الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقاش حول القراءة

ازلماط نورالدين

2017 / 7 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


ان ما يؤشر على تقدم شعب من الشعوب هو ارتباطه الوثيق بالكتاب. فكلما كان للكتاب حضور في المجتمع انعكس ذلك على مستوى تحضره ودرجة مدنيته. والعكس صحيح فكلما كان الكتاب غريبا في مجتمع جاهل إلا واستشرى الجهل و التعصب و الوحشية في المجتمع. بذلك يكون فعل القراءة معيارا للدلالة على التمدن او التوحش. بهذا فتخلف دول العالم العربي نجده جليا في تدني مستوى قراءة هذه الشعوب. فما يقرأه العربي في سنة من الزمن يقرأه الياباني و الغربي في يوم واحد. بذلك فالعرب في ذيل الحضارة وهم من قالوا عن نفسهم انهم امة اقرا. ان الواقع الذي لا يرتفع يخبرنا بضرورة التعجيل في مأسسة فعل القراءة كفعل ضروري يفرضه الواقع الملموس. فلا نهضة ولا تقدم بدون قراءة. بهذا نجد انفسنا امام اسئلة تتجاوز الشق التقني السياسي لقضية القراءة. فلن نتساءل عن دور الدولة والمجتمع المدني في ارساء فعل القراءة من خلال التعبئة الاعلامية و المؤسسات التربوية. بقدر اننا سنطرح ثلاث اسئلة عن فعل القراءة ذاته. فلماذا نقرأ وكيف نقرأ وماذا نقرأ؟
لماذا نقرأ؟ نحن هنا نبحث عن المعنى من وراء القراءة و الغاية التي يحققها هذا الفعل على المستوى الوجودي. اي ان سؤال لماذا هو سؤال عن المعنى. بهذا فإننا لا نستطيع تقديم جواب واحد. فلا وجود لمعنى واحد في وجود بدون معنى. ولكننا سنعرض اهم المعاني . فهناك من اعتبر حمل الكتاب دلالة على تحضره فاضحى الكتاب اكسسوارا عنده يضعه امامه في المقهى كما يضع مفاتيح سيارته وعلبة سجائره بهذا اصبح الكتاب موضة للتباهي. هذا المعنى اقل ما يقال عنه انه بدون معنى بل انه يفقد وجوده في حالة تغير الموضة. بالنسبة للصنف الثاني من القراء والذي اختار القراءة في الظل قبل العلن فهو يعتبر القراءة سبيله للنجاة من وحل التخلف الذي اجبرته الاقدار على العيش فيه. هذا الصنف يقرا من اجل ان ينظف نفسه من اوحال التخلف الذي شربه غصبا في طفولته بفعل تربية المجتمع. ان معنى القراءة بالنسبة لشخص رفض ان يعيش متخلفا يتجلى في كون القراءة خلاص ومصدر نجاة. انها الحياة بذاتها بذلك يصبح القارئ من هذا النوع قارئا يؤمن بالقراءة كشيء يشكل كينونته ولا يتصور نفسه بدون كتاب يجيبه عن تناقضات واقعه ومفارقات ذهنه.
اما السؤال الثاني اي سؤال ماذا نقرأ؟ فهو مرتبط بالسؤال الاول كثيرا فتحديد الغاية من فعل القراءة يحدد لك نوعية الكتب التي ستقرأها. فمن كانت غايته التباهي فإنه سيختار الكتب الاكثر رواجا بين القراء . بهذا يصبح الجواب هاهنا مرتبطا بالسوق القرائي وبمتغيراته فليس مهم المضمون ولكن الاهم هو ان يساير هذا القارئ الموجة فيتحدث بما يتحدث به الحاضر فتجده ينقلب من رواية لأخرى وقد لا ينهيها بقدر ما ينقلب من بدلة لأخرى حسب الموضة. اما الصنف الثاني فان سؤال ماذا اقرا يرتبط بمشروعه من وراء القراءة ومن هدفه. فان كان ماركسيا ستجده منكبا على الكتب الحمراء ومستمتعا بأدب المقاومة اما ان كان مشروعه فلسفيا فستجده متنقلا بين كتب الفكر مجيبا عن اسئلته منفتحا اكثر على كل كتاب سيقذف به الى مساحة شاسعة من الاسئلة و الاشكالات. اما الصنف الثالث وهو الصنف الذي لا يحمل اي مشروع سوى مشروع التعرف على انماط جديدة من الفكر و الثقافة فانك تجده كالمسافر يحط رحاله من مكان لأخر باحثا عن متعة اكثر. بهذا تتوزع نوعية الكتب, من كتب رسالية لها مشروع سياسي الى كتب فلسفية لها مشروع ابستيمي الى كتب ادبية لها متعة ذوقية.
ننتقل الان للسؤال الاخير اي سؤال كيف نقرا وهو سؤال يقارب المنهج الذي يمكن ان نعتمده في سبيل القراءة بل ان اخطر سؤال واعقد اشكال ينصب على سؤال الكيف. فمشكلة العقل بالأساس هي مشكلة منهج. فمن امتلك المنهج امتلك نصف الطريق ومن ظل منهجه مبعثرا اضحت نتائجه مبعثرة حتى وان قام بفعل القراءة. بهذا نستطيع تفسير وجود التخلف في اوساط المثقفين الذي يعتبرون انفسهم نخبة. فالمثقف العربي المغترب تماما عن واقعه المعرفي يعد نتاجا اساسيا من نواتج منهج معوج يعطي نتائج عكسية تجعل من فعل القراءة في العلم العربي فعلا لا معنى من وراءه ولا طائل منه. فالتخلف في المغرب مثلا باق ويتمدد رغم ان الجامعة المغربية تقدم الالاف الخريجين سنويا. بهذا فهذا السؤال يقتضي وقفة طويلة لأنه اصل الداء.ان منهج قراءتنا اليوم ينطلق من اجوبة ثابتة في لاشعورنا المعرفي. فالقارئ اليوم يعفي نفسه طرح السؤال ولكنه يقدم اجوبة يمكن تصنيفها اما في خانة التبخيس وإما في خانة التقديس فهو اما يعتبر الكتاب هراء ويقدم له نقضا واما سيعتبر الكتاب حكمة ويقدم له مدحا يتبعه حفظ وإعادة و ترديد. ان مشكلتنا الاساس في هذا المنهج هو غياب السؤال. ان المنهج العربي عموما والمغربي خصوصا هو منهج قائم على الحفظ اي بيداغوجيا المضامين فليس المهم حسب هذا المنهج ان نبحث ونتفلسف ولكن المهم هو ان نحفظ اكثر ونردد ما قاله الأسبقون. ويأتي بعدها مستوى المدح او الذم حسب الجهة التي ينتمي لها القارئ بذلك تغيب عن ساحتنا المعرفية اواصر النقاش لان مفهوم الاختلاف غير حاضر في سياقنا التداولي.ان اشكالية المنهج التي خصص لها ديكارت كتابه مقال في المنهج وكانت مدار حديث فلاسفة العصر الحديث من قبيل لوك وهيوم واخرون. ان مسالة المنهج هذه تعد اهم قضية وجب التفكير حولها وبذل الجهد الجهيد من اجل تمحيص القول فيها اما وان نستنسخ بيداغوجيات ومناهج الغرب المتقدم فإننا لننحل المشكل ولكن سنفعل ما تفعله الحمقاء حين تضع احمر شفاه فوق المخاط "الخنونة بالدارجة المغربية"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد