الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعدي يوسف ومحاولة الظهور على سطح الموت

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 7 / 11
الادب والفن



الشعر والأدب كما هو الفن وكل المعرفة الإنسانية واجبه الأساسي أن يسمو بالإنسان وأن يجعل من هذا اللون المعرفي أو ذاك طريق للإرتقاء بالروح في مدارج الحقيقة والأنتصار لها، وما عدا ذلك سيتحول إلى عبث ودوران حول اللا جدوى، والشاعر والأديب والمعرفي شخص تهيأت له أسباب خارج المألوف ليكون رسولا ونبيا في زمانه يبني القيم ويعزز من روح الإبداع التي لولاها لم تشهد الإنسانية هذه القيم الأخلاقية والمثالية في صنع عالم قابل لأن يجمع البشر ككتله هدفها أن تعيش في عالم الجمال والسلام والمحبة، لذا فما يقوله الشاعر أو صاحب الموهبة يحسب على أنه خط شروع نحو الأمام وليس إنتكاس ونكوص عن قداسة الإبداع، حتى لو كان ما نقوله أو نفعله قد لا يكون هو عين ما نشتهي ذاتيا ولكن القواعد التي تحكم رسالة الشعر هي الأولى بالمراعاة.
هذا الكلام ليس من باب أن نكون منفصمين بين الرسالة وبين روح الفرد المبدعة، ولكن حين يولد التعارض ما بين الذاتي والقيمي من المؤكد لا بد أن ننحاز للأخير لأنه السماء التي تحلق فيها الذات وتعطيها مشروعية المبدع، في هذه المناسبة والتي أثارها الشاعر سعدي يوسف في أخر ما كتب والذي أثار سخطا وتشويها حقيقيا لسيلارة رجل كان وأكرر كلمة كان واحدا من أعمدة الإبداع الشعري في منظومة الأدب العربي عامة والعراقي خاصة، جاءت هذه المقطوعة التي لا أظنها تنتمي لعالم سعدي يوسف القديم ولا هي أطلالة حقيقية على واقع جديد أو محدث لتأريخه، بل على العكس شكلت منعطف تراجع أخر في سلسلة من المواقف الشعرية الأخيرة التي أظهرت تخاذل الملكة الشعرية لديه تحت تأثير عناوين لا تمت لما كان عليه أو يجب أن يكون عليه شاعر عاش التحدي لما هو غير إنساني وقبيح في الشكل والمضمون.
من المؤكد أنا لست بصدد تقييم أدبي لما كتب ولا ناقدا شعريا يحاول أن يستبطن روح الشاعرية ليوسف، ولكن من المؤكد كقارئ ومتلقي أسجل تحفظي وإدانتي الشديدة للروح التي أنتجت نص متجني وحاقد يمثل وجه من أوجه العجز والمرور في سكة موت الشاعر ليصل إلى نهاية مفجعة، نهاية قد تسحق الشاعر وتأريخه لأنه أنحاز للقبح والتجني اللا مبرر، والأكيد أن الشاعر يوسف لم يكن غائبا عن وعيه حين كتب، ولكنه أختار على دراية ووعي أن يحفر قبرا ضيقا له ولتأريخه الذي لن يشفع له أن يبقى رمزا أدبيا عراقيا بالروح والإبداع السامي.
قد يكون للرجل موقف من الأحداث ويمتلك رؤية ما وهذا حق طبيعي لا نقاش فيه، ولكونه مبدع ومحسوب على النخبة الفكرية فلا بد له أن يراع أولا وزن كلامه وقدرة ما كتب على أن تؤدي رسالته في مجتمع بحاجة إلى تعزيز من قوة التحدي لمواجهة عاصفة من التخريب والتمزيق والتشتت التي تكاد تطيح حتى بما هو أساسي لبقائه، على الشاعر والأديب والمثقف أن يختار الحياة بصورتها الإيجابية وأن يجتاز من خلال ما يكتب عقدة الموت ليبقى في مقدمة من يصنع لمجتمعه حياة حرة وسلام مبني على أن الجميع لهم الحق بالقدر نفسه أن يكونوا جزء من رحلة طويلة ومستمرة مع الجمال ومع الحرية، لا أن يناصر ما هو خلاف ذلك لأن دوافع كامنة عنوان ظل حبيس الصمت في داخل الذات تم تغطيته سابقا بشفاف كاذب ومصطنع لم يعد بالمقدور التستر عليه، إنها النقطة الحرجة التي لا بد أن تظهر سقطات الإنسان حينما يكون على حافة الإلاس وحافة الموت المختار بقباحة غير أعتيادية.
تساؤلي هنا بعد أن ظهر ما ظهر وبانت حقيقة الذي كان مبدعا هو، هل من العقل واللياقة الفكرية أن نواجه البذاءة بالبذاءة؟ أم هل نجلس ونترك للزمن أن يحكم على ما حدث بأنتظار ما هو فعلا حقيقي وجدير أن ينظم لتأريخ رحلة بدأها مبدعا وأنتهى مهووسا بما يشبه حالة الثمل الفكري حين تتغلغل خمرة الإبداع إلى مخيلة الشاعر فتطيح به على قارعة النبذ والأهمال؟ من المؤكد أننا يجب أن نفصل بين هذا الخليط من المنتج الشعري كونه معرفة وكونه رسالة قد بلغت في أحيان كثيرة درجة من الوعي والنجاح في حسم موقف، ولكن أيضا علينا أن نفصل بين الرجل كشاعر وإنسان قد يصيب ويخطي ولكن لا ننمنحه جواز البراءة ونعفيه من المحاسبة لأنه كان ولأنه قال.
سعدي يوسف لا شك أنه بلغ حالة من التيه والتغرب والإنحطاط في تقييم الأشياء وهذا جانب مهم ومدان ومحسوب عليه، لكن من ينادي اليوم بحرق الرجل كشاعر وحرق الشعر الذي أنتجه كونه وليد رجل قد أحاطت به خطيئة يمثل فكرة مجنونة أخرى تزيد من حالة التداع وتمنح لبعض من يرى أن سقطات أي شخص ليست حالة مستحيلة أو نادرة على الحدوث، ويبقى الشعر عنوان والشاعر عنوان والمرحلة الشعرية عنوان أخر، علينا كقراء ومتلقيين أن نملك ميزانا من ذهب حساس ومرهف لمعاينة وفرز الغث والسمين، وأن نتخذ موقف من كل حالة وفقا لقاعدة تقدر المقادير بما يناسبها، لا أن نلغي الكل برداءة الجزء إن كان تقيمنا لما كتب في الفترة الأخير فيه أنحراف وأظهار لمكنونات رديئة بوجهة نظر عقلانية ومحايدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله