الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية محمود سامي البارودي

عطا درغام

2017 / 7 / 22
سيرة ذاتية


حين تنتصر الثورة –أي ثورة يظهر لها آباء كثيرون ، ويركبها علي الفور الانتهازيون المحترفون لتحقيق مطامعهم، ويستولي عليها في النهاية كبار الأوغاد باعتبارهم المنتصرون، وينسحب غالبًا من صنعوا الثورة دون أن يجنوا حصاد ما صنعت أيديهم.
وحين تبوء الثورة بالهزيمة والخسران، يتبرأ منها أبناؤها الحقيقيون ، من قاموا بها وخططوا لها وشاركوا فيهان كأنها رجس من عمل الشيطان أو خطيئة أقدموا عليها في حال غياب العقل والرشاد.
هذا هو ماحدث مع العديد ممن شاركوا في الثورة العرابية سنة 1881، ولم يظل متماسكًا وصامدًا سوي القليل، وأولهم عرابي وزملاؤه الستة، عبد العال باشا حلمي ، وعلي باشا فهمي، ومحمود باشا سامي البارودي، ومحمود باشا فهمي، وطلبة باشا عصمت، وكلهم قواد عسكريون صنعوا الثورة إيمانًا بمبادئها في إعلاء شان الدولة القومية المستقلة، وخاضوا الحروب دفاعًا عنها، ضد أعتي الإمبراطوريات الاستعمارية وقتذاك، الإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس.
وقد تخاذل الكثيرون وبكوا وعضوا بنان الندم وألقوا باللوم علي رفاقهم الأحرار بعد هزيمة الثورة- نتيجة للخيانة- في التل الكبير، وإلقاء القبض علي الآلاف ممن شاركوا فيها من التجار والأعيان والمشايخ. وكان أول من أبدي الندم للخديو توفيق ولعن الثورة وما تجره من ويلات الشيخ الجليل محمد عبده ـ وأحمد عبد الغفار القائد العسكري الذي سلم طليعة الجيش المصري للإنجليز، كما حاول يعقوب باشا سامي أن يعتذر ويقوم بالدعاء للخديو لولا أن نهره عرابي باعتبار ذلك سلوكًا شائنًا لا يليق، ولكن الزعماء السبعة للثورة صمدوا أمام ظلم وعسف القومسيون المخصص( المحكمة) التي ترأسها إسماعيل باشا أيوب صنيعة الخديو توفيق.
ورغم صدور الحكم بإعدامهم ، لم يرتجفواـ واُستبدل الحكم في آخر لحظة بالنفي مدي الحياة إلي جزيرة سرنديب- سيلان الآن- ورحل غالبية قواد الثورة علي متن السفينة الإنجليزية"مريوت" مع أهلهم وذويهم وزوجاتهم وأبنائهم،لكن محمود سامي البارودي الذي رحل وحده، ارتضي أن يبحر مع مرارة النفي ومعاناة الغربة وحده، وظل يعاني مرارة الوحدة واجترار الذكريات الأليمة طيلة عشرين عاما حتي وهنت قواه وأصيب بالمرض في عينيه، حيث انتهي إلي العمي وقبلت توصية الأطباء بنقله لبلاده، وتقبل الخديو عباس تظلمه ،فأعيد إلي الوطن في عام 1901 ، واعتكف في منزله يلعق جراحه ويجتر ذكرياته، وقرر ألا يقابل أحدًا من صحبة الماضي الأليم، وعندما قبلت مظلمة عرابي لدي الإنجليز فأفرجوا عنه وأعادوه للوطن في اواخر عام 1901، وحاول أن ياتقي رفيق عمره محمود سامي البارودي ، رفض البارودي أن يستقبله- مما آلم عرابي الذي كان يعاني لآلام البروستاتا- لكنه قدر موقف صديقه الشاعر الذي اختلق له الاعذار.
وظل محمود سامي البارودي رهين المحبسين كأبي العلاء المعري- أي حبيس منزله ، وحبيس العمي، حتي وافاه الاجل في عام 1904 ليترك وراءه سجلُا حافلُا من الأبيات الشعرية التي سجل فيها مواقفه من الثورة ومن الهزيمة ومن عذابات الوحدة الانفرادية في المنفي بعيدا عن الوطن والاهل والأحباب.
لقد خسر البارودي أجمل سنوات عمره في المنفي ، لكنه حوَل خسارته إلي نصر عظيم ورائع، حيث ترجم مشاعره ومعاناته إلي قصائد شعرية رائعة غيرت مسار الشعر العربي المعاصر كله، ودفعت في شرايينه بالدماء الحارة الجديدة المفعمة بالحياة، ونطق شعره بلغة جديدة ليست منبتة الصلة بأصولها القديمة وقاموسها الموروث العظيم، فظهر أسلوب جديد جعل من شاعرنا عن جدارة باعث النهضة الحديثة في الشعر العربي الذي خطا بعده خطوات عظيمة بفضل ذلك الفارس النبيل.
ويأتي هذا الكتاب لكاتبه عاطف فتحي، الذي يُعد سردًا تاريخيًا موثقًا للفترة الفاصلة في حياة الشاعر والسياسي والقائد العسكري محمود سامي البارودي، وتلك الفترة هي مرحلة اضطلاعه بدور كبير في الثورة العرابية، التي انتهت بانكسار الثورة واعتقال زعامئها واحتلال مصر بعد انحياز سافر من الخديو توفيق للإنجليز، كما يوثق الكتاب المحاكمات والمراسلاتـ، بين زعماء الثورة ووجهاء مصر في تلك الفترة ليكشف بأدق رؤية ممكنة طبيعة الأزمة والمحنة التي تعرَض لها البارودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار