الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القهوة.. مشروب له تاريخ؟!!!

منير ابراهيم تايه

2017 / 7 / 6
الادب والفن


القهوة.. مشروب له تاريخ؟!!
كلنا يبدأ صباحه بفنجان قهوة، انها حضن اليوم لمحبيها، ذلك المشروب الذي وقع في حبه الكثيرون، وكتبوا في حبه شعرا ونثرا، يقول "محمود درويش" عن القهوة " هذا الصمت الصباحي الباكر المتأني"، لهذا المشروب تاريخا عريقا وطقوسا لا تزال قائمة الى يومنا هذا.. هذا المشروب الذي مهد الطريق أمام الحياة المعاصرة كما نعرفها، لعب ويلعب دورا محوريا في الحياة الاجتماعية في اغلب المجتمعات وخاصة العربية، اسهمت في بلورة منظومة السلوكيات العربية باعتبارها رمزا لهذه المنظومة، ففنجان القهوة يكون سببا في صفح او عقد صلح او تجاوز عن خصومة وفض نزاع، وتجاوز عن ثأر وتنازل عن حقوق وخطبة امرأة، فهي من اكثر العناصر التراثية تغلغلا في المجتمع، القهوة وسيلة اجتماعية ورمز هام في تعزيز قيم الكرم والضيافة و الاحترام و تقدير الضيوف ، وبما انها كانت من التقاليد ، تقدم هي الاولى للضيوف ، فهي عنوان للضيافة، يتميز بها العربي في غناه وفقره، افراحه واتراحه، تقديمها للزائر اشارة تكريم، تحظى بالاحترام عند معدها وشاربها، لها دور هام في قيم التواصل الاجتماعي، نتج عنها منظومة سلوكيات لغوية تؤشر للدلالات التي ترافق عملية وطرق تقديمها للاخر، في مختلف المناسبات التي دخلت مألوفات الحياة الاجتماعية...
اشتهر عند الناس قولهم "السادة للسادة" وهذا من الجناس العفوي التام الذي زاد الجملة بهاءا ورونقا، ومنحها بعدا تركيبيا غاية في الإبداع والتكثيف، وعلى رأي البلاغيين العرب، فإن العبارة من إيجاز القصر..
إنها "القهوة" التي لا تكمن أهميتُها بمذاقها الطيب فقط، بل وبتاريخها العريق أيضا، ما جعلها تحظى بمكانة لم يحظَ بها أيّ مشروب آخر، تختلف طرق اعدادها، فلكل منا قهوته، ولكل منا طقوسه الخاصة في شربها والاستمتاع بنكهتها، ولن أتجاوز الحقيقة إذا ما قلت ان القهوة لها ارتباط بنفسية شاربها وشخصيته.. على الرغم من مرارة طعمها الا انها متعة، انها الوحيدة التي تمكنت من لمّ شمل المختلفين، لا شيء يوحد الكتاب والشعراء إلا القهوة، فهي صديقة الادب والادباء، رافقت وترافق ولادة أروع النصوص الأدبية في كل انحاء العالم، ذلك أن القهوة مرتبطة بالمثقفين أكثر من أي مشروب آخر، انها مشروب الجمال الأدبي والذوق الفني.. فقبل القهوة لا أدري كيف كانت تولد الحكايات والقصائد وبأيّ نكهة، رائحتها أجمل العطور وأكثرها إنعاشا لعشاقها، جعلت مخيلات المبدعين تنتج اجمل النصوص وابدعها.. ففي الأدب نكتشف أن بعض الروائح تتكرّر في كثير من الروايات والقصائد الشعرية، وتبدو القهوة أكثر الروائح حضورا في الشعر والرواية، يمجّد الطاهر بن جلون في رواية "تلك العتمة الباهرة" رائحة القهوة لأنها تثير شجن البطل حين يقول: "آه من رائحة القهوة الصباحية والخبز المحمص".. ويتحدث محمود درويش عن معشوقته الأشهر، القهوة، وعن طريقته أو طقوسه أمامها "أُريد رائحة القهوة. لا أريد غير رائحة القهوة. ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة، رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدميّ، لأتحول من زاحف إلى كائن، لأوقف حصتي من هذا الفجر على قدميه. لنمضي معا، أنا وهذا النهار ، إلى الشارع بحثا عن مكان آخر...
يمكن القول: إن الكتابة الجيدة تتميّز بحضور بارز للحواس، وفي الأدب بالتوازي مع المشهدية البصرية هناك المخيلة الشمية التي تستولي على مشاعر المتلقي، ويكون لها تفاعُلات مؤثرة على استقبال النص.

التاريخ الحقيقي للقهوة
مشروب عالمي بامتياز .. ارتشفها وانت تتجاذب الحديث مع من تحب.. فنحن نشاطر الآخرين الذين نكاد لا نعرفهم السوائل الباردة لأنها جاهزة ولا تتطلب وقتا لتحضيرها، في حين نشاطر السوائل الساخنة الناس ذوي العلاقة الودية الأقوى بنا، لأنها تحتاج إلى زمنا أكبر لتحضيرها، أحببنا القهوة، لأنها ذات دلالات اجتماعية ونفسية غاية في العمق، فهي ليست مجرد مشروب يمضي سريعا ويذهب مفعوله، بل إحساس وشعور طافح بالمودة والحب..
ربما لا يعلم الكثيرون منا وهم يبدأون يومهم باحتساء كوب من القهوة أن هناك تاريخا حافلا خلف اكتشاف هذا المشروب الذي أصبح من الأمور الاساسية في حياة كل منا، ذلك ان الباحث في تاريخ القهوة سيجد الكثير من القصص حول أول من احتسى القهوة في حين يعتقد البعض أن القهوة أكلت أولا، إذ تروي الحكايات أن راعي أغنام عربيا، لاحظ أن أغنامه قد أصابتها حالة من النشاط بعد آكلها حبوب نبات معين، ولاكتشاف ماهية المادة التي أنعشت قطيعه قام بغلي هذه الحبوب وفي رواية أخرى أكلها كما هي ولاحظ التأثير المنشط لها. كما ان القصص حول البلد الذي اكتشفت فيه القهوة تختلف، فبعضها يقول اليمن والبعض الآخر يقول إثيوبيا وغيرهم يقولون تركيا. وفي معرض يعنى بإنجازات وتاريخ العرب أقيم في مدينة مانشستر تحت عنوان "ألف اختراع واختراع" تعرف الزوار على قصة القهوة وتاريخها من خلال مخطوطات ورسومات لأول المقاهي وللقوافل التي تحمل الحبوب والتي تعود لأصول عربية. لكن الشائع أن المتصوفة هم أول من لفت الأنظار إلى القهوة..
يقال إن أول من عرف تأثير القهوة على نشاط الإنسان هم أهل الحبشة، أما في اليمن جنوب شبه الجزيرة العربية فقد ثبت أن القهوة استخدمت كمشروب في الأديرة الصوفية في القرن الخامس عشر، وظل الامر كذلك حتى اواسط القرن التاسع الهجري، اذ ظهر شراب المنقوع في اليمن على يد شيخ الامام جمال الدين الذبحاني، اما كيف كان ذلك فيرويه فيرويه الفقيه الشيخ عبدالقادر بن محمد الانصاري الحنبلي في كتابه "عمدة الصفوة في حل القهوة" حيث يقول " كان الشيخ الذبحاني يتولى رئاسة الإفتاء في عدن، تعرض عليه الفتاوى التي تتعرض للنوازل يجيز ما يراه، وينقض أو يصحح ما يحتاج إلى تصحيح. وكان أيام عمله ذاك على علاقة بالحبشة، وربما أنه تعاطى التجارة مع تجار الحبشة. لذا نجده يسافر إلى هناك، وتعرف على مشروب القهوة، وارتاحت لها نفسه. وبعد عودته أصيب بمرض جعله يتذكر مشروب القهوة، فأرسل من جلبها له. فطفق يصنعها كما كان يصنعها الأحباش، وسقاها لخاصته وأهل بيته وعرفوا مقدار أثرها على الجسم الواهن والذهن المكدود".. لذلك أطلق عليها خمر الصالحين، فكانت تشرب من قبل المتصوفين للدراسة و السهر ليلا لكن بعض رجال الدين كانوا قد عارضوا فكرة تناولها و أطلقوا فتوى بتحريمها و قالوا أنها تسبب العلل في الأجسام و العقول و إنقسم الناس بسببها إلى قسمين و كانت هذه المعارضه في اليمن و مكة المكرمة و طال هذا النزاع طويلا ... فقد بدأ الخلاف الفقهي، في واقعة شهيرة سُمّيت "واقعة مكة" سنة (911هـ/ 1511م)، حيث ضبط ناظرُ الحسبة آنذاك مجموعة من الناس وهم يتداولون شرب القهوة خلال احتفالهم بالمولد النبوي قريبا من الحرم، وعندما استفسر عن ماهية هذا المشروب أخبروه أنه يُسمى "القهوة" ويُطبخ من حبوب تأتي من اليمن يقال لها البُنّ، وعلى فوره، أبدى الناظر قلقه وارتيابه من هذا المشروب الجديد، وبذلك يتضح أن القهوة في ذاتها لم تكن مشروبا محرما...
عن اليمنيين اخذ العرب القهوة ومنهم نقلها الاتراك واشاعوها في اوروبا وتشير دائرة المعارف الاسلامية ان انتشار القهوة في استانبول كان في عهد السلطان سليمان القانوني، وعن الاتراك اخذت اوروبا القهوة حين أرسلت الدولة العثمانية سفيرها "سليمان آغا" إلى فرنسا في العام 1669حمل معه كميات كبيرة من القهوة، وكان يصنعها لزواره في بيته في باريس كل يوم في جو شرقي غائر في العذوبة والشجن، فبدأت القهوة في الانتشار هناك، وكان المثقفون والفنانون يفدون عليه ليتذوقوا ذلك المشروب العجيب، وليبحروا في عوالم الثقافة، فصار بيته أشبه ببلاط ملكي ولكن للآداب والفنون. وبعد أن أصبحت القهوة شرابا شهيرا في حياة الفرنسيين.
ولا عجب بعد هذا التاريخ الحافل أن تصبح القهوة من أثمن السلع في العالم بعد البترول، لأن محبي القهوة لا يرضون عنها بديلا فهي أصبحت تحتل مكانها الثابت في النشاط اليومي لكل منهم.
فنجان القهوة، مثله مثل أشياء كثيرة معتادة في حياتنا اليومية، نأخذه كأمر مسلم به، ولكن هل نتصور أن أحد المؤرخين يعتقد بجدية أن في هذا الفنجان تكمن القوة المحركة للتاريخ ؟ ذات يوم عثر صحفي أمريكي يدعى "ستيوارت لي آلن" على كتاب للمؤرخ الفرنسي "جول ميشليه" الذي عاش في القرن التاسع عشر يتناول فيه تاريخ أوروبا وأحوالها في العصور الوسطى، والعوامل التي أدت إلى نهضة الحضارة الأوروبية وميلاد عصر التنوير، وقد اندهش ستيوارت عندما وجد أن القهوة لها مكان بين تلك العوامل، يقول ميشليه : "إن التفجر الهائل الباهر للإبداع الفكري يعود الفضل فيه جزئيا إلى ذلك الحدث الكبير الذي خلق عادات جديدة، وغير من المزاج الإنساني، كان هذا الحدث هو مجيء القهوة، فهل يمكن أن تكمن القوة المحركة للتاريخ في فنجان قهوة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة