الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق الأوسط: زمن الواقعية الجديدة تقرير صادر عن مجلس اللوردات البريطانى لجنة الشئون الدولية

محمد حسن خليل

2017 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الشرق الأوسط: زمن الواقعية الجديدة
تقرير صادر عن مجلس اللوردات البريطانى لجنة الشئون الدولية
أصدرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس اللوردات البريطانى تقريرا فى أوائل مايو 2017 حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو الاسم الذى تطلقه الأمم المتحدة على منطقة الوطن العربى بالإضافة إلى تركيا وإيران، يحدد السياسة البريطانية فى تلك المنطقة.
ويقع التقرير فى أكثر من مائة صفحة، وشارك فيه، فضلا عن أعضاء لجنة الشئون الدولية بمجلس اللوردات، كثيرا من الخبراء وشباب المنطقة وغيرهم ممن عقدت لهم جلسات استماع بالمجلس. ونظرا لأهمية التقرير أعرض فيما يلى باختصار لمحتواه.
يعتبر التقرير أن منطقة الشرق الأوسط تشكل أكبر التحديات التى تواجه السياسة البريطانية الخارجية من حيثالصعوبات التى تواجه إعداد تلك السياسة: فأولا المنطقة فى حالة سيولة سياسية، أو بالأحرى زلازل تحركها منذ ما عرف بالربيع العربى، وثانيا الرئيس الأمريكى ترامب فى بداية عهده ومازالت سياسته لم تتحدد نهائيا بعد، ويشوبها أحيانا بعض التناقضات، وثالثا تمر انجلترا نفسها بتغيرات مهمة منذ قرار الاستفتاء بالخروج من الاتحاد الأوروبى وسعيها فى الفترة القادمة لهذا الخروج بما يعنيه من افتقاد التحدد فى العلاقة بالاتحاد الأوروبى، فضلا عن أثر هذا المتوقع على السياسات البريطانية. ورغم تلك الصعوبات يرى التقرير الأهمية الشديدة لتحديد سياسة لانجلترا فى المنطقة.
فالتقرير يعتبر أن الشباب الذين يمثلون قسما كبيرا من السكان، بالإضافة إلى تعاملهم مع تكنولوجيا وسائل الاتصال التى تقدمت وصارت متاحة لهم، كل هذا قد أدى إلى تزايد دورهم فى تحدى الأنظمة السائدة. إلا أن النتائج التى أسفر عنها ما سمى بالربيع العربى كانت على الأرجح مخيبة لآمال العالم وصانعى السياسة بالرغم من أنها فى بعض الأحيان أذهلتهم وجعلتهم يخطئون فى السياسات فى كل أنحاء العالم ومنها انجلترا.
لقد برز تفتت دول الشرق الأوسط القديم. ونشأ هذا بداية نتيجة لخيبة أمل الشباب أمام الصعوبات الاقتصادية والتهميش الذى أصابهم. تسبب هذا فى صراع داخلى للقوى، إلا أن النتيجة لم تؤدِ إلى تحسن فى هذا الوضع.
كما برز أيضا أثر تزايد الإنتاج الأمريكى للبترول الصخرى مما نتج عنه تزايد المعروض من النفط والغاز والانخفاض الشديد فى عائداتهم، وهو ما يتوقع استمراره لفترة ليست بالقصيرة. ورغم هذا ازدادت الفجوة بين بلدان المنطقة، وأيضا داخل كل بلد بين الأغنياء والفقراء.
إن السيولة السياسية والأزمة الوجودية التى تتخلل سياسات بلدان المنطقة تدفع إلى إجراء إصلاحات سياسية. ولكن فى الفترة المقبلة ستجد حكومات المنطقة أن من الصعب عليها أن تستبعد سياسات الوصاية على الشعب، والاستبداد السياسى والتوترات الدينية. لهذا سوف تستمر الصعوبات الاقتصادية والبطالة وانخفاض عائدات النفط والتغيرات البيئية فى التأثير على استقرار المنطقة. كما تستمر الصعوبات الدينية والعرقية، والتى استغلتها وأثارتها الحكومات، سوف تستمر فى التسبب فى المشاكل، وبالذات الصراع بين السعودية ذات المذهب السنى وإيران الشيعية.
إن الصراعات فى كل من سوريا، والعراق (منذ عام 2003) وليبيا قد أدوا إلى هجرات ضخمة لملايين السكان. وقد اضطرب التسلسل التقليدى للسلطة فى المنطقة، وهناك تحدى كبير للدول، ولهذا فمن المتوقع أن تستمر حالة عدم الاستقرار التى لا يمكن التنبؤ بنتائجها لفترة طويلة.
إننا نرى مخاضا هائلا لوضع جديد فى المنطقة لا يمكن التنبؤ بنتائجه، كما أن احتمالات الصدام السعودى الإيرانى قائمة وهى مستمرة الآن فى سوريا. وفى ظل تلك التغيرات فإننا مطالبون بوضع إطار للسياسات البريطانية كما سنوضحها فيما يلى.
المملكة المتحدة هى واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن مما يلقى عليها بمسئوليات دولية. ولهذا يجب أن نستمر فى الاشتباك مع قضايا المنطقة ولكن على أسس تختلف عن الأسس القديمة. بالطبع فإن تغيرات المنطقة تهدد استمرار تدفق البترول من المنطقة إلى بلادنا، كما تهدد طرق تجارتنا مع المنطقة ومع الهند. إن لنا تجارة ضخمة مع كل دول الخليج البترولية مما يمثل لنا تحديا هاما، وهو وإن كان لن يتأثر كثيرا بخروجنا من الاتحاد الأوروبى، إلا أننا لابد من التعامل مع تلك التغيرات، ملاحظين أننا لا نستطيع أن نلزم أنفسنا بواجبات أخلاقية، مثلا تجاه انتشار سلطات الدول الاستبدادية، لا نستطيع أن نلزم أنفسنا بتغيرات لا نستطيع القيام بها.
للمنطقة أهمية لنا لا شك فيها، ولكننا لا يجب أن نسلم بأن نبقى تابعين للسياسة الأمريكية فليس لدينا الترف مثل الولايات المتحدة التى تستطيع الاكتفاء ذاتيا من النفط، بينما نعتمد نحن على نفط وغاز المنطقة. كما أن خروجنا من الاتحاد الأوروبى سوف يؤثر فى سياساتنا، ولابد مع التسليم بالأسباب الوجيهة السابقة، لابد من أن نبقى مفتوحى العقل للتغيرات الجديدة. كما أن لدينا التزامات أخلاقية تجاه الهجرات السكانية الضخمة وبالذات بالنسبة للمسيحيين الذين انخفضت نسبتهم فى المنطقة.
إن المحددات الثلاث للسياسة البريطانية هى الاستجابة للربيع العربى، والموقف البريطانى من الرئيس بشار الأسد، ومبيعات الأسلحة.
بالنسبة لمصر لا شك فى أن معايير الحكم لا ترقى إلى المستوى المطلوب من الديمقراطية. إن موجتى الثورة المضادة، للإخوان المسلمين أولا ثم للدولة العسكرية العميقة ثانيا، استمرتا فى السلوكيات غير الديمقراطية. إلا أننا يجب أن نتعاطى مع نظام الرئيس السيسى.
بالنسبة لسوريا فقد كان هناك اختلاف مهم حول مصير الرئيس بشار الأسد خصوصا فى ظل استخدامه للأسلحة الكيماوية. إن التدخل الروسى لتأييده، كما أن تدخل روسيا فى مجلس الأمن لمنع قرار صارم بشأنه، كل هذا يفرض اختيارا بين بدائل تبدو جميعا سيئة. ويجب علينا استمرار التفاوض من أجل حل قابل للتنفيذ.
من أهم سمات الوضع الراهن فى منطقة الشرق الأوسط تفتت الدول، وانتقال مراكز القوى. لم تعد مراكز القوى هى الدول وأجهزتها العسكرية فقط، ولكن برز أيضا القوى ما تحت الدولة (substatal)، والقوى خارج نطاق الدولة (non- statal) .
مثلا يعد الأكراد من القوى ما تحت الدولة، وكذلك حزب الله فى لبنان الذى يشارك فى الحكومة، رغم أن هناك من يعتبر أن حزب الله من القوى الإرهابية، وهناك أيضا من يعتبر الأكراد تنظيما إرهابيا. أما القوى خارج نطاق الدولة فهى الجماعات الإسلامية مثل داعش والقاعدة والنصرة، وكذلك الجماعات النافعة مثل قوى المجتمع المدنى.
فى الظروف الراهنة لابد من التعامل مع الدول، ولكن يجب أيضا التعامل مع ما تحت الدول. أما الجماعات الإرهابية فهناك فارق بين التعرف عليها وبين إعطائها نوع من الشرعية بالتفاوض معها وهو المرفوض.
ويجب ألا نقلل من شأن القوى البريطانية الناعمة وتأثيرها فى المنطقة. أبرز نماذج تلك القوى هو بى بى سى BBC والمراكز الثقافية البريطانية British Council، كما يضم أيضا مؤسسات التعليم فى بريطانيا للخارج. يجب إعطاء تلك الوسائل الناعمة فى التأثير اهتماما ضخما فمردودها عال، رغم تأثر سمعة بريطانيا بموقفها الرافض لهجرة اللاجئين الأجانب. كما يجب الاهتمام بتوسيع نطاق دراسة وتعلم العربية فى الجامعات والمعاهد البريطانية. ومن المهم استخدام السفراء الإنجليز فى المنطقة لوسائل التواصل الاجتماعى مثل تويتر، فقد أثبت هذا حين تجربته تأثيرا هاما فى التواصل مع القوى المحلية والشباب.
أما القوى الخشنة لبريطانيا فى المنطقة فتشمل ملحقين عسكريين دائمين فى البحرين وقبرص وإسرائيل والعراق والأردن والكويت وعمان وقطر والسعودية وتركيا والإمارات. ولانجلترا 2800 جندى متمركزين فى الشرق الأوسط. كما أن لانجلترا وجود بحرى مستمر فى الخليج منذ الثمانينات، يحتوى الآن على فرقاطة ومدمرة، بالإضافة إلى كاسحات ألغام. كما تقرر مؤخرا مدها بأكبر سفينة حربية إنجليزية وهى HMS Ocean. كما أن هناك تسهيلات بحرية دائمة فى البحرين وقاعدة تدريب فى عمان، وقسم دفاعى فى دبى، كما أن هناك تطويرا لقاعدة جوية فى الإمارات. ولانجلترا حوالى مائة فريق تدريب فى المنطقة. ولكن السؤال المهم هو متى وكيف يمكن استخدامها: وهناك أمثلة ودروس مستفادة مثلا من عدم التدخل عسكريا فى سوريا عام 2013 مما كان له تكلفة شديدة، ومن التدخل الشديد فى العراق عام 2003 الذى كان له نتائج كارثية، ومن الاقتصار على التدخل الجوى فى ليبيا عام 2011.
بشكل كلى فإن الشرق الأوسط الجديد يقتضى تنظيما جديدا للعقل فى الدوائر السياسية. أولا لا ينبغى اعتبارها منطقة لممارسة القوة وفقا للمصالح التقليدية. ثانيا لم يعد من المسلم به الاعتماد على الهيمنة الأمريكية، ثالثا لم يعد الشرق الأوسط منطقة نفوذ غربى خالص، فقد عادت روسيا إلى المنطقة كما إن الإسهام الصينى فى تزايد. وفى مناخ التحولات الضخمة فى المنطقة فلا تستطيع انجلترا التأثير وحدها ولابد من اعتماد التأثير الدولى المشترك.
عنوان التقرير بالإنجليزية: The Middle East: Time for New Realism وهو موجود ومتاح، مع كل مطبوعات المجلس على موقع مجلس اللوردات البريطانى على الرابط التالى http://www.parliament.uk/intl-relations








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت