الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبنتي والريف السويسري

إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ

2017 / 7 / 21
الادب والفن





هذا العام كان قرارنا مختلفاً.
إجازتنا الصيفية نقُضيها في سويسرا.
عادة ما نسافر خارجها في الصيف.
لكني تعبت من السفر، وزوجي خرج مرهقاً من مرض ٍهزّنا جميعاً، ولذا أحببنا أن نقضي أيامنا معاً بين حنايا الطبيعة السويسرية.
هادئة، صامتة، وتخلب الألباب بروعتها.
وسحرٌ يدخلُ الروح فُيعيد له رونقه.
ونحن الاثنان كنا في حاجة إلى هذا الرونق.

في إنجادين قضينا عشرة أيام.
كل يوم نخرج في رحلة على الأقدام.
اطولها كانت سبعة ساعات. في الحديقة الوطنية السويسرية. تسلقنا جبلا ثم مشينا على منحنى لايريد أن ينتهي.
كادت تكسر قدمي.
لعنت يومها سنسفيل الطبيعة، وجمال الطبيعة، واللي فكر في تقَضية إجازته في الطبيعة.
قلت لتوماس بعد خمس ساعات، "لولا أن الطريق وعرٌ لنشبت في عنقك".
وهو يسمعني و يبتسم.
كيف ألومه ونحن معاً من تحمس للفكرة؟
معه حق.
رغم ذلك، فإن لحظة وصولنا إلى هدفنا كان لها متعة.
عّذبه رغم تعبها.
ماعلينا.

ابنتنا ذات السابعة عشرة لم تلتحق بنا.
في مدرستها الثانوية يطلبون من الطالبات والطلاب في مرحلتها الدراسية تمضية ثلاثة أسابيع في منطقة ناطقة بالفرنسية، كي يتعلمن/ون اللغة ومعها ثقافة أخرى من ثقافات بلدهم/ن.
وعليهن/م خلال تلك الفترة أن يعملوا/ن في تلك المنطقة.
ولذا ذهبت إلى مزرعة تَملكها إبنة خالة زوجي في كانتون ناطق بالفرنسي، كي تعمل فيها، تتعلم فيها صناعة الأجبان، ورعاية الأبقار، وتجمع البقول أيضا.
في البداية كانت فكرة ذهابها إلى الريف مزعجة.
مزعجة جدا في الواقع.
لكن، لأنها انشغلت في امتحاناتها، ولم تتمكن من البحث عن عمل تدريبي في مدينة ناطقة بالفرنسية، لم تجد بديلاً سوى القبول بالفكرة.
فذهبت.
وهي تبرطم.

كل يوم قضته في المزرعة ترك أثره فيها. غَيرَ من رؤيتها.
الريف، الذي ظنت أنه بعيد عن "الحياة" وجدته يضج حياة. رغم هدوءه.
وأهله، اصحابُ حكمة وقوة.
"ليس سهلاً عمل الفلاح والفلاحة"، قالت لي.
"يأتي المساء، وأنهار على السرير، وانام نوماً عميقاً".
و تستيقظ مبكراً مع الطيور.
يعملون ويَعملن ليل نهار.
ثم
"صناعة الجبنة تقوم على مهاراتٍ بدأت اكتسبها"، تقول لي بفخر.

تعَلمت منهن ومنهم كيف يحترم الإنسان حَيواناته.
لسن بضاعة. هن مصدر رزقه. ولذا يؤدي لهن حقهن في العناية. هو إحترام متبادل رغم العلاقة الهرمية للفلاح مع حيواناته.

"المزرعة هنا رغم كبرها، الا انها تختلف عن طريقة الإنتاج بالجملة".
طريقة بشعة. تتعامل مع الحيوان كأنه شيء لا شعور له.
تلك الطريقة، التي قرأت عنها، دفعتها قبل عام إلى الكف عن أكل اللحوم.

هنا رأت طريقة أخرى، أجبرتها على احترامها.
"كل حيوان هنا يلقى رعايته".
حياة، تحترمها وتؤدي لها حقها حتى وأنت تعرف أنك سَتذبحها يوماً.


أسبوعان مرا على عملها في المزرعة.
غيرا فيها الكثير.
أسبوعان مَرا، ووجدتها تحب عملها هناك.
تقول لي "صحيح أني أفتقد بيتنا واصدقائي وصديقاتي، لكني أفهم سبب بقاء إستر (إبنة خال زوجي) هنا عندما جاءت وهي في الثامنة عشرة". جاءت كأبنتي قبل ثلاثين عاماً كي تتعلم صناعة الفلاحة، لكنها قررت البقاء فيها بعد فترة.

إبنتي تعرف معنى إحترام كل عمل، وكل مهنة.
لم تحتاج إلى العمل في المزرعة كي تعرف ذلك.
لكنها لم تفهم فعلاً معنى عمل الفلاح والفلاحة، وتُقدر الجهد المبذول فيه إلا عندما قامت به بنفسها.
تعلمت الكثير.
بقي لها اسبوع وتعود لنا.
ارجو ان لا تقرر البقاء هناك كاإستر.

وانا وتوماس أنهينا اجازتنا.
إجازة مشي وتسلق.
وودَعنا فيها إنجادين،
سحرتنا بطبيعتها،
لكني لن أكذب عَليكما،
ودَعتها، وقدماي للحق تزغردان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلمى
ماجدة منصور ( 2017 / 7 / 21 - 14:00 )
تسلقي الجبال أستاذة...عيشي مع الطبيعة..فهي الوحيدة التي يجدر بنا إحترامها في عالم تتساقط به القيم ..كما تتساقط أوراق الخريف...و إفرحي بإبنتك الجميلة فهذه سلمى...إبنتنا كلنا0
احترامي


2 - اوربا مجمع الطبيعة الخلابه والعمل والتسامح والاخل
مروان ( 2017 / 7 / 21 - 21:37 )
الحياة والعمل والراحة في اوروبا ثقافة مقدسة متوارثة تعلم الانسان قيمة نفسه وحدود علاقته بالاخرين والطبيعة .. يادكتورة الحياة في اوروبا رائعة بسبب جمال الطبيعة واحترام الانسان لكل شيئ حوله ... كل التحيات والتقدير لكِ ولجميع افراد اسرتك


3 - وماذا يهمنا من سفرك وسفر ابنتك ؟
عبد الله اغونان ( 2017 / 7 / 21 - 21:47 )
هذا موضوع يهمك أنت وابنتك

اكتبيه في مذكراتك لنفسك

نحن هنا في حواااااااااااااااااااار حول قضايا أعمق

الخصوصيات لاتهمنا كموضوع


4 - أستاذ مروان المحترم
ماجدة منصور ( 2017 / 7 / 22 - 02:32 )
من فضلك ...إطلع على مقالي الأخير و أعطني رأيك0
شكرا دكتورة الهام و سلامي الى أحلى سلمى


5 - أولادنا و ألطبيعة
ركاش يناه ( 2017 / 7 / 22 - 16:27 )

أولادنا و ألطبيعة
_________

ربما يتسنى لابنتك ايضا التعامل مع حمير المزرعة

حينها تكون مؤهلة تماما للرد على بعض التعليقات

دى مصيبة سودة يا جدعان !

....

اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في