الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيزوفرينيا المجتمع التركي

ماهر رزوق

2017 / 7 / 6
المجتمع المدني




بدأت القصة عندما تجرأت داعش أو ما يدعى بالدولة الاسلامية ... على الحدود التركية مع سوريا ، و أصبحت تثير قلق الحكومة التركية التي لم تتوانى عن ضربها و تأمين حدودها ...
أسفر عن ذلك العديد من القتلى و الجرحى في صفوف الجيش التركي ... و الخوف الدائم من العمليات الارهابية و الانتحارية التي تقوم بها داعش عادة ضد من يعاديها ...
أثار ذلك غضب الشارع التركي ، الذي شعر بأنه تورط في معركة مع خصم خطر و شرس ... معركة لا ناقة له فيها و لا جمل (على حد ظنه) ... و لم يجد الأتراك أحداً ليصبوا جام غضبهم عليه ، إلا السوريون الذين أتوا إلى تركيا طلباً للأمان من حربٍ أهليةٍ استنزفت أرواحاً و أرزاقاً و حيوات ...
فانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ، دعوات لتجنيد السوريين في الحرب ضد داعش ... بما معناه : تجنيد نفس السوريين _الذين هربوا من لحرب _ ليقاتلوا نفس الحرب !!
هذا الطلب و كما يبدو لأي عاقل ... هو طلب انفعالي و غير عقلاني أبداً ... و هو فقط ردة فعل عصبية لشعب لا يستطيع أن يجادل حكومته بغاية و جدوى افتعال حرب مع الجوار (على حد زعمه) !!

تجدد الأمر في قصة أخرى لشاب سوري كان يتصل بأرقام عشوائية لفتيات تركيات و يحاول أن يغازلهم ... و هو أمر يحدث في مجتمعاتنا كثيراً و في المجتمع التركي أيضاً !!
أي أنه ليس أمراً غريباً على المجتمع التركي الذي يشترك مع مجتمعاتنا بكثير من القواسم و العادات و المشاكل الاجتماعية !!
و رغم ذلك ، كانت ردة فعل الأتراك عنيفة جداً على هذا الأمر ... و بدى لمن لا يعرف الشارع التركي ... أن هذه الظاهرة جديدة و لا تحدث أبداً في تركيا ... و أن السوريون جلبوا عاداتهم السيئة معهم إلى بلاد اللجوء !!

ثم تجدد الأمر مرة أخرى ، بل و تضخم أيضاً ، في قصة الشباب السوريين الذين كانوا يأخذون صوراً لفتيات تركيات على أحد الشواطئ (حسب زعم الأتراك طبعاً) ... و هنا هبّ الأتراك لحماية الشرف و العرض ... و فرّغوا غضبهم القديم نفسه على هؤلاء الشبان الطائشين ... و دعوا هذه المرة ، في مواقع التواصل الاجتماعي ، إلى اخراج السوريين من بلادهم !!

مشكلتي الأساسية مع المجتمع التركي ، ليس رفضه لوجود السوريين أو ردود أفعاله تجاه أفعالهم ... بل هي حالة الفصام التي يعيشها هذا المجتمع و عدم قدرته على طرح هوية محددة و طباع محددة ، تساعد المجتمعات الأخرى على فهمه و التعامل معه ...
فهو ليس مجتمعاً متديناً منغلقاً ... و لا مجتمعاً ليبرالياً علمانياً !!
فبعد الصفعة القوية التي وجهها أتاتورك للأديان في تركيا ... و محاولته فرض العلمانية عليهم بالقوة ، بغاية إقحام هذا المجتمع في دورة الحداثة و اللحاق بالركب الأوروبي ... أصيب المجتمع التركي بحالة فصام عصيّة على الشرح حقيقة ... !!
فالمجتمع لم ينقسم لمتدين و علماني ليبرالي ... بل إن كل فرد من هذا المجتمع أصبح يعاني من شيزوفرنيا من نوع خاص ... فكل فرد يتمنى بداخله أن يعيش حالة العلمانية و الحرية التي يعيشها المجتمع الأوروبي ... و لكنه أيضاً يعاني عقدة الذنب تجاه تراثه العثماني الاسلامي ، ذلك التراث الذي ضمن له الهيبة و المكانة في العالم ، في وقت سابق ...!!

المشاكل التي تحدث بين السوريين و الأتراك ، هي مشاكل عادية تحدث في كل مجتمعات العالم الثالث (ومنهم المجتمع التركي طبعاً) ... لكنها تضخمت و أخذت حيزاً اعلامياً كبيراً ، مستغلةً الفصام الاجتماعي الواقع ، بهدف تحقيق أهداف سياسية معينة ...
فالسوريون إلى اليوم لم يحدثوا أي ضرر بالاقتصاد أو البنية التحتية التركية ... بالعكس تماماً ... دعموا الاقتصاد بمشاريع كثيرة قاموا بها في تركيا ... و المجتمع السوري بطبيعته ، مجتمع أقرب لكونه مجتمعاً محافظاً و متديناً ... و هذه المحاولات السخيفة لاتهام السوريين بأعمال غير أخلاقية ... هي محاولات مكشوفة و لن تجدي نفعاً على المستويات الكبرى ...


MAHER RAZOUK








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية: العالم على حافة الهاوية


.. برنامج الأغذية العالمي يحذر: غزة ستتجاوز عتبات المجاعة الثلا




.. القسام تنشر فيديو أسير إسرائيلي يندد بتعامل نتنياهو مع ملف ا


.. احتجاجات واعتقالات في جامعات أمريكية على خلفية احتجاجات طلاب




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - ألمانيا تعلن استئناف التعاون مع