الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق من كتاب الموصل

احمد ابو ماجن
شاعر وكاتب

(Ahmed Abo Magen)

2017 / 7 / 21
الادب والفن


(أوراق من كتاب الموصل)


الجُندي 

الذي سَقطَ جَنيا 

بَعدما اهتز جِذعِ الوَطن
عَادَ مُؤخراً من كهفِ المَعركة
بَعدَ صراعٍ مُلتوي
قَادَهُ إلى أن يَبثَ بَقاءه..
لَم يَترنمْ أناشيدَ الفُحولةِ
بِوجهِ صَيحاتِ البَراءة
إلا لِينذر قَدميهِ لِلحَياة
الحَياة ماهي إلا عَجوزٌ هَرمة

لَم تَدركْ السَّيرَ لولاه.. 

هَا هو صَباحاً تَحملهُ أمه
تَضعَهُ في كرسيِّهِ المُتحرك
يَمسكُ سِيجارته
يَشهقُها بِلهفةِ غَريقٍ 
يَبحثُ عن قِشَّةِ هَواءٍ عَابر


يَتذكر :
تِلكَ الرَّضيعةُ وَهي تَموء
كـ قطةٍ من تَحتَ انقاضِ مَنزلِها
يَهرعُ إليها النَّاس
يَبحثونَ عنها هُنا وَهُناك
وَهي تَموء..
يَتساءلونَ عما إذا كانتْ وَهماً
أو حَقيقةً تُغيبُها السُّقوف الهَاطلة
وَهي تَموء..
وَبعدَ برهةٍ من البَحثِ 
كانوا قَد وَجدوها
وَجدوها على أكملِ وَجهٍ
مَيته..

يَتذكر :
ذَلك المُسنُ الخَرف
وَهو يَخترقُ حُشودَ المَوتى
يَتعثرُ بأكوامِ أوصالِهم
يُقلِّبُهم وَاحداً تلو الآخر
يَبكي ، يَصرخ ، يَتهاوى
وَعندما سَألوهُ عَمَ يَبحث ؟
أجابَهم : عن ولاعتي.

يَتذكر :
تِلكَ الفَتاةُ الشَّقراء
ذَاتِ الجَديلةِ المَتينة
وَكيفَ تَنعكسُ الأضواءُ على خَديِّها
وَكيفَ رَمقتهُ بِإبتسامةٍ
وَهي تَسيرُ خَلفَ وَالديِها النَّازحين
وَعندما تَتبعَ أثرَها
كانَ قد اجتازَهُ عَصفٌ حَار
حتَّى وَجدَها مُوزعةً 
بَينَ حائطٍ وَرصيف
بِفعلِ قَذيفةٍ هَاوية
إلا جَديلتُها
كانتْ تَنوسُ كالبَندول
فَوقَ عَمودِ الكَهرباء

يَتذكر :
ذَلكَ الرَّجلُ الثَّلاثيني
وَهو يَنبشُ ركامَ مَنزلهِ
وَكأنهُ فَقدَ شَيءٍ  

وَبَينَ حِينٍ وَآخرٍ

يَفركُ بنصرَ يَدهِ اليُسرى
وَوجههُ مُنغمسٌ
بِفضاءٍ من التُّرابِ وَالدَّم
يَتلوى بِجزعٍ مَوقوت
يَتلفَّتَ كـ سَجينٍ هَارب
يُحاولُ إيجادَ مِفتاحاً ما
لِيتملصَ من أغلالِ حَياتهِ
لَكنَّ استمرارهُ بِفركِ بنصرِهِ 
جَعلَ النَّاسَ يَدركونَ 
أنهُ فَقدَ زَوجتَه..


يَتذكر :
كَيفَ كانتْ الأرض
تَخزُ أقدامَ الحُفاة
بِحرارةِ الشَّمسِ المُنعكسة
وَكيفَ يَتربعُ الحزن
على رؤوسِ النَّاجين
بِما فيهم رَجلٌ
كانَ يَشدُ كوفيتَهُ المُمزقة
على ظَهرِهِ لِيستقيمَ قَليلا
وَهو يَصرخُ بِصوتٍ عَالٍ
وَيُردد بِمَرارةٍ :
أعتذرُ يا أمي
لا استطيعُ تَنفيذَ وَصيتَك
أعتذرُ يا أمي أعتذر!!
وَعندما سَألهُ أحدُهم
أجابَهُ بأنَّ أمَهُ اوصتْهُ قبلَ مَماتِها
بِأن لايَكونَ حَاسرَ الرَّأسِ يَوماً ما
لَكنَّهُ الآن أهملَ وَصيتَها
لأنَّهُ بِحاجةٍ لِغطاءِ رَأسه
لِيضعَهُ حِزاماً لأنحناءِ ظَهرِه
الذي انكسرَ قبلَ قَليل
بَعدما مَاتَ بَينَ يَديهِ 
أخوهُ الوَحيد...

يَتذكر :
تِلكَ الزَّوجة
وَهي تُولولُ على جثَّةِ زَوجها
لاتَستطيعُ إخراجَهُ
من رَحمِ الرِّكام العَسير
كي تَدفنَهُ قَبلَ أن تَتفسخَ أمنياتُهُ
وَلا تَستطيعُ تَركَهُ
دُونَ أن تَطمئنَ على رَاحةِ مَوته
لِذا هي بَقيت أمامَه
تَقصُّ لَهُ كَيفَ وَقعتْ بِحبِه
وَكيفَ كانتْ تَنظرُ إليه
وَهو يتعثرُ خَجلاً بنظراتِها
وَالغَريب في ذَلك
أنَّ الجثَّةَ كانتْ تَبتسم !!

يَتذكر :
مَاقالتْ لَهُ العَرافة :
( يَابُني في الحَربِ طِفلٌ
إياكَ أن تَقتلَهُ فَتندم ..)
وَعندما اشتدتْ أزقةُ الحَرب
كانَ هناك سَبعةُ أطفالٍ 
مُدجَجينَ بِالسِّلاحِ وَالعنفوان
وَبعدما نَفذتْ ذَخيرةُ صَبرِهِ
رَكضَ لِنجدتِهم اليَسيرة
إلا أنهم أطلقوا
زَوبعةً من الرَّصاص
وَحالما وَصلَ إليهم بِالسَّلامةِ
كانوا قَد فَجروا أنفسَهم
وَبتروا سَاقيهِ وَرأسَ الحُلم

يَتذكر ، يَتذكر ، يَتذكر
كَكلِّ يومٍ 
مُنذُ أن عادَ مُكللاً بالتَّوجعِ
إلى أن أصبحَ وَاقعُهُ
مُكبلاً بِكُرسيٍّ مُتحرك
وَشريط من ذِكرياتٍ حَمراء
تَتناوبُ على ذِهنِهِ الغَائم
حتَى يَمتدَ إلى أُذنيِه
صَوتُ أمهٍ لِلتنبيهِ على النَّوم
كـ يَدٍ تَمتدُ إلى جَسدَهِ بِالوَخزات
فَقط لأنَّ مَحطةَ اللَّيلِ غَادرتْ
وَعَربةَ الفَجرِ 
قَاربتْ على الوُصول...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/