الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الحياة والموت في عقيدة الحياة المعاصرة / الجزء الاول

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2017 / 7 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميع الفعاليات والنشاطات الحيوية التي تحدث داخل جسم الكائن الحي انما تحدث بفعل أو تأثير الطاقة التي هي القوة الدافعة والمحركة لجسم الكائن الحي ، وهي الدليل على وجود الحياة في الجسم ، الحياة وفقا للتفسير العلمي هي ظاهرة طبيعية ناجمة عن قدرة خلايا جسم الكائن الحي على تحويل الطاقة الكيميائية الكامنة في الغذاء الى صورة اخرى من صور الطاقة ، حيث يتم حرق الغذاء بوجود الاوكسجين وانتاج السعرات الحرارية اللازمة لتشغيل اجهزة الجسم الحيوية ، اما الموت فهو عجز او فشل خلايا الجسم في انتاج الطاقة اللازمة لاغراض الفعاليات الحيوية ، الخلايا النباتية تقوم بصنع الغذاء بالاستفادة من ضوء الشمس ، اما الخلايا الحيوانية فهي تستفيد من الغذاء المصنوع في الحصول على الطاقة ، يتم استخلاص الطاقة ( الحرارية والكهربائية ) من خلال التفاعلات الكيميائية التي تجري على الغذاء داخل الخلايا بوجود الانزيمات كعوامل مساعدة وتحت سيطرة وتحكم العوامل الوراثية ( الجينات ) للكائن الحي ، وان توقف التفاعلات الكيميائية المنتجة للطاقة لأي سبب من الاسباب يؤدي الى توقف عمل اجهزة الجسم المختلفة وبالتالي موت الكائن الحي ، في الحقيقة ان مكونات الخلية معقدة جدا وطريقة عملها لغز كبير محير ... كيف تكونت الخلية الحية لأول مرة في الحياة ؟ لغز حير العلماء وما زال .. التفسير الديني غير وافي ولذلك نترك هذا اللغز للعلماء ونواصل السير في بحثنا ، الموت علميا على نوعين : سريري ودماغي ، الموت السريري لا يعتبر موت نهائي حيث يمكن الاستعانة بأجهزة التنفس والتغذية الاصطناعية لكي يبقى الدماغ على قيد الحياة وبذلك تتوفر فرصة العودة الى الحياة مرة اخرى ، اما الموت الدماغي فهو موت نهائي لا رجعة فيه الى الحياة ، خلاصة القول .. الحياة والموت ظاهرتين من ظواهر الطبيعة وهما في الحقيقة ظاهرة واحدة ولكن بصورتين مختلفتين مندمجتين مع بعضهما غير قابلتين للانفصال ، فلا وجود لحياة دائمة من غير موت ، ولا وجود لموت من غير وجود حياة ، ان حياة الانسان عبارة عن دورة تبدأ من البويضة الملقحة او المخصبة ذات القدرة على الانشطار والتعددية بفعل الطاقة الذاتية الكامنة ، ثم مرحلة النمو من خلال التغذية والتنفس فتحصل الخلايا على مصادر الطاقة للنمو والتكاثر والبناء ، كل كائن حي يقوم ببناء خلايا جديدة لغرض النمو وتجديد خلاياه القديمة باستمرار طالما كان على قيد الحياة من خلال عملية التمثيل الغذائي ( الايض او الاستقلاب ) ، اجسام الكائنات الحية بشكل عام مكونة من خليط من العناصر الكيميائية المختلفة وبنسب مختلفة ولكن بشكل أساسي من العناصر الاربعة ( الهيدروجين ، الاوكسجين ، الكاربون ، النيتروجين ) وهي لها دورة في الطبيعة حيث تنتقل ما بين أجسام الكائنات الحية وبين الطبيعة ، فالغذاء بصفته مادة عضوية قابلة للتحلل فان له دورة في الطبيعة ، كما ان الماء الموجود في اجسامنا ايضا له دورة في الطبيعة ، وان الموت يعتبر بداية عودة هذه المواد الى الطبيعة بعد ان يتم تحلل الجسم وتفسخه على شكل مركبات أو عناصر اما ان تكون صلبة فتبقى في التربة ، أو غازية فتنتشر في الجو ، ليعود انتقالها مرة أخرى الى جسم كائن حي آخر عن طريق الغذاء والماء والهواء ، ولكن أين كان الانسان قبل نقطة بدايته كبويضة ملقحة في رحم أمه .. هل كان في العدم أم في الوجود ؟ جوابنا هو ان الانسان عبارة عن مادة ومعنى ، جسم واسم ، بعد الموت يفنى الجسم ويبقى الاسم ، من حيث الوجود المعنوي للانسان كأسم وسيرة وقيمة فانه كان في العدم قبل وجوده المادي كبويضة ملقحة في رحم امه ، وحتى قبل ولادته وحمله الاسم ، ولكن هذا الوجود قد لا يتحول الى العدم بعد وفاته اذا كانت اعماله باقية في ذاكرة البشر فتبقى سيرته واسمه ما بقيت ذاكرة البشر ، اما من حيث الوجود المادي للانسان كجسم فهو لم يكن في العدم قبل صيرورته بويضة ملقحة في رحم امه ، ولن يذهب هذا الجسم الى العدم بعد الوفاة ، نعم يهلك ويفنى الجسم عند الوفاة ولكن المواد المكونة للجسم لن تذهب الى العدم لانها بالاصل لم تأتي من العدم اثناء رحلة تكونه في رحم امه وانما هي من الطبيعة ، هي مواد عامة موجودة في الغذاء والماء والهواء ومشاعة للجميع وليست مخصصة للبشر حسب اسمائهم ، الطبيعة هي مصدر المواد المكونة لاجسام كل الكائنات الحية منذ نقطة بداية الجسم كخلية منفردة تناسلية مخصبة ، والطبيعة ذاتها هي المآل الذي تؤول اليه خلايا الجسم بعد انتهاء حياة الكائن الحي ، مهما يطول العمر بالانسان فانه لابد ان يعيد الى الطبيعة ما أخذه منها من المواد اثناء حياته ، المادة لها دورة في الطبيعة ، كل ما في هذا الكون يتحرك بنظام الدورة ، وكل ما موجود في الكون يتحرك وفق مسار الانطلاق من البداية حيث الولادة ، والاختتام في النهاية حيث الموت ، حتى الكون ذاته له بداية وله نهاية ليعود بعدها مرة اخرى ببداية جديدة وهكذا ، الكون عبارة عن نظام مغلق ، لا وجود للحركة المستقيمة في الكون ، وان مسار حياة الانسان وكذلك حياة اي كائن حي لا يسير في خط مستقيم .. وانما في دورة من نقطة البداية (الخلية التناسلية المخصبة ) ...الى خط النهاية خط الموت والعودة الى الطبيعة ، فنحن من الطبيعة والى الطبيعة ، حياة الانسان تنتهي عندما يتوقف الجسم عن توليد الطاقة لاي سبب من الاسباب ، الاسباب التي تؤدي الى الموت اما ان تكون اسباب ذاتية تتعلق بجسم الانسان ذاته كأن يكون مصابا بمرض مميت او حصول خلل خطير في عمل أحد أجهزة الجسم ( الهضم ، التنفس ، الدم ، القلب ، الدماغ ، الاخراج ) او تكون اسباب الموت خارجية ناجمة عن التعرض لعملية قتل متعمد ( اغتيال ) او التعرض لحادث مميت بالصدفة ، ورب صدفة لناجي اوردته الهلاك ورب صدفة لهالك اوردته النجاة ، وهناك حالة خاصة وهي الموت انتحارا والاسباب تكون اما ذاتية تتعلق بالشخص ذاته او موضوعية تتعلق بالبيئة المحيطة ، الاسباب الذاتية قد تكون عقلية او نفسية ، بمعنى اما عدم سلامة القوى العقلية للشخص ، او تدهور حاد في الحالة النفسية للشخص نتيجة فشل او خسارة معينة والتي قد تدفعه الى مسلك الانتحار ، اما الاسباب الموضوعية فهي تتعلق بالظروف الاجتماعية المحيطة عندما تكون ذات حرمان شديد من الحاجات الانسانية الاساسية كالحاجات المادية او العاطفية او الانتهاك الشديد للكرامة الانسانية فتدفع الشخص الى الانتحار لوضع حد لعذاباته ، شيء مؤسف اقدام الانسان على الانتحار وخاصة عندما تتعلق الاسباب بالظروف الاجتماعية التي تقع مسؤوليتها على عاتق الدولة بالدرجة الاولى ومنظمات المجتمع المدني بالدرجة الثانية وهي مسؤولية انسانية واخلاقية .
الحياة بالنسبة لنا تمثل ميدان نشاط او ورشة عمل للتعبير فيه عن انسانيتنا ، شاءت الظروف وشاءت الصدفة ان يظهر الانسان الى الوجود وفقا لقوانين الطبيعة التي هي غيرعاقلة كأرقى الكائنات الحية على كوكب الارض ، منحته الطبيعة العقل والادراك والوعي ، الدماغ ارقى اشكال المادة الحية ، انبثق البشر الى الوجود دون ارادتهم ودون هدف من وجودهم .. ولكنهم استطاعوا ان يصنعوا لهم أهداف وغايات في الحياة بارادتهم وبعقولهم وآمالهم واحلامهم ، استطاع الانسان ان ينزل الى اعماق البحار ، وان يطير في الجو ويصعد الى الفضاء المحيط بالارض ، وان يصنع المستحيل من اجل الحياة ، الحياة هدف وغاية وليست عبث او سدى ، اما الموت فهو الوجه الاخر النقيض للحياة ، هو فقدان ورحيل الى الابد وخسارة لن تعوض ، هو تحول من جسم ذو اسم الى اسم بلا جسم ، الموت من الناحية الانسانية مبعث حزن وأسى لنا جميعا لانه يمثل رحيل انسان عن عالمنا الى الابد وبالتالي يشكل مصدر خوف ورهبة للنفس البشرية ، الانسان بالفطرة يحب الحياة ويخشى الموت وهذا شيء طبيعي ، وحتى الحيوانات وكذلك الحشرات تهرب من الخطر الذي يهدد حياتها ، ولكن المفروض بالانسان المدرك لحقيقة الموت ولقوانين الطبيعة ان يتصرف بشكل لائق وعقلاني امام ظاهرة الموت .. في مواجهة الحقائق يجب ان نكون واقعيين ونتصرف بعقلانية دون جزع أو خوف او رهبة ، ان حرصنا على الحياة يجب ان لا يدفعنا الى الجزع المذل عند الموت ، نقف بخشوع امامه ونتقبل الخسارة دون اهدار للكرامة الانسانية ، الموت مصير محتوم لكل انسان ولكل كائن حي ، ان هذا المصير يجب ان لا يجعلنا ننظر بتشاؤم الى قيمة الحياة وقيمة الانسان ، فالانسان يبقى عظيما في قيمته وفي مكانته في هذا الوجود كأرقى كائن حي نجم عن ظاهرة الحياة لما يمتلكه من مزايا الذكاء والادراك والوعي والتفكير والقدرة على الاستنتاج المنطقي ، وان هذه المزايا منحته مكانة رفيعة على سطح هذا الكوكب ، وبحكم هذه المكانة ترتبت حقوق اساسية لكل انسان في ان يحيا حياة آمنة وحرة وكريمة ، نحن نعتبرحياة الانسان قيمة مقدسة ، وهي حق من الحقوق الثابتة ، ونحن نؤمن بانه لا يجوز اصدار عقوبة الحرمان من حق الحياة ضد أي انسان مهما كان الذنب الذي اقترفه ، فهناك اجراءات عقابية أخرى يمكن اتخاذها بحقه مع ضرورة معالجة المخطيء ، كل انسان لديه فرصة واحدة فقط في الحياة ، فلا يجوز انتزاع هذه الفرصة منه كأسلوب للعقاب ، ولا يجوز جعله يحيا فرصته هذه في الحياة في شقاء وتعاسة وحرمان ، ونؤمن بحرية الانسان ، وحرية ارادته ، فالانسان هو الذي يصنع أفعاله ويصنع قدره ويصنع مستقبله ، وليس هناك ارادة عليا توجه الانسان وتسيره ، وليس هناك قضاء وقدر ، وليس هناك سجل مقرر مسبقا لاعمال الانسان ، كل فعل ناجم عن ارادة فاعله ، وكل فعل يؤدي الى وقوع حدث ، وكل حدث يكون بمسؤولية فاعله عندما يكون ناجما عن فعل فاعل ، هذه هي قوانين الطبيعة ، نحن لا نوعد الناس بجنة ولا نتوعد الناس بجهنم ولكننا نخاطب عقولهم وضمائرهم فنقول لهم ان العمل الصالح هو ثروة الانسان التي تبقى بعد موته ، فالانسان يموت واعمال الخير لن تموت ، الخير يبقى والشر يمضي ، وان مكسب الانسان هي في اعماله وانجازاته في خدمة البشر ، ففيها يكمن الشرف الحقيقي ، ان اعظم شيء يتركه الانسان عند موته هو تاريخه المشرف عندما يكرسه لخدمة البشرية لتبقى ذكراه حية في ذاكرة الناس وفي ضمائرها ، عندما يموت الانسان فانه يسلم كل ما لديه من ممتلكات مادية ، الاموال تذهب الى الورثة ومادة جسده تذهب الى الطبيعة ولن يبقى في ملكيته سوى اسمه وسيرة حياته ، واننا ندعو الانسان الى التبصر الى حقيقة وجوده .. وانه لا قيمة لوجوده في الحياة الا بسلوك طريق الحق والخير خدمة للانسانية .. اننا لن نحيا الا مرة واحدة فقط .. فليكن وجودنا في الحياة مصدر فخر لنا ولعوائلنا .. ومصدر فخر لابنائنا واحفادنا من بعدنا .. من خلال تمسكنا بمباديء وقيم الحق والعدل والخير .. فلا المال يدوم .. ولا السلطة تدوم .. ولا الصحة تدوم .. ولكن فقط اعمال الانسان تبقى بعد رحيله .. فاصنع ايها الانسان ما تشاء فانك تحت قيد حساب التاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو