الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح في جدليات - 23 – بعضُ خواطري -2

نضال الربضي

2017 / 7 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بوح في جدليات - 23 – بعضُ خواطري -2


6
تخلط المجتمعات العربية المفاهيم ببعضها.

- فهي تستخدم التوجه الجنسي لُتحدِّد بواسطته مفهوم الشرف، ثم تستخدم الشرف لتحدد درجة الفرد في منظومة الأخلاق، ثم تستخدم الأخلاق معيارا ً لقياس مدى أهلية الفرد للحصول على حقوقه الإنسانية التي تولد معه كحق الحياة و الحرية و المشاركة في وجوه نشاطات المجتمع.التوجه نحو الجنس الآخر يعطي الفرد أحقية الحياة، لكنه يقيد حريته بما ارتضاه المجتمع لنفسه من حريات، و بالطريقة المُتعارف عليها لممارسة نشاطات تم قبولها و إقرارها. بعكس التوجه نحو نفس الجنس الذي يحرمه كافة الحقوق.

- تستخدم المجتمعات المذهب الديني معيارا ً آخر يحدِّد حقوق الفرد. الاشتراك في ذات المذهب يمنحك أعلى الدرجات في سلم القبول، و ترتقي إلى القمَّة حين تكون عضوا ً في المجموعة المنتخبة كزهرة ِ ذلك المذهب و القائمة عليه، عندها لا حدود لما يُصبح مُتعارفا ً عليه بشكل تلقائي على أنه: حق لك. بالمقابل تفقد كل حقوقك إذا كنت من مذهب ٍ يناصبه المذهب السائد العداء. إنسانيتك هنا لا قيمة ً لها.


-إذا ً يشكِّل التوجه الجنسي و المذهب مصفاتي عبور (فلترين) يمر ُّ منهما مُجبراً: الإنسان، لكي ينزل َ من حمل َ ما اتفق معهما إلى صندوقُ القبول و الأهلية، و يُرمى من ارتضى (أو وُلد بما) خرج عنهما إلى الفناء في خارج المجموعة. هنا اعتراف ٌ واضح بأن ثقافة الفرد (نظرته للحياة و سلوكه) لها عاملا صياغٍة هما: الجنس و المذهب.

إذا أردنا أن يتغير المجتمع علينا أن ندرس ارتباط الجنس بالمذهب، والجنس بالإنسان، و الإنسان بالمذهب، و نكتشف أدوات زراعة و تثبيت الوعي المتعلق بهذه الثلاثية، ثم نغير المفاهيم، و نأتي بالبدائل، و نجدِّد الأدوات، لنبني الوعي العلماني القادر على زرع مفهوم المواطنة و الأخوة بديلا ً كمعيار لقبول الفرد في المجتمع.

هنا فقط إقصاء ٌ وحيد: لمن يكره وطن المُواطنة و الأخوة و يعادي المواطنين. اقول عنه: إقصاء ٌ مُستحـَـقّ.



7
الحياة في المقبرة.

يرقدون بسلام، لم يخطر ببالهم حينما كانوا يعيشون أن عواطف المليارات و عقولها و ثقافاتها و حيواتها و أنفاسها ستحشر نفسها غصبا ً في قبورهم، تنهش من جثثهم قوانين المأكل و المشرب و الملبس و المحيا و المعبد و الممات، ربما خطرَ شئٌ من ذلك لهم، نموذجا ً صغيراً، بناءً بدائياً، تصورا ً بمفاهيم و علوم و أدوات و ثقافة و بساطة تلك الفترة، لكن المؤكد أنهم لم يعرفوه بأبعاده التي نراها ونعيشها اليوم.

يرقدون بسلام، و يحيا كل ُّ من عرفهم بدون سلام، لأن الأوائل عاشوا من وحيهم، أما الأواخر فيعيشون من وحي الأوائل، و من يعش بوحي ٍ من خارج نفسه لا يمكن أن يعرف السلام.

المقبرة مليئة بالزهور، لكنها زهور ٌ للقبور، زرعها البشر هناك، لكنهم لا يزرعون ذات نوعها في حدائق بيوتهم. رائحة زهور المقابر تقبض القلب حين تثور، و تستجلب ُ الدموع و الألم و الحنين و الخوف. إنها زهور الموت، لذلك لا يزرعونها في حدائقهم، لذلك يكرهونها لكنهم يحترمونها بنفس القدر. إحذر أن تقطف َ زهرة ً من مقبرة و تأتي بها إلى البيت، هكذا يعلمون أبناءهم، لكنهم يزرعونها على الرغم ِ من ذلك، فيكونُ تحريمُ قطافها علامة ً أن خروجها من القبر إلى البيت مشأمة،،،

،،، و مع كل ِّ ذلك َ يعيشون َ في قبور ِ الأوائل، و يُنبِّـشون َ في جثثهم عن الرأي و الحكمة و الصواب و الحق و الحقيقة.

أيُّ انفصام ٍ هذا؟
إنه انفصام ٌ تفهمه عندما تتعلَّمُ كيف تصير ُ الزهور ُ علامة ً للموت فتبقى في المقبرة، و يصيرُ الموتُ بديلا ً عن زهرة الحياة فيعيشُ في قلوب الأحياء.

إنها الحياة في المقبرة و من القبور.


8
علامةٌ حسنة: أن يضحك الإنسان.
علامة ٌ أحسن: أن يضحك َ حين يصنعُ حلمه واقعا ً و حقيقة.
علامة ُ أفضل ِ الُحسن: أن لا يرى المرءُ في أولاده سوى ما يُحب.
أعظمُ الخوف: أن يكون الأبناء على نقيض ما يريد والدوهم.

أعظمُ الخوف ِ و أفضل الُحسن لا يجتمعان، لكن َّ اشتقاقات ٍ منهما تجتمع، لكن لنعترف: لا أفضل ُ الحسن و لا أعظمُ الخوف و لا اشتقاقاتهما تُلزم قانون الحياة ِ في شئ.

لنعترف أيضاً: الحياة لا تعرفُ عنَّا أو عن أبنائنا أو عن ما نعدُّه حسنا ً أو سوءاً أو اطمئنانا ً أو خوفاً، إنها لا تعرف سوى ذاتها، تمشي بحسب طبيعتها، و نمشي بحسب تلك الطبيعة فينا، إننا فقط: الحياة بوعي ٍ و إدراك.

أفضلُ و أحسن العلامات و أكثرها حكمةً:
أن نفهم الحياة و أن نستطيع مع ذلكَ أن نعيشها بسعادة.


9
الموت.
حبيب الحياة، عاشقها المُترعُ بكل ِّ شبابها. إنَّه المُحترقُ بأنوثتها الطازجة المُغرية التي لا يمكن أن يُشبع منها، أو تُدركَ بكلِّيتها. شبقهُ لا حدَّ له، و يتطارحان الغرام ملتحمين بلا انفصال ٍ بينهما.

هذه الحياةُ و ذلك الموت، ما أعهرهما، ينحيِّان أبناءهما جانباً و أسفلاً، بعيدا ً عن السرير المُرتفع ، يحجبان ِ عنهم سرير َ العشق و مشهد الغرام، و هما يتطارحان، فلا يرى الصغيرُ حينما يرفع رأسه نحو أمه سوى وجه الحياة ِ منتشيةً، فقط وجهها، فيظن أنه منتشي لأنه يحيا، أما باقي الجسد: ذاك المُلتحم ُ بالموت، و أما الموت: ذاك الملتحم بجسد الحياة، فلا يراهما الصغير من على بلاط الغرفة ِ العاري، فقط يرى وجه الحياة.

وحين يكبر، حين يقفُ قويَّا ً صلباً و يمتدُّ عوده ليرى جسد الحياة ِ الملتحم َ بالموت، ينظرُ ذاك َ في عينيه ببرودٍ و غضب ٍ و صلف، ثم يقتله، لأنه تجرَّأ َ: أن ينظر إلى الحياة عارية ً و يعرفها كما هي عاشقة ً للموتِ لا تشبع منه، و أن ينظر َ إلى الموت عاريا ً كما هو عاشقا ً للحياة ِ لا يرتوي منها.

الطريقة الوحيدة لأن تقتل الموت، هي أن تقتل الحياةَ نفسها، و هكذا لا يوجدان، و لا يوجد أبناؤهما، و بهذا يسودُ الفناء. لا مناص من أن نعترف أن الحياة وجه ٌ آخر للموت و للوجود و للفناء ، و أننا نحنُ من فرَّق هذا الجوهر الواحد إلى أربعة مُسمَّيات، لأن عقولنا الصغيرة و مشاعرنا الفائرة المتلاطمة الجياشة، تعلمت هذا من الحياة نفسها،،،

،،، إذا ً الحياةُ تُعلِّم ضدَّ حتمياتها، إنها تكذب علينا لكي نستطيع أن نعيش،،،

،،، إذا ً تستحيل الحياة ُ مع الحقيقة، أو توجدُ بمشقَّة ٍ كبيرة،،،

،،، إذا ً السعادة تطلبُ الكذب َ و تُحب ُّ التورية.

انكشف َ لنا الآن سرُّ شقاء الصالحين، إنهم يذهبون عكس الحياة، و ضد َّ قانونها، لكنهم مثل غيرهم ينتهون بنفس حتميتها.


10
البيع هو ذاتُه الشراء، لا فرق.
في البيع يعطيكَ البائع ُ السلعة، و يأخذُ منك المال، لأنك تريد السلعة و هو يريد المال.
في الشراء تعطي البائع المال، و تأخذُ منه السلعة، هنا أيضا ً إرادة ٌ لاقتناء السلعة و المال.

في الحالتين كل ٌّ أراد شيئاً فتخلَّى عن شئٍ للحصول عليه، إنها إرادة ٌ واحدة: الاقتناء، و هو فعل ٌ واحد: المقايضة.

لكن َّ مالك المال صار شارياً، و مالك السلعة صاربائعاً، لا عن اختلاف ٍ في ماهية الفعل، لكن عن: تصنيفٍ داخل منظومة ِ الاصطلاح و القوننة و التشريع. يحتاجُ البشر ُ إلى التصنيف، تجنحُ طبيعتهم إلى رؤية الاختلاف كونه يساعدهم على فهم ذواتهم و يجلب لهم الراحة، فهو أسهل لأنه يأتي بالتزامات ٍ أقل حين يُصغِّرُ من دائرة الفعل ِ المُستوجَب.

التصنيف يعني الوضوح، اختصار الوقت، انعدام الحاجة للتبصُّر، غياب الداعي لتفكيك الأمر، الانعتاق من مسؤولية الغوص ِ نحو الأصل، الراحة َ من تلويث العقل بالتشريح، الاستسلام اللذيذ للثقة بامتلاك الحقيقة، الانتشاء بالمخدِّر الساحر لطمأنينة الانحياز لما هو صواب ٌ و حق،،،

،،، إنه الشكل الواعي المُدرك للعقلانية الدماغية البدائية الناتجة عن ذات الشعور الغريزي للحيوان بكينونته، و بخلوِّ منطقته و حيِّزه الجغرافي من المُنافس،،،

،،، إنَّه الدليل و المؤشِّر على أن الإنسان قد فشل في ترويض ِ الحيوان ِ القابع في داخله، و أن العقل لديه هو أداة ٌ من أدوات، لا المُسيطر َ و لا المُوجِّه و لا الراسم و لا المُهيمن.


إنسان ٌ بدون ِ تصنيف هو: الإنسان، لكن كيف يحيا في عالم ٍ قائم ٍ على التصنيف؟

يجيب الإنسان: جدليتي مع الوجود نشوة ٌ تكفيني.

إذا ً نشوةُ الجدلية هدف ٌ و جواب، أضيفُ: هي أيضا ً القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الربضي: من يعش بوحي من خارج نفسه لا يعرف السلام
ليندا كبرييل ( 2017 / 7 / 22 - 16:15 )
تحياتي أستاذ نضال الربضي المحترم

المقال الماضي وهذا المقال، فيهما بعض من خواطرك، ورؤيتك الرحبة للإنسان
أهنّئ العقل المفكر في شخصك الرفيع

وقفت أمام قولك التالي بتعجب

أن لا يرى المرء في أولاده سوى ما يحب
أعظم الخوف: أن يكون الأبناء على نقيض ما يريد والدوهم

فرأيتُ أن أعظم الخوف أن لا يرى المرء في أولاده سوى ما يحب لأنها ذروة الأنانية
وعلامة رائعة أن يكون الأبناء على نقيض ما يريد والدوهم لأنها ذروة الحرية والانعتاق من الهيمنة

إلا أنك استدركت في الفقرة التالية فهدأ خاطري بقولك
الحياة لا تعرف سوى ذاتها،تمشي بحسب طبيعتها،ونمشي بحسب الطبيعة فينا

نحن لا نريد أن تتكرر ولادة الآباء، ففي ذلك الجمود بعينه
نريد أن يلد الأبناء والأحفاد لتجديد الحياة ودفع الدماء الجديدة

أما الطريقة الوحيدة لأن تقتل الموت،هي أن تقتل الاطمئنان الذي لا يخلق التحدّي في أرض العزائم، والخدر والرتابة التي هي إعدام للحياة عن سابق إصرار

حفّزتني للتفكير معك فشكراً على هذه الخواطر الفلسفية وننتظر المزيد

تفضل خالص الاحترام


2 - بناء وعي إنساني
نضال الربضي ( 2017 / 7 / 24 - 07:49 )
العزيزة ليندا تحية محبة و سلام!

الحركة تساوي الحياة و الثبات هو الموت، و هو عينُ ما شخَّصتيه بقولكِ:

-أما الطريقة الوحيدة لأن تقتل الموت،هي أن تقتل الاطمئنان الذي لا يخلق التحدّي في أرض العزائم، والخدر والرتابة التي هي إعدام للحياة عن سابق إصرار-

في هذه المنطقة من العالم اجترار للحزن و استدامة للألم، نوع من المحيا في الماضي لكن بأدوات الحاضر التقنية.

يتداولون عندنا قصة أب أوقف عرس ابنه هذا الأسبوع، و في منتصف الحفل، تضامنا ً مع الأقصى،،،،

،،، قال قبل أن يعلن الإيقاف: بصفتي ولي أمر العريس،،،

هكذا بجملة واحدة: يتم اتخاذ أول قرار للعائلة الجديدة، من خارجها، لتتوقف فرحتهم، و تُبتسر ذكرى ذلك اليوم، و تُحفر تلك الليلة تابعة ً لقضية عمرها 70 عام، فيها من التعقيدات ما لا يعرفه الأب و لا العروسان و لا الحضور، لكنه يهيمن على أخص ما لديهم،،،

،،، هذا هو المحيا في القبور و القبوع في المقبرة،،،

،،، هتلر ارتكب في حق اليهود محرقةً، بعدها نهضوا و بنوا دولتهم، و عندما تنظر إلى أفراحهم تستطيع أن تفهم لم ينجحون، إنهم أمة تحب الحياة.

عندنا يحبون الموت، لذلك يخسرون.

دمت ِ بودٍّ!

اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن