الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات مؤلف.. التمتع ب-الإغتراب الكوني-

طارق سعيد أحمد

2017 / 7 / 22
الادب والفن


يستهدف ديوان "يوميات مؤلف" الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة المصرية للكتاب للشاعر محمد منصور مناطق إدراكية في الوجدان الإنساني القابع داخلنا منذ أن خُلق الإنسان الأول، وبنفس الحساسية البدائية ينتظر وبجنون قصيدة شعر تطلق وعيه وتلامس نقاط حسية غالبا ما تقابل النص الإبداعي وهي أوشكت على الجفاف، لذلك تقبض بكل قوتها على صورة شعرية تنقلها إلى إلى عالم جديد، وتتلهف على دلالة طازجة تشبع غرائزها الإنسانية، وتنصت بترقب إلى إيقاع حاني يدنو منها ليطربها ويجدد أنغامها الخاصة، في ديوان "يوميات مؤلف" تنصهر مكونات إبداعية أصيلة ضاربة في البعيد التاريخي الإنساني وحديثة معاصرة في قالب شاعري ينتصر لكل هذا التراكم الإنساني المتآكل بفعل "الإغتراب الكوني" الذي يتمتع به الإنسان المعاصر والذي أجبره على عزلته عن العالم، وحددت إقامته داخل ذاته بقوة العالم!. يقول منصور في قصيدته "نوستالجيا"
- الرؤية القريبة تُظهر تجاعيد الوجه!
لبعضِ الوقتِ أنسى أنني وحدي، فيحدثُ أن أظنَّ الأصدقاءَ الغائبينَ معي، فأسألهم عن الأحوالِ، لكنْ لا يجيبونَ السؤالْ..
لبعضِ الوقتِ أنظرُ -غيرَ مكترثٍ- إلى الماضي، فلا أجدُ الأماكنَ في أماكِنها، لأعرفَ أنَّ روحي مثلُ طيرٍ فرَّ من عُشِّ الأكيدِ إلى فضاءِ الاحتمالْ..
لبعضِ الوقتِ أصمتُ آملاً أن أسمعَ الصوتَ البعيدَ، فربما عادَ الأحبةُ، ربما، أو ربما قابلتُ غيرَ الراحلينَ
ليرحلوا أيضًا، فأبقى نجمةً سوداءَ في أفقِ الخيالْ!

تبدو نصوص الديوان جاذبة للقارئ ليس فقط لأن الشاعر يتحكم في بناء النص ليصل به لخلق دلالات شفيفة تغزو المتلقي وترتدي أفكاره بمرونة فائقة بينما تتجلى أمام عين المتلقي المثقف أو الخبير إمكانية تحول الديوان إلى مصنع كبير لخلق دلالات أنيقة تتطور وتتجدد وفق ثقافة المتلقي وتمتاز بإمكانية الحركة "عبر الزمن" بمعنى إذا أردنا اختبار النصوص بوضعها متناثرة في الموروث الشعري لن تكون غريبة عنه ووفق لنشاط دلالاتها المستمر يمتد عمرها أيضا في المستقبل. فيقول "منصور" في قصيدته.. "المعرفةُ جهلٌ آخر!"
- أفضل ما في الحياة يضيع في البحث عن حياة أفضل!
نعم.. كنتُ أعرفُ شيئًا عن الجهلِ/ لكنني صرتُ أجهلُ ما كنتُ أعرفهُ/ صرتُ أخشى مِنَ الموتِ/ حينَ تحلِّقُ -ساخرةً- فوق رأسي الحياةْ نعم.. عاشَ في داخلي أملٌ ما/ ثلاثينَ عامًا/ وحينَ انهزمتُ -أخيرًا-ككلِّ الغزاةْ تمَلَّكني اليأسُ ذاتَ مساءٍ كئيبٍ/ فمتُّ، وماتَ معي اليأسُ/ والأملُ الزائفُ الفجُّ/ والخوفُ ماتْ نعم.. كنتُ أحسبُ أنَّ الحياةَ/ كقبوٍ شديدِ السوادِ/ وأنَّ الحقيقةَ تسطعُ فيهِ / كأسنانِ زنجيِّةٍ/ والصديقَ صديقٌ إلى آخرِ العمرِ/ والأهلَ بيتٌ يَزيدُ اتساعًا/ إذا ضاقَ بابُ الرحيل نعم.. كنتُ ما كنتُ/ لكنني صرتُ آخرَ/ حينَ أرادَ لي الحظُّ/أن أتعلَّقَ بالمستحيلْ وأخرجَ مِنْ خيبةٍ نحو أخرى/ فأسمع صوتًا يُردِّدُ في داخلِ القلبِ:/ - فاتَ الكثيرُ.. ولم يبق إلا القليلْ!
فالحكمة والتعمق في التفاصيل الإنسانية والهروب والحزن والبحث والموت والتحليق واليأس.. ... وغيرها أفكار إرتكز عليها الشعر العالمي قديما وحديثا بينما تختلف كل الإختلاف حين تصهر في قالب شعري محكم الصنعة لتخرج في صورة إكتشاف "المعرفة جهل آخر!". ما من إبداع أكثر طموحا مثل الشعر حتى ولو كان مأسوي الطبع كما في "طريقُ الحياة" إحدى قصائد ديوان"يوميات مؤلف" للشاعر محمد منصور والتي يقول فيها:ـــ
الغناءُ القديمُ الذي كنتُ غنَّيتُهُ ذاتَ يومٍ/ تشقَّقَ ثم انكسرْ والمغنِّي الذي كانَ يشكو عذابَاتِهِ للجماهيرِ
ظلَّ ثلاثَ ليالٍ يهاجمُهُ الاكتئابُ/ إلى أنْ تعثَّرَ في حزنِهِ، فانتحرْ والكمانُ الذي ظلَّ يبكي رحيلَ المغنِّي
تجرَّدَ من كلِّ شيءٍ/ وعاشَ بلا نغمةٍ أو وترْ الغناءُ،/ المغنِّي،/ الكمانُ،/ رفاقي الأعزاءُ/ أعرفُ أني وحيدٌ
وأنتم وحيدونَ أيضًا/ ولكنني أعرفُ -الآنَ- أنَّ الحياةَ / كبيتٍ بعيدٍ/ وأنَّ الطريقَ الوحيدَ إليها/ طريقُ الخطر!.
بهذا النص نكتشف أن "منصور" يميل لنسج عالمه من رمزيات تم ههجرها وحزمة من الأحلام والأمنيات اللابد منها ليمد جسرا من الخيبات اليومية ليصل ويتصل به في نصه بـ ما وراء المجرد والمعزول والمجهول بذلك تنعكس رؤية الشاعر على مرآة المتلقي بنعومة وتلقيه "أي المتلقي" دفعة واحدة على حدود عالم موازي لواقع يرفض التبدل عاصيا على كل ما هو جميل متاح ومتفائل منطقي تلك اللحظة الحاسمة تمنح القصيدة اللحم والدماء وتمنح للمتلقي الذات الشاعرة.
القلق، هو إحدى العناصر الإنسانية الأصيلة والسر الخاص في أعماقنا وأحيانا ما يتحول إلى بُصلة دقيقة الإتجاهات وغالبا ما ينطوي على "أسلوب حياة" إحدى النصوص الكاشفة على مدى تشابك العلاقات في العالم يقول "منصور":ـــ
- أقول الحقيقة كي لا يصدقني الناس!
ها هو الآنَ يخرجُ من صمتِهِ/ كي يقولَ لنا كلَّ ما لا يُقال يتذكرُ صرخَتَهُ فورَ أنْ غادرَ الرَّحْمَ/ يخفي عن الناسِ دمعَتَهُ/ ويرتِّبُ أحزانَهُ داخلَ القلبِ/ لكنه حينَ يسألُ/ يعرفُ أنَّ الإجابةَ كامنةٌ في السؤالْ يُصدِّقُ كلَّ الأكاذيبِ/ كي لا يقولَ المجانينُ:/ "إنَّ الفتى ذاهبُ العقلِ"/ لا يتأخرُ عن موعدٍ ليؤكدَ/ أنَّ الذي قد تأخرَ بالأمسِ/ شخصٌ سواهُ/ وأنَّ الذي قد أتى اليومَ/ -قبلَ اللقاءِ بخمسِ دقائقَ-/ شخصٌ سواهُ/ وأنَّ الحقيقةَ محضُ احتمالٍ/ يؤكدُهُ ألفُ ألفِ احتمالْ!.
ومن العناصر الهامة والتي أضافت لديوان الشاعر محمد منصور "يوميات مؤلف" الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعدا إنسانيا هو عنصر الحيادية المرتبط بالضمير "أنا" في النص فكلما إقتربت التجربة من "أنا" إلتحم المتلقي بالنص أكثر وإمتلكه وأصبحت التجربة الشعرية عالم يشترك فيه الشاعر أثناء الكتابة والمتلقي خلال القرأة لتتسع التجربة وتتحرر من النص وتعلق بالأفكار ومن ثم تتولد وتتخلق أفكار جديدة، فضلا عن الكم المعرفي الواضح بخضوع النصوص للتأويلات والرؤى والتحليل، وتأتي الحوارية والسردية من الإرتكازات الفعالة والتي سمحت بإستدعاء "الذئب" الرمز الكامن في أعماق ذات "منصور" الشاعرة في قصيدته "انقراض"
ما إن رسمتُ على الرمالِ غزالةً/ حتى وجدتُ الذئبَ في قلبي/ تفورُ دماؤهُ/ ووجدتُني أعوي/ وجدتُ أظافري طالَتْ
وأنيابي ملوثةً،/ وحين محوتُ وجهَ ضحيتي/ حدَّقتُ في المرآةِ/ لكنْ/ لم أَجِد وجهي!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما