الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التركيبات المعرفية في القرآن - مقدمة

تيسير الفارس العفيشات

2017 / 7 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لكي نموضع مسألة الأنقطاع التارخي في السياق الإسلامي داخل إطارها العام، ينبغي أن ننطلق من السياقات القرآنية التي اكتملت عن طريق تأسيس الحديث النبوي ، وتعاليم السلف ،والمفكرين المنخرطين في شرح وتفسير العقيدة الإيمانية الإسلامية، والتي لم تتعرض لأي دراسة نقدية لبيان هذه التداخلات الى الآن، لقد تميز التراث الإسلامي باستمرارية لغوية وثقافية تسترعي الأنتباه والاعجاب حقا، أقصد استمرارية تواصلية فيما يخص نقل النصوص المقدسة التأسيسة وتأويلها والعيش عليها، وهذه الاستمرارية كانت متواصلة حتى القرن الحادي عشر عى فيما يخص الأدبيات العقائدية المكتوبة كلها باللغة العربية عن أثر القرآن، ولكنه أصيب للأسف بانقطاع سلبي في االمجالات الفكرية والثقافية والسياسية التي انتشرت فيها كل المسائل المرتبطة بالاعتقاد، هذه المسائل التي لم يتم التفكير فيها أو على الأقل طمست داخل نطاق صمت مطبق، إن القطيعة الأكثر ضررا ليست فقط بالنسبة للفكر الديني، وإنما أيضا بالنسبة للتطور العام للمجتمعات المرتبطة بالظاهرة لإسلامية، بصفتها مرجعية إجبارية للقانون والسياسة والأخلاق والاجتماع، قد تمثلت بضرب الفلسفة، فقد رفضت الفلسفة ثم حذفت كليا وبشكل دائم بعد موت ابن رشد ، نقول ذلك ونحن نعلم أن ابن رشد كان قد خاض مناظرة فلسفية كبرى مع الغزالي بعد موت هذا الأخير بثمانين عاما، في كتابه تهافت التهافت ردا على تهافت الفلاسفة كتاب الغزالي الشهير، ولكن المناظرة بقيت ورقة ميتة في الناحية الإسلامية ولم تلق أي صدى يذكر، في حين أن الفلسفة الرشدية لقيت مرتعا خصبا في الجهة الأوروبية بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر، حيث تحول فكر ابن رشد الى تيار طويل عريض دعي بالفلسفة الرشدية اللاتينية، وهذه القطيعة السلبية أصابت بالتدريج كلا من الفكر اللاهوتي والتفسير والفقه وعلم التاريخ، بالاضافة الفكر السياسي. إن الجهود التي بذلها الباحثون والمثقفون الليبراليون كانت مشتته ومبعثرة أكثر من اللزوم وكانت خجولة واستسلمت في الغالب للمماحكة الجدالية والتبجيلية، وبالتالي كانت عاجزة عن احياء الفكر العربي الإسلامي أو تجديده بشكل جذري ودائم، ذلك لأن هذا الفكر قد ضعف كثيرا وفقد عصارته وروحه بسبب قرون وقرون من التكرار والاجترار المدرسي العقيم، وكان أن ساد هذا الفكر التسليمي التواكلي وتأبد ، لقد كانت هذه الجهود اليبرالية عاجزة عن مواجهة التحديات المتمثلة بضغط الثقافات الشفهية المهجورة، وكانت عاجزة كذلك عن مواجهة تحديات الحداثة القادمة الى العالم الإسلامي عن طريق النظام الكولوني المتعجرف، الذي أدى الى تفكيك التراثات المحلية.
ضمن هذه الظروف التاريخية تمت نشأة وتغذية مخيال من نوع خاص، إن أنظمة التركيبات المعرفية للعقل الديني من أنظمة لاهوتية وتفاسير وتواريخ، سوف تفكك وتتحول الى ورشة عمل، مثلها في ذلك مثل الأنظمة والاستراتيجيات المعرفية والمواقع الفكرية التي أنتجها العقل الحديث ودافع عنها، هذا هو المنظور الواسع والعريض الذي يجب أن ننطلق منه، إن الخيار الاستراتيجي هنا يتمثل في قلب الساحة الدينية بالصيغة الموجودة عليها حاليا، كما لاتزال الانظمة اللاهوتية الأصولية المتنافسة المستمرة في احتكارها حتى الآن ، كذلك، كما لا يزال المقاولون السياسيون مستمرين في استغلال المخيال الديني واستخداهه كأداة أو كقوة لاعقلانية من أجل استنهاض الجماهير وتعبأتها بطريقة خاطئة تماما .
هناك اعتراض ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار هنا، وهو ذو جوهر تبجيلي وايديولوجي وهو كذلك جدير بالتوقف عنده لأنه صادر عن تيار الحركيين المسلمين الذين يمثلون قاعدة اجتماعية كبيرة، وهذا التيار الحركي يدعو الى أسلمة الحداثة، والفكرة الأساسية هنا أن الإسلام ليس فقط نظاما من العقائد واللاعقائد الثابتة، المتلقاة المطبقة بشكل دوغمائي، وإنما هو ايضا مزود بكل المبادئ والمناهج والمجريات المنطقية الاستدلالية، وكل الأجهزة المفهومية للتفحص والضبط، وكلها أشياء تهدف الى تأسيس أو اعادة تأسيس صلاحية ومشروعية كل أنظمة الوجود البشري، إنها تؤصلها أو تعيد تأصيلها كلما كان ذلك ضروريا، ويرى أصحاب هذا التيار الحركي، أن مجمل هذه المجريات والمنهجيات كانت قد لخصت ونقلت حرفيا وبكل أمانة في التراث الاسلامي الحي، وبالتالي فهي لا تختزل الى أي نظام معرفي آخر سابق أو لاحق، ولا علاقة لها بأي معرفة خارج المعرفة التي يتضمنها هذا التراث الأمثل والأعلى، ولا يمكن للنظام المعرفي الاسلامي أن يتأثر بأي نظام معرفي آخر أو يسمح له بأن يحرفه عن وجهته السديدة بحسب رأيهم، ثم يقولون بأن كل الأنظمة المعرفية ونماذج العمل التاريخية المنتجة من قبل الحداثة الأوروبية من أجل خلع المشروعية على هيمنة الغرب على بقية العالم، تهدف الى تفكيك هذا التراث الاسلامي وازالته من الوجود فكرا وممارسة، وهي لا تزال تحاول تصفيته نهائيا على المدى البعيد أو القريب إذا أمكن، لا يوجود في هذه المحاجّة التي يتبعها الحركيون فقط مجرد منافسة محاكاتية مع الغرب من أجل السيطرة على الذروة المعرفية أو الهيبة الفكرية من أجل تشكيل نموذج مثالي أعلى للهيمنة، يكون منافسا للنموذج الغربي الذي يحاولون التحرر منه أو تحاشيه، وإنما يوجد فيها أيضا نوع من المطالبة بامتياز وجودي يزعمون أن الإسلام يمتلكه دون سائر الأديان أو سائر الأنظمة المعرفية الأخرى، وهذا الأمتياز الوجودي هو الذي يؤسس أو يؤصل الصلاحية الفكرية والعلمية والأخلاقية والسياسية والتشريعية لكل المنتجات التاريخية التي يرضى عنها الاسلام بالمعنى المثالي.
إن أتباع هذا التيار لا يكلفون أنفسهم عناء امتلاك الوسائل التي تمكنهم من رؤية الخلط الواضح وتحاشيه، أقصد الخلط بين نضال سياسي مشروع تاريخيا، أي النضال ضد وضعهم الحقيقي كمهيمن عليهم، وبين عملية خلع الصلاحية المعرفية على موقفهم الفكري، فهذه العملية ترتكز كليا على اعتقاد لم يتعرض حتى الأن لأي تفحص علمي أو فلسفي ويوجد هنا نموذج ممتاز لموضوع ابتدأ العلم الاجتماعي الجديد بالاهتمام به ودراسته في العالم الأوروبي، ولكنه متروك عرضة للصحافيين وتقاريرهم الوصفيه السطحية فيما يخص العالم الإسلامي، في الواقع إن مفهوم الامتياز الوجودي ليس حكرا على الاسلام وإنما هو موجود في كافة الأديان والطوائف الدينية، كما أنه موجود لدى الحركات الطوباوية كالاشتراكية العلمية والخلاص الشيوعي عن طريق البرولتاريا، نقول هذا الكلام مع الأخذ بعين الاعتبار لبعض التصحيحات والتعديلات التي تفرضها علمنة الفكر، فليس الأمر متطابقا تماما بين الطوائف الدينية، إن الإشارة الى الله أو ذكر إسمه باستمرار أو التعلق به بصفته ضمانا للامتياز الوجودي قد نزع في الواقع من السياقات المؤسساتية واللاهوتية والروحية التقليدية، لكي يعدل من أجل أن يتلاءم مع بنى المخيال الاجتماعي المشكل عن طريق الخلط المستمر ما بين العقلانية العلمية المرقعة من هنا وهناك، وبين اعتقاد متجذر في اعماق غائصة القرار لتدين يغلي غليانا مخيفا، أقصد التدين المتعدد الأشكال والمتوحش والفوضوي لأنه محروم من كل ذروة عليا للضبط والمراقبة، ينبغي أن ننظر الى كل ذلك بصفته معطى تاريخيا واجتماعيا ونفسيا لا يزال فجا أو خشنا، ونحن نصفه كذلك ضمن مقياس أن العلوم الاجتماعية لم تتوصل بعد الى استيعابه داخل استراتيجية صحيحة للفهم والدراسة أو داخل فضاء متين للإدراك والمعقولية، وهي لم تتوصل الى ذلك حتى الآن لأنها لا تزال سجينة التحديات والأطر المعرفية للاستشراق الكلاسيكي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح