الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيان بصدد قضية الاستفتاء في إقليم كوردستان

اتحاد الشيوعيين في العراق

2017 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


بمبادرة و بقرار من قبل رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مسعود بارزاني، تم تحديد يوم 25 من شهر أيلول القادم، موعدا لاجراء الاستفتاء في إقليم كوردستان. من المقرر فيه ان يصوت الشعب في كوردستان، وبخاصة في المحافظات الثلاث بـ"نعم" او "لا" للاستقلال عن العراق او البقاء ضمن الدولة كاقليم تابع لها.
ان اتخاذ هذا القرار يتزامن مع بدء مرحلة مابعد داعش وسط تصاعد وتفاقم الصراعات بين الأطراف الدولية ودول المنطقة والجهات والقوى العراقية اجمالا لتقاسم الحصص والنفوذ ولوي ذراع الآخر. ويسعى البارتي من جانبه الى إعادة الاعتبار لسمعته وتعزيز دوره على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي والتعويض عن الخسارة التي لحقت به جراء تعاونه مع تركيا وداعش أيضا، وممارسته للاستبداد والتفرد بالسلطة في الاقليم، وبسبب مغامراته وسياساته الطائشة مع بغداد والمركز، وكذلك فشل سياساته الاقتصادية في الداخل والخارج على السواء وتحميل أعباء الازمة الاقتصادية الخانقة الناجمة عنها على الشعب الكوردي، بالإضافة الى ثبوت ضلوعه في حدوث المأساة التي جرت ضد الايزيديين، وكذلك ظهور قوى أخرى جديدة تحمل روح المناهضة والإرادة في خضم النكسة والهزيمة، وبزوغ التجربة الجديدة في "روزئافا" في سوريا كنموذج يختلف عن نموذج الحكم الطاغي في الإقليم، ....الخ، هذه الأسباب وغيرها أدت الى اختلال ميزان القوى ضد الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وانحسار دوره و نفوذه، وهو ينوي، من خلال رهان الاستفتاء، الى كسب الرهان.
لاشك بان تركيا تلعب دورا هاما في تلك العملية، رغم ان اردوغان والقيادة التركية يحذرون لفظيا من اجراء الاستفتاء، الا ان تلك الخطوة لم يتم اتخاذها دون استشارتها، فهي تخشى من انه في مرحلة مابعد داعش، أي القوة التي كانت تركيا ودول الخليج متحالفة معها وحاضنة لها، تستعيد الحكومة المركزية في العراق قوتها ويتعزز من خلالها النفوذ الإيراني، ولذلك تسعى الى تعزيز دور البارتي باعتباره اقرب واصدق حليف لها في العراق، ولتبقى كوردستان تحت نفوذ وهيمنة البارتي وتتحالف مع الأطراف السنية في العراق والمنطقة عموما، ولعل هذه الأسباب هي التي أدت بايران في اتخاذ موقف متشدد حيال الاستفتاء المقبل ولتدخل في خط المواجهة الفعلية مع العملية وتمارس الضغط اما مباشرة او عبر الحكومة المركزية العراقية لافشاله.
من جهة أخرى ورغم ان قرار الاستفتاء لم يحظى بالترحيب من قبل أمريكا والغرب اجمالا، الا ان تلك الاطراف لم تعارضه بشكل مباشر، وعلة ذلك هي ان تلك الدول كانت ومازالت تسعى الى اذكاء نار الطائفية والقومية في العراق والمنطقة وتدفع باطرافها الى الدخول في حلبة المواجهة مع بعضها البعض بين حين وآخر، وقد قدموا فيما مضى ومازالوا الدعم والمساندة لبقاء تلك القوى، حيث بدعم منها تمكن الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني والقوى المتحالفة معهما من فرض السيطرة وبسط سلطة استبدادية رأسمالية جشعة على الشعب الكوردي، فيما أصبحت القيادات الكوردية من كبار الرأسماليين و رجال اعمال مشهورين يفرش لهم البساط الأحمر في أمريكا و أوروبا وتفتح لهم أبواب بنوكها بوجه الرأسمال المهرب والثروات المنهوبة، فان ترأى لتك االدول بان سياسات واجندات هذه القوى تتطابق مع مصالحها فهي لاتمانع على الاطلاق في دعمهم أيضا ليصبحوا أمراء وسلاطين على الابار النفطية ومن ثم الاعتراف بهم كدولة، فهي كانت ومازالت تدعم قيام وظهور "دول فاشلة" و تعزز من وجود سلطات ميللشياوية للحفاظ على مصالحها في المنطقة.
ولكن يبدو بان الأخطر هو الموقف الرسمي لحكومة العبادي والقوى المهيمنة في حكومته وكذلك موقف ايران والدول الأخرى حيال الاستفتاء، ان تلك المواقف بينت مرة أخرى بان المخاطر التي تواجه الإقليم لاتعد و لاتحصى. انها تتآمر ضد الإقليم والشعب الكوردي، وتتذرع بذرائع واهية وتلف وتدور بغية انكار او التملص من حق تقرير المصير للشعب الكوردي والحيلولة دون الاعتراف به، ويتعاونون فيما بينهم للالتفاف عليه واجهاض واحتواء كل مسعى لهذا الغرض، فيما يعدون العدة والقوى العسكرية ضدها، ويفرضون الحصار مصحوب بالتهديد والوعيد وتقديم المزيد، وعلى الصعيد الميداني دخلت الحكومة المركزية في خط المواجهة مع الإقليم للتقليل من صلاحياته وسلطاته تمهيدا لعزله وتهميش دوره.
ان تكرار وصلابة تلك المواقف القديمة-الجديدة والإجراءات المتبعة الراهنة بينت مرة أخرى، بشكل لايقبل الشك، بان الانفصال لن ولا يتم اطلاقا عبر المفاوضات واللجوء او اتباع طرق ديمقراطية شكلية في خضم الأوضاع السياسية والاجتماعية والعسكرية السائدة في العراق والمنطقة عموما، ولكن رغم ذلك فان السلطات في الإقليم بدلا من رؤية ذلك ومن ثم التحضير والاعداد لافشال تلك المخططات ومناهضتها، بدلا من الانشغال بوضع سياسات مدروسة وخطط واقعية لدرء المخاطر واحتواء التهديدات التي تصدرها تلك الدول، باتت تراوح في مكانها بل وتبدي عجزا اكثر من السابق وتراهن على المعاملة الرخيصة بشأنها والمساومة بصددها، قد تصل ايضا الى استخدام الاستفتاء ذاته كورقة ومجرد سيناريو آخر لخدمة تلك الأغراض. من هذا المنظور لانرى وجود اية تحضيرات واستعدادات توحي بان الإقليم مهيأ للانفصال، وان حياة جديدة في ظل كيان جديد على وشك الظهور.
اما على الصعيد الداخلي فان مشروع الاستفتاء لم ولن يكون بمعزل عن السياسات التي مارسته البارتي واليكيتي والمتعاونين معهما في تجربة الحكم في الإقليم، انها حلقة أخرى من مسلسل مساعي الحركة القومية الكوردية لتكريس السلطوية والهيمنة على الشعب الكوردي، حيث يسعون، للمرة الالف، من وراء اللعب بالظلم القومي على الكورد، الى تعبئة القوى والتعويض عن الهزائم والفضائح السياسية التي تمسها بغية تدعيم اركان سلطة ظالمة مستبدة. اما حديثها عن الرجوع الى صوت وإرادة الشعب الكوردي فماهي الا بالضحك على الذقون وممارسة عملية التضليل وذر الرماد في العيون حيث ان رفع راية الاستقلال سوف تكون نتيجتها ممارسة سلطة مطلقة غير مقيدة على الجماهير الكوردستانية مصحوبة بتقديم خدمات افضل لاسيادها، حيث ان تلك الأحزاب وخلال 26 سنة كاملة قد أبعدت الجماهير الكوردية عن ممارسة كل عمل سياسي وكرست بنية سياسية ودشنتها في الإقليم بموجبها حرمت المدن والقصبات كافة من ممارسة أية سلطة وجمعت كلها في بنية سياسية-هرمية حزبية –حكومية، دائرة القرار السياسي فيها محصورة بيد اقلية ومجموعة صغيرة طاغية تضيق اتساعها يوما بعد يوم، اقلية تحتكر كافة السلطات الاقتصادية والسياسية وتسعى للاحتفاظ بها وتنعم بها لوحدها مع اللجوء الى اتباع آلية لتقسيم السلطات وتداولها فيما بينها، وإيجاد مؤسسات كالبرلمان وحكومة الإقليم بوصفها الاطار والاداة في نفس الوقت، رغم ان تفاقم الخلافات فيما بينها على السلطة قوضت تلك المؤسسات والفراغ السياسي الناجم عن غيابها ملئته سلطات حزبية مباشرة.
من هذا المنطلق وسواء كان البرلمان معطلا او نشطا وفاعلا، في خط المواجهة مع الرؤساء المتفردين او يكون دمى بيدها، فانه لايغير من واقع ان كل السلطات في الاقليم هي بيد مجموعة صغيرة واقلية وانها قد حسمت قضية السلطة لصالحها، وفي احسن الأحوال لايستطيع البرلمان الحالي تغير البنية السياسية الظالمة المشيدة وعزل او مواجهة الأحزاب ورؤساء الميلليشيات المتنفذة، ولكنه يستطيع بالطبع إعطاء الشرعية لها، وان تم التوصل بعد غد الى الاتفاق والمصالحة بين الأطراف المتخاصمة لاضفاء الشرعية على مشروع الاستفتاء او تأجيله لحين اجراء الانتخابات العامة (أي انتخاب البرلمان ورئاسة الإقليم)، فان ذلك لايعني بان مشروع الاستفتاء مقبول وقابل للإصلاح وان جوهره قد تغير، وان كل مسعى بهدف اصلاح مشروع الاستفتاء الراهن ليكون شيئا آخر كما يدعي البعض ضرب من الأوهام ليس الا.
ان مشروع الاستفتاء اثبت مرة أخرى بان سياسات وبرامج السلطات في الإقليم هي لتكريس سلطتها فقط، وهي تسعى، عبر استخدام واستثمار الورقة القومية اقتطاع المزيد من السلطة على الصعيد العراقي وكذلك ممارستها بشكل مطلق وغير مقيد في الإقليم، عليه فان الأصوات التي يحصل عليه الاستفتاء سوف تكون لصالح تلك السلطة ليس الا، فان حظي بالنجاح فان نتائجها لن تكون الانفصال ولن يكون جزءا من حل القضية القومية الكوردية كما يزعمون، بل ستتحول الى اللعب من جديد بورقة الدولة القومية، ونتائجه هي التدمير المتزايد للإقليم، لانه الدولة القومية ذاتها في المنطقة تعاني وهي في منعطف خطير: اما تتفكك وتسقط على رؤوس شعوبها، او تتحول الى مسخ ويصبح الجماهير ضحية لها وتنعم اقلية صغيرة ومستبدة في ظلها بنعيمها. ولذلك فان رفع تلك الراية بدلا ان يصبح حلا للقضية القومية و وضعها في مجراها الصحيح سيكون بمثابة صب الزيت على النار اسوة بالقضية الطائفية في العراق التي حرق الأخضر مع اليابس طوال 14 سنة المنصرمة وأصبحت ذريعة لتدخل الدول العظمى ودول المنطقة و لتحول البلد الى مرتع للارهاب وبيئة خصبة للمنظمات الإرهابية.
لاشك بان القضاء على داعش ودولته الإسلامية والفاشية، هي بمثابة فرصة لبداية جديدة، لبناء كيان مستقل او دولة جديدة تقر بالعيش المشترك بين الكورد والمكونات الأخرى في الإقليم والسلطات فيها منظما من القاعدة الى القمة، ويصبح نموذجا يحتذى به في العراق اجمالا الذي يعاني بدوره من الصراعات الطائفية والمذهبية الدامية وليكون خطوة تقدمية باتجاه تغيير النظام السياسي والاقتصادي والعسكري السائد في المركز أيضا.
ان انتهاز تلك الفرصة يتطلب من الإقليم اعداد العدة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي للقيام بها بشكل مناسب، ينشيء الإقليم بموجبها كيانا يحظى بدعم ومساندة قاطنيه ويتمسكوا به كاصحابها ويعدوها جزءا من كيانهم ويشعرون بان حياتهم ستتحسن في اطاره، ينعمون بالحرية فيه وبالامن والأمان والطمأنينة والسلم الاجتماعي وبخدمات مدنية معاصرة. ويجب ان يصاحب ذلك إيجاد طرق فاعلة لافشال ودرء واحتواء المخاطر المحدقة ضد الأقليم والتي تكونها دول المنطقة والقوى الشوفينية في المركز وتركيا وايران وتفشل تآمر تلك الدول وتعاونها فيما بينها ضد الإقليم. ان الإقليم في الظرف الراهن لم يتخذ اية خطوة بهذا الاتجاه، ولذلك فان الظروف الراهنة غير مهيأة على الاطلاق لا من حيث التوقيت و لا من حيث الاستعدادات على الصعيد الداخلي والدولي على السواء لحسم وحل القضية الكوردية عبر اللجوء الى الاستفتاء ولاسيما التوجه صوب اعلان الاستقلال من العراق.
من هذا المنظور فان السياسة الصحيحة حيال الاستفتاء لا ينحصر بـ "نعم" او "لا" او مقاطعة الاستفتاء، بل هي السعي الى التحضير لتلك الاستعدادات واعداد العدة له، وفي نفس الوقت فصل الصفوف عن الحركة القومية الكوردية ومناهضة قرار ومشروع الاستفتاء واعتباره حلقة من سلسلة السياسات والبرامج الرجعية التي مارستها وطبقتها هذه القوى في تجربة الحكم في الإقليم ضد الجماهير في كوردستان، مع الوقوف بحزم ضد هذا المشروع والتشهير به.

اتحاد الشيوعيين في العراق
اللجنة المركزية
نهاية تموز 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة