الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة: قناع الأنانية المتجذرة

عبد الرزاق العساوي

2017 / 7 / 22
العولمة وتطورات العالم المعاصر


العولمة: قناع الأنانية المتجذرة
تعرف العولمة بأنها شكل من التداخل الكثيف للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين مختلف مناطق العالم بفعل الثورة المعلوماتية التي حولت العالم إلى قرية واحدة مترابطة. وإذا كانت العولمة كمفهوم قد عرف تداولا واسعا بعد انهيار جدار برلين سن 1989، فإن مضمونه يعود إلى فترات تاريخية قديمة، بحيث عملت القوى الكبرى مثل الإمبراطوريات التقليدية على اكتساح العالم والتحكم في مناطقه الحيوية، مثل الإمبراطورية الرومانية. ومن المفاهيم التي سبقت ظهور مفهوم العولمة نذكر مفهوم الإمبريالية الذي استعمل لوصف التوسعات العسكرية الكبرى للقوى الأوربية خلال القرن 19م في القارتين الإفريقية والأسيوية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، تراجع مفهوم الامبريالية ليفسح المجال لمفاهيم جديدة من قبيل الاستعمار غير المباشر عبر الدعم المالي والسياسي لقوى تابعة تدور في فلك القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.
عبر مختلف هذه الحقب، التي شهدت ظهور مفاهيم ممهدة لمفهوم العولمة نلاحظ أن رغبة الهيمنة والإخضاع قد شكلت قوة جوهرية موجهة، وهي منبثقة من الخطيئة الأصلية للإنسان بفعل أنانيته المفرطة والتي كانت سببا في حروب مدمرة وجرائم بشعة، ومن الواضح أن هذه الأنانية متجذرة وستبقى تابثة على الرغم من تعدد قوالبها واختلاف أشكالها. ألا يمكن اعتبار القرارات المفروضة على شعوب دول الجنوب شكل من أشكال هذه الأنانية المتجذرة؟ ولماذا تحرص دول الشمال على إضعاف دول الجنوب وإخضاع اقتصادياتها؟ ولماذا تعتمد مقاربات مزدوجة في علاقتها مع هذه الشعوب بحيث تظهر حرصها على حماية حقوق الإنسان بالمقابل تتواطأ مع أنظمة فاسدة لا تتردد في قمع شعوبها المستضعفة، وترتكب جرائم وفظائع ضد الإنسانية؟ ألا يعكس ذلك الأنانية المفرطة لساكن الشمال ونظرته الدونية لساكن الجنوب وثقافة الشعوب المتخلفة التي كرستها البحوث الأنثربولوجية أثناء الحقبة الاستعمارية؟
هذه بعض الأسئلة الحارقة التي قد يطرحها كل ضمير حي على كوكب الأرض، غير أن الإجابات تبقى قليلة ودون مستوى الطلب خاصة في ظل تحالف الفكر والنظام العالمي، إذ لا يتوانى هذا الأخير في تدجين كل فكر حر ومبدع ضمان للمصالح والمنافع على حساب شعوب مستضعفة محكومة بأنظمة فاسدة متواطئة هي في نهاية المطاف أدواة طيعة للنظام العالمي. غير أن ذلك لم يمنع من وجود أصوات حرة مناضلة، وفكر متدفق بالحياة محركه الأساسي الحرية والقيم الانسانية. وعلى الرغم من الإغراءات المقدمة والصعوبات المفروضة يظل هذا الفكر مزعجا للنظام العالمي، فهو صوت الضمير الذي يذكرنا بالغايات من وجود الإنسان على سطح البسيطة، والمتمثلة في البناء والعيش المشترك والتسامح، والاحترام المتبادل.
فمن الواضح أننا إزاء عالم تحكمه إرادات متحالفة، تنبثق عنها سلطة عالمية تتدرج بشكل هرمي، وتتفرع عنها سلط محلية تدور في فلك السلطة الأم. ومن ثم فإنه يمكن القول أن الأنظمة الحاكمة في مختلف دول العالم مترابطة جينولوجيا. تزداد هذه السلطة قوة يوما بعد يوم بفعل الأنانية المفرطة تجاه الشعوب المستضعفة من خلال الاستيلاء على ثرواتها الطبيعية وتعميق أزماتها الاجتماعية، مثل الأمية والفقر، والمجاعة في حين يتم قمع كل إرادة معارضة هدفها الانعتاق والتحرر.
وتزداد خطورة هذا النظام العالمي بفعل ازدواجية خطابه وانفصال أقواله عن أفعاله، وتعارض نواياه وتمثلاته. فالملاحظ أن هذا النظام العالمي يقدم نفسه ضامنا لحقوق الإنسان في مختلف بقاع العالم من خلال منظمات أممية وغير حكومية. غير أنه في نفس الآن لا يتردد في حث الأنظمة المحلية المنبثقة عنه على قمع الحريات وسحق الفكر المعارض بطرق غير مشروعة ضمانا لمصالحه الاقتصادية والسياسية والثقافية. كما أنه لا يتردد في دعم حركات وعصابات إجرامية غايتها ترويع الناس وإرهابهم وإرغامهم على الخضوع والخنوع للأنظمة الفاسدة المتواطئة. لذا، فإن مطالبة شعوب بعض البلدان من الأمم المتحدة للتدخل للحد من الغطرسة ودكتاتورية بعض الأنظمة تواجه بالتماطل والتسويف من قبل هذه المنظمة التي هي في الحقيقة مجرد قناع للقوى الكبرى لحماية الأنظمة التابعة لها التي تحافظ على ولائها وتبعيتها عبر تطبيق قراراتها المفروضة عبر المؤسسات المالية العالمية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وبالمقابل تستعمل القوى الكبرى المنظمة الأممية لمعاقبة الأنظمة المارقة التي قد ترفض قراراتها أو تحاول الخروج عن طاعتها.
لكن هل تستطيع الشعوب المستضعفة تحقيق التحرر والانعتاق من سلطة هذا النظام العالمي المتوحش؟ نعم تستطيع ذلك بفضل إبداء قدرة على المقاومة عبر بناء مجتمع قوي يؤمن بهويته المحلية، وقدرات وإبداعات أفراده، ومنفتح على القيم العالمية الإنسانية، ورافض لكافة أشكال الخضوع والخنوع، آنذاك تصبح السلطة العالمية مضطرة إلى الاعتراف وإبداء احترامها الذي سرعان ما ينعكس على النظام السياسي المحلي الذي يأخذ بعين الاعتبار تحولات المجتمع وتطلعاته ومساهماته في النظام العالمي من خلال الإبداعات والابتكارات والقيم المحلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم