الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية التدخل العسكري لإغراض إنسانية

سعد عزت السعدي

2017 / 7 / 26
السياسة والعلاقات الدولية


يعتبر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من المبادئ الجوهرية للقانون الدولي المعاصر , غير أن التفسير الواسع للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وما ترتب من توسع في المصادر المهددة للسلم والأمن الدوليين ,مما جعل هذا التجاوز على هذا المبدأ ممكنا في الوقت الحالي وأصبح التدخل الإنساني قاعدة عرفية استوجبتها التغيرات الحديثة للمجتمع الدولي .
وبعد الحرب الباردة وظهور نظام عالمي جديد وكذلك نمو ظاهرة العولمة والتي أدت الى جعل جميع مناطق العالم المختلفة والمتباعدة بؤرة واحدة وزيادة تفاعل المجتمعات البشرية وتدخل العامل الخارجي في الوضع الداخلي للدول . مما جعل الدولة تواجه ضغوطا اكثر من أي وقت سبق من القوى الاقتصادية والإقليمية والعالمية والتي تعد المحرك الأساسي للعولمة إلى جانب المنظمات غير الحكومية التي اخذ دورها يتعاظم على المستوى العالمي , هذا كله وغيره أدى إلى تراجع تدريجي لمفهوم السيادة الوطنية وكذلك توسعت مبادئ القانون الدولي الى الحد الذي أصبح تضع قيودا على الدول ويحدد لها ما الذي تستطيع او لا تستطيع فعله حتى في قضايا شديدة الحساسية , كعلاقة الدولة مع مواطنيها في مجال الحريات وحقوق الإنسان وقضايا المرأة وعمالة الأطفال وغيرها.
وطبقا للفقهاء الذين عرفوا التدخل الإنساني على انه : عمل إرادي ومنظم تقوم به وحدة سياسية دولية (سواء كانت دولة او مجموعة دول او منظمة إقليمية او عالمية ) باستخدام وسائل الاكراه والضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والعسكري من اجل وفق الانتهاكات الصارخة او الممنهجة او المنظمة لحقوق أساسية في دولة معينة.
أي ان التدخل الإنساني له عدة إشكال واليات تحاول من خلالها القوى الكبرى على الدولة التي بها انتهاكات جسيمة لمواطنيها المقيمين فيها او الأقليات العرقية او الاثنية .
ومثال على ذلك التدخل " الاممي" في العراق سنة 1991 حيث اصدر مجلس الأمن قرار طبقا للفصل السابع من الميثاق ومنها القرار 688 والخاص بإنشاء مناطق الحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه وقد كانت الحجة في إصدار هذا القرار المقترح من قبل فرنسا المتضمن إدانة القمع العراقي للأكراد في الشمال عقب ثورتهم على حكومة بغداد المركزية إثناء العمليات العسكرية لحرب الخليج الثانية تلاه في اب/أغسطس 1992 فرض حظر الجوي في الجنوب .
وقد قال حينها قائد القوات البريطانية البحرية في الخليج الجنرال " رايان فوريس" ان مناطق الحظر أقيمت لأسباب إنسانية وتشارك في مراقبتها طائرات بريطانية.
ويعتبر هذا القرار في الحقيقة خطوة متقدمة في توسيع سلطات مجلس الامن لكونه ينص لأول مرة بصراحة لاغموض فيه على ربط انتهاكات حقوق الإنسان في الدولة تهديد للسلم والأمن الدوليين .
ولحق ذلك التدخل الإنساني في الصومال وصدر قرار من مجلس الأمن 733 بتاريخ 23/1/1992 , وتبعه بتاريخ 17 شباط/2011 بداية التظاهرات السلمية في ليبيا للمطالبة برحيل نظام معمر ألقذافي وهو ما تسبب في نشوب نزاع مسلح مع الثوار , وقد استخدم النظام الليبي حينذاك القوة العسكرية لقمع الثوار ونتيجة لهذه الإعمال اصدر مجلس الأمن قراره المرقم 1970 بتاريخ 27/2/2011 , دعا فيه الى الوقف النهائي لإعمال العنف واتخاذ تدابير للاستجابة للمتطلبات المشروعة للشعب الليبي .
مما تقدم يمكن القول ان الفقه الدولي قد انقسم حول مشروعية التدخل العسكري لإغراض إنسانية بين مؤيد ومعارض .
فالتيار المؤيد لمبدأ التدخل الإنساني يرى القانون الدولي العرفي لايمنع في ظل شروط وظروف معينة استخدام القوة لإغراض إنسانية , فمثلا اذا عجز مجلس الأمن عن ممارسة سلطاته المقررة في الفصل السابع من الميثاق بسبب استخدام إحدى الدول الدائمة العضوية حقها في النقض , يكون التدخل العسكري المنفرد مشروعا في حالة الانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الإنسان بتوافر الشروط الموضوعية تؤكد بوضوح وقوع انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان وعدم وجود قدرة للدولة المعنية في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لوقف هذه الانتهاكات.
وإما موقف التيار المعارض لفكرة التدخل الإنساني فيستند إلى ان الاعتراف بالتدخل الإنساني المنفرد ينكر ويخالف جميع قرارات الجمعية للأمم المتحدة التي تحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية تحريما شاملا بموجب ميثاق الأمم المتحدة , حيث يمكن ان يكون التدخل الإنساني وفقا لمعارضيه مبررا لارتكاب العدوان.
وأخيرا ان التدخل الإنساني أصبح في كثير من الأحيان ذريعة للدول الكبرى تلجأ إليه لغرض تمزيق وحدة الدول التي تعارض سياساتها ومصالحها وليس بالضرورة ان تدافع تلك الدول عن مبادئ حقوق وحريات الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا