الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعد الدولي في مجال مجابهة المغرب لجريمتي تبييض الأموال والأعمال الإرهابية.

محمد أوبالاك

2017 / 7 / 2
دراسات وابحاث قانونية


البعد الدولي في مجال مجابهة المغرب لجريمتي تبييض الأموال والأعمال الإرهابية.
محمد أوبالاك، محام وباحث في القانون الدولي الاقتصادي.
مقدمة:
لا يخلو أي نظام تشريعي وطني من مقتضيات قانونية تحارب جريمتي تبييض أو غسيل الأموال والأعمال الإرهابية، لما للأول كجريمة اقتصادية ، من وقع خطير على خلق اقتصاد موازي وهمي لا يعطي الصورة الحقيقية للأداء الاقتصادي الواقعي، وهو ما يساهم بشكل كبير في خلق تدفق مالي غير مراقب وغير متحكم فيه، ناتج عن جرائم الاتجار في المخدرات والتهريب والدعارة، ولما للثاني من مس عميق بثوابت الأمة الواحدة من خلال تهديد نظامها العام وأمنها وسلامة الأفراد الذين يعيشون فوق إقليمها، كون الأموال ترصد وتدخر وتمنح لعصابات وأفراد ديماغوجية القرارات ومتطرفة الفكر، همها الوحيد هو فرض الرأي بقوة السلاح، وتنفيذ جرائمها من قبيل التفجيرات الانتحارية بالأماكن الآهلة بالمدنيين العزل، وما يقع فوق الأراضي السورية والتفجيرات التي تعرضت لها فرنسا وبريطانيا مؤخرا إلا دليل قاطع على ذلك .
وإن تطرقنا لموضوع البعد الدولي في مجابهة المغرب لجريمتي تبييض الأموال والأعمال الإرهابية، سوف يجعلنا نناقش الموضوع من خلال مبحثين اثنين، نخصص فيه المبحث الأول: لبسط المؤثرات الدولية المتعلقة بمحاربة جريمتي غسيل الأموال والأعمال الإرهابية ، في حين سوف نجعل من المبحث الثاني: مجالا لاستعراض مدى تطبيق المغرب للتوصيات المتعلقة بمحاربة تبييض الأموال ومجابهة تمويل الأعمال الإرهابية.
المبحث الأول: المؤثرات الدولية المتعلقة بتنفيذ
المغرب لمقتضيات محاربة جريمتي غسيل
الأموال والأعمال الإرهابية:
نجد تأثير البعد الدولي في تجريم ظاهرتي مكافحة تبييض الأموال والأعمال الإرهابية، في ما قد نستقيه من توجيهات الوكالتين الدوليتين المتخصصتين "صندوق النقد الدولي و"البنك الدولي" اللتين استوحتا – ظاهريا - هذه التدابير من خلال توصيات المنظمة الدولية الأم "منظمة الأمم المتحدة"، تنفيذا للتوجيهات العامة المتعلقة بمكافحة جريمتي الإرهاب وتبييض الأموال ، وهي التدابير التنفيذية المنبثقة عن لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، المؤطرة بما نص عليه قرار مجلس الأمن 1307 لسنة 2001، الذي جاء على شكل دليل تقني متضمن لمقـدمة وثلاثة فصول رئيسية تتحدث عن تجريم تمويل الإرهاب وما يتصل به من غسل الأموال (الفقرة الأولى) وقمع التجنيد وتزويد الإرهابيين بالأسلحة (الفقرة الثانية)، وأخيرا تبادل المعلومات وعقد الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف (الفقرة الثالثة) .
وقد سعت الوكالتين الدوليتين المتخصصتين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من خلال خلق برنامج دولي للتصدي لظاهرتي غسيل الأموال أو تبييض الأموال ومجابهة تمويل الأعمال الإرهابية، إذ ربطت بين المفهومين ربطا شديدا حتى أصبح الشيء بالشيء يذكر، وهو ما عبر عنه ميشيل كوتوزيس (العضو بمرصد الجيوبولتيك المتعلق بالمخدرات)، وجون فرانسوا ثوني (القاضي الدولي والمستشار القانوني بصندوق النقد الدولي)، بكون تبييض الأموال، ليس مجرد فكر إجرامي عادي أو تقليدي، بل هو منظومة من الجرائم المتسلسلة والمترابطة التي تمس مالية واقتصاد دولة معينة، وللتبييض طرق استخدام قد تتحدى الخيــال (صناعة مفاتيح من ذهب أو استبدال شحنة كوكايين بصناديق فودكا أو بناء فندق في جزيرة نائية أو شراء أوراق يانصيب مربحة ...)، كما أنه غالبا ما تستثمر هذه الأموال للقيام بأعمال إجرامية على يد عصابات منظمة تستخدم الإرهاب كمنهاج لتسيير الأمور ، وهو ما يجعل الجريمتين لهما الوقع الخطير على اقتصاديات و سلامة استقرار الأنظمة والمؤسسات المالية للدول الأعضاء و على الأمن الداخـلي والدولي للدول الأعضاء ولباقي دول العالم، والتي منها المغرب الذي يعد مرتعا خصبا لهتين الظاهرتين، خاصة لظاهرة تبييض الأموال الناتجة عن الاتجار الدولي في المخدرات و التهريب، اللذين يشكلان الاقتصاد الموازي المنافس للاقتصاد الرسمي للبلاد، كما يعد المغرب كذلك، موطنا لوجود السلـفية الجـهادية وللمتطوعين في الحروب باسم الجهاد الديني .
وقد وفر صندوق النقد الدولي - مثلا - للدول التي تعاني من هتين المعضلتين، عدة آليات يتلخص مجملها في: التقييم والمساعدات الفنية وتطوير السياسات، وهي الآليات التي قد تساعد في محاولة التمكن من القيام بمهام التحكم في الأداء الاقتصادي ومراقبة سيـــــولة وتدفق الأمـوال والعملات بين الحدود الدولية .
المبحث الثاني: مجال تطبيق المغرب للتوصية الدولية المتعلقة بمحاربة تبييض الأموال ومجابهة تمويل الأعمال الإرهابية :
على غرار بعض النقط السوداء الاقتصادية العالمية، فإن المغرب يعاني من تدفق أموال غير شرعية تأتيه من مصادر مختلفة، كتهريب العملات الدولية وتزييفها والاتجار في المخدرات والبغاء والرقيق الأبيض وتهريب السلع من المناطق الحرة (مليلية وسبتة والجزر الجعفرية المحتلة من طرف الدولة الإسبانية، وكذا المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية المغربية)، زيادة على نهب المال العام، والاتجار في الأسلحة، والتهرب الضريبي، وهو ما وجد صدى واسعا خلال سنة 1995، التي نعتت بسنة التطهير عقب محادثات الشراكة الأورو- متوسطية، والتي تم من خلالها مساومة المغرب، من خلال إقران نجاح المغرب في الحصول على التسهيلات المالية، بموافقته على محاربة زراعة النباتات المخدرة في شمال المغرب، وهو ما طبقه المغرب واقعيا من خلال سنه لقانون 05/43 المتعلق بالمقتضيات الوقائية والزجرية لمحاربة جريمة غسيل الأموال .
ولعل الملامح الواضحة للتعاون الدولي بين المغرب والجهات الدولية المنكبة على مراقبة تدفق الأموال غير المشروعة، وكذا المناوراة غير القانونية في استعمال هذه الأموال في تمويل العصابات الإجرامية على الصعيد الدولي لأغراض دينية أو اقتصادية، هو صدور التقرير التقييم المشترك حول مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر خلال سنة 2007 تحت إشراف مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قصد تفعيل مقتضيات التوصيات التسع لسنة 2001 والتوصيات الأربعين لسنة 2003 .
بيد أن تاريخ إقران عملية غسيل الأموال بتمويل الأعمال الإرهابية، لم يكن وليد اللحظة، بل هو نابع من تجارب دولية نتجت عن رفع الأفغانيين ومن والاهم للواء الجهاد باسم الدين أحيانا، وباسم الجهاد لأغراض أخرى مبهمة ، إلا أن العملية تزامنت مع الهجومات المسلحة على الولايات المتحدة الأمريكية خلال تفجيرات نيويورك في الحادي عشر شتنبر من سنة 2001 وما لحقها من تدابير غزو العراق باسم مجابهة الأعمال الإرهابية، على الرغم من مبالغة الولايات المتحدة في ذلك، من باب تبرير السطو على الثروات النفطية للعراق والتي نتج عنها إلزام الولايات المتحدة الأمريكية لكل المؤسسات المالية ومنها صندوق النقد الدولي على سبيل المثال، لتمرير توجيهات صارمة لحث الدول الأعضاء ومن بينها المغرب مكافحة غسيل الأموال كونها تساهم في تمويل الأعمال الإرهابية ، وهو ما تم التنصيص عليه من خلال القانون الجنائي المغربي، وذلك بناء على تعديل صاروخي وسريع لبعض مواده تتماشى وسياسة التعليمات الخارجية المتدخلة في سياسـة وقانون داخلي يخص المغرب دون غيره، وهو في عمقه قانون احترازي أو استباقي قد يعاقب على مجرد المحاولة .
وقد تم تدويل تعليمات الإدارة الأمريكية بخصوص الجريمة الاقتصادية المتعلقة بتبييض الأموال والجريمة السياسية المتعلقة بالإرهاب الدولي، من خلال إقران المملكة المغربية للتوجيهات المتعلقة بإدخال مقتضيات مجابهة الأعمال الإرهابية داخل المدونة الجنائية المغربية تماشيا مع اعتداءات الدار البيضاء خلال سنة 2003، بتوجيهات إصلاح المؤسسة الدينية وجعل الدولة تراقب الشأن الديني وتسخر مواردها المالية والمذهبية في خلق مؤسسات تؤطر خطباء المساجد والمرشدين وتجعلهم يسيرون على المنهاج السياسي لشرعية الحكم بالمغرب، نبذا للفكر الديني الموازي الذي يحمل بذور التطرف وشق عصى الطاعــة، وهو ما ترجم - فعليا - من خلال خلق معهد بالرباط ، لتكوين المرشدين والمرشدات الدينيين الوافدين على هذه المؤسسة من داخل المغرب وخارجه، والتي تم تدشينها من طرف العاهل المغربي شخصيا، خلال أواخر شهر مارس من سنة 2015.
خاتمة:
ليس هناك خلاف حول وجود واقعي على الصعيد الدولي، لجرائم اقتصادية تتعلق بتبييض الأموال وجرائم سياسية تدخل في خانة أعمال إرهابية تنفذ لأغراض مختلفة، غالبا ما تغلف بغلاف ديني متطرف، تطبيقا لنظريات يتجاذبها اختصاص العلاقات الدولية، التي تسخر الإمكانيات الفلسفية والسياسية المتاحة، من أجل صناعة لعبة الفوضى الخلاقة داخل المجتمع الدولي، من أجل إعادة الأمن والنظام العام الدولي.
إلا أن الخلاف الطافي على الصعيدين النظري والعملي، غالبا ما يكون حول الأطراف المختلقة لهذه الجرائم تحت ذرائع مختلفة وبوسائل متعددة، حتى أن أصبح الأمر بمثابة "دم مهدور، متفرق بين القبائل"، فقد يعرف المقتول لكن الجريمة غالبا ما تلفق بمشتبه به ظاهري، من باب التستر على قاتل معلوم، حتى أضحت القوانين والمقتضيات الدولية المؤثرة في سن القوانين الوطنية، بمثابة حق أريد به باطل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء


.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل




.. فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة


.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا




.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة