الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظلامية الدينية وعرقلة تحديث التعليم بالمغرب.

كريم اعا

2017 / 7 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أردت أن أكون لمرة واحدة متفائلا وأنظر للنصف المملوءة من الكأس كما يطالبني من لا يعجبهم الحديث عن نصفها الفارغ. أردت أن أخرج من عدميتي التي تقلق الأصدقاء وتغيظ الأعداء ولو من باب التجريب. وهكذا رحت أستمع لمسؤولي البلد وهم يتحدثون عن الرؤية الاستراتيجية 2015 ـ 2030 لإصلاح منظومة التربية والتكوين، وكيف ستنهي كل الأعطاب وتنقل النظام التعليمي من حالة الإفلاس المعلن والبين إلى مرحلة التعليم العصري والحديث الرامي إلى تحقيق "المشروع المواطن والديمقراطي والتنموي ... والانخراط الفاعل في مجتمع المعرفة والابتكار والتكنولوجيا"(1). لكن وأنا أتصفح الجريدة الرسمية 6461 الصادر بتاريخ 02 ماي 2016 ازددت يقينا أن النظام القائم وفي لرجعيته ومتمسك حد الموت بثوابته المؤسسة.
تضمنت الجريدة المذكورة مرسوما يقضي بإحداث اللجنة الوزارية الدائمة للتربية والتكوين.
بداية رحت أتساءل كيف يمكن لبلد يعاني من تخمة في المجالس والهيئات أن يتحمل كل هذا الكم الهائل من البنيات الإدارية التي تدعي الاشتغال على قضايا التربية والتكوين.
نملك وزارة للتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، تتفرع عنها وزارات مصغرة وبنيات بقوة بيروقراطيتها وتكلسها.
وتم إحداث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تتفرع عنه هياكل ووحدات بحجم خيبة نظامنا التعليمي.
كما تم تشكيل لجنة توجيهية بين المجلس المذكور والقطاعات الوزارية المعنية، والتي ليست غير وزارة التربية ووزارة الأوقاف.
وها هو السيد رئيس الحكومة يحدث لدى سيادته لجنة وزارية دائمة للتربية والتكوين.
قد يقول قائل أن حساسية وأهمية التعليم تفرض على رئيس الحكومة أن يوليها اهتماما خاصا، إلا أن الرجوع لتركيبتها ومهامها سيبين أن الهدف منها ليس إلا ضمان التحكم في مخرجاتها.
إن قراءة بسيطة في تركيبتها ستمكننا من ملاحظة أننا إزاء مجلس حكومي مصغر يهدف بالأساس إلى الحفاظ على الطابع الديني للنظام التعليمي والمزيد من تكريسه وتعميقه. تتضمن اللجنة في عضويتها 24 قطاعا حكوميا، تتقدمهم وزارة الداخلية ثم العدل والحريات فالأوقاف والشؤون الإسلامية في المرتبة الثالثة. أما وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر فتم ترتيبهما في الصفين 11 و 12 تواليا رغم كونهما المعنيين المباشرين بالموضوع. وهذا مؤشر دال على النظرة المتحكمة في تسيير قطاع التعليم وتدبير قضاياه، والمتمثلة في عقلية تسلطية وخلفية دينية رجعية تخشى العصر وتتمترس وراء المقدس وتدافع عنه.
إن تبويء وزارة الأوقاف موقعا متقدما في ترتيب أعضاء اللجنة، وتكليفها إلى جانب وزارتي التربية والتعليم العالي تنسيق وتتبع تنفيذ القرارات والتوصيات الصادرة عن اللجنة الوزارية الدائمة يبين أن النظام وخدامه الظلاميين الدينيين حريصون على عرقلة أية محاولة تنويرية وتحديثية للنظام التعليمي مهما صغرت وكيفما كانت الجهة التي صدرت عنها، وعلى استمرار النظام التعليمي في تخريج أجيال تقدس ظل الله في الرض وتحصن ثقافة التسليم والتصديق والتعايش مع استغلال الإنسان للإنسان وتعميق الفوارق الطبقية.
وكأني برئيس الحكومة يقول لهم مجلسهم الأعلى ولي لجنتي الدائمة، لهم خبراؤهم ولجانهم ولي وزارة أوقافي الموقرة حارسة المعبد وراعية الفكر الخرافي في كل مكان وحين.
أقر المرسوم أن بإمكان اللجنة، "بقرار من رئيسها إحداث وتحديد تأليف لجان متخصصة دائمة ومؤقتة ترى أنها ضرورية لمساعدتها على القيام بالمهام المنوطة بها".
وبالرجوع لهام المجلس الأعلى نجد أن من بينها إبداء الرأي في ما تحيله الحكومة من قضايا ذات الصلة بالاختيارات الكبرى، والتوجهات العامة والمشاريع والبرامج، وفي مشاريع القوانين والقوانين التنظيمية والنصوص التنظيمية، وكذا إعداد دراسات وأبحاث بناء على طلب من الحكومة. أليس هذا عبءا إضافي على كاهل دولة يتعبوننا بشكاويهم أنها على حافة الإفلاس؟ أليس هذا تعبيرا عن صراعات من أجل المواقع والنفوذ؟ أليس هذا تعطيلا وهدرا للطاقات والجهد والمال العام.
إن ما يهم التنظيم الديني هو الاطمئنان على استمرار ثقافة الكراهية والخرافة في النظام التعليمي الحالي حتى ينتج أناس مستلبي الإرادة وفاقدي روح الابتكار والنقد. وهذا ما يفسر إصرار النظام وأذرعه الدعوية على إقحام وزارة الأوقاف في كل ما يهم قضايا التربية والتكوين بالبلد وتمكينها من الترسانة القانونية لعرقلة أي توجه قد ينفلت من وسط متاريس التعليم الديني الذي يريدونه منهجا ونهجا وأسلوبا غير معلن.
هذه إحدى نتائج تدبير الحزب الديني لحكومة جلالته. إنها بذور الشر التي تريد أن تقتل كل نزوع تحديثي وعصري لمنظومة تعليمية أنتجت رغم كل العراقيل أجيالا من المتنورين. فهم يدركون أكثر من غيرهم الدور الخطير للتربية والتكوين، لذلك يجتهدون في فتح مدارسهم الخصوصية ومنع أي نزوع تنويري داخل المدرسة العمومية.
نحن إزاء ردة حقيقية تتم في صمت، وهجوم ظلامي غير معلن يروم انتزاع ما تبقى من نقط الضوء في عالم يتجه نحو الهمجية والوحشية بعزم وإصرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل