الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الزواج غير الإثني لدى المرينيين - في تاريخ المغرب- مقدمة لبناء مجتمع متعدد؟

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2017 / 7 / 14
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ثبت أن الزواج العشائريendogamie لدى الأمازيغ، في بلاد المغارب يشكل القاعدة ويأتي الزواج غير العشائري exogamie لتوطد التحالف بين عشائر القبيلة الواحدة ، أو بين قبيلتين على الأكثر. ولنا فيما بقي بجبال الأطلس الكبير الشرقي من تقاليد شفاهية، ما تؤسس لقرابة بين قبيلتين أيت بعزة وأيت إبراهيم، ونرغب في أخذ حالهما، دواما، مثالا للاستشهاد. ذلك أنه لما استقر رأيهما على الدفاع الذاتي، بالتنسيق بينهما، والدفاع عن المجال الوظيفي وتصييره وحدة سوسيوثقافية متجانسة، فتح المجال للزواج غير العشائري exogamie أن يقوم، لما يفشل الزواج العشائريendogamie القائم أساسا على الحب وعلى العرق. فالمصاهرة توطد التحالف في الأوساط القبلية، أي: إن الزواج آلية لتعزيز التعاضد. إن ما تلفاه قائما مستمرا في الميدان، هو نفس الحال الذي ستجد عليه الماضي، لما تعيد بناءه اعتمادا على المادة المصدرية. فالحاضر يضاهي الماضي، لكن صفته الماضوية لا تبرز حتى يجري تزكية معالمه بالنصوص التاريخية، إذ إن التاريخ منعدم بانعدام الوثيقة. وإنه بتمحيصنا لما هو عليه الحال في الأوساط القبلية المغلقة المنحدر جلها من فرع صنهاجة، وفق تقسيم ابن خلدون للأمازيغ في بلاد المغارب، ظل الزواج العشائريendogamie قاعدة أساسية، والزواج غير العشائري exogamie استثناء يأتي لمآرب أخرى، توسع قاعدة التحالف داخل مجال وظيفي واسع أو ضيق.
إن ما بقي كامنا في الأوساط القبلية المغلقة لهو الوجه والقاعدة التي عليها يقاس تاريخ شمال أفريقيا الاجتماعي. وهل حدث أن وظف الزواج أداة لتعزيز التعاضد والهيمنة على المجال، أو على الأقل، لتحقيق الاتحاد والالتحام بتعبير ابن خلدون؟ ما كان ليجيب عن هذا السؤال إلا الذين انطلقوا من الوسط الصنهاجي، الذي استطاع أن يحافظ، بفعل النزوع القبلي نحو الانغلاق، على تقاليد شفاهية، كنحو الزواج العشائريendogamie والزواج غير العشائري exogamie. لقد بادر الأستاذ محماد لطيف، الذي لا تخفى عليه خافية في أحوال صنهاجة بالجنوب الشرقي المغربي، إلى قياس التاريخ، على ما بقي في الوسط، فعل ذلك دون أن يفصح عنه، فألف كتاب «الزواج والأسرة في المغرب الأقصى خلال العصر الوسيط»، ليصدر سنة 2015. تأخر حصولي على نسخة من الكتاب أكثر مما ينبغي والكتاب في 145 صفحة من الحجم المتوسط صدر عن طباعة ونشر سوس بمدينة أگادير التي انقطع الأستاذ محماد لطيف للتدريس بجامعتها، وفق تخصصه تاريخ العصر الوسيط.
وما كان الأستاذ محمد لطيف ليستنطق المصادر التاريخية، ويقارن بين الوجهين: وجه الماضي ووجه الحاضر، الذي يعد النبش فيه من مهمة ذوي الصناعات الأخرى، علم الاجتماع، والإثنوغرافيا، والأنثربولوجيا، بل اكتفى بالإشادة بادئ بدء «بما قطعه البحث التاريخي من أشواط في دراسة الذهنيات وأنماط السلوكات الاجتماعية»، والتنبه من غفلة انجر عنها للعزوف، بعض الوقت، عن «إضاءة المهمش في الكتابة التاريخية، بطرق قضايا ملغزة لم تسبر أغوارها بشكل عميق». وتندرج الأسرة، وضمنها الجنس، ضمن المسكوت عنه، غير يسير اختراقه. لذلك عظمت «الحاجة لمعرفة واقعها»، في الماضي وفي الحال، و«تزايد الإلحاح على فهم المتغيرات المتسارعة التي تستهدفها» يقول الأستاذ محماد لطيف في مقدمة الكتاب، ممهدا بسياق دراسته التي تحدب فيها إلى إرساء «إحدى الحلقات المفقودة في التاريخ الاجتماعي للمغرب الأقصى خلال العصر الوسيط، والغوص في العمق لإلقاء أضواء كاشفة على بعض من القضايا المرتبطة بمؤسسة الأسرة والزواج، والخوض في العديد من جوانبها الشائكة والمبهمة، التي أسدل عليها ستار سميك من الصمت من قبل معظم الدراسات التاريخية المغربية المعاصرة، متذرعة بشح المادة العلمية المتاحة، أو معتبرة مثل تلك المواضيع تندرج ضمن دائرة الترف الفكري الذي يلمع الفصول ويزين الأبواب»
انتظمت دراسة الأستاذ محمد لطيف في قسمين: قسم الزواج والأسرة عند سلاطين الدولة المرينية وقسم الزواج والعلاقات الأسرية لدى رجال التصوف. وسنركز على جزء من القسم الأول من الدراسة، والأمل معقود لمواصلة دراسة القسم الثاني والقراءة فيه في متن الكتاب، في العقبى.
إن «تتبع المصاهرات وتحديد دوافعها الحقيقية، والمحددات المتحكمة فيها لدى قبيلة بني مرين يقضي استحضار سياقاتها العامة. فقد شكل الزواج في القبيلة تعبيرا عن سياستها وأداة تحافظ على هويتها وقيمها الداخلية»، بهذا المدخل يُحب الأستاذ محماد لطيف أن يلبس الزواج لباسا وظيفيا محضا (صفحة 16). ففضلا عن داعي التكاثر المعزز لاحتكار «العائلة مركز الزعامة والسلطة في القبيلة»، نقلا عن ابن خلدون، وتلك سنة المغاربة، في عهود يزداد فيها الانهيار الديمغرافي بفعل المجاعة وانتشار الوباء (الطاعون)، فإن توظيف الزواج لتوسيع نطاق التحالف، يعد «باعثا قويا لرؤساء القبائل للزواج»، على وجه غير عشائري، «تتجدد به صلات القربى، ويدفع عنهم عائلة الحرب». وكان أول من رسم هدف الزواج غير العشائري، بأوساط زناتة الكبرى عبد الحق بن محيو المريني الذي تعود إليه الحركة المرينية، فور انهزام الدولة الموحدية في معركة العقاب بالأندلس سنة 1212 ميلادية، وانطلاق حرب الاسترداد بالجزيرة الإيبيرية. لقد أقدم زعيم الحركة «نفسه على الزواج من أم الفرج من بني عبد الواد أعتى القبائل الزناتية»، وهي مصاهرة، يغلب أنها «حدثت قبل الحرب التي نشبت بين بني مرين وبين بني عبد الواد» في المغرب الأوسط.
لقد توفق عبد الحق بن محيو «في نسج شبكة واسعة من المصاهرات مع القبائل من داخل الحلف الزناتي الذي كان يتزعمه»، والذي قدره الأستاذ محماد لطيف منسجما «مع مرحلة التأسيس والتمهيد التي كان فيها المرينيون في حاجة إلى لجم الصراع والتناحر القبلي، وتعزيز التحالف من خلال تصدير الحرب خارج هذه الوحدات» (صفحة 18). ولقد تمكنت الحركة المرينية من إنشاء قاعدة بشرية، بالزواج، تكفي لإنجاح المشروع السياسي.
وانتقل الزواج، مع تطور الدولة المرينية، من زواج غير عشائري exogamieإلى زواج غير إثني، أي الزواج مع العنصر غير الأمازيغي. ذلك أن بعض القبائل العربية تمكنت من السيطرة على مساحات شاسعة «استحوذت عليها زمن الانهيار الموحدي». وتراءى لبني مرين ضمان «ودها ومصاهرتها على طول فترة التمهيد لدولتهم وحتى بعدها»، رجاء في «ضمان استمرار الروابط الزيجية مع القبائل العربية الأكثر تأثيرا ونفوذا» (صفحة 20).
وما وراء السياسة، كاد الزواج في العصر المريني أن يكون وسيلة لإنشاء النخب الاجتماعية، فهو آداة «الترقي في السلم الاجتماعي، وأداة يزيد امتدادها من توسيع هامش الامتيازات المنعم بها عليهم» (صفحة 23).
وخلص الأستاذ محماد لطيف إلى أن «جل المصاهرات التي عقدها الأمراء والسلاطين على امتداد العصر المريني، هي مصاهرات خضعت لمسار الدولة، وما فرضته كل مرحلة من مراحلها من رهانات»، حيث انتقل الزواج من الطابع العشائري إلى الطابع غير العشائري exogamie، وإلى الطابع غير الإثني.
ولئن كان للزواج في العصر المريني مفعولا مرغوبا فيه يكمن في كسب القوة أو الجاه، أو الرقي الاجتماعي فإنه صنع مفعولا غير مرغوب فيه يكمن في محاولة إنشاء عرق متجانس يتكون من العرب وزناتة الكبرى أو زناتة الصغرى المتجلية في قبيلة بني مرين وحدها. وهل تأثر المغاربة بالزواج غير الإثني المريني؟
يحتاج هذا الموضوع إلى مزيد من الحفر في الوسط الصنهاجي والوسط المصمودي، أيضا، لبيان مدى التقدم، غير المرغوب فيه، في مجال التجانس الإثني. ويبدو أن محاولة بني مرين، وما حققه زواجهم غير الإثني من مفعولات غير مرغوب فيه، لم يخف وقعها في الميدان، شكلت أساسا لبناء مجتمع يسود فيه التعدد الثقافي. ولئن عمل المغرب منذ استقلاله بالنظرية الاستيعابية والتي تروم ضمان طغيان عرق واحد وثقافة واحدة وديانة واحدة، فإنه سرعان ما عاد إلى الاعتراف بالتعدد الثقافي في دستور 2011. ويظل الأستاذ محماد لطيف واعيا بما للتعدد الثقافي من أهمية في بناء الصرح الديمقراطي المغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن