الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 14 تموز .. والمتحدة .. والمصير التاريخي

بدر الدين شنن

2017 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


قبل نحو خمسين عاماً ، وقع في الشرق حدثان هامان ، في عام واحد . وهما لو سلكا المسار القومي الصحيح ، لغيرا المصير العربي . وكنا نحن العرب الآن ، على غير ما نحن علبه ، من فرقة ، وعداء ، وتخلف ، وحروب .
الحدث الأول وقع في 22 شباط 1958 في مصر ، فقد أعلن ، بعد استفتاء شعبي في كل من مصر وسوريا في وقت واحد ، قيام الوحدة بين سوريا ومصر ، سميت " الجمهورية العربية المتحدة " برئاسة القائد العربي الكبير الراحل " جمال عبدالناصر " ، التي كسرت الحصار الاستعماري على سوريا ، وفتحت دروب إعادة دور العرب التاريخي ، وزعزعت السطوة الاستعمارية والصهيونية في الشرق، ووفرت المناخ السياسي المساعد ، للحدث الثاني العظيم ، وهو ثورة 14 تموز 1958 في العراق ، بقيادة الزعيم الشهيد الراحل عبد الكريم قاسم ، التي أسقطت المركز الأول ،لحلف بغداد الاستعماري ، المؤلف من " العراق ، وتركيا ، وإيران الشاه ، وباكستان ، وفرنسا ، وبريطانيا " ومشاركة أمريكية ، وإسرائيلية غير مباشرة " . . والمركز الهام للرجعية العربية في المشرق العربي ، ومركز السياسة العدوانية الاستعمارية ، ضد حركات التحرر والنهوض القومي العربي ، وبخاصة سوريا ومصر ، وضد بلدان المعسكر الاشتراكي المجاورة لأكثر من بلد في الحلف .

وقد جاء انتصار ثورة 14 تموز في العراق ، ، المتمثل بإسقاط النظام الملكي الرجعي العميل ، وإسقاط حلف بغداد الاستعماري ، انتصاراً للجمهورية العربية المتحدة الفتية ، التي كان من المعتمد عليها ، قيادة النهوض القومي العربي والشرق أوسطي .
وقد حظيت الجمهورية العراقية الجديدة ، بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم ، بدعم أخوي حماسي لا نظير له من قبل المتحدة وحكومتها " كما حظيت بالتفاف شعبي واسع ، من الشعب العراق وقواه التقدمية والسارية ، وفي مقدمها " الحزب الشيوعي العراقي ، كما حظيت بتعاطف جماهيري في البلدان العربية ، التي رأت في ثورة 14 تموز ، ونهضة العراق انفتاح أفق تحرري نهضوي عربي راسخ جديد .

كما جاء انتصار ثورة 14 تموز في العراق ، انتصاراً للمبادئ والرؤى الوحدوية العربية التحررية ، التي دعمتها ، وبدأت بتجسيدها عملياً على الأرض الجمهورية العربية المتحدة . ما بدا وكأن ثورة 14 تموز العراقية ، هي إنجاز متكامل مع الجمهورية المتحدة . وبدا أنه يجب أن يجسد هذا التكامل الموضوعي ، ضمن إطار يجمع البلدين ، لمتابعة مسار تحرر الشعوب العربية ، من الاحتلالات الاستعمارية في شمال أفريقيا والمشرق العربية بما فيها فلسطين ، واستعادة وحدتها ونهوضها .

والتقى المسؤولون في القاهرة وبغداد ودمشق مرات عدة . أكدوا فيها على الأخوة العربية ، والتعاون ضد المؤامرات الاستعمارية . والعمل على التكامل على مختلف المستويات والمسائل التي تهم معيشة ومستقبل البلدين . وقد لعبت هذه اللقاءات دوراً تفاؤلياً ، بإمكانية السير إلى ما هو أبعد من التضامن والتكامل في البلدين القوميين الطموحين . وصار العراق والمتحدة معاً في الضمير الشعبي العربي ، والحلم العربي دولة واحدة ، تقاوم الاستعمار ، والتخلف ، والصهيونية ، دولة تبني وطناً عربياً تقدمياً مجيداً جديدا .. وصار هذا الحلم مطلباً شعبياً كاسحاً

بيدأن التباينات السياسية الجزئية ، والافتراق في مسألة الأيدلوجيا المتعلقة بأولوية التحرر الاجتماعي الطبقي ، أو تحرر الأمة القومي ، في لحظة احتدام الصراع الراهنة مع القوى الاستعمارية . وفي مسألة لمن الزعامة في تلك اللحظة في الكيان الموحد المأمول إن حدث ، بين التيارين الفاعلين في الشارع السياسي ، ولديحما مفاتيح اللقاء والتباعد . وهما .. التيار القومي بشقيه البعثي والناصري من جهة .. وبين التيار الشيوعي من جهة أخرى . ثم بين عبد الناصر والبعث ، ومن أسف أن هذه التباينات ، لم تنته على اتفاق دستوري ديمقراطي ، وإنما تصاعد ت على صراع عنيف دموي أفشل الحلم الشعبي بوحدة البلدين . وذهب العراق إلى العرقنة وآفاق الأقلوية المذهبية . وذبحت الجمهورية العربية المتحدة بسكاكين الرجعية الانفصالية .

إن عدم تلاقي عراق 14 تموز مع المتحدة ، في مسار تضامني وحودي يؤدي إلى اجتماعهما في دولة قومية ديمقراطية واحدة ، قد زعزع مقومات النهضة العربية التي كانت قد قاربت النضوج ، بل وأدى إلى تدمير ما بدأت به الوحدة السورية المصرية ، وإلى انتشار التشرذم والتمزق العربي بدل الوحدة . وتوسعت طروحات غير عقلانية ، وغير حضارية ، وهي المطالبة بحقوق الأقليات ببناء دويلاتها ، فيما القومية العربية الأكبر ، تحرم عليها السارات القومية الوحدوية .

إن ثورة 14 تموز المجيدة ، جاءت مع وجود المتحدة ، بفرصة تاريخية عظيمة ، لبناء دولة قومية عربية تحررية ديمقراطية -ن منفتحة على قوى التقدم العالمية . وتستطيع مقاومة القوى الاستعمارية ، واستعادة فلسطين ، وكل الأراضي العربية المحتلة ، مثل لواء اسكندرون وغيره . ومن أسف أن المسؤولين في العراق والمتحدة ، لم يسلكوا هذا المسار ، ما أدى ، منذ ذاك الزمن ، إلى الفوضى الهدامة في الأقطار العربية منفردة ومجتمعة ،بما فيها " جامعة الدول العربية " لصاحبتها بريطانيا العظمى وحلف الأطلسي .

لقد ولى زمن حدث 14 تموز ، ودخل ، مأساوياً ، ذاكرة التاريخ وذاكرة السياسيين المعمرين . وانفصمت المتحدة . وما تبقى منهما ، هو الدرس والعبرة ، من مأساة ما حصل من صراعات بينهما ، دفعنا وندفع نحن حتى الآن ثمنها ، كوارث ودماء ، ودمار ، ومذلات ، وحروب ، لا تحصى . وآخرها ، وهي الأكثر دماء ، ودماراً وأحقاداً ، هي حروب الإرهاب العربي الدولي ، وحروب وعداوات الأشقاء . التي قد نحتاج عقوداً طويلة وأجيالاً عدة ، لنستطيع إعادة بناء ما دمر ، واستبيح ، وما فقدناه ، من أرض ، وقيم مادية وروحية ، وبشر ، وكرامة .

ورغم المسار القومي المؤلم لثورة 14 تموز ، والمتحدة ، إلا أنه ينبغي يوجه الاحترام والتقدير ، لثوار وثورة 14 تموز ، ولصانعي دولة الجمهورية العربية المتحدة ، وإحياء ما هو أثير وإيجابي ، مبشر في مسارهما التاريخي ، وأن تعتبر انتصارات العراق وسوريا ضد الإرهاب العربي والدولي ، التي تتحقق الآن ، وستكلل من كل بد ، بالانتصارات الحاسمة في الظروف الراهنة ، أن تعتبر فرصة تاريخية جديدة ، لإعادة الاعتبار للمشروع القومي العربي التحرري الديمقراطي ، برؤى مبدئية علمية ، للعلاقة الجدلية الإنسانية التحررية ، بين التحرر الطبقي والتحرر القومي ، برؤية لا تسمح بتكرار عدم نجاح اللقاء والتوحيد القومي ، كما حدث بين العراق والمتحدة قبل خمسين عاماً .

إن الشعوب العربية ، وخاصة في سوريا والعراق ، تتطلع إلى علاقات تحالفية متميزة متصاعدة بين البلدين ، حمالة أبعاد تسرع بوحدة الجيشين .. والشعبين .. والقيادتين .. للحفاظ على البلدين من مخاطر ودمار الحرب القائمة .. والحروب القادمة . ولإحياء الحلم القومي العربي التحرري الديمقراطي من أجل تعزيز قوى الحاضر وبناء المستقبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE