الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عملية الاقصى وما يسمى بالإرهاب

يعقوب بن افرات

2017 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


المسؤول الرئيسي والوحيد على ما حدث في المسجد الاقصى هو الاحتلال، نقطة سطر جديد. هذا هو رد الفعل التلقائي الذي اعتدنا عليه منذ بداية العمليات الفدائية ضد اسرائيل منذ مطلع الستينات من القرن الماضي. ثلاثة شبان من ام الفحم، حاملين الجنسية الاسرائيلية، قاموا بعملية مسلحة راح ضحيتها شرطيين اسرائيليين من الطائفة الدرزية من قريتي حرفيش والمغار. من الممكن اعتبار هذه العملية عمل مقاوم مثله مثل اعمال المقاومة الفردية التي تحدث على امتداد المناطق المحتلة بما فيها القدس.
الا ان نحن لسنا في الستينات من القرن الماضي بل نعيش في القرن الواحد والعشرين، نحن نعيش في عهد خراب الموصل ومأساة حلب، عهد الدمار الشامل الذي لا علاقة للاحتلال به لا من قريب ربما من بعيد. نحن في عهد احتلال العراق و سورية على ايدي قوى اصولية اسلامية، التي تدعي انها على طريق تحرير الاقصى من اليهود والتكفيريين. ومن هنا لا يمكن حصر الموقف من هذه العملية في طبيعة العلاقة بين اسرائيل والفلسطينيين فحسب، بل يجب ان نراها بكل ابعادها المذهبية والفكرية. باسم المقاومة والممانعة قام النظام السوري بأبشع الجرائم ضد شعبه، وباسم مقاومة اسرائيل قام حزب الله اللبناني بتدمير وتجويع وتطهير حلب وسائر القرى والمدن السورية واخلائها من السكّان. اما وبحجة مقاومة النظام السوري والاحتلال الروسي والايراني، قامت مجموعات سلفية جهادية، مدعومة من السعودية، قطر وتركيا بتصفية لجان التنسيق والجيش الحر السوري اللذان بادرا الى الثورة تحت شعار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ومن خلال التطرق الى من مدح العملية ومن شجبها، من الممكن تشخيص طبيعتها وابعادها. اختيار المسجد الاقصى مكان لعملية مسلحة يحمل رسالة واضحة وشعار واضح: "الاقصى بخطر" وهذا هو الشعار الذي اخترعه الشيخ رائد صلاح ليبني عليه حركته السياسية. وكان الشيخ رائد صلاح اول من مدح في محمد ومحمد ومحمد آل جبارين الذين نفذوا العملية، في الوقت الذي يعتبرونها انصار عزمي بشارة عملية مقاومة شرعية ولم تلبث "الجزيرة" القطرية وتركيا في تعبير عن دعمها ايضا، اما من الناحية الاخرى، ملك الاردن ورئيس السلطة الفلسطينية كانوا ممّن استنكروا هذه العملية وسرعان ما اتصلا بنتانياهو مطالبين اياه بفتح ابواب الحرم الشريف بعد ان اصدر اوامره بإغلاقها.
هذه العملية لم تكن على خلفية قومية بحتة بل على خلفية دينية اسلامية واضحة وهي جزء من "الصحوة" الاسلامية الممتدة من المغرب الى المشرق العربي وفي انحاء آسيا وحتى افريقيا. ان الاحتلال الصهيوني، ايران، نظام الاسد وغيره من الانظمة الظالمة اصبحت حجة من اجل احتلال عقول الشباب والقضاء على القوى الشبابية التي تريد استبدال الانظمة المستبدة بنظام ديمقراطي عادل مثل الحركة الخضراء في ايران، حركة 6 ابريل في مصر ولجان التنسيق السورية. وراء عملية الاقصى يقف برنامج الخلافة الاسلامية الذي يختلف كلّيا عن البرنامج الوطني الفلسطيني. فاذا ارادت الحركة الوطنية الفلسطينية تحرير الانسان الفلسطيني، ما تسعى اليه السلفية الاسلامية هو تحرير المجتمع المسلم من كل آثار المجتمع العصري "الغربي".
ان ما قام به الشبان الثلاثة من ام الفحم لم تكن عملية ارهابية لانهم واجهوا السلاح ضد الشرطة الاسرائيلية، بل لأن العنوان الحقيقي للإرهاب ليس المجتمع الاسرائيلي بل المجتمع العربي داخل اسرائيل. الارهاب الداخلي يكتسب عدة اشكال الا ان مصدره واحد. يكفينا النّظر الى وضع المرأة العربية في المجتمع لندرك عمق القمع والارهاب. ليس القانون الاسرائيلي هو الذي يحكم المجتمع العربي بل احكام الدين بغطاء العادات والتقاليد. القانون الإسرائيلي لا يمنع قراءة كتاب "اورفوار عكا" في ثانوية باقة الغربية ولا يمنع عرض فيلم ميسلون حمود "بر بحر" في قلب ام الفحم. في الوقت الذي اختفت به السينما والمسرح في القرى العربية، فلا ثقافة مسموحة سوى ما تسمح به التيارات المتزمتة الاسلامية التي اصبحت تسيطر على الحياة العامَة.
والسؤال، هو كيف ممكن لمجتمع الذي اغلبية شبابه وشاباته، اصحاب شهادات ثانوية ونسبة كبيرة منه مثقفين اكاديميين ان يقبل لمثل هذا العيش دون فن، ادب، مسرح، سينما، ودون ان يختلط فيه المرأة والرجل بشكل حر، على قدر من المساواة الا اذا لم يتم بالإكراه؟ ولم يتوقّف هذا التنكر للقانون عند المجال الثقافي بل انتشر ليشمل كافة مناحي الحياة. ولا غرابة في ان يقود الشباب السيارة دون رخصة ودون تأمين وعندما يحدث حادث طرق، لا يتم تسويته من خلال شركات التامين وشرطة المرور بل عن طريق قانون الغابة. وهذه الحالة تتدهور بسهولة لتصل الى العنف الذي اصبح مستشريًا ووسيلة لتصفية الخلافات في شتى المجالات، نزاع على قطعة ارض، دين لم يتم دفعه، او مجرد عدم منح سيارة الغير المرور في الازقة القروية الضيقة.
اما السلاح، فهو نفس السلاح الذي دمر الثورة السورية وابعد كثير ممن عرّفوا انفسهم اصدقاء الشعب السوري ومنح للنظام وحلفائه كل المبررات لتدمير سورية وتهجير مواطنيها. وللأسف السلاح موجود اليوم في بيوت المواطنين العرب في اسرائيل، فعندما يسيطر قانون الغابة او بكلام اكثر مُنمّق العادات والتقاليد والسّلاح يحلّان محل القانون والشرطة في آن واحد. السلاح في المجتمع العربي ليس لمقاومة احد بل مجرد شهادة (بوليصة) تأمين للردع والدفاع عن النفس، اما وفي كثير من الحالات يتم تصفية الحسابات، كل انواع الحسابات، على خلفيات تافهة وغريبة من خلال القتل والثأر وهكذا دواليك.
وقد قامت الحركة الاسلامية في عدد من القرى العربية، ككفر قاسم وام الفحم بتشكيل "لجان حراسة" التي تقوم بدورها بالحفاظ على سلامة البلد من الاجرام، الا ان "الاجرام" لا يحدده القانون بل ما تراه الحركة الاسلامية اجراما وكل واحد ممكن ان يتخيل ما هي حدود الاجرام. ان لجان الحراسة ليس سوى لباس آخر لما يمكن اعتباره "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي تعمل وفق قوانينه السعودية وايران للحفاظ على الاخلاق بالحيز العام. ان الحكومة الاسرائيلية مثلها مثل الشرطة لا تبالي ان تنشط في القرى العربية "لجان حراسة" او ان يتم قمع كل مظهر للحداثة بل تتعايش معها و"تحترم ارادة الاغلبية" في المجتمع العربي بالعيش حسب قوانين القرون الوسطى. اما هؤلاء القياديين الذين يتسترون وراء الشرطة الاسرائيلية ويتهمونها بالمسؤول الاول والاخير عن العنف في المجتمع العربي يدفنون رأسهم مثل النعامة في الرمال ويكشفون مؤخراتهم على الملأ.
بعد خراب الموصل ودمار حلب حان الوقت لنضع النقاط على الحروف وأن ننظر للأمور بمنظار حقيقي آخر. لفترة طويلة اعتبرت جبهة النصرة حليفا في المقاومة ضد نظام الاسد ومعها جيش الاسلام واحرار الشام، حتى افقدت المعارضة السياسية السيطرة على ما يحدث واصبحت مهمشة دون نفوذ على الارض. ان مقاومة النظام السوري او مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لا تبرر خلط المضامين والبرامج. ان التحالف مع الشيخ رائد صلاح ضمن لجنة المتابعة للجماهير العربية او الشراكة مع الحركة الاسلامية ضمن القائمة المشتركة في الكنيست، تُعمّق الازمة الداخلية التي تعيشها الجماهير العربية في اسرائيل. ليس بمحض الصُّدفة انه في كل استطلاعات الرّأي لا تحظى القائمة المشتركة بثقة الناس. اما لجنة المتابعة فتمشي في واد والجماهير في واد آخر. ان الشمس لا تُغطى بالغربال، فقد اصبح الاحتلال غربال، وحجة لعجز القيادات من مواجهة الحقيقة وهي ان الحركات الاسلامية هي التي تسيطر على المجتمع وكل من يخشى مواجهتها فكريا وسياسيا يساهم في ادامة الفوضى التي احتلت البلاد العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح