الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قميص عرّو

كمال عبود

2017 / 7 / 11
الادب والفن


هي لعبةٌ إذن .. لعبةٌ قديمةٌ .. حديثةٌ مُتجدّده .. مُتقنةً ونوعيّة في الشرق القريب، لعبة السلطان والعاشق... طرفاها العاشق وأعوان السلطان ، أعوان السلطان البعيدون ... أعوان أعوان أعوانهِ يعني الذين في قاع المجتمع ... يعني الحثاله، هؤلاء أشدُّ قذارةً وأشرسها .. لماذا يختارونهم إذن .. ربما لأنهم لا يفكّرون أو لأنهم محكومون بعقدة النقص ..

سألتُ ( هادي ) رأيهُ فيهم ..؟ قال بحسره : الجهل غلاف عقولهم ، وقوانين السلطان تؤيدهم وتحميهم.
هادي الذي جاءني بعد عشرة أعوام مهنئاً لي بالحريه ، لم يتغيّر كثيراً، ظلّ ودوداً نشطاً مع مسحةِ قلق في عينيه الجميلتين ، هادي- وكان اسمه المستعار ( عرّو) - الذي كتب مقالاً شكّكَ فيه بنِسَب السلطان وأثبتَ أنَّ السلطان لا ينتسب الى رمز الكرم العربي - حاتم الطائي -
قلتُ :هات حدثني ، كيف هربتَ منهم ..؟
قال : بدّلتُ قميصي ..
قلت : لم أفهم ...
قال : كنتُ اتوقّع مجيئهم ، وحينما جاؤوا صعدتُ سطح المنزل وقفزتُ الى الارض وسابقتُ الخطى في الركض السريع .. عدوت الى خارج القريه .. كانت هناك مضارب للبدو ، دخلتُ في حيّيهم فلاقتني الكلاب وأنقذني منها شيخ لاقاني ، قلتُ : ياعم أنا في جيرتك* ..
قال : تفضّل
وحين طاردوني وقبل أن يقتحموا باب الخيمة أعطاني الرجل جلد صوف كان لكبشٍ كبير وقال : ضعه على ظهرك واختبئوا بين القطيع ..

وضعته عليّ ودخلتُ الزريبة وأصبحت خروفاً زائداً تحسستْ لي الخراف ولم أُعجب مرياعهم* فأخذ ينطحني برأسه وأعمل قرنه في خاصرتي فأوشك أن يثقبها وأنا أتلوى من الألم وأعضُّ على لساني كي لا يسمعونني
فتشوا الخيمة دون وازع أخلاقي وذهبوا الى الزريبة ، وأنا ساكنٌ والخراف الوجلة تتقافز فوق رأسي وعن جانبيّ هلعةً وواجفه، أجالوا بضوء الصباح اليدوي بين الخراف مرتين أو ثلاثه ثمّ غادروا .. وبعد يومين غادرت الشيخ شاكراً وكانت رحلتي الى العاصمة شاقّة جداً وخطيرة ، وابتلعتني العاصمة، عشر سنين فالعواصم تبتلع كل شيء ... كل شيء
قميصي الذي أنقذني : جلد كبش.
---------
حدثت الوقيعة - الحرب- بعد عشرين ، تقاتلوا فِرقاً وجماعات .. صالوا وجالوا .. أراقوا الدم وهدموا البيوت والنفوس ... ذهبت الحكمة طَي النسيان وارتفعت أعلام الضغائن وحلّقت أعمدة الدخان والخراب فوق الهامات الفارغة والمدن الجائعة للخبز والإبتسامات .
كان هادي ممن حلّت عليه لعنة القتال ، كان مضطراً كغيره ، حمل بندقيته دفاعاً وخوفاً وربماً ايمانا بالبقاء حياً كي لا يبقى السفلةُ المتقاتلون وحدهم أحياء - كما يقول.
لكن الفرق المتصارعة في مدينته يعرفونه ويكرهون ماضيه المنفتح على رياح العلم وضوء المستقبل ، ولأنهم يخافون من أفكاره حاربوه وحاصروه مراراً ، وفي آخر حصار ضاقت به السبل فخرج في ليلة دهماء .. وصدف أن رأوه فتابعونا إثره ..
وصدف ثانية أن دخل زريبة أبقارٍ قال له حارسها : لا عليك ، خذ جلد الثور هذا واختبئ بين الثيران ..
قال هادي : تكوّمتُ قرب بقرةٍ صارت تلاطفني وتمسح لسانها الرطب العريض على وجهي ،مَسحته ثلاث مرات ، وضربتني بذيلها على ظهري كأنها تطلب شيئاً أو خواراً مني ..
ولما وصلوا وفتشوها لم يجدوني بل اكتفوا بضرب الحارس وبسوق عدة ثيران غنيمةً لهم ، ولحسن الحظ لم أكن منهم
-------
قلتُ لهادي الذي رأيته على رصيف الميناء بعد عناق طويل : إلى أين يا صديقي ..؟
قال : تعبتُ ، صار عمري ستين عاماً .. سأرحلُ كي لا أضطرّ في مرّةٍ قادمه أن ألبس جلد حمار ..
_______
*انا في جيرتك : في حمايتك
* المرياع : أكبر وأقوى كبش في القطيع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع