الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراعات العرب من سراب إلى ترامب

مولاي الشريف طاهيري

2017 / 7 / 12
كتابات ساخرة


من المعروف تاريخيا أن حروب قبائل شبه الجزيرة العربية غالبا ما يكون وراءها سببه تافه لا يوازي ثقل و تداعيات العداوة التي تليه. يُحكى كمثال على ذلك ما حصل بين قبيلتين اقتَتلتا لمدة أربعين عاما بسبب ناقة.
و هذه الحادثة أصبحت مقولة تُضرَب بها العبرة و المعاني في الشؤم فيقال: "اشأم من سراب" ، و سراب إسم الناقة موضوع الاقتتال..
اليوم تشاء الأقدار أن يكون سبب الصراع اتفه و اشأم بكثير من سراب و ليس ببعيد في قادم السنوات ان تُعاد صياغة المقولة على نحو جديد ليقال: "اشأم من ترامب".
فبعد شهر من الحصار الاقتصادي و المقاطعة الدبلوماسية لقطر، وبعد انقضاء المهلة و المهلة الإضافية التي منحتها الدول الأربعة للاستجابة لتوصياتها من طرف الدوحة، يأتي الرد القطري سلبيا في مُجمَله، و هذا طبيعي بالنظر للشروط الصعبة التي وضعها الحلف الرباعي أمام قطر لإلغاء الحصار الإقتصادي و لتفادي ما هو أسوء.
من هنا وجب الوقوف عند بعض النقط المُصاحِبة للأزمة، للتأمل فيها بشكل دقيق و هادئ، سواء ما يخص سلوكات الحكام الخليجيين و لا حتى شعوبهم.
قبل عامين من الآن وصف ترامب المملكة العربية السعودية ب "البقرة الحلوب" المُدِرَّة للذهب و الدولارات بحسب الطلب الأمريكي مقابل ما توفره أمريكا لها من حماية و أمن ينتهيان بنفاذ الذهب والدولارات.
هذه العبارات و إن كانت غير لائقة، لما تحمله من ابتزاز صريح وعداوة ضمنية، إلا أنها لم تقابل بأي رد من آل سعود. فحتى السيف الذي اشهره خادم الحرمين الشريفين في حضور ترامب لم يكن سوى الة مرافقة لرقصة الترحاب بالرئيس الأمريكي.
بل إن سلمان كان قد أكرم مثوى الرئيس الأمريكي ب 400 مليار دولار (مجموع صفقات الأسلحة و الإستثمارات)، وهو ما يُكرِّس القاعدة الخليجية التي تفيد أن إرضاء أمريكا هو أقصى ما يمكن لدول الخليج أن تفعله.
لم يَفُز ترامب في زيارته للمملكة السعودية بدولارات دُنيَويَّة فحسب، بل غَنِم بعض النصائح و الحسنات عندما هَداه خادم الحرمين الشريفين إلى صراط القهوة المستقيم، ناصحا ترامب بتناول فنجان القهوة بيُمناه، فما كان لهذا الأخير إلا أن استجاب لنصيحة الملك ليحول كوب القهوة من اليد اليسرى إلى اليد اليمنى.
جميل ان يستحضر خادم الحرمين قول رسول الإسلام 《كل بيمينكَ و كل ممَّا يَلِيكَ》الا أنه و رغم استجابة ترامب للشق الأول من الحديث النبوي فسيكون من سابع المستحيلات أن يأكل زعيم دولة امبريالية مما يليه، فقد دأب رؤساء الدولة العظمى أن يأكلوا من أموال و خيرات شعوب أخرى، بل وعلى جثث أهاليها إذا اقتضى الأمر ذلك تَيَمُّنًا بقيم الإمبريالية المتوحشة..
زيارة ترامب أثمرت دولارات للشعب الأمريكي و بلاءا ونكدا على دول الخليج. حيث عرف شهر تصفيد الشياطين ذروة صراع السلاطين بشكل فجائي و حاد، علما ان الخلاف الذي احتد طيلة الأسابيع الماضية ليس وليد اليوم. فالخلافات مع إمارة قطر تعود لسنوات مضت لكنها ظلت في حدود اللياقة و كان الغضب الخليجي لا يتجاوز سقف سحب سفراء البلدان المعنية من الدوحة، مما يُؤكِّد على أن الأزمة الحالية لها عرَّاب يدعى دونالد ترامب.
يجب التأكيد هنا على أن ما تتعرض له قطر اليوم لا يجوز اعتباره عقابا لها على مواقف ثورية تزعج الأمريكان كما يروج و يسوق له حاليا في المنابر المنضوية تحت لوائها او المتبنية لتوجُّهاتها. بل هو مجرد تحقيق لنُبوءة "الأحمق" القذافي، الذي بَشَّر ذات دمار عراقي كل السلاطين باقتراب يوم يُضحَّى بهم على مذبح العم سام، الواحد تلو الآخر، بعدما قبلوا بالتضحية بصدام حسين و استباحة أرض العراق.
صحيح أيضا أن قطر أخطأت في كثير من المرات لكن خطيئَتَها الكبرى تتمثل في سعيها الحثيث لتحويل قضية أمة تترامى أطرافها من المحيط إلى الخليج إلى قضية فصيل صغير يدعى حماس و أيديولوجية ضيقة تنسب للاخوان . كما أن العمالة القطرية وخدماتها للمصالح الإمبريالية و الصهيونية لم تجنبها هذا المأزق الصعب؛ فلا قاعدة العُديْد تشفع ولا التطبيع الصهيوني ينفع.
و بالرغم من الغليان الخليجي، تبقى المصلحة الأمريكية محل احترام و تقديس بحيث سارعت الإمارات عبر وزير خارجيتها أنور قرقاش إلى طمأنة الأمريكان بكون قاعدتهم العسكرية بقطر لن تتأثر بالأزمة الحالية و سيكون بمقدورها مواصلة عملها دون تعطيل.
المضحك المبكي في القصة كلها أن مهندس الأزمة يخرج بتصريح تحمل كلماته بين ثَنَايَاهَا مشاعر الأسى و القلق بخصوص الأزمة الخليجية حاله في ذلك حال الماكر الذي يُحرِّك لسانه بوِرْدِ الذاكر. فالاستقواء الخليجي على الدويلة لم يتم إلا بتوجيه صريح من ترامب.
آخر نقطة نقف عندها في هذا المقال تتعلق بتصرف و تعاطي المجتمع القطري مع نبأ الحصار الاقتصادي مع بداية الأزمة، و الصورة المُشينة التي نقلتها الكاميرات في المحلات التجارية و التي اقتنصت القطريين و هم يُفرِغون الرُّفُوف بطريقة همجية و فوضوية تؤكد على غياب عزة نفس وطنية و امتثال مُذِلٍّ لغرائز بيولوجية (تفاديا لقول "حيوانية") على حساب مبادئ إسلامية سمحة يُفترَضُ في صاحبها رُقِيُّ الروح و يُراد لها أن تكون رمزا للترابط و التآزر.
إلا أن ما شهدناه، للأسف ، يدل على أن المواطن العربي سُرعان ما تسقط أوراق توت قِيَمِه الإسلامية و الإنسانية بمجرد أن تصطدم هذه الأخيرة بظرفية حرجة تَنتصِر فيها الأنانية و الذاتية على ما سبق ذكره من قيم.
و حتى تكون الخاتمة الخليجية سِرْكاً، يُذكَر أن مواطنا سعوديا قام بأداء عُمرة بنية ترامب، داعيا الله ان يهدي قلب الرئيس الأمريكي للإسلام. فيما شرع آخر في بناء مسجد يحمل إسم "ايفانكا" إبنة ترامب علَّها (حسب قوله) تجد في الآخرة عملا صالحا يُدخلها الجنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق