الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضحايا الطّلاق

دينا ناصر الدين

2017 / 7 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من مُقَوِّماتِ الحياةِ الَّزوجيَّةِ السّعيدةِ التّي تَحولُ دونَ الطّلاق هي التَّفاهمُ والإِنسجامِ والتَّكافؤ الفِكريّ بينَ الزَّوجين ، وإنَّ وجود فَجوة فِكريّة أَو سوء اختيار شريك الحياة قد يُؤَدي في النّهاية إلى الطّلاق بحيث يكون الطّلاق هو العلاج الأَخير، وتعود آثار الطّلاق السّلبية على الأَبناء ،وتترك بهم آثاراً قد لا تمحى معَ الزَّمن.
هنالك الكثير من الأّطفال الَّذين يُحرمون من حَنان أُمهاتهم بسبب الطَّلاق ، و يعيشون دون أّبٍ مسؤول ، يُعانونَ ِبشدّة ويشعُرونَ بالتَّشَتّت والضَّياع ، فانفصال والديهم يَترِكُ أثراً سلبياً في أنَفسهم ، وحُزناً مَريراً لا يظهَرُ دائماً في عُيونِهم وإنَّما يَعيشُ بِداخِلهم يَعِصُر قُلوبَهم مِنَ الأّلم ، يَشعُرونَ بالحِرمان ، وبنقص الحُبِّ والحَنان ، يَتَعَطَّشون للعَطفِ ، في داخِلِهِم إِحساسٌ شَبيهٌ باليُتم، وبَراكينُ أّحزانٍ لا يَحتَرِقُ بها النّائِمونُ بِأّمانٍ في أَحضانِ أُمَّهاتهم ، وبرد وسطَ بَراكينَ يُثلِجُ أّطرافهُم خَوفاً ويُؤرِقُ مَضاجعهم، براكينَ وَثُلوج تَختَلِطُ بِأّحاسيسِهم المُمَزّقة ، وَأّرواحهم المُعَذَّبة ، وطُفولَتهم المَنزوعة ، وسعادتهم المسلوبة ، وعندما ينَظُرون َإِلى أُسرةٍ مُتماسِكَةٍ فَإِنَّهُم يَتَأَثَّرون ويَتَأَلَّمون ، وقَد يَنظُرون نَظرة أّملٍ في المستقبل بِأّن تكون أُسرَتُهم مُترابطة ، ليُجَنِّبوا أَبناءَهُم كُلَّ هذا العذابِ السّاكِنِ بِأّرواحهم الرَّقيقة ،
وقّد يّتَّجِهون بشكلٍ سلبيّ وينحرفونَ بسهولةٍ نتيجة الضّغوطات النَّفسية التي يمُرّون بها ،والحِرمان السّام الذي يتَجَرَّعونَهُ رغماً عنهم، فيرتكبونَ الجرائم،ويسلكون طُرق المنحرفين،ويدمنونَ على المخدَّرات ،فيزداد مُعدَّلُ الجريمة،وجزءٌ منهم ينطَوونَ على أّنفُسِهم، ويفقدونَ الإِحساسَ بالأّمن ، الثٌّقةُ بِأَنفُسهم تتضاءل أّو تَنعدم، ويفقدون ثِقَتَهم بالعالم والنّاس فينزَوونَ حتى يُصيبهم اكتئاب،أّو تَأخُذُهّم حالة ٌ نفسيّةٌ إِلى عالمٍ رهيبٍ،مخيفٍ،يتشبعونَ فيه بالخوفِ والقلقِ والتَّوتّر، وتتلاشى فيهم كلَّ طموحات المستقبل، ويصبحونَ متردّدين، في خطواتهم اهتزازٌ يكسِرُ توازُنَهم ،يشُدُّهم للخلف، لا يعيدُ إِليه التّوازنُ إِلّا حُضنُ أُمٍّ وسَنَدُ أَب، ويصابُ كثيرٌ منهم بِأّمراضَ نفسيّة تلازمه طوالَ حياتٍه، كَجُرثومةٍ تأبى الَموت، كُلَّما تَطَعَّمَ لها طُعماً ، تلاشت لتعودَ من جديد، فيكبرُ وتكبرُ معه، وتصبح زيارة طبيب نفسيّ حاجة ملحّة للكثيرٍ منهم،فمنهم من يجد يدًا تعينه فينهض،حاملاً جراحهُ فوقَ صدره،يقاوم أوجاع يؤمن قلبُه أَنها جزءٌ منه وأنَّ عليه أَن يتقبَّلها، ويبدأُ بالخطوات نحو الحياة،بأَملٍ يكسِرُ حدّة اليأس،وابتسامة ينتزعها بِقوّةٍ من قلبٍ يتأوّه آلامًا، وينهضُ ويتقدَّمُ ويُقاومُ ،وينجحُ ضاحكاً بسخريةٍ كبيرةٍ من أَوجاع حرمانه التي لا تموت،
وإِن استطاعَ أّبناءُ المُطَلَّقينَ أو البعض منهم المسير في الحياة والنَّجاح في كامل علاقاتهم دون أي إحساس بالنقص والحرمان أو الألم ،فهذا أمر نادر ولكن هناك من يتحدى الظروف الصعبة ويقاوم بكلِّ ما فيه من إيمان وقوة مستمدة من الله سبحانه وتعالى بالصبر ولكنَّ آثارَ الَّطلاِق على ألأبناء لا يُمكن أَن يَمحوها الزَّمن بِسهولة ،وقد تُسَبِّبُ مَتاعبَ نَفسيّةً لاتبدو ظاهرياً على تصرُّفاتِ ألأَبناء بسبب طلاق والديهم نتيجة التَّغيُّر المُفاجئ الذي طَرَأَ على حياتهم ، وإِنَّما يبقى الكبتُ داخلَ القلبِ والأَعماق ، مما يزيد تلك المتاعب التَّي لا تَجدُ متنفساً لها ،وهكذا فإنّ االطلاق لا يَعني فقط أَن ينفصلَ الزَّوجين ويرى كل مِنهما حَياتهُ ويحقق أّحلامهُ التَّي لم ْيَستطع تحقيقها مع الآخر ، وإِنَّما تعني أَن يُصبحَ ألأَبناءُ هُم الضَّحيّةُ ، يُعانونَ مُعاناة ًكبيرة َ ، وإني أّسألُ كلَّ زوجينِ الَّرحمة والموَّدة في مُعاملتهما معا ،وفي الحكم على أبَنائهما بالحِرماِن من أّحدهما ، فماذا تعني التَّضحية إن لم تحرم نفسك لتعطي غيرك ،لاسيَّما لو كانوا فلذات كبدك ،وكل من يقبل على الزَّواج أّدعوُه أّن يُحِسَن الاختيار منذُ البِداية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات