الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبحث المثلية الجنسية: المثلية الجنسية بين الكراهية، والرؤية الدينية

أسامة سليم

2017 / 7 / 2
حقوق مثليي الجنس


مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتُها
معها، ولتشرينَ نواحُ
والبابُ تئنُّ مفاصلُهُ
شيءٌ بينهما.. يعرفُهُ
اثنانِ، أنا والمصباحُ[1]
تحفظ ذاكرتنا الشعرية، هذا البيت على أنّه أكثر الابيات إيروتيكية وجرأة لما تحتويه الصورة الشعرية من تغزّل فاضح وإباحيّ وتطرّق لمواضيع مازال يحرج كثيرا في مجتمنا على طرحها، فجرأة الشاعر السوري نزار القباني على التفنن في رسم المثليّة الجنسية ,,السحاق،، مثّلت نقلةً نوعيّة في الشعر العربي المعاصر حيث كان الحظ الأوفر من أبياته من نصيب الحب والمرأة نادرًا مانجد مثلها. وقد نَظمَ نزار القباني هذا البيت في هذا المدخل، اتكاءً على الموروث الشعري العربي منذ الجاهلية، الذي ينص على أن اليوم الماطر مناسب أكثر من غيره لممارسة الحبِ فالوقت ليل، بدليل وجود المصباح، وفي هذا الجو تتابع القصيدة “سرّاً” مشهد الحب بين المرأتين. لا أحد يعرف عن هذا اللقاء شيئاً سوى المصباح، وصوت راوي القصيدة[2]
أصبحت المثلية الجنسيّة، إشكاليّة أخلاقيّة وجندريّة مطروحة في هذه الآونة الأخيرة أكثر ممّا مضى، ولا يحيل لنا هذا بالضرورة أنّ المثليّة الجنسية قد أصبحت مشروعة في مجتمعنا التونسي، لكنهّا خرجت من طابوهاتها، لترى النور أخيرا، وأصبح تناول هذه المسألة ضرورة قبل كلّ شيء.
لقد ساهمت الثورة التونسية بصورة أو بأخرى أن نتحدّث عن المثلية وندافع عن حقوق المثليّن، بإعتبار تشبّعنا بمفاهيم حقوق الإنسان، والإختلاف، والحريّة. ولا شكّ أنّ مفاهيم حقوق الإنسان والإختلاف والحرية المسؤولة وسواها كان لها دور في تحويل الموضوع المسكوت عنه إلى الممكن طرقه لا سيّما في البلدان الغربيّة حيث تطرح بعض التشريعات إمكان المعاشرة القانونيّة بين المثلين وتذهب بعض التشريعات الأخرى إلى إمكان زواج المثليّن.
ورغم وجود الممارسة الجنسيّة المثليّة في بلداننا العربيّة الإسلاميّة فإنّ السّكوت هن هذه المسألة ما زال غالبا. فإذا عدنا إلى مايقوله القرآن والسنّة في المسألة وجدنا أنفسنا إزاء ضروب من الحيرة الفكريّة شتّى. [3]
قبل الشروع في التحليل، وجب علينا التوضيح أنّ عنوانه الفرعي يندرج ضمن مصطلحين متناقضين بالجوهر وبالعرض، فالأوّل هو مصطلح طبيّ/نفسي/جندري، يستند إلى العلم في تحقيق مشروعيتّه وإلى الأخلاق الإنسانية في إثبات وجوده، أمّا العنوان الثاني فهو ديني يتعارض مع المصطلح الأوّل ويجرّمه ويحرّمه، ممّا يجعل من إلتقائهما يُعدّ ضربّا من الجنون
ماهي المثليّة الجنسية؟
كانت ولا تزال رؤية المجتمع للمثلية الجنسية قائمة على التوجسّ والإستنكار وفنتيجةً للشدّة التباس هذا المفهوم في وعينا وفي المادّة الإعلاميّة العربيّة في مظاهر أخرى، ولحداثة بروز هذا المفهوم نسبيّا مقارنةً بالمفاهيم الجنسانية الأخرى، فهو تجديد لنتاج علمي وإنساني وموضوعي لمسميّات أخرى ذات خلفية إيروتيكيّة أو أخلاقية (كاللّواط والأبنة والسّحاق) أو حديثة ﻛ«الشّذوذ الجنسيّ
فالمثليّة قبل كل شيء، هي توجّه جنسي وانجذاب الفرد عاطفياً و جنسياً نحو أشخاصٍ من نفس الجنس (رجل ورجل أو امرأة وامرأة)، ويكمن ذلك دون وجود أيّ تضارب بيولوجي، ومع وعي ذاتي تامّ بإنتماء الفرد/الذات/الأخر بإنتمائها إلى جنسها البيولوجي دون أي ضرب من الإستيلاب، أو الحيرة الذاتية في نزعتها الجنسية، ومع تبلور الأخلاقيات الجنسية والسرديّات الإيروتيكيّة، أصبحت المفاهميم الجنسانيّة أكثر وضوحًا تدريجية، فبالعودة إلى كتابات رورت ستولر الأمريكي حول الجنس والجندر نجد حالات تختلف عن المثلية بمعناها المُحدّد. ونذكر من بينها بإختصار:
أولا الميل المغاير: وهذا توجه جنسي يشعر أصحابه بالإنجذاب الجنسي والعاطفي نحو أفراد من الجنس الآخر (رجل و امرأة).
ثانياً الميل الإزدواجي: وهذا توجه يشعر به الأشخاص بالإنجذاب الجنسي والعاطفي لأفراد من نفس الجنس ومن الجنس الآخر أيضاً (رجل وامرأة أو رجل والعكس)، وهذا حسب مدى ميل الشخص الازدواجي.
ثالثاً اللاجنسية أو عديم التوجه الجنسي: وهذا النوع من الأشخاص لا تثار لديه المشاعر الجنسية نحو أي جنس من الأجناس.
رابعاً المثلية الجنسية: وهو انجذاب الفرد عاطفياً و جنسياً نحو أشخاصٍ من نفس الجنس (رجل ورجل أو امرأة وامرأة) وهذا موضوع حديثنا والذي سأسرده بطريقة علمية عاقلة ومنطقية. [4]
لذلك، فنجد أنّ المثلية الجنسية ليست جنسًا ثالثا، وليست جنس بين بين ولا يمكن إعتبارها مرضا فمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدّة أزالت تصنيف المثلية الجنسية كإضطراب نفسي منذ سنة 1990 وذلك بعد تجارب وتحاليل علميّة محضة.
لقدّ مثّلت المجتمعات المحافظة والأبيسية* سجنًا إثنيّا وأخلاقيا لأي محاولة هدم للنمطيّة الجنسية، فقد كان ميل الرجل إلى الجنس الأخر معيارًا لتقيم الفحولة الجنسية ونجاعة التنشئة الإجتماعية وصلابة الشخصيّة في إستكمال بناء الرجولة وبلورة ملامحها، فالتنشئة بإعتبراها النواة الأولى سوسيوـثقافيا في التربية، تكمن مهمتها في تحويل الذكر إلى رجل يحوّل المرأة إلى موضوع رغبة جنسية بامتياز
لذلك، فقدّ مثّل إي إخلال بهذه الثنائية محاولة هدم وزعزعة لعادات إجتماعية. لكن من جهة أخرى تؤكّد الأستاذة والباحثة ألفة يوسف في مقدّمتها في القصل الثالث من كتابها حيرة مسلمة على أنّ النظام الإلاهي الجندري ينبنى على ثنائية صريحة ولا يقبل جنسًا ثالثا، مميّزة بين النظام الالاهي الجندري بما هو مقترن بثنائية (ذكر/أنثى)، وبين التميز البيولوجي الشائع الذي يعسر نفيه.
وحتى إذا عدنا إلى الإضطراب في النوع الذي تشير إليه باتلر فإننا لا نجد نظاماً جندريا ثلاثيا أو رباعيًا أو حتى خماسيّا بل إنّ كل تصوّر للفرد لجنسه لا يمكن أن يخرج في المنطلق عن الثّنائية البيولجية التي تم ذكرها سابقًا أنثى/ذكر، بإعتبارها يمكن الإندراج فيه أو الإختلاف عنه ولكن لا يمكن نفيه البتّة [5]
أسئلة حارقة: بين اللواط والأبنة والمثلية؟
بالرجوع للقاموس العربي، بالمأبون هو من يقحم إصبعه في شرجه، وهذا التعريف الوجيز، كفيلُّ بأنّ يبعد علينا أي خلطِ بين المأبون والمثلية.
اللواط أو السدومية، بما معناه إتيان الذكور، وهو اسم من فعل لاط يلوط لوَاطَة فهو لائط، ويقال كذلك لفاعله لاطئ ولوطي ومتلوط ولوّاط للمبالغة، وموقبِ، والسدومية إلى سدوم وعمورة. [6]
وبالرجوع إلى السرديّات الدينية، نجد أنّ قوم لوط، إغتصبوا الرجال مكرهين، ولم تكن علئقة قائمة وفق الرضا، بل إغتصاب، وقد إستبشع العرب حاضرًا وسابقًا اللواط، فالشارحون ينبذون اللواط لأنه يغيّر ويحوّله إلى موضوع لذّة الذكر، ومن ثمّة تتحوّل الرؤية النمطيّة الهمجيّة للمرأة بما هي آداة لصقل المواهب الجنسية، ومتعة وموضوع متعة لرجل، إلى ذكر أخر.
ومن هنا نجد مقولة الرّازي: الذكورة مظنّة الفعل والأنوثة مظنّة الإنفعال فإذا صار الذكر منفعلا والأنثى فاعلا كان ذلك على خلاف مقتضى الطبيعة وعلى عكس الحكمة الإلاهية [7]
أمّا عن المثلية، فهي علاقة جنسية تتسم بالإنجذاب لنفس الجنس عموما قائمة على الحب والرضا.
فتأكّد الباحثة والدكتورة نوال السعداوي أن الجنس عادة، بمثليّتها أو بمغايرتها. لا ترى نوال المثلية الجنسية كشيء محرّم فصرحت قائلة :”الجنس عادة وتعود والمثليّة لها أسبابها جزء منها وراثي بجانب التربية والخوف، والأمر يتطلب تحليله وإرجاعه لأسبابه الإجتماعية والبيولجية وليس وضعهم في السجون، لأن هذا ليس الحل، ولازم يكون فيه حريّة، فالمجتمع والدين لا دخل لهم بالجنس”، مستطرة: “لم نتربى على حرية الجنس، والعلاقات الجنسية شخصيّة”. [8]
ومن هنا، نجد أن المثليّة، ليست مرضا، ليست خللا، ليس عيبًا، وليس جُرما، هي ممارسة مثلها مثل غيرها.
1- القصيدة الشريرة لنزار قباني، يتحدّث فيها عن المثلية الجنسية ”السحاق“
2- نزار قباني كتب حكاية المثلية التي لا تحكى، مقال منشور برصيف 22 يتحدث فيه عن الأبيات الشعرية لنزار قباني
3- من مقدمة الفصل الثالث من كتاب حيرة مسلمة ص151 لألفة يوسف
4- · Stoller, Robert Sex and Gender: On the Development of Masculinity and Femininity, Science House, New York City (1968) 383 p.
5- سلامة، رجاء. بينيان الفحوالة صفحة 28.
6- قاموس مرعشي الطبي.
7- مفاتيح الغيب مجلّد 7 صفحة 176 8- نوال السعداوي والمثلية الجنسية
*- المجتمعات الأبيسية: Patriarcat الباتریاركا أو النظام الأبیسي، مرحلة تاریخیة في تطور المشاعة البدائیة، في مرحلة تفككھا، وقد نشأ النظام الأبیسي (الأبوي) بعد النظام الأمیسي (الأمومي)، وكانت السمة النوعیة الممیزة لھذا النظام ھو سیطرة الرجل في الاقتصاد وفي جمیع مناحي الحیاة في مجتمع العشیرة. نشأ النظام الأبیسي في الفترة التي أدى فیھا أول تقسیم اجتماعي للعمل على نطاق واسع – أي فصل الرعي عن الزراعة – إلى التطور السریع نسبیا للقوى الإنتاجیة والتبادل المنظم والملكیة الخاصة والعبودیة، ومع تطور الرعي والزراعة بدأ الناس تاریخیا في ممارسة ملكیة الماشیة والعبید. وفي ظل النظام الأبیسي حل الزواج الثنائي محل الزواج الجماعي، وصار الزوج یعترف بھ كأب للأطفال وتنتمي الزوجة والأطفال إلیھ بحق الملكیة. كانت العائلة الأبیسیة التي یصل عددھا إلى 100 شخص أو أكثر وحدة اقتصادیة فوق كل شيء، وقد أدى المزید من تطور القوى المنتجة والملكیة الخاصة والتبادل إلى انقسام العائلة الأبیسیة إلى عائلات صغیرة تقوم على الزواج الواحدي. إذن فالباتریاركا تنظیم أسري أو اجتماعي مبني على سلطة الأب، إنھ شكل من أشكال التنظیم الاجتماعي والقانوني یرتكز على امتلاك السلطة من طرف الأب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط