الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقييم الاطار العام لخطة التنمية الوطنية العراقية 2018-2022

فارس آل سلمان

2017 / 7 / 19
الادارة و الاقتصاد


تقييم الاطار العام لخطة التنمية الوطنية العراقية 2018-2022

* فارس آل سلمان
يبدو من النظرة الاولى على الاطار العام لخطة التنمية الوطنية 2018-2022 ، تركز على تحقيق التنمية المستدامة ، و تحقيق الرفاه ، والعدالة ، والامن ، وحماية البيئة ، والمحافظة على حقوق الاجيال القادمة ، فضلا عن التاكيد على المشاركة مع جميع الشركاء ، كما انها تؤكد على على رؤية 2030 و التي هدفها الاسمى ان يكون العراق تنافسيا في ظل حكم رشيد يحقق العدل ، و يضمن تكافوء الفرص للجميع . وطرحت الخطة شعارا طموحا وهو : ارساء اسس دولة تنموية فاعلة ذات مسؤولية اجتماعية . كما صنفت الخطة التحديات التي تواجه العراق بواقعية ، و نصت مبادئها الاساسية على التمكين المجتمعي، و تكافوء الفرص فضلا عن التدرج في عملية التحول الاقتصادي . و تطرقت الخطة الى فلسفة الادارة الاقتصادية ، والتي تضمنت الكثير من الاهداف الطموحة ، ومنها الحوكمة الرشيدة بما يهيء لاعتماد نظام اقتصاد السوق الاجتماعي كمنهج للادارة الاقتصادية ، والذي ينادي منتدى بغداد الاقتصادي منذ سنوات بتبني هذا النظام الاقتصادي ، وسبق ان اقترح تبنيه عبر رباعية نشرت على صفحات جريدة الصباح ( الجريدة الرسمية العراقية) العام الماضي .
لاشك في ان المخططين ومعدي الخطة كانوا واقعيين في تحديد الاهداف نظرا للكم الهائل من التحديات التي تواجه العراق ، و اخذوا بنظر الاعتبار ان التوجه الى اقتصاد السوق الحر في الوقت الحاضر يعني انتحارا ، و يخلق هزات اقتصادية واجتماعية ، تضيف تحديات كارثية اضافية لتلك التي واجهها العراق خلال الثلاثين عام المنصرمة.
ان الاطار العام للخطة واقعي و بناء ، لكن الاهم من ذلك هو خارطة الطريق الدقيقة و التفصيلية و المرنة و التي يجب اعدادها كي تطبق الخطة فعليا ، فضلا عن توفير آليات فعالة للتنفيذ و الرقابة . و اتمنى على معدي الخطة الاخذ بالاعتبار جملة حقائق وتحديات و الولوج الى تفاصيلها بهدف وضع خطط فرعية لاجراءات ناجعة .
ومن هذه الحقائق ، ان نجاح تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي يعتمد على مستوى التطور الاقتصادي للبلد ، فاذا كان التطور الاقتصادي كبيرا و متزايدا فيمكن تطبيقه بحيث يمكن توجيه جزء كبير من الموارد الاقتصادية الى مشاريع التنمية الاجتماعية . و العراق من الدول النامية ويعاني من تشوه اقتصادي ناجم عن الظروف الاستثنائية التي مر و يمر بها ، مما جعل موضوع تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي اكثر تعقيدا ، و نحتاج اولا الى تحويل العقيدة الاقتصادية (ان وجدت) للاحزاب الفاعلة على الساحة العراقية الى الايمان بهذا النموذج الاقتصادي ، فضلا عن تعزيز ايمان رجال الاعمال و الصناعيين و الاقتصاديين بهذا الخيار الاقتصادي ، وضمان تبنيهم لهذا النهج ، كما يستوجب توفر وعي و ايمان وثقافة لدى نقابات العمال وتوحيد مواقف قاعدتها الجماهيرية كي تتفاوض بواقعية . وخلاصة الامر فان تبني هذا النهج يتطلب انشاء تحالف بشكل رسمي بين الدولة المحايدة و رجال المال و الصناعة و الاقتصاد مع نقابات العمال لتشكيل مثلث يؤسس لنظام اقتصاد السوق الاجتماعي ، بهدف ضمان تدخل الدولة الايجابي لضبط آليات السوق عند وجود اي اختلال (ابتداءا بالاغراق التجاري و الغش والاحتكار وغيرها) ، فضلا عن توفير فرص عمل ، و تطوير ورفع كفاءة الايدي العاملة ، و ضمان انسيابية و نجاح المشاريع الاستثمارية التي يقوم بها رجال المال و الصناعة ، مع ضمان مراجعة سنوية لتحديد الاجور و الاسعار .
ان الركن الاساسي لاقتصاد السوق الاجتماعي هو ان يكون تدخل الدولة فعال و محايد و ايجابي فضلا عن وجوب توزيع الدخل و المساعدات و فرض الضرائب بشكل عادل لضمان توزيع عادل بين شرائح المجتمع .
اي اننا نحتاج وقبل الشروع بتطبيق هذا النهج الاقتصادي الى ابرام عقد اجتماعي جديد بين الطبقة السياسية المتحكمة بالاحزاب و بين عموم الشعب ، بحيث يتم تحديد واجبات و حدود صلاحيات اعضاء الحكومة و نواب البرلمان و يجب افهامهم بان تخويلهم ليس مطلقا و هناك خطة لها توقيتات و تشريعات تحتاج الى اقرار او الى تعديل بما يخدم هذا النهج الاقتصادي . فضلا عن افهام النخبة السياسية بتفاصيل اقتصاد السوق الاجتماعي ( نظام الرفاه الاجتماعي ) و ضمان ايمانها به و استيعابها له و ايضاح تعارضه مع العولمة اذ أن سيطرة الشركات العابرة للقارات و الاحتكارات الغربية و دولها على نظام العولمة الرأسمالية ادى الى سيطرتها على الفائض الاقتصادي و الارباح الهائلة ، و بدلا من استثمار هذه الارباح في تطوير البنية التحتية و التنمية الاجتماعية ، تم استخدامها في المضاربات المالية و العقارية فضلا عن التهرب الضريبي . ان عمل الاحزاب الحاكمة يتطلب منها النظر لمصلحة المجتمع بكل مقوماته و تحويل الحكومة من حكومة رواتب و امتيازات و عالة على المجتمع العراقي الى حكومة تنمية ديناميكية تضع مصلحة المجتمع أولا و ليس المصلحة الحزبية . اننا نواجه حتمية وجود حكومة قوية متماسكة ، تتبنى مشروع اصلاح اقتصادي علمي قابل للتطبيق . وادارة واعية مؤمنه و راغبة في تطبيقه بأخلاص.
ستواجه الخطة تحديات سياسية تتمثل في ضمان التداول السلمي للسلطة و حيادية الدولة ، لا ان تجير الدولة للأحزاب او اشخاص المسؤولين ، فضلا عن اشاعة الشفافية و النزاهة وتفعيل المحاسبة بموجب القانون و الذي يجب ان يكون فعلا فوق الجميع .
ان تحقيق هذا النظام يتطلب اصلاحات شاملة متوافقة و بتوقيتات مضمونة في جميع الجوانب الأدارية و الأقتصادية و السياسية ، و خصوصا الاصلاح السياسي و ضمان حيادية القضاء. اذ ان اقتصاد السوق يقوم على فكرة التفاعل بين الاسواق و حركتها وعندما تكون هناك حاجة لتدخل الدولة ، فيجب ان يكون هذا التدخل ايجابي و بشكل دقيق و مدروس لاعادة التوازن للأسواق ان أختل هذا التوازن. فوجود تفاعل بين الدولة و الاسواق يؤدي الى خلق علاقة متوازنة بين دور الدولة و الأسواق و اعتبارهما شريكين واجب تعاونهما لتحقيق مصلحة الطرفين و بالتالي تحقيق المصلحة الجمعية المجتمعية ، و هذا يتطلب التنسيق بين سوق البضائع ، و سوق الرأسماليين ، و سوق قوة العمل ، مما يستوجب بالحاح تطوير أجهزة الدولة الرقابية للعمل بسرعة و حيادية و مهنية ، فضلا عن ضمان استقلالية المؤسسات القضائية بشكل مطلق ، واستقلالية و حيادية البنك المركزي .
كما يتوجب ايقاف الفوضى الاقتصادية و تراجع دور الدولة في اعادة التوازن الى الاسواق . فضلا عن بناء منظومة قيم اجتماعية و اجماع وطني ، و تحديد اهداف و استراتيجية الأمن الوطني ، ووضع حلول عقلانية وواقعية لتحديات المهجرين ، و اعادة اعمار المدن المحررة ، و اعادة بناء البنية تحتية المتهالكة او المتقادمة في عموم العراق ، و معالجة البطالة و الارتقاء بمستوى مهارة الايدي العاملة . اذ يجب توفير قوة العمل و تاهيلها، و توفير آليات العرض و الطلب بهدف تحديد الاسعار و توفير اداة النمو لتحقيق اقصى دخل أقتصادي ممكن ، و استخدام جزءا منه لتحقيق تنمية اقتصادية و اجتماعية ، و تغطية متطلبات الدفاع الوطني ، و هذا يتطلب اجماع و توافق وطني كي تتدخل الدولة بالاسلوب و التوقيت المناسبين.
يجب ان تتكفل الخطة بتأمين الغذاء والأمن الغذائي ، اذ ان على العراق ان يكتفي ذاتيا بأنتاج المحاصيل الأساسية لأعتبارات الغذائي و الذي هو جزءا من الأمن الوطني ، فضلا عن مواجهة التحديات الأقتصادية. كما ان تأمين الامن الدوائي ، و تأمين التعليم ، و الضمان الصحي ، و ضمان العمل من اهم مقومات نجاح الخطة.
نحتاج الى تطوير الدولة فكريا و تنظيميا و قيادة و ادارة و اداءا في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية. مع وجوب خلق تعددية اقتصادية و عدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد لدخل الدولة لاسيما التوسع بمشاريع البتروكيماويات و التي يمكن ان تكون اداة ناجعة لمواجهة تراجع اسعار النفط الخام عالميا .
كما يتوجب أنشاء نظام قانوني مؤسساتي للتفاوض الاجتماعي و تحريك الاجور ضمن خطط التنمية في اطار آليات السوق و التنمية الاجتماعية. و وضع خطة شاملة للاصلاح الحقيقي العلمي ، و ترشيد الانفاق الحكومي بشكل حقيقي و ليس شكلي ، و استغلال جميع الموارد المتاحة ، و توزيع الدخل القومي بالشكل الامثل. كما يتوجب تشجيع الاستثمار المحلي و الاجنبي بشكل يصب في مصلحة الدولة و المجتمع ، لا ان يتم التفريط بالثروة الوطنية بحجة الاستثمار ، و ان لا يكون الاستثمار طريقا لتقاسم السياسيين او شركائهم من رجال الاعمال لثروات الوطن او احتكار الفرص الاستثمارية.
يجب تشكيل وفد تفاوضي حقيقي يتكون من ممثلي الحكومة و ممثلي الشعب (الذي هو صاحب الثروة الحقيقي) ، و يجب ان يكون ممثلوا الشعب حقيقيون و ليسوا منتخبين من محيط الحكومة او قريبين من اعضاءها ، لطرح استراتيجية تهدف لتحقيق تنمية حقيقية من خلال اقتصاد السوق الاجتماعي لعبور مرحلة اعادة الاعمار ، و لتحقيق توازن اجتماعي ، و بناء مؤسسات الدولة . فضلا عن تطوير المنتج الوطني و دعمه ، و اتباع سياسة نقل التكنولوجيا ، ونقل سر المعرفة ، و تطوير مهارة و معرفة الايدي العاملة ، و التوسع في تدريب الكوادر الوسطية ، و وتبني استراتيجية التعليم التقني و تطويره ، و من ثمة زيادة نسبة المواد المنتجة محليا الداخلة في صناعة السلع المجمعة . فضلا عن تطوير الزراعة و الصناعة كي تشارك النفط كموارد للدولة ، و انشاء صناعات تعتمد على المنتج الزراعي بحيث تكون مخرجات الزراعة مدخلات للصناعة. وتوجيه القروض الزراعية بالشكل الصحيح من خلال سياسة مصرفية رصينة ، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة بهدف محاربة التهرب الضريبي.
ان صياغة خطة تنمية جديدة شاملة و باعتماد آليات جديدة واعتماد الحوكمة و التنافسية في جميع مؤسسات الدولة و القطاعين الخاص و المختلط لهي علاج ناجع لمشاكل العراق الاقتصادية و الاجتماعية .
ان القطاع الخاص الحقيقي لم يجد فرصه الحقيقية في ظل التخبط الأقتصادي و المحسوبية و الفساد المالي و الأداري المستشري . فقد نمت بعض ثروات القطاع الخاص العراقي في أجواء بعيدة عن التنافسية العادلة ، اذ ان هذا البعض قد نما بشكل احتكاري في ظل استفادة من قرار حكومي سواء كان جمعي محدود او فردي . اذ اعتمد القطاع الخاص غير الحقيقي في الفترة السابقة على اقتناص الفرص و تحقيق مكاسب فردية عبر الأرتباط بأشخاص في الحكومة و تمكن من الحصول على فرص و اعفاءات و تسهيلات. لذلك يجب توفير المناخ الملائم للسماح للقطاع الخاص الحقيقي الوطني و ليس الطفيلي كي يساهم في التنمية ضمن رؤية استراتيجية واضحة تضعها الدولة ، و وضع اسس ثابتة و حرية اقتصادية تحددها قواعد السلوك العام المحددة اصلا بقوانين و تشريعات ، و ان تتدخل الدولة بأسلوب علمي و حيادي لخلق مناخ تنافسي من خلال السياسات النقدية و المالية بحيث ترتقي بالأداء و يكون التدخل و الرقابة عبر السياسات و ليس عبر التدخل المباشر.
يجب ارساء قواعد تنافسية بين جميع القطاعات الأقتصادية و الأفراد و ضمان حرية العرض و الطلب و تشريع قوانين منع الغش والأحتكار و الأغراق و تطبيقها بصرامة بعيدا عن التأثيرات الحزبية و العشائرية و بالتالي تحقيق تعادل بين اطراف العملية الأقتصادية ( الحكومة / العمال / ارباب العمل ) وضمان عدم طغيان مصالح طرف على طرف اخر و بذلك تكون الثمرة تحقيق تنمية و عدالة اجتماعية تخدم الفئات الأقل دخلا. وعلى الدولة ان تلتزم بالتدخل عبر وسائل رعاية اجتماعية ذكية ( كالضمان الصحي و الاجتماعي / الدعم الذكي الفعال / المعونات التنموية / المنح القطاعية الذكية ) اي ان اساس النظام الاقتصادي ان يكون حرا و تدخل الدولة هو الاستثناء. و يجب ان يكون هناك توافق ذكي و متقدم ما بين الفعالية الأقتصادية و العدالة الاجتماعية.
و اتمنى على واضعي الخطة الاخذ بنظر الاعتبار تحديات الثورة الصناعية الرابعة ووضع الحلول الملائمة لمواجهة تاثيراتها على الاقتصاد العراقي.
وفي الختام اود القول ان من مرتكزات الأقتصاد ان يكون هناك نظام مالي و نقدي مستقر غير معرض للهزات بحيث لا يخسر المواطن كلا او جزءا من امواله او مدخراته نتيجة هزات اقتصادية او انهيار مصارف مملوكة للقطاع الخاص ، فمن واجبات البنك المركزي العراقي تطهير النظام المصرفي من العناصر التي تسللت الى هذا النظام و التي تعمل بأجندات هدامة ، فضلا عن اخذ البنك المركزي زمام المبادرة و معالجة موضوع المصارف الخاصة المتلكئه بأسلوب علمي يعزز ثقة المواطن بالنظام المصرفي ككل ، مما سيؤدي حتما الى زيادة حجم الودائع، و تعزيز ثقة المستثمرين و النظام المصرفي العالمي بنجاعة اجراءات البنك المركزي.
ويجب ان يتضمن النظام المالي و النقدي المقترح خطة لأقرار التشريعات اللازمة ، و اصلاح ضريبي ذكي جالب للأستثمار و ليس طارد له ، وبنية مصرفية مؤسساتية قادرة على التمويل بفوائد معقولة ، و ضمان الودائع ، و رقابة صارمة من البنك المركزي ، وتوفير احصاءات دقيقة لطبيق الرقابة على تنفيذ خطة التنمية و لتقييم و تقويمها ، فضلا عن بناء الخطة اللاحقة ، ويتزامن اصلاح النظام المالي و النقدي مع تطوير شركات وزارة الصناعة و شركات القطاع المختلط و انتشالها من وضعها الحالي .

و الله الموفق .....

*رئيس منتدى بغداد الاقتصادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الذهب يفقد 180 جنيها فى يومين .. واستمرار انخفاض الدولار أم


.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى




.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة