الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش كتاب -القرآن كائن حي- لمصطفى محمود -ج2

مالك بارودي

2017 / 7 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يستهلّ مصطفى محمود كتابه "القرآن كائن حيّ" بجُملة كفيلة بإسقاط أيّ إنسان يقولها أو أيّ كتابٍ يتضمّنها إلى الحضيض، حيث يقول: "اللّغة القرآنيّة تختلف عن لغتنا التي نكتُبُ بها أو نتكلّم بها في أنّها مُحكمة لا خطأ فيها ولا نقص ولا زيادة".
.
أبسط دارسٍ محايدٍ للقرآن لا يمكن أن يتمالك نفسه عن الضّحك حين يقرأ مثل هذا الكلام، لأنّه يعرفُ أنّ في القرآن من الأخطاء والنّشاز واللّغو واللّامعنى واللّامنطق ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت. لكنّهُ التّدليسُ، كما قُلنا. فهذه الجُملة لا تُعبّر إلّا عن المدخل العاطفي اللّامنطقي الذي يسلكُه كلّ كهنة الإعجاز العلمي للتّأثير على المسلمين. "القرآن كام الله"، "القرآن صالحٌ لكلّ زمانٍ ومكانٍ"، "القرآن كتابٌ عجز النّاسُ عن الإتيان بمثله"، إلى آخره من الشّعارات التيتحوّلت في عقول أتباع الإسلام إلى مسلّمات بفضل الحشو الدّائم والتّحفيظ والتّرديد والتّكرار. وهذه المسلّماتُ هي الطُّعمُ الذي يرمونه للنّاس ليستطيعوا فيما بعد بيعهم أكوام الأكاذيب والأوهام التي لديهم. وهي تلعبُ عند معظم المسلمين دور المخدّر الذي يُعطّلُ عمل العقل فيُصبحُ من السّهل حشوه بما يريدون.
.
"اللّغة القرآنيّة (...) مُحكمة لا خطأ فيها ولا نقص ولا زيادة". حسنًا. هل هناك أدلّة على عكس ذلك؟ هل هناك أدلّة على أنّ لغة القرآن فيها أخطاء ونقصٌ وزيادة؟ بطبيعة الحال، الجواب هو: نعم. لكن، لنستعرض بعض الأمثلة، لكي لا يكون كلامنا مثل كلامِ كهنة الإعجاز العلمي وكهنة المسلمين بصفة عامّة.
.
الخطأ الأول، في الآية: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". (المائدة: 69). والصّحيح أن تكون الجملة كما يلي: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئينَ وَالنَّصَارَى"، إذ كان يجب أن يُنصب المعطوف على اسم "إنّ". والملاحظ أن نفس الجملة موجودة في سورتين أخريين ولم يرد فيها هذا الخطأ. تقول الآية الأولى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". (البقرة: 62) ونقرأ في الثّانية: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد". (الحج: 17)
.
الخطأ الثاني، في الآية: "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ". (البقرة: 17) والصّحيحُ أن يُقال: "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِ وَتَرَكَهُ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُ". لكنّ كاتب القرآن كان يُفكّر في السّجع فضحّى باللّغة من أجل الحصول على كلمة تتوافق مع نهايات الآيات السّابقة ("مستهزؤون"، "يعمهون"، "مهتدين"، إلخ)، وقد فعل ذلك في آيات أخرى كثيرة في نفس الكتاب. ولا أعلمُ إن كانت الضّرورة الشّعريّة أهمّ من المعنى ومن صحّة اللّغة في نظرِ المغفّلين الذين يضحكون على النّاس بخرافة سلامة القرآن من الأخطاء.
.
الخطأ الثّالث، في الآية: "فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ". (يوسف: 15) فمن يقرأ الآية لا يجدُ جوابًا ل"لمّا" التي بدأت بها الجملة. لمّا ذهبوا به وأجمعوا أن يجعله في الدبّ وأوحيْنا إليه، ماذا حدث؟ لا شيء. لا جواب. أليس هذا نقصًا؟ ألم تقولوا أنّ القرآن ليس فيه نقصٌ؟
.
الخطأ الرّابعُ، في الآية: "وَهُوَ الذي أنْزَلَ من السماءِ ماءً، فَأَخْرَجْنَا بِهِ نباتَ كلِّ شيء، فَأَخْرَجْنَا مِنه خضيراً نُخْرِجُ مِنه حباً متراكماً..." (الأنعام، 99). فِعلٌ واحدٌ يتكرّرُ ثلاث مرّاتٍ في آية واحدة، والتّكرارُ زيادةٌ مُضرّة بأيّ خطابٍ وخطأ أسلوبي لا يقعُ فيه حتّى كاتبٌ مبتدئ. فأين الإحكامُ المزعوم من هذا التّكرار الرّكيك؟
.
لكنّ المشكلة أنّ المسلمين لا يُفكّرون في القرآن بعقولهم، بل يُعطّلونها ويستغنون عن أبسط قواعد التّفكير المنطقي عند تناولهم للنّصّ القرآني. هذه هي المشكلة الكبرى. ولهذا نجدُ أنّ سوق الدّعاة والشّيوخ المدلّسين وكهنة الوهْمِ الإسلامي هي أكثر سوقٍ رائجة ومُربحة في العالم العربي الإسلامي الموبوء.
.
-----------------------------------
الهوامش:
1. مصطفى محمود، "القرآن كائن حيّ"، دار المعارف، القاهرة، دون سنة نشر، ص3.
2. المقال السّابق: "على هامش كتاب -القرآن كائن حي- لمصطفى محمود -ج1"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=565309
3. مدوّنات الكاتب مالك بارودي:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
3. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
https://archive.org/details/Islamic_myths
https://www.academia.edu/33820630/Malek_Baroudi_-_Islamic_Myths
4. صفحة "مالك بارودي" على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/malekbaroudix








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - راجع مواقع متخصصة ردت على ماتعتبره أخطاء في القران
عبد الله اغونان ( 2017 / 7 / 14 - 14:13 )

ماهي اللغة ؟ وما أصلها؟ هل هو الاستعمال الطبيعي أم التقعيد النظري

اللغة المحكية سابقة على لغة التقعيد الاصطلاحي

لم يكن عرب الجاهلية يعرفون مصطلحات القواعد بل يتكلمون سليقة

ولم تكن لغتهم واحدة نطقا ودلالة بل متعددة

وأخذ المدونون اللغة من الأعراب الفصحاء وصفوها ولم يختلرعوها

وجل من قعد القواعد كتابة هم الفرس ابتداء من سيبويه الفارسي عرقا المسلم هوية

ولفهم القران تم تقعيد القواعد

تعبنا في الرد على هذه الأخطاء المزعومة

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah