الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأيادي القذرة

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 7 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


" يا أمة ضحكت من جهلها الأمم". للمتـنبي..
كان ذاك في سياق معين. إننا اليوم في سياق آخر يقول: " يا جماهير تضحك من جهلك النخب"..
النخبة ليست بعض المثـقـفين فقط.. النخبة هي الحاكم . إنها كذلك القيادات السياسية و قواعد أحزابها و التي يضطرون أنفـسهم لمهادنتها و صناعة خطاب توافق عليه، و حين يتم اتخاذ بعض القرارات السياسية تماشيا مع هؤلاء الجهلة، فتلك لعمري مصيبة المصائب ليس للحزب فقط و إنما للبلد بأجمعه و للحظة التاريخية التي قد تـتطلب أحيانا انـقلابا في المواقف و قـفزة خفيفة لا يقدر عليها إلا الزعماء السياسيـين الأذكياء الأحرار بحق و ذوي الشكيمة و العزيمة الفولاذية و الرؤية الواضحة الواثـقة من نفسها. أما إذا كان الزعيم ليس إلا مجرد امتداد و إضافة جزئية عن غوغائيه من القواعد، و إن كان متبلد الذهن بدوره، و قضيته الأساسية هي كيفية الحفاظ على قيادته الصنمية، فتلك والله من شيم ضعاف النفوس اللذين لا يؤتمن بهم على مصير تـنظيم سياسي فما بالك بمصير بلد..
***
"الأيادي القذرة" للمفكر الفرنسي اليساري "سارتر". تـقول أن في ممارسة السياسة لوثة و قذارة. ليس بمعنى تأصلها في السياسة في ذاتها أو في الشخص، و إنما بمعنى أن التحديات و الاختيارات التي تـفرضها و التي تتعامل مع الجزئي و النسبي في إطار إرادة تسيـيره وفـق الفكرة المبدئية العامة و بالتالي تحرك تلك المبدئية بالضرورة من مربعاتها الأولى إلى تمظهرات قذرة في القرارات السياسية من تكتيكات لتحقيق إستراتيجية معينة.. هذا ما تعنيه "الأيادي القذرة". الأيادي حين تعمل في الواقع في محاولة تجسيد الفكرة..
فكرة الكرسي التي تصطدم بنوعية الخشب و الآلات التي تـشتغل بها و الصورة التي للكرسي التي يمكن أن تعرف الرواج.. الفكرة النقية حين تـتحول إلى التجسيد تخرج من نقائها لأنها تكون في حضرة الأيادي التي بالضرورة ستعرف القـذارة. انظر إلى غبار الخشب الذي لا يلوث يد النجار فقط و إنما وجهه و شعر رأسه كذلك..
انظر إلى ذاك الذي يعتبره كثيرون قديسا و هو فعلا كذلك بحكم الفكرة التي يؤمن بها في بناء روسيا قوية منيعة على أساس الاشتراكية الماركسية كأداة عامة لتحقيق هذا الهدف.. ذاك القديس "ستالين" الذي لم تراه أمه إلا راهبا في الكنيسة، و هو فعلا له مضمون شخصية الراهب.. ذاك الشاعر في شبابه المفعم بالشاعرية المتجهة نحو رفض الظلم و قسوة الواقع،حين تحول إلى إرادة التجسيد لأفكاره كان يتصاعد شيئا فشيئا نحو الأعمال القذرة المثخنة بملايين الدماء المراقة.. فهل ذاك الراهب مسئول أم أن حجم الفكرة العظيمة الكبرى و ما تـتطلبه من تطويع قصري للمادة لأجل صناعة الفكرة في الواقع هو المسئول؟؟.. يبدو انه من باب الدائرة العبثية الدخول في معمعة البحث عن المسئول.. إنها الأمور كذلك..
***
المحصلة انه لا يمكن النظر إلى العالم من زاوية واحدة. العالم مزدوج بين ظاهره و خفيه بشكل عام. بين حسيته كما تظهر من زاوية ما في لحظة ما و تغايرها في النظر الحسي بالتالي، و بين ما تتضمنه تلك الحسية من فكرة جوهرية ثابتة هي فكرتها التي هي فكرتـنا نحن البشر بحكم آليات العقل البشري مثلما فصلها الفيلسوف الألماني "كانط" في كتابه "نقد العقل المحض"..
و بالتالي فان مقولات الثبات في العمل السياسي و النظرة الثابتة للأمور بشكل عام لا تدلل إلا على تعسف على الذات و العالم.. الذات التي تـنظر بالضرورة بأشكال متعددة للعالم، و يكون من باب التعسف عليها بإرادة ايديالوجوية التعـسف على تلك التعددية..
لماذا إذن الايديالوجوية؟ إنها ليست لأجل الإيديولوجية في ذاتها كمعطى فكري تأليفي معين، و إنما لأجل الانتماء و قرارات الحزب و تكتيكاته.. إذن تعسف على الذات لأجل القبيلة الحزبوية، لان الحزب الحقيقي و خاصة من يدعي امتلاك شعلة الفكر التـقدمي يتجاوز مسألة الانتماء بين اللحوم و الدماء، إلى الانتماء إلى الفكرة التي يراها تعبيرا عن الخير المطلق. تعبيرات الخير المطلق لا يمكن أبدا أن تكون واحدة واحدية لأن من يعبر في النهاية هو العقل البشري، و الذي هو بدوره أعلى ملكات الذات الإنسانية التي هي بالضرورة متعددة لأنها تعيش في العالم الحسي المتلون المتغير باستمرار و الذي يُراد دوما عـقـلنـته أي رفعه إلى مستوى الفكرة الجوهرية المعقولة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب