التواصل وليست قصائد الدوريات الورقية، عاد الشعر بقوة كما عاد غيره، لأن الفكرة التي تُغَلب فنا على آخر هي مجرد ألعاب مسؤولة عنها أسواق النشر وآلياتها الرأسمالية.
■ كيف ترى المشهد الشعري المصري؟
□ يزعم كل جيل بالضرورة أنه ما جاء إلا استجابة لحاجة جمالية مُلِحَّة، قوامها أن الكثير من الشعريات السابقة عليه قد استنفدت طموحاتها، لهذا فالوقت حان لهدم القيم الفنية القديمة وإحلال الجديدة ــ التي تمثلها قصيدته بالذات ــ محلها، لكني لا أنتمي صراحةً لهذا التوجه في التفكير فلم أستطع أبداً أن أجمع بين ما تكتبه مجموعة شعراء، وأضعه في سلة واحدة حتى لو انتموا إلى جماعات شعرية زعمت أن لها توجهاً جمالياً ومنحى خاصاً في فهم العملية الإبداعية وفي الكتابة. الشعر عندي منذ البداية مشروع فردي والتمايزات بين مشروع وآخر هي مناط القوة وليس الضعف، وبهذا فالمشهد الشعري المصري ثري ومتعدد وزاخر بالمشاريع الشعرية الفارقة، سواء كان يكتبها كبار أو يبشر بها شباب متجاوز. ابتعد الأمر عن نقيصة (الوصفة المصرية في قصيدة النثر) إلى الشعر الناضج، الإنساني العام رغم خصوصية الحالة المصرية وهو أمر طبيعي، كل المدارس والاتجاهات موجودة وفاعلة وهو دليل صحة وتنوع.
■ وماذا عن الموقف النقدي وصراعات النقاد واعتقاداتهم، خاصة سدنة النقد في مصر؟
□ بعض كبار النقاد، خاصة الذين يملكون مناصبَ رسمية ورمزية تمنح وتمنع وتعطي صكوك شرعية وحياة أو تتغيى الوأد وإخراج المختلف من الجنة ــ يُحكمِّون ذائقتهم التي ابتعدت خطوات وخطوات عن التفاعل مع صيرورة الحياة، وصراعاتهم للأسف ليست علمية، وإنما على الكعكة الملقاة من السلطة، لكن هناك أجيالاً من شباب النقاد أكثر استيعاباً وتفاعلاً مع النظريات والفلسفات والأفكار الجديدة، وأكثر قرباً من النص الجديد وله محاولاتٍ وتجاربَ في اقتراح مداخل ومفاتيح لقراءة الأعمال أكثر استيعاباً وفاعلية. وكذلك هناك المبدعون والمثقفون بصفة عامة، وهم باعتبار أن فرصهم في التحصيل والتعاطي تحاكي فرص الأكاديميين، أصبحوا موجودين على الساحة وكل هذا يثري المشهد. هذا عن النقاد أما النقد ذاته ومدى نجاح نظرياته وعلومه في ملاحقة التيارات التي تظهر كل يوم ومدى وحجم إسهامنا في النظرية النقدية العالمية، فهذا سؤال كبير ومتشظ.
■ وبالتبعية ما دور الدعاية لهذا الشاعر أو ذاك، بمعنى فرضه على المشهد الشعري، والأمثلة كثيرة؟
□ الأمور في مصر ــ وأظنها كذلك في غيرها من الدول العربية ــ شخصية وليست موضوعية، فيستطيع الناقد الذي له حسابات ليست شعرية في الأساس مع هذا الشاعر مثلاً أن يقترح ديوانه ليفوز بجائزة من جوائز الدولة، أو يكتب عنه ويقدمه في الميديا، وتستطيع الميديا ذاتها عندما ترى في نموذج ما أنه قد يلبي مطالب جماهيرية معينة أن تفرضه وتصنع منه نجماً، كما الشاعر القريب من المؤسسة لأنها ترى فيه طموحاتها التي غالباً ما تتعالق مع الابتعاد خطوات عن التجريب وعن كل ما يقلق الثبات والأمان الذي تلتحف به المؤسسة ــ في ظنها ــ لتستمر وتعيش، هذا الشاعر سيتم اقتراحه في المؤتمرات الدولية والجوائز وترشيحه للدرس النقدي. فعندما تكون توجهات المؤسسة بعيدة عن الشفافية فمن الطبيعي أن تتفرع الأمور إلى أشكال وآليات للظلم والفساد وعدم الموضوعية، وفي النهاية كفى بالزمن فارزاً ومُرشِّحاً.
■ كيف ترى انصراف العديد من الشعراء إلى كتابة الرواية؟
□ لا أحكام مطلقة تصلح على الجميع، هناك من أدرك أن طاقة السرد التي كانت أحد روافد عمله الشعري هي الأساس ومناط التميز عنده فواجه نفسه وقصد حقيقته، وهناك من حاول أن ينظر للأمور من زاوية أخرى عله يجد إجابات لأسئلته الفنية في حقل آخر وتحت سماء أخرى، وهناك ثالث جرّب لأن هناك مناطق أو رؤى في داخله لا يناسبها إلا قالب الرواية، وهناك من يجري وراء الموضة الرائجة، حيث الرواية هي المتحققة على مضمار الجوائز ذات الأموال الطائلة. كلٌ له توجه وسبب وغاية، وأياً كان الأمر فالتخصص الأدبي موجود عندنا فقط، لأن غالبية الكتاب في الغرب تكتب بأشكال متعددة، حتى لو اشتهرت بشكل معين لا يحصرونها فيه دائماً وإلى الأبد مثلما نفعل نحن ذلك. وفي النهاية نحن دائماً في انتظار العمل الجيد، سواء كتبه شاعر أو روائي محترف، أو حتى من يجرب الكتابة للمرّة الأولى.
■ ماذا عن تجربة الكتابة للمسرح؟ وكيف ترى النصوص المسرحية اليوم؟
□ كتبتُ للمسرح لأعود للكتابة في فترة اهتزت عندي الرغبة في أن أعبر عن نفسي ككاتب، وكفرتُ فيها بالكتابة ومغزاها وجدواها وفكرت في الانتحار. عندما عدتُ كنتُ أقاوم الشعر وأهرب منه لأني كنت أدرك أنه شَركي وخطيئتي الأزلية. مسرحياتي كانت تجريبية وتعبر عن قلق وجودي حاد ورغبة في جمع كل أسئلة البشر في سلة واحدة. الحال نفسه مع ما كتبته من القصص القصيرة. أما النصوص المسرحية فهي حالياً في أزمة واضحة، حيث كنت أقرأ من سنوات مسرحيات من شتى المدارس والتوجهات في سلاسل كثيرة، خاصة بالمسرح في كافة الهيئات، وكانت المسرحيات تقدم في شتى الأماكن، لكن حالياً تقلصت السلاسل والعروض، رغم المؤتمرات والورش التي تلمس فيها جهوداً مخلصة، لكن يبدو أن التوجه العام لا يحتفي بالمسرح، مثلما لا يدعم إلا السينما التجارية والمسلسلات التي تقدم الواقع في صورته المخملية الناعمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن