الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المجتمع العلماني وحلم الإنسانية بالسلام
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
2017 / 7 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ممالا شك فيه أن العلمانية التي يطرحها العقل العربي عموما والفكر المرتبط به تختلف تماما عن العلمانية التي تعيشها المجتمعات الغربية، وخصوصا تلك التي قادت الثورة على الكنيسة من قبل وأسست للبناء المدني للمجتمع، في تحول جذري واقعي يحافظ على الهوية الجديدة وينتمي لها بقوة، المقصود هنا أولا وتحديدا هو المجتمع الأوربي المعاصر الذي تعامل مع العلمانية على أنها مرحلة تطورية جاءت طبيعية في ظل السياق الحتمي لحركة التأريخ الأجتماعي لديها، وأستجابة طبيعية لعنصر الوعي الضروري لمرافقة حركة العصر في تجدده الجدلي وأيضا الطبيعي، بينما يرى فيها الفكر العربي مجرد خيار أحادي يمنع التصارع والتنازع المفترض بين واقع تتحكم به مؤسسة الدين لمساندة السلطة الغاشمة وبين إرادة الحرية والنزوع نحو الحداثة السياسية دون أن يعطي لجوانب المحركات الأساسية الأخرى الدافعة لعملية التجديد ومنها فاعل الأقتصاد ومفعول الفكر التأسيسي الأجتماعي.
فالعلمانية الأوربية ليست علمانية ضد الدين بمعنى أنها تهدف فقط عند فصل الدين عن السياسة كما نفهمها نحن ونبشر بها، بل هي علمانية شاملة تمتد من التأريخ مرورا بالعلم مؤثرة على طريقة تعامل أفقيه وعمودية مع المجتمع بكافة روابطه الفاعلة والرافعة للوعي الجمعي، فهي أيضا علمانية أقتصادية وفكرية وثقافية تبحث عن خلاصها من دائرة السطوة المؤسساتية المركزية نحو الذات الإنسانية الفردية ومصالحها الوجودية البعيدة، وهذا ما يغسر لنا طابعها الإنساني الذي يجر مخيلته الشعوب المقهورة بضغط مؤسسات المجتمع لديه بما تفرضه من ثقافة نكرات الذات الفردية وتمركزها حول مصلحة المجتمع كما تراه السلطة الحاكمة بشقيها الديني والسياسي.
من ينظر إلى المجتمع الأوربي خاصة وما فرضه في المجتمعات التي تأثرت بفكره الأجتماعي والسياسي وأنحازت له على أن القيم التي يؤمن بها نابعة أساسا من نجاحه في الحد من تأثير الدين ومؤسسته الكلاسيكية على حركة المجتمع، لا يعرف تماما أن هذه النظرة قاصرة وغير حيادية في فهمها، المجتمع الأوربي في أساسياته مجتمع عاش واقع صراع دموي ووجودي وصل فيه الحال إلى مرحلة مصيرية خطيرة، ملخصها أنه ولمصالحه الخاصة لا يتورع أن يسخر كل إمكانيات القوة ومصادرها في أنتهاك القيم الإنسانية لأجل مصلحته الذاتية الأولى في البقاء على حالة من الديمومة، وفيه شعور خفي أن بقاءه على ما يريد بحاجة لدم متجدد يتيح له أن يبقى متفوقا على الأخرين، هذا ما يدفعه دوما للقبول بالأخر المختلف بدل أن يواجهه بالقوة يحاول أستغلاله لمزيد من البناء الذي يؤمن له البقاء.
هنا تحولت العلمانية من خيار فكري إلى ضرورة بقاء وحتمية وجود حضاري، هذا التحول لا يسع المجتمع أن يرفضها بحجة أن القيم الرأسية المرتبطة به كمجتمع له هوية خاصة بحاجة ماسة للمحافظة عليها أو حمايتها من التبدل والتغيير أو تحت أي تبريرات أخرى، هذه البرغماتية الفكرية تفسر جزء مهم من حالة التحول الذي شهدهتها أوربا القديمة المتلحفة برداء الكهنوت المسيحي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وأنطلقت به نحو المستقبل، لقد ضحت أوربا بواقعها المحكوم بعنصري الدين والثقافة الأجتماعية التقليدية لتجدد واقع بقائها أولا، وليس بالضرورة أن تكون بدوافع أخلاقية وإنسانية أختارتها لتعط نموذج للأخرين.
نعم نستطيع أن نقول أن عمليات التحول نحو العلمانية والدولة المدنية أنتجت واقع أخلاقي مغاير عما تطرحه في مضمون فلسفتها القديمة، وأشاعت ممارسات أحترمت فيها الإنسان ككائن مستقل يسعى لتجاوز حالة الأستلاب والقهر وتعزيز لروح الفرد الحر، ولكنها نتائج في مجملها كانت لصالح تدعيم التحول العلماني أكثر من كونها نتائج مستهدفة بذاتها المجردة، هذا بالتحديد ما ينقص الوعي العربي والإسلامي عموما التركيز على النتائج لا البحث عن المبررات والتعليلات السفسطائية، علينا كمجتمع فشل لحد الآن في بعث واقعه (كما يجب أن يكون الواقع) لا بالهوية القومية ولا بالعباءة الدينية أن يبحث عن طريق ثالث يحقق ما عجزت عنه سيرورته التأريخية وأن يتجاوز مرحلة العناد والإصرار على أن لا طريق أخر يمكنه أن يحقق له الهدفويضمن له النتيجة.
ما ينقصنا بالأساس وبعرقل طريق التحولات الشمولية نحو الغد هو فقدان السلام بمعناه العام الأجتماعي الكلي وأيضا بحدوده الفردانية، فلا المجتمع العربي والإسلامي تمتع عبر تاريخه الطويل بقواعد السلام الأجتماعي وأركانه العملية وما يتيح له من خيارات حرة في الترقي والتجديد، كما ولم يتمع الفرد ذاتيا فيه بحق السلام والشعور بإنسانيته المجردة، فكلا المكونين الجمعي والفردي يعيش حالة أستلاب وتأزم واقعي ويعيش دوامة القلق ورفض الأخر تحت مسميات الصراع المستعر البيني وأسبابه، هذا الصراع الذي كان محاوره الرئيسية (ديني وأجتماعي وطبقي) بقى مستمرا ومتقدا ولم يحسم ولن يحسم لتأثيرات العامل الشاد والمحرك له، وهو صراع متوهم صاغته الفكرة الدينية المحرفة ورعته السلطة الغاشمة في محاولة أستثمار برغماتي لعملية التجهيل والتغريب الفكري بغياب السلام المبني على الحرية.
أظن أن الأصوات التي تحارب التجديد في مفاعيل وقوى التغيير والحراك الإيجابي لم يعد لها القدرة اليوم أن تواجه أستحقاقات أجتماعية وحضارية جدية، ترتكز أولا على إبطال مفاعيل تلك الصراعات القديمة وأسبابها، ولم يعد بإمكانها تسويق المخاوف من إهدار للهوية الأجتماعية للمجتمع والحضارية للفرد، فالمجتمعات العلمانية التي تعيش حالة القيادة الأممية اليوم ومنها أوربا واليابان مثلا لم تتحول إلى مجتمعات غيرية ولم تتبدل فيها شخصية الإنسان الفرد، ولكن التحول العلماني أتاح لها التخلص من بؤر التنازع الفكري والقهر السلطوي وحررت الإنسان من الخوف المصطنع وبذلك كسبت كل أشكال السلام العام والخاص.
ولم تعد دعوات البعض من أن العلمانية تؤدي إلى الإباحية وترك التدين وأنتشار التفسخ الأجتماعي والخلقي جديرة اليوم بالأهتمام والحسبان، في المجتمع الذي وعى وعرف أن أنتصار الإنسان يكمن في شجاعته لمواجهة الحقيقة وإن كانت مرة وقبيحة، لأننا أصلا لا نتمتع بالمجتمع الفاضل ولا نتمتع بالكثير من القيم الأخلاقية التي يحاول البعض تصويرها على أنها حصانة مجتمعنا، فالفقر والجهل والمرض والجريمة والعنف والتخلف والأمية الكلاسيكية والحديثة كلها متوفرة ومتفشية بصورة أكثر وأكبر مما هي في المجتمعات العلمانية، الفرق أن في المجتمعات الأخيرة مكشوفه ومصرح عنها لأنها لا تخفي واقع حقيقي لتدعي خلافه، أما في مجتمعاتنا فكل القيم والمقاييس الأخلاقية الزائفة يتم التستر عليها ونكرانها بحجة الحفاظ على روح المجتمع، إنه النفاق الأخلاقي الذي يؤطر تفكيرنا دون من خجل أو شجاعة في مواجهة واقع فاسد ومفسد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أعظم ليالى السنة.. فضل ليلة القدر مع الدكتور خالد عمران أمين
.. فلسطينيون ينتظرون على الحواجز الإسرائيلية للسماح لهم بالمرور
.. إجراءات أمنية مشددة في محيط البلدة القديمة وعند أبواب المسجد
.. مسلسل الحشاشين الحلقة 18.. سوزان نجم الدين تأمر بقتل إحدى حو
.. مشاهد لاقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات ال