الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباحث قيس كاظم الجنابي: نصب الرؤوس وإغتيال النفوس...إستقصاء وتفلية في المظان

شكيب كاظم

2017 / 7 / 8
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


منذ سنوات، قرأت كتاب (بروتوس ما زال حياً. الاغتيالات السياسية الكبرى). للباحث البحريني بدر عبد الملك، كما إستأثر هذا الشأن، الاغتيال باهتمام العديد من الباحثين، ويقف في المقدمة منهم الباحث العراقي الراحل هادي العلوي (1932-1998) في كتابه الموسوم بـ (من تأريخ التعذيب في الإسلام)، ويجب ان لا ننسى المصدر المهم في هذا المجال الذي كتبه أبو الفرج الأصفهاني المرواني الأموي (284-356هـ) والذي يؤرخ للمقاتل المأساوية لآل أبي طالب وعنوانه (مقاتل الطالبيين) ولقد قرأت مؤخراً الكتاب الاستقصائي التوثيقي المهم لمسألة شغلت الدنيا منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، وظل القتل يتواصل ويتناسل، والذي عنونه مؤلفه الباحث الجامعي الدكتور قيس كاظم الجنابي بــ ( نصب الرؤوس واغتيال النفوس. دراسة تاريخية في آليات الاضطهاد الجسدي في التأريخ العربي – الإسلامي) الصادرة طبعته الأولى عام 2015، عن مؤسسة الانتشار العربي بيروت. ولقد استقصى هذه الظاهرة المأساوية الناتجة – ربما- عن جفاف الصحراء وقسوة الحياة فيها فظل القتل بأبشع صوره يمارس ضد الآخر والمخالف والمناوئ حتى لأتفه الأسباب بادئاً من العصر الجاهلي واصلاً إلى نهاية الدولة العباسية سنة656هــ. راجعاً في استقصائه الدقيق هذا إلى المصادر المهمة مثل تأريخ اليعقوبي (توفي بعد 292هــ) وتأريخ الطبري (ت/321هــ) والمسعودي (توفي 346 هــ) وتأريخ ابن الأثير (توفي637هــ)، فضلاً على مراجع حديثة ومعاصرة، ولقد زادت من قيمة هذا الكتاب البحثي المهم، الشواهد الشعرية التي كانت توكيداً وتوضيحاً لبعض ما غمض من أحداث، وما نسيه التأريخ من أسماء، كانت ذات شأن في زمانها، وطواها الدهر في مسيرته اللاترحم.

انتهاك لجسد الانسان

كان قطع الرؤوس والطواف بها منذ حروب الردة الأولى، وقتل خالد بن الوليد مالكاُ بن نويرة، وجعل رؤوس من قتلوا إثفيات وضعت عليها قدور الطعام كي يطبخ، صورة جافية قاسية لهذه البداوة الدموية التي ظلت ترخي سدولها على الحياة العربية الإسلامية، برغم مفاهيم الدين الجديد، الحاثة على الرحمة، وصون الدم كان الطواف بالرؤوس المقطوعة ورفعها على العواميد والقسي برهاناً على عملية الاستئصال والقتل، إنها بمثابة الصورة في أزماننا هذه التي تنشرها الجرائد والمجلات ، ومن ثم التلفاز والفضائيات الآن، لذا كان ينصب رأس المقتول على مكان عالٍ، ويصلب جسده على الجسر، بعد تأسيس بغداد وبناء الجسر فيها، كي يشاهد الناس، ويتأكدوا من صحة ما يذاع من أخبار.

كانت هذه الظاهرة المأساوية، انتهاكاً للجسد الإنساني، الذي يجب ان يحترم، ويوارى الثرى إكراماً له، لا أن يترك نهباً للعيون المتطلعة ببلادة وبلاهة، حتى أن العباسيين إتخذوا لهذه الرؤوس أو القسم المهم منها ماعرف بـ (خزانة الرؤوس) ويذكر الباحث الجنابي استناداً إلى تأريخ ابن الوردي (توفي 732هــ) انه في أواخر أيام الخليفة العباسي الرضي (تولى سنة 235هــ 934م) استعرضت خزانة الرؤوس بعد ان امتلأت فرموها كلها في دجلة، وكان بعضها في اسفاط وبعضها في صناديق رصاص تراجع ص204.

قلت وأنا في صدد الحديث عن الأسلوب الجميل الذي كتب به أدباء لبنان، إن للجو الرائق الجميل سبباً في هذه الكتابة الأنيسة عكس كتاب البوادي والصحاري، وقال مثل هذا القول قبلي بقرون عبد الرحمن بن خلدون(732-808هــ) في مقدمته، إذ يذكر في المقدمة الثالثة التي عنونها بـ (في المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم)، قد بينا إن المعمور من هذا المنكشف من الأرض، وإنما هو وسطه لإفراط الحر في الجنوب منه والبرد في الشمال (…) فلهذا كانت العلوم والصنائع والمباني والملابس والأقوات والفواكه بل والحيوانات (…) مخصوصة بالاعتدال وسكانها من البشر أعدل أجساماً والواناً وأخلاقاً”، تراجع ص 68 من المقدمة طبعة دار صادر – بيروت/2000.

ولقد رأيت تناغماً مع هذا الرأي، بعد ان عرض علينا عرس الدم الفاجع لدى مقارنته الحال في العراق والجزيرة العربية، مع حال العرب المسلمين في الأندلس، حيث الجو المعتدل الذي يشيع السكينة في النفوس، ويكسر من غلوائها وإيغالها في القتل، وسفك الدم، وبعد ان يحدثنا عن نكبة المتصوف الحلاج بوصفها نكبة لحرية القول، ماراً بثورات الزنج والقرامطة، وظهور الدولة الفاطمية العبيدية، لينص الباحث قيس الجنابي ” ولكن ما يلاحظ هو قلة العنف في المراحل السابقة في الأندلس، بسبب هدوء الأجواء، وخضوعها لثقافة أهل البلد البعيدة عن التنكيل الأليم” تراجع ص179.

كتاب ( نصب الرؤوس واغتيال النفوس) كتاب استقصائي مهم للباحث والناقد الدكتور قيس كاظم الجنابي، كان بحاجة إلى وقفات تحليلية أكثر على الرغم من تحليلاته، لعل طول المدة الزمنية التي استقصاها ووثقها، هي السبب في ذلك، هذا الباحث الذي يرود أماكن بحثية شتى حتى لتعجب من هذا الانقطاع للبحث والكتابة، وكأن قيساً ما خلق إلا ليقرأ ويكتب والدليل ، هذا المنجز البحثي الرائع، ورصيفاته من مؤلفات أُخَرْ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد