الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تجارب الشعوب : التجربة البرازيلية!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2017 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في حياة الشعوب ـ كل شعوب الأرض تقريباً ـ يمر ملوك وحكام ورؤساء ووزراء كثيرون، لكن من النادر أن يوجد بينهم قـــائـــد بالمعنى الحقيقي ينهض بشعبه ، ويصبح علامة فارقة من علامات تاريخه الوطني!!
ومن هئولاء القادة التاريخيين، الذين شكلوا علامة مضيئة في تاريخ شعوبهم، وانتقلوا بها من حال إلى أخرى تماماً في فترة وجيزة من تاريخ حكمهم، كان القائد البرازيلي(إيناسوس لولا دي سلفا)!!
والعجيب أن الأخبار قد تناقلت مؤخراً خبراً يفيد بأن محكمة برازيلية قد حكمت على (دي سلفا) بتسع سنوات ونصف السنة سجن بتهمة الفساد.. لكن دي سلفا تحداهم وأصر على ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة ـ رغم أنه رفض في الماضي الترشح للانتخابات ـ تاركاً للشعب البرازيلي الحكم النهائي عليه!.
وقبل الحكم على دي سلفا حكمت المحكمة البرازيلية نفسها، على خليفة دي سلفا في منصب الرئاسة (ديلما فانا روسيف) عضوة (حزب العمال البرازيلي) الذي أسسه دي سلفا، وأزاحتها من على رئاسة البرازيل..وكذلك الهجمة الشرسة التي يتعرض لها خليفة (هجو تشافيز) في فنزولا وغيرها كثير!.
وتبدو كل هذه الأحكام عبارة عن حملات إمبريالية منسقة ومبرمجة جيداً، لتصفية النظم التقدمية واليسارية في القارة الأمريكية اللاتينية وفي العالم أجمع!!
المهم ورغم كل هذا ومع كل هذه الحملات الإمبريالية الشرسة، فمن هو القائد (إيناسوس لولا دي سلفا) وما هي تجربته؟؟ .. وماذا قدم للشعب البرازيلي؟؟
****
البرازيل أكبر بلد في قارة أمريكا الجنوبية، وكانت حتى عام 2002 غارقة إلى أذنيها بالفقر والديون والتضخم وجملة المشاكل الناجمة عنها، وكان (أطفال الشوارع) في البرازيل يملأون المدن الكبيرة وأزقتها وفراغاتها الكثيرة، وكانت تطلق ضدهم حملات عسكرية ومدنية متواصلة ـ في زمن الدكتاتوريات العسكرية ـ لقتل هئولاء الأطفال الأبرياء، كما تقتل لكلاب السائبة في بعض مدننا وقرانا للتخلص من عبئهم وضوضائهم وسرقاتهم!!

لكن عام 2002 كان عاماً فاصلاً في حياة البرازيل، وحياة أطفالها وفقرائها ووجودها ودورها، كدولة وكمجتمع!.
ففي هذا العام الفاصل فاز ـ بعد ثلاث محاولات فاشلة ـ بمنصب رئاسة البرازيل الشخصية التقدمية الاشتراكية (لويس إيناسوس لولا دي سلفا ولد في (1945-10-27 .
ودي سلفا أحد سبعة أخوة لعائلة برازيلية معدمة، وبسبب الفقر أضطر لترك الدراسة في سن العاشرة من عمره، وهو في الصف الخامس الابتدائي والتوجه إلى سوق العمل.. فعمل ـ وهو في تلك السن الصغيرة ـ كماسح أحذية ثم حمالاً وبائع خضراوات وصبي محطة وقود وأخيراً ميكانيكي سيارات!.
وفي هذه المهنة الأخيرة قطع خنصر يده اليسرى، بسبب إهمال صاحب المصنع.. فانتبه دي سلفا لمدى الظلم الذي يتعرض له العمال البرازيليون، فتوجه إلى العمل النقابي وانتخب رئيساً لنقابة صناعة السيارات!.
وفي العام 1980 أسس حزباً سياسياً باسم (حزب العمال البرازيلي) وخاض نضالاً عنيداً من أجل حقوق العمال وحقوق مواطنيه المهدورة.. فحكم عليه بثلاث سنوات سجن، بسبب مواقفه من أجل العمال والفقراء!!

وعندما فاز دي سلفا بمنصب الرئاسة، خافت الطبقة الرأسمالية البرازيلية على امتيازاتها ومصالحها، لكون الرئيس الجديد اشتراكي النزعة والمنهج.. لكن دي سلفا بشخصيته الساحرة ووضوح منهجه، استطاع أن يكسب ثقة هذه الطبقة ويجعلها تعاونه على تطبيق برنامجه، السياسي للنهوض بالبرازيل ومكافحة الفقر المتفشي في البلاد .

وبعبقرية نادرة استطاع دي سلفا أن يزاوج بين المصالح العامة المتمثلة بالقطاع العام، والمصالح الخاصة المتمثلة بالقطاع الخاص، ويجعل الاثنين في خدمة نهوض البرازيل وخدمة فقرائها.. وكانت سياسة تعتمد أركان ثابتة هي: [الديمقراطية ، والسياسة المتوازنة لرعاية الفقراء ، والتصنيع ، والتصدير ، والضرائب التصاعدية] وتخصيص كامل ريعها للفقراء .. وبهذه السياسة المتوازنة استطاع أن :
 أن يجعل الاقتصاد البرازيلي ثامن أكبر اقتصاد في العالم، ويجعل البرازيل من القوى الصناعية الكبرى، وكذلك يجعل منها واحدة من القوى المؤثرة في العالم لربع القرن القادم!!
 القضاء على البطالة تقريباً، ورفع 20 مليون برازيلي عن خط الفقر، وتحسين حياة ثمانية ملاين أسرة برازيلية أخرى !!
 نجح في تسديد كافة ديون البرازيل، وتسديد ديون صندوق النقد الدولي قبل عاميين من استحقاقها، وتكوين فائض نقدي يتراكم سنوياً.. بينما كانت البرازيل تعتبر واحدة من أكبر الدول المدينة في العالم!!
 تحديث الجيش البرازيلي بأحدث التقنيات الحديثة، وفرض التجنيد الإلزامي!!
وغير هذا الكثير الكثير من المنجزات التي كانت تعتبر من المستحيلات، في عرف السياسة البرازيلية والمدرسة السياسية التقليدية.. ويمكن القول:
أن دي سلفا استطاع أن يعيد خلق البرازيل خلقاً جديداً، على كل مستويات الحياة السياسية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية......الخ .. وكل هذا قد تم للبرازيل في ظرف ثمان سنوات قضاها دي سلفا في منصب الرئاسة.. فقد تم إعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية في عام 2006!.
وخلال الدورتين رشحته أكبر الصحف العالمية كتايم وشبيغل اللي موند كـ " شخصية العام" أو كـ " أكبر شخصية مؤثرة في العالم ".. وعن شعبيته قال أوباما عندما سئل عنه ((لولا أكثر شعبية مني..إنه أكثر شعبية من كل الكرة الأرضية))!!
وعندما انتهت دورته الثانية طالبه %80 بالمائة من الشعب البرازيلي بتعديل الدستور، والترشح لدورة ثالثة مضمونة .. عندها قال قولته الشهيرة: ((ناضلت قبل عشرين سنة لمنع الرؤساء من أن يبقوا في الحكم أطول من المدة القانونية.. فكيف اسمح لنفسي أن أفعل ذلك))!!

وفي مشهد تاريخي نادر الحدوث، سلم دي سلفا منصبه لرئيسة جديدة للبرازيل وهو يبكي وشعبه يبكي مثله!!.
هو يبكي لهذا الوفاء الذي قابله وودعه به شعبه .. وشعبه يبكي رئيساً أعاد إليه الحياة بعد أن كاد يفقدها!!
ترى هل سينجح (لويس إيناسوس لولا دي سلفا) إذا ما رشح نفسه ثانية؟؟

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية