الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انظمة الحكم والسياسة الاقتصادية

صلاح الدين عثمان بيره بابي

2017 / 7 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كان هناك فريقين متعارضين للسياسة الاقتصادية الواجب اتباعها في العالم ،فهنالك انصار الحماية وانصار الاقتصاد الحر والحدود المفتوحة. لقد انقسمت البلدان النامية لسنين طويلة في تطبيقاتها بين تلك السياستين. فانصار سياسة الحماية طبقت بهذا القدر او ذاك في البلدان النامية التي وصلت قادتها الى الحكم بانقلابات عسكرية من قبل ظباط متاثرين بافكار سياسية قومية او وطنية ،او عن طريق حركات او ثورات مسلحة ترفع شعارات عامة مناهضة للاستعمار مستغلا فشل الانظمة الاستعمارية خلال فترة سيطرة نفوذها على بلدانهم في تحسين حياتهم الاقتصادية والاجتماعية،والاستتفادة من الحرب الباردة بين المعسكرين ،وكان نجاعة هذه الشعارات السبب الرئيسي للمد الجماهيري الكبير المؤيد للنظام الجديد،ولكن فقدان النظام الجديد لبرنامج سياسي واقتصادي ناضج ونابع من واقع بلدانهم وحاجاتهم الانية والمستقبلية ،وافتقار قادة الانظمة الجديدة الى الخبرة والحنكة والحكمة في الحكم والاستناد على الشرعية الثورية بدلا من الحكم المؤسساتي.حاولت التعويض عن ذلك بتقمص انظمة وتجارب خارجية هي ذاتها لم تثبت جدارتها ونجاحها ،بل كانت مستمرة في الامتحان العسير وتحديات الواقع المغاير للايدولوجية والفلسفة النظرية لانظمة حكمها،رغم مابذل من قبلها في الترويج لاحلام وردية ،زينت لها نظريات اخذت من التحليلات ومن الاقلام والورق ووسائل الاعلام ومن الاتباع والمريدين الكثير،بل احيطت بالعديد من التنظيمات والاجزاب الشكلية الدائرة في فلكها ،ونذكر منها النماذج الشمولية والتوليتتارية والنازية والفاشية،ونموذج الحزب القائد للدولة والمجتمع،حيث اثارت لنفسها عدا داخليا واقليميا ودوليا،المحصلة من هذه الانظمة سيطرة ان جاز القول مجموعة صغيرة حاكمة والاغلبية محكومة ،شريحة صغيرة نسبيا مترفة وعامة محرومة ومن ثم وجدت نفسها محاط بسياج شبه عازل عن العالم الخارجي.ان انظمة الحكم هذه تاخذ شرعيتها في كبت الراى العام الداخلي بمبررات التهديد والعدوان الخارجي او باهداف تتجاوز حدود الدولة ومصالح السكان الانية والمستقبلية،لذا فان هذه الانظمة ،تجد ضالتها في التسلح بكافة انواع الاسلحة الفتاكة ،التي تستنزف كافة الفوائض الاقتصادية والتراكمات الراسمالية المدنية. كان ذلك حال نماذج بعض منها بعيدة كانهيار الانظمة النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية و قريبة كانهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية التي كانت دائرة في فلكها،لكون الحكم كان واقفا بالضغط على بركان يغلي من تحته،نظام تعثر وفشل بعد سنين من الركض وراء الشعارات غير الواقعية ،وغدا الفقراء باقون في فقرهم ،وادعات النظام وتباهييه ليس في اسعاد الناس بل في مساوات الفقر .انهار النظام بسرعة خيالية لايضاهيها غير افلام الهوليود.لقد ثبت باليقين الواقع ان سقوط هذهالانظمة هي بسبب الجمود الايدولوجي ،والتعبئة على الشعارات والنصوص الايدولجوية المقدسة والثابتة ابد الدهر،واي انتقاد اومعارضة بمثابة كفر والاحاد يستحق العقاب، واعتبار النظام الموجود مثالي واية دعوة للاصلاح هو تامر وايذاء، يجب القيام بهجوم عنيف لكبحه وقطع انفاسه.هذه الانظمة كانت تقف على غليان مكبوت وجد منفذه في عهد كرباتشوف و يالتسن المخمور حتى هبت العاصفةوجرفت النظريات الورقية واصحابها وما بنوه من اوهام، بعد ذلك ساد اوربا النظام الاوحد الراسمالي،وبدا الانظمة الجديدة لاثبات براءتها من السابق و التطرف في اجراءات التحول الى النظام الجديد،فحدث ما حدث من اخطاء والتجاوز على المال العام تحت شعار السوق الحرة والخصخصة ،والتوجه الى الدعم الخارجي من الغرب مكافئة للحاق بهم عسكريا ،امنيا واقتصاديا،وكان الغرب اكثر كرما على غير المالوف لاعانتهم،رغم ذلك ،الطريق امامهم طويل ومشاكل الاقتصاد الكلي غير محسود عليها . اما فيما تخص الدول العربية المشرقية او المغربية منها فانقسمت بين نوعين :
النوع الاول شاء تاريخ تكوينها وجيوبوليتكها وانظمة الحكم فيها ان تدور في فلك الدول الغربية ،ففي المشرق انحصر ذلك بدول الخليج النفطية(اعضاء مجلس التعاون الخليجي)حيث الرفاه والاستقرار السياسي النسبي والاعتماد عوائد النفط (اقتصاد احادي الجانب او الريعي – mono cultural economy وعلى الدعم والحماية الغربية .
النوع الثاني من الانظمة فهي ملكية منذ تاسيسها انها تتسم ايضا بالاستقرار السياسي النسبي لحد الان رغم كونها غير نفطية وتعتمد اضافة الى مواردها الذاتية ،على الاعانات و القروض الغربية والمثل على ذلك الاردن والمملكة المغربية والعراق لغاية 14تموز1958.
اما النوع الثالث فتشمل اغلبية الدول العربية واكبرها مجتمعة من حيث المساحة والسكان، انظمة الحكم فيها جمهورية،تكونت تلك الانظمة بعد ثورات اوانقلابات عسكرية يستثنى منها بعض الشئ في البداية سوريا.وتعتمد موارد بعض من هذه الدول على النفط مثل العراق والجزائر وليبيا بالدرجة الاولى وسوريا واليمن ومصروتونس بدرجات اقل،اضافة الى دول عربية في افريقيا فقيرة كالصومال وموريتانيا وجيبوتي.ظهرت هذه الدول في ظل الثنائية القطبية التي كانت سائدة قبل وبعد الحرب العالمية الثانية ،جعلت اغلب دول النوع الثالث تتجه صوب شعارارات راديكالية يسارية تتجسد في معادات الاستعمار واسرائيل وتبنت بعض الاصلاحات السياسية والادارية في محاولة حسب ادعات تلك الفترة لتعزيز الاستقلال السياسي بالاسقلال الاقتصادي،وتبني الفكر الاشتراكي تيمنا بانظمة المعسكر الاشتراكي ولكسب دعمها مستفيدا من ظروف الحرب الباردة وسباق التسلح القائمة بينها وبين الغرب.
اخطاء هذه المرحلة لهذه المجموعة تتجسد في:
-التركيز على العلاقات الخارجية والاحتماء بمضلة القوى العظمى،وعربون ذلك اتخاذ موقف منحاز لصالح تلك القوى ، وربط علاقاته الاقتصادية بتلك الدول بالدرجة الاساسية واتخاذ وموقف غير ودي من القوي االغريمة لها.
-التجات هذه الانظمة الي بعض القرارات والاجراءات كمكاسب للمد الجماهيري ،واضفاء المصداقية على برامجها الاجتماعية والاقتصادية الاشتراكية ، فجاءت في قمة الاجراءات قوانين الاصلاح الزراعي ،والتاميم،وهيمنة القطاع العام ودعمه ،واضعاف القطاع الخاص،وتشكيل وزارات للتخطيط و للقطاعات الاقتصادية وللعمل واجهزة للاحصاء.كل ذلك اتت من باب التقليد اولا ومن باب زيادة سيطرة الدولة على الموارد وتخصيصها لصالح تقوية المكانة والنفوذ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للفئة الحاكمة واحزابها، فلا غرابة ان نجد الحكومة تتحول الى اكبر مصدر للوظائف في البلد وبالذات للخريجين،كما ان تبوأالمراكزفي الهيكل الاداري تخضع بالدرجة الاساسية لاعتبارات الولاء السياسي اكثر من الاعتبارات الفنية والمهارية،وبهذا خرج العمل الاداري من الاعتبارات المؤسساتية وطغت الاعتبارات الحزبية الى ادنى حلقة من حلقات التنظيم الاداري،وكان ذلك البدايات الصارخة للفساد وبروز ظاهرة البيروقراطيةالتجارية في الوظيفة العامة ،والتي استمرت حتى بعد التغيرات التي حدثت في العقد الاخير في المنطقة.
-اهمال العلاقات الداخلية:
الخطاء الاخر الكبير للقيادات الاعتماد على الشعارات في كسب وتعبئة الراي العامة من دون محتوى ملموس في التطبيق وهذه تجسدت في المواضيع التالية:
a. في موضوع الديمقراطية وفصل السلطات وتداولها رغم ترويج الاعلام الرسمي للحكم الديموقراطي وتضمين ذلك في البيانات الاولى الصادرة من الانظمة الجديدة ،الاانه في الواقع على الارض مغايير لذلك،فقد اعتمد على الدعاية لخلق كاريزما للرئيس وتنعيته بصفات لاتتوفر بعض منها في الانبياء او العلماء في مجال اختصاصاتهم،فتشكلت احزاب للنظام لتوفير القاعدة والغطاء السياسي والمبالغة والافراط في ايدولوجيتها السياسية ليكون بديلا عن كافة الاحزاب والايدولوجيات القائمة.كما عملت جميعها لترسيخ وتوسيع قاعدتها في الداخل باستغلال امكانات الدولة المادية والمالية والادارية ،واستغلت هذه ايضا لتوسيع قاعدتها الخارجية العربية والافريقية،ومارست هذا الاسلوب بالذات الدول النفطية منها.
b. الاحزاب:لقد تم تهميش الاحزاب غير الموالية للسلطة والتي كانت قائمة قبل مجئ الحكم الجديد ،وقد حل البعض منها نفسها تجنبا للملاحقة والاظطهاد ،وتحولت بعضها الى العمل السياسي السري او حتى للعمل المسلح المناؤي للنظام ، او التقرب من بعض الانظمة المناؤة للنظام القائم ،بالمقابل اعتمد النظام في املاء الحياة الحزبية اضافة الى الحزب القائد للحكم ،على احزاب تاسست بدعم ومباركة من السلطة ،،مستفيدين من طموحات بعض الشخصيات السياسية السابقة او بعض المغامرين في البروز والاستفادة من الفرصة التي توفرها السلطة لهم..الا ان وجود اغلبها كانت شكلية وتفتقد القاعدة الشعبية ويستفاد منها من قبل النظام اعلاميا للتباهي بوجود التعددية الحزبية.
C- بالنسبة للبرلمان والانتخابات رغم ووجودهما فقد كانتا شكليتين ايضا بسبب:
-حصر الترشيح على الموالين وحتى ضمن الاسماء الموالية فكانت عملية التزوير جارية لمصلحة الاسماء التي ترغب السلطة اختيارها للبرلمان القادم وان اللجان المشرفة بمافيهم القضاة كانت مهمتهم التغطية وتسهيل التزوير وليس العكس.
c. الاهداف القومية:التعبئة على اساس تفضيل الاهداف القومية على الاهداف الوطنية،لقد اقتبس ذلك من الامبراطوريات القديمة في التاريخ البعيد ومن الانظمة النازية والفاشية في التاريخ الحديث ومن انظمة الحرب الباردة بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية.نلاحظ ان جميع تلك الانظمة تشترك في اعطاء الاولوية في مواحهة العدو الخارجي في برامج وخطط تعبئته للموارد الماليةوالاقتصادية والبشرية،الدخول في سباق تسلح خاسر ومستنزف للموارد.وتضيق مجال وفسحة الديموقراطية كمنهج للحكم لصالح المنهج العسكري والبوليسي. وان المنهج البوليسي والعسكري استغلت لقمع واسكات المعارضة والراي الاخر ،اكثر في مواجهة الحهات الخارجية.
d. منظمات المجتمع المدني:تم التاكيد على ملئ الفراغ في هذا الجانب ايضا، بضمان الولاء والتاييد للنظام القائم من خلال تبوا المناصرين والموالين لزمام الامور فيها ،والاستفاد من الدعم الحكومي لها ،وعدم فسح المجال لبروز منظمات ونقابات مستقلة ،مخالفة بذلك ليس للعرف الديمقراطي،بل للقوانين والدساتير الصادرة من تلك الانظمةز
الخاتمة
مع انتهاء عقد الثمانينيات من القرن الماضي اختفت تقريبا الانظمة الايدولوجية المتمثلة بالافكار الاشتراكية التقليدية والقومية وان الصين نموذج جديد للتزاوج بين الاشتراكية في الحكم واقتصاد السوق.وتدهورت الاوضاع السياسية والاقتصادية لاغلب البلدان النامية،وفقد بعض المكاسب السياسية والاقتصادية السابقة التي حققتها في ثلاثة عقود بعد الاستقلال لتعود بشكل اعنف الى دائرة التبعية وبموقف ضعيف بسبب مشاكل العنف وعدم الاسقرار السياسي الداخلي والفساد بكافة اشكالها،وتدهور الاداء الاقتصادي والازمة المالية والمديونية الخانقة ،وتحول اغلبيتها الى دول وحكومات فاشله لعدم قدرتها توفير الخدمات الاساسية الداخلة في صلب واجباتها،.ان الدعم الخارجي من الجهات المستفيدة من هذه الانظمة الفاشله عبارة عن حبل نجات موقت لهذه الانظمة في التشبث للاستمرار في السلطة واهمال الراي العام الداخلي والتفرغ لخدمة مصالح الدول الداعمة لها،وتجنب اي اجراء اصلاحي اوالاهتمام بالراي العام ومصالحه. وان اية تكهن عما ستؤل اوضاع هذه الدول مسالة في غاية الصعوبة،والامر يعتمد على التغيرات في موازين القوى والعلاقات الدولية والداخلية لتلك البلدان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على