الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مدلول شفقة نيتشة

مروة التجاني

2017 / 7 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



- الواهب :


لم يكن يخفي النعم الكثيرة الممنوحه له ، فها هو يوزع الهبات أينما ذهب وحل في أرض جديدة ، كان الحظ حليفه ليسانده في اظهار كرمه كما يقول الكثيرين عنه ، فالدولة أو لنا أن نقول المنطقة التي يسكنها ملئى بالفقراء والمحتاجين ، صديقنا الواهب الذي تروي - كاتبة المقال - قصته مسلم كما تقول خانة الديانة الخاصة به ، وهو يطرز إسلامه ويحسنه يوم الجمعة على وجه الخصوص فها هو يقف منتصباً من الغبطة لكن تخفيها ملامح وجهه ليكتسي بدلاً عنها بالشفقة والمواساة أمام جمع من الرجال الآخرين يتقدمون الواحد تلو الآخر ليروي كل واحد منهم معاناته ويسرد تفاصيل حياته البائسة أمامه ، الواهب يكتفي بهز الرأس والتحسر على مصير كل رجل ثم يدعوا له بالفرج وتمتد يده حينها لمساعدة أيٍ من الرجال - لنقل المساكين - بمبلغ من المال ، وهنا يكافئه الرجال برد الدعاء له بالستر وراحة البال وتحقيق جميع امنياته ، يرد الواهب بإبتسامة رضى ليخلد في الليل إلى فراشه مرتاح الضمير سعيداً بإنجازاته وسمعته النظيفة أمام المجتمع الذي يدركه وعيه ..


ما يقدمه الواهب يشعره في حقيقة الأمر بالقوة فهو يعطي لأنه قوي ، القوة ، الشعور بالقوة ، إدراك القوة ، جميعها تتمثل في قطعة حلوى رخصية يمكن له أن يهبها لطفل ، ذات يوم رأى رجلاً بائساً مسكين ، مجرد رجل مسكين ، تقدم نحوه ببط وسأله عن حاله بلطف ليس كمن يريد بل كمن عزم على تقديم المساعدة ، لكن الرجل رفض قبول الهبة ومضى ، حين مضى كان الواهب يقف محطماً حيث هو كان قوياً ، تمزق بهذا الرفض وعاد في ليله منكسراً ، يقول في ذاته إنه شعر بالضعف والذل وماهيته للمرة الأولى في حياته ، منذ ذلك اليوم وهو يهب بكثرة وبقوة لكل من يصادفه لكن عقله وعيناه لازالتا تبحثان في أوجه المساكين عن صورة ذاك الرجل . حدث بعد أعوام من الشقاء تحطم فيها قلب الواهب تماماً أن قابل ذات الرجل ، كان الآخر بذات البؤس ، أمسك به وتسائل بهلع خفي عن سبب رفضه لقبول الهبة ، قال الرجل المسكين أن المعاناة هي الهبة التي منحتها له السماء فكيف ينكرها ، هكذا تحطمت القوة الزائفة و تجلت المعاناة القوية كما نريد لها أن تكون .


- الواهبة :

تدرك الواهبة هنا إنها وحيدة لذا هي تخرج لتهب في المسجد المجاور لها وتبحث في الأحياء عمن تهب لهم ، الكل يأخذ منها ويشعرون بالإمتنان كما يعبرون بالكلمات ، لكنها تعود لمنزلها بعد توزيع الهبات لتشعر بوجودها ، الوجود ، هي تهب لأنها موجودة ، ربط الهبة بالوجود ، الجيد في الأمر إنها تعي لماذا تهب وتشعر بقوة من يأخذ ، يقول سيدنا نيتشة أليس الأخذ قوة ؟؟ ، في طريقها للموت كانت بذات الوحدة ، لم يأتي أحد من المساكين الأقوياء لوداعها أو السؤال عن حالها ، فهم الأقوياء ، قوي ذاك الذي أخذ ، هاهاهاها ، يحق لكاتبة المقال أن تضحك من قوة الأخذ . الواهبة لم تكن وحيدة تماماً حيث شاركتها سيدة ما أيامها لأن الواهبة كانت تشكرها حين تأخذ منها ما تعطيه ، فضيلة أن يشكر من يهب لمن أخذ شيئاً .


- الواهبين كتمثل حديث في الجمعية :

سنحلل وجود الواهبين الجدد المتمثل في جمعيات فعل الخير كما ذكرنا في قضية الأنسان - الجمهور ، الدولة وزيادة أعداد السكان دفع بقيام منهجي لجمعيات الواهبين ، لكنها لا تهب دون تصوير معاناة الفرد وعرضها على شاشات التلفاز ، هنا ما هو مألوف ومعروف خاصة في الوطن العربي والإسلامي يتحول إلى مادة مشاهدة جميلة وتسلية للبعض ، من كثرة ما يقوم الأعلام بتصوير الألم مات الألم . لا نقول بعدم جدوى الجمعيات فهي تنقذ حياة ، لكنها لا تحل قضية فمواضع الألم كثيرة ومعها يكثر الواهبين بغض النظر عن المسببات العميقة لتجمعهم سواء شعور أفرادها بالقوة أو سعي البعض لتحقيق الوجود . لكن ما المقابل الموضوعي الذي يجب منحه للمساكين - لنقل هذا الأسم - أيجب أن يكون التعريف بالحقوق كحق الحياة والتعريف بالمواثيق الدولية ، أيجب أن تكون بجوار الهبة التعريف بمسالك خاطئة مثل ختان الإناث ؟؟ هنا لربما سيقبل المساكين بها لكن أعماقهم سترفضها أن قدمت بجوار الهبة لأنهم سيشعرون بالتهديد من هدم قناعات رفدتها عليهم الآلآف السنيين .. لا مخرج من الهبة أو الشفقة إلا بقلب قيمتها .

ـــــــــــــ
- النص مستوحى من ديوان نيتشة / أناشيد العقول الحرة .

- يقول زرادشت : أريد أن أهب وأن أوزع حتى يعود الحكماء من الناس سعداء بجنونهم ثانية ، والفقراء بثرائهم سعداء .

- الا يتوجب على الواهب أن يشكر من رغب أن يأخذ ؟ أليس العطاء حاجة ؟ أليس الأخذ شفقة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة