الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجديد في الخطاب الدي أم تحديث في إدارة عمليات الوعي والإدراك ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تجديد أم تحديث
في البداية هناك تساؤل حقيقي ونحن في أولى خطواتنا نحو الشروع في تقديم رؤيتنا الفكرية عن الإسلام محمديا، هل الهدف من هذه المحاولة تجديد بناء الفكر الديني أم تحديث لمضامين وأطر الدين كي تتناسب مع التبدلات والتحولات الكونية التي يمر بها الإنسان المعاصر، وما تفرضه هذه التحولات والتبدلات من أشكال متنوعة من طروحات وبناء فكري يتناغم مع راهنية الواقع ومستجيب لها، سواء أكانت هذه الضرورات تتفق أو تختلف مع منهجية الدين في ذات الطريق وهو طريق خدمة الإنسان والإنسانية.
من الطبيعي جدا هنا أن نركز أيضا على التفريق بين تجديد القراءة لما هو موجود أصلا ولكن بأستخدام معطيات حداثية عقلية وفكرية هدفها أستكشاف ما يمكن أن يقدمة الدين لنا وهو ذات الدين الذي قدم لمن قبلنا من حلول ومحفزات عقلية تستنهض العقل الديني وتطور في ألياته ونظمه، لينتج لنا مجموعة أفكار ورؤى ونظريات يمكنها أن تنقلنا من واقع التراجع والنكوص إلى موقع العمل والأنتاج والتلائم مع راهنية الواقع ومتطلباته.
غير أن مفهوم التحديث الذي يعني عند البعض تغيير وأضافة وتعديل ليس في القراءات بل في أصل الموضوع ليجعله الأقرب إلى المنطق المعقول والمقبول حتى لم تم تعطيل أو تبديل أو زيادة أو نقص في أصل المسألة الدينية، وهنا نشير إلى قضية مهمة هي التفريق بين الحداثة كسياق فلسفي نظري ينعكس على الواقع ويحثه على التجديد وبين مفهوم التجديد ذاته كونه تطور معرفي عملي بحاجة لسياقات قادرة على ذلك، ونشير إلى قول أحد كبار الباحثين في مسائل التجديد والحداثة عمر مسقاوي (حيث ينتمي التجديد إلى حقل الثقافة والعلوم، فيما ينتمي التحديث إلى السياق التاريخي والفكري الأوروبي، بدءاً من القرن السابع عشر للميلاد) .
فالحداثة بواقعها الفلسفي لا تعني تجديدا للقديم مجردة عن دورها الفلسفي بقدر ما تقدم من أرضية لتبرير التجديد وتحديد الحاجة إليه في ظل خيارات متعددة في الموضوع المجدد أو في الغايات منها أو في المناهج والأطر العملية، إذا نحن أما خيارين كما يفهمه البعض خيار تجديد القراءة وخيار تحديث المسألة، فمثلا البعض يخلط بينهما ليقدم تعريفا للتجديد منطلق من مفهوم التحديث (التجديد -فيما نفهمه- محاولة جادّة لإضفاء عناصر لم تكن موجودة من قبل على كيان كان وما يزال له وجود، وبهذه الطريقة يكون هذا الكيان قد جُدّد، سواء حصل التجديد في حذف بعض عناصر الكيان السابق أم في إضافة عناصر أخرى جديدة، أم في إعادة ترتيب العناصر نفسها، وسواء كان ذلك في الشكل أم المضمون أم في المنهج الذي يحكم مجمل العناصر أو الوصول إليها.. لكن لا يحصل التجديد بإحداث كيان جديد محلّ الكيان القائم القديم، وإذا حصل فهذا ليس تجديداً في ذلك الكيان وإنما استبدال واستعاضة) .
إذا الخلط وارد سواء صرح به أم لم يصرح ولكن النتيجة تقود إلى ذلك، فالإضافة هنا ستكون أصلية وليست أقرائية بمعنى أضافة في الفهم أو تحديث للقراءة ذاتها، الزيادة مهما كانت تعني أن هناك نقصا ما في أصل المسألة وليست نقصا في القراءة وأدواتها، والمعلوم أن التخلف والأضطراب لم يكن في النص ولا في حكم النص وإنما في تعدد القراءات الذاتية والأعتباطية التي أنتجت لنا أسلامات متعددة وليست رؤى متعددة فقط، فلو قارنا بين مفهوم واحد وفقا لمجموعة من القراءات المتنوعة نجد أنها تبتعد ببعضها عن بعض وتبتعد عن قصدية النص أيضا ليس لأن النص مضطرب، ولكن لأن واقع القراءات ينطلق من مقدمات غير حيادية، فهي أما مدفوعة بالحزبية السياسبة أو بالتنوع في الرؤية للموضوع الواحد حسب ما مطلوب منها من نتائج محددة.
ما يقوله الكاتب حب الله في تعريفه للتجديد فيه مأخذ دلالي ومأخذ واقعي، حاول لاحقا تجنب هذه المأخذ عندما أشار بنفس المقالة مستشهدا بفكرة العلامة محمد حسين فضل الله وغيره من دعاة التجديد والتي سخرها لتأمين وتوطين فكرته التعريفية عن التجديد، فيقول (أمّا الاستبدال الراديكالي التام للمنظومة القديمة بمنظومة جديدة، وهذا هو التجديد بالحدّ الأعلى، فهو تجديد في الواقع وليس تجديداً في المستبدَل، لهذا كان من حقّ دعاة التجديد في الدين أن يطالبوا بتجديد لا يكون على حساب الدين وإنّما له، بتجديد لا يحدث قطيعة مع الدين والتراث وإنما تواصل واتصال) برغم أنه حاول التملص من موضوع الزيادة والتعديل وحتى التبرير الأخير، لكن دلالات كلامه تشير إلى حتمية الجر إلى المساس بالأسس التكوينية لأثصل المصدر المعرفي الدين وهو النص.
نحن لا نحتاج إلى مزيد من النصوص لنحتكم لها ونكمل النقص المزعوم، لأن ذلك يخرج النص الجديد أو الزائد أو المعطل من أطارية الدين ويتحول ما هو فوقي إلى ما هو مشترك بين الديان والمتدين أو بين مالك الدين والمؤمن به،، بل أن ما ينقصنا حتما كي ندرك ما مطلوب للتغيير هو أن نعيد قراءة ما بين أيدينا، مما وصل محكما بالنقل ومحكما بالتواتر لا تشوبه أدنى شائبات الشك مهما تدنت في مستويات التأثير على الحكم، فالمشكوك فيه محتمل الصحة كما هو محتمل الوضع، وعند الأحتمال يبطل الأستدال به كما يعرف الفقهاء وأهل المعرفة الدينية تحديدا.
إن الهدف الأول في تدرج الأهمية في برنامج التجديد تحديد النقاط المشتركة النصية والحكمية التي لا خلاف عليها، ثم نجري عليها القراءة النقدية التشكيكية والتفكيكية التي نعتمد أسسها أولا، ونضع المعيارية القياسية في طريقة القراءة وكونيتها وليست في القراءة ذاتها وما تنتج لاحقا وهو المراد الأصلي من المحاولة، عندها سنكتشف من قصدية النصوص ما يمكن أن يستجيب لقرائتنا ومما لا يستجيب، ولا ننسى أن القراءات المتنوعة منذ زمن الرسالة ولليوم قد غطت مساحات واسعة مما يعرف اليوم بضرورات توافق الدين مع الحاجات المستجدة أو القضايا المستحدثة، ولكن كان لكل قراءة منهج مختلف ووسيلة تفكيرية متنوعة، فما ظهر من نتائج كانت تراكما سلبيا وليس إيجابيا إلا ما ندر في محاولات التجديد.
هنا لا بد من أن نشير إلى إشكالية ذاتية في بناء الفاعل التغييري أو الداعي (المجدد الديني) للتجديد وكونيته السابقة للمحاولة، وهو أن الزمن عامل محوري في نشأت التجديد الوجودي الكامل، وبالتالي تجديد الإنسان ككائن معرفي وككائن منتج وخالق للمعرفة ضرورة أولية ليكون قادرا على ممارسة فكرة التجديد والخوض فيها، هذا العامل المحوري يستفرض أولا أن العوامل النفسية والمعرفية والفكرية عموما هي مدارات متحولة ومتحركة ليس على مركزها الكوني فحسب بل ضمن أطار الوجود ذاته، فمن يؤمن بالتجديد عليه أن يكون قادرا أول مرة على إدارك أهمية الإيمان بعدم الثباتية لأي فكرة وأن النهايات التي يتم التوصل لها ستكون في مرحلة لاحقة بدايات أو مفترضات بدائية ينطلق منها مجدد أخر.
هذا الفهم يقودنا أن محاولاتنا للتجديد ليست قراءات نهائية يجب أن تحاط بالقداسة والمطلقية الكونية، وإن محاولاتنا ذاتها ليست إلا حلقة من سلسلة وإن كانت غير متسارعة من أفكار ونظريات وجهود لأخرين، نجح البعض منها في التأثير فيما فشلت أخرى ليس لأنها غير قادرة على أثبات وجودها كونها الأصلح مما في الواقع، ولكن لأن الواقع ذاته أخطأ حين لم يبحث عنها ويتبناها تحت تأثير الخوف والشك المقدسين عند البعض من أن تؤدي هكذا محاولات إلى هدم الدين وأتلاف الموروث الذي يعده البعض هو أفضل ما أنتجته الأمة في تأريخها.
نعود مرة أخرى إلى تعريف التجديد الديني بعد أن بينا مفهوم واحد تشابه وتشابك مه مفهوم مختلف في الدلالة والعنوان والنتائج وهو مفهوم التحديث، فالتجدي لغا هو إعادة أو محاولة إعادة واقع قديم لم يعد بصورته الأولى نتيجة مرور الزمن إلى الواقع أما بعثه بصورته السابقة، أو أجراء ما يمكن من فعل أو عمل يمكن أن يقربه من الحالة تلك، غير أن التجديد في اللغة أشار بالعموم إلى الشكل العام ولم يشير إلى الجوهر الفعلي طالما أننا نتلمس التجديد حسيا غالبا وليس دائما.
التجديد إذا في اللغة العربية جاء من أصل الفعل "تجدد" وجذره اللساني (ج د) فهو جد وأستجد وتجدد أي صار جديدًا، وجدده أي صيّره جديدًا وكذلك في أجدّه واستجده، ولكذلك سُمِّي كل شيء لم تأت عليه الأيام ويطرأ على المعرفة من خلال الأبتداع جديدًا، ومن خلال هذه المعاني اللغوية يمكن القول: أن الجديد هو أما بعث القديم بصورته الأصلي وهو ما كان أصلا في زمنه بدعة أو أبتداع من عدم معرفة به، أو طرح شيئية نوعية لم تتوفر الذاكرة البشريه على نسخه منه فصار في العرف الذهني جديد، فالجديد هو الأصل أما التجديد فهو محاولة أعطاء القديم شكلية مختلفة عما هو في الواقع ليعده من لا يعرفه جديدا مستجدا على الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي