الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصديقان العزيزان أ.د ناجي صادق شراب و أ.د أسامة محمد أبو نحل المحترمين

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2017 / 7 / 31
القضية الفلسطينية



الصديقان العزيزان أ.د ناجي صادق شراب و أ.د أسامة محمد أبو نحل المحترمين
تحية طيبة ،
فيما يلي اجتهادي في الإجابة على الأسئلة المقدمة منكما بخصوص مشروعكما البحثي بعنوان " تأثير المتغيرات السياسية على البناء الفكري وسياسات منظمة التحرير الفلسطينية من 1975 – 1983م" .
آملاً أن يكون اجتهادي مستوفياً للإجابة المتوخاة .
مع تقديري ومودتي لكما
غازي الصوراني
31/1/2011
س1 ) هل كان لتبني المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة للبرنامج المرحلي عام 1974، تأثيراً وانعكاساً على البناء الفكري لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ مشكلة انعقاد الدورة (12) للمجلس الوطني مرحلة جديدة في مسيرة م.ت.ف
استميحكما العذر في العودة قليلاً إلى الوراء للإجابة على هذا السؤال : فمنذ بداية تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني الأول في مايو 1964، كان محكوماً لمزاجية رئيس م.ت.ف الراحل أحمد الشقيري والخصوصية العائلية والعشائرية والسياسية الفلسطينية من ناحية، وللاعتبارات العربية الرسمية من ناحية ثانية، إلا أن استلام حركة فتح عام 1969 لقيادة م.ت.ف برئاسة الراحل ياسر عرفات، أدى إلى أن تصبح تشكيلة المجلس الوطني هي طوع بنان أبو عمار (وكذلك اليوم بالنسبة لأبو مازن) حيث نلاحظ أن 90% من أعضائه، يرفعون أيديهم ويخفضونها ، بالترافق مع يد من عينهم ، وأعني به رئيس المنظمة، ومن هنا يصعب اعتبار المجلس الوطني الفلسطيني معياراً لمزاج الشارع الفلسطيني أو حتى فصائله الفدائية، فهو لا يختلف عن أي "برلمان" عربي مسبق الصنع. لقد كانت القيادة في م.ت.ف تهرب إلى الامام ، فبعد ان كانت مع تحرير فلسطين ، غدت تقبل بأي شيء، وجاء هذا التحول بعد أن تلقى العمل الفدائي ضربتين قاصمتين في الأردن (أيلول 70 + تموز 71) ، ومن هنا لجوء القيادة المتنفذة إلى الاعمال الخاصة (أيلول الأسود) لعلها تُبقي القضية الفلسطينية حية ، وتعيد الثقة للفدائيين بانفسهم ، ومن هنا وفرت حرب 73 وحالة اللا نصر واللا هزيمة فيها ، فرصة ذهبية للقيادة المتنفذة كي تتساوق مع السادات ليس إلا ، وهذا ما جرى عشية انعقاد الدورة (12) للمجلس الوطني.
وفي هذا الجانب ، من المفيد التذكير بما أسميه المرحلة الأولى في مسار م.ت.ف (1964-1973) فالمعروف أن هذه المرحلة كانت مرحلة محكومة لمبادئ ومنطلقات تحررية وطنية وقومية واضحة بصورة شاملة دون أي لبس من حيث التطابق بين نصوص المبادئ وممارستها على الأرض، بالانسجام مع المنطلقات القومية التحررية، وانعكس ذلك في قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية إبان تلك المرحلة، بدءاً من قرارات الدورة الأولى (القدس 28/5/1964) حتى الدورة الحادية عشر (القاهرة 6/1/1973) هذه القرارات التي جاءت منسجمة مع حركة صعود وتطور المقاومة الفلسطينية .
اورد فيما يلي أبرز المنطلقات السياسية التي تضمنتها قرارات المجلس الوطني منذ الدورة الأولى حتى الدورة الحادية عشر :
1. " ان قيام إسرائيل" في فلسطين ، وهي جزء من الوطن العربي، يعتبر عدواناً استعمارياً صهيونياً يشكل خطراً مستمرا؟ً على الوطن العربي ( دورة القدس 28/5/1964).
2. يعلن المجلس الوطني الفلسطيني إن الاستعمار البريطاني والأمريكي هو المسؤول الأول عن كارثة فلسطين وتشريد شعبها، وان منظمة التحرير ستحدد سياستها وعلاقاتها بالدول تبعاً لموقفها من قضية فلسطين (الدورة الثانية القاهرة 30/5/1965).
3. يؤكد المجلس على ان (حرية العمل الفلسطيني ضرورة لابد منها لخوض معركة التحرير، على ان يكون جيش التحرير الفلسطيني في الطليعة في خوض هذه المعركة) (الدورة الثالثة غزة 2/5/1966).
4. يشجب المجلس " الدعوات المشبوهة لإنشاء كيان فلسطيني مزيف يقوم على أساس إعطاء الشرعية والديمومة لإسرائيل الأمر الذي يتنافى كلياً مع حق الشعب الفلسطيني في كل وطنه فلسطين " (الدورة الرابعة القاهرة 10/7/1968).
5. يطالب المجلس "بالتصدي بحزم لكافة الحلول الاستسلامية ورفض كافة الاتفاقيات والقرارات والمشاريع التي تتعارض مع حق الشعب الفلسطيني في وطنه، بما في ذلك قرار مجلس الأمن 242 " (الدورة الخامسة القاهرة 1/2/1969).
6. يطرح المجلس " موضوع الدولة الديمقراطية العلمانية في كل فلسطين، ويرفض مشروع روجرز ، كما يندد بالعودة المشبوهة لإقامة دويلة فلسطينية" (الدورتين السابعة والاستثنائية القاهرة وعمان بتاريخ 30/5/1970 و 27/8/1970).
7. يؤكد المجلس على ان " دولة المستقبل في فلسطين المتحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش فيها بسلام بنفس الحقوق والواجبات ضمن إطار مطامح الامة العربية في التحرر القومي والوحدة الشاملة" (الدورة الثامنة القاهرة 28/2/1972).
8. يطالب المجلس الوطني الفلسطيني كافة الدول العربية برفض "جميع الحلول السليمة والاستسلامية لقضية الشعب الفلسطيني بما في ذلك قرار 242 (دورات المجلس التاسعة والعاشرة والحادية عشر 7/7/1971 و 6/4/1972 و 6/1/1973).
هكذا تنتهي المرحلة الأولى من مسار م.ت.ف (انظر الملحق المرفق)، لتبدأ المرحلة الثانية بعد حرب أكتوبر 1973، حيث بدأ لأول مرة تداول الأفكار حول القبول بالتسوية السياسية وإقامة "سلطة وطنية" على أي جزء يتم تحريره من الأراضي الفلسطينية ، وهذا ما تبناه المجلس الوطني ، فيما عرف بـ"البرنامج المرحلي" الذي شكل محطة متميزة اسدلت الستار على قرارات المجلس الوطني في المرحلة الأولى معلنة بداية مسار المرحلة الثانية ، حيث كان لهذا "البرنامج المرحلي" دوراً أساسياً في توليد مجموعة من عوامل التأثير على مجمل البناء الفكري والسياسي للمنظمة ، نلحظ ذلك من خلال قرارات المجلس الوطني اللاحقة ، فمع هذه المرحلة نلاحظ بدء العد التنازلي الفلسطيني الهابط وببطء شديد في الرسم البياني لحركة الثورة الفلسطينية ، المنسجم – بهذه الدرجة أو تلك- مع المتغيرات العربية عموماً وسياسات السادات خصوصاً، لكن ذلك لا يلغي اقراري –بصورة موضوعية- بالحقيقة المتمثلة في ان النضال الوطني الفلسطيني واجه في كل البلاد العربية –بدرجات متفاوتة- حصاراً وبطشاً وصل في بعض الحالات إلى صور أشد واقسى مما واجهه من العدو الإسرائيلي، وقد أدى هذا الوضع إلى ضعف الاسناد الشعبي العربي للحركة الوطنية الفلسطينية، انعكاساً لأزمة حركة التحرر العربية بكل تلاوينها ، وحصر ذلك الاسناد في الحدود المرسومة من قبل الأنظمة العربية ، لكن الموقف العربي الرسمي وضغوطاته وحصاره للحركة الوطنية الفلسطينية، لا يبرر للقيادة الفلسطينية هبوطها السياسي ، بل استخدمته ذريعة لها صوب ذلك الهبوط الذي بدأ فعلاً منذ الدورة الثانية عشرة للمجس الوطني بالقاهرة في الأول من حزيران 1974 حتى الدورة العشرين في الجزائر 23/9/1991 نلاحظ حركة هذا الرسم الهابط فيما يلي :
1- ففي الدورة الثانية عشرة تراجع المجلس الوطني الفلسطيني عن رفضه السابق لقرار 242 معلناً قبوله به بشكل غير مباشر ومشترطاً تعديله بحيث ينص على الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني بدلاً من النص الذي يؤكد فقط على مشكلة اللاجئين، إلى جانب القرار الخاص بـ"الاصرار على النضال بمختلف الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح" ، وكذلك " الاصرار على النضال ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والتنازل عن الحقوق الفلسطينية"...إلخ، أو ما اصطلح على تسميته بـ"برنامج النقاط العشر " ، إلا أن الجديد أو المتغير في المسار الوطني للمنظمة ، هو اقرار الدورة (12) للمجلس بـ"إقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء يتم تحريره من الأرض الفلسطينية" وان "أي خطوة تحريرية، هي حلقة لمتابعة تحقيق استراتيجية م.ت.ف، في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية ". وفي هذا السياق أشير إلى أنه لولا اقرار م.ت.ف بالبرنامج المرحلي للتسوية ، لم يكن ممكناً أبداً أن تعترف الدول العربية في مؤتمر الرباط (1974) بوحدانية تمثيل م.ت.ف الذي نتج عنه -بموافقة أو ترحيب فلسطيني- شطب مسئولية النظام العربي تجاه القضية الفلسطينية ، وفي هذه الدورة تمت الموافقة على البرنامج المرحلي لـ م.ت.ف.
2- في الدورتين الثالثة عشرة (القاهرة 22/3/1977) والرابعة عشرة (دمشق 22/1/1979) أكد المجلس الوطني على موقفه السابق بالإضافة إلى إعلان رفضه لاتفاقات كامب ديفيد.
3- وفي الدورة السادسة عشرة أكد المجلس قبوله لقرارات قمة فاس التي تنص على قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع بقيادة م.ت.ف وتطالب مجلس الأمن بوضع ضمانات سلام بين جميع دول المنطقة – الجزائر2/1983.
4- وفي الدورة التاسعة عشرة دورة الانتفاضة (الجزائر 12/11/1988) والى جانب اعلان استقلال الدولة الفلسطينية، يقرر المجلس الوطني الفلسطيني ولأول مرة في التاريخ الفلسطيني بعد حزيران 67 "قبوله بالمؤتمر الدولي الخاص بقضية الشرق الأوسط لجميع أطراف الصراع بما فيها م.ت.ف على قاعدة قراري مجلس الامن رقم 242 و 338 .
5- ومع استمرار السياسية التوفيقية ، جاءت قرارات المجلس الوطني الأخير – الدورة العشرون بالجزائر 23/أيلول/1991 ، مستجيبة إلى حد بعيد لتلك الضغوط، فقد اقر المجلس في هذه الدورة ترحيب م.ت.ف بالدعوة التي اعلنها الرئيسان بوش وجورباتشوف لعقد مؤتمر السلام على أساس الاستناد إلى الشرعية الدولية وقراراتها بما فيها قراري مجلس الأمن 242 و 338 وتحقيق مبدأ الأرض مقابل السلام.
إلا أن ما جرى عشية مدريد وبعده في واشنطن ثم أوسلو وما تلاها من تراجعات ابتعدت بشكل او باخر عن جوهر الأسس التي اشترطتها الدورة الأخيرة للمجلس الوطني، وصولاً إلى الانقسام والمفاوضات العبثية.
لقد وافقت م.ت.ف على الذهاب إلى مدريد وواشنطن ثم أوسلو والاعتراف بإسرائيل دون أن يقبل الفريق الأخر ( الأمريكي والإسرائيلي) بإلغاء المستوطنات أو وقف انتشارها، أو تطبيق ميثاق جنيف، وها هي قيادة م.ت.ف اليوم تقبل بمناقشة تفاصيل الحكم الذاتي المعروض من العدو الإسرائيلي في محاولة يائسة لتطويره صوب دولة مستقلة باتت نوعاً من الوهم، الأمر الذي كرس التراجع السياسي والفكري في م.ت.ف وعزز الصراع بين الهوية الوطنية وهوية الإسلام السياسي .
إن الاستمرار في التعامل مع سياق العملية التفاوضية وفق معطياتها الحالية وشروطها الأميركية الإسرائيلية ليس له سوى نهاية وحيدة هي خلق الظروف الملائمة لإنهاء دور وكيان م.ت.ف ، لحساب مزيد من الانهيارات والتراجعات القادمة عبر الخضوع للتحالف الإمبريالي/الصهيوني.


س2) هل أدى الإقحام الفلسطيني في مجريات الحرب الأهلية اللبنانية ، إلى تغيرات في سياسات منظمة التحرير الفلسطينية المستقبلية ؟
نعم لقد أدى " الاقحام" الفلسطيني في مجريات الحرب الأهلية اللبنانية إلى تغيرات في سياسة م.ت.ف ، وفي هذا الجانب تتحمل حركة فتح وقيادتها خصوصاً ، وبقية الفصائل عموماً، المسئولية الأولى التي أودت بهم إلى ذلك "الإقحام"، بسبب ان هذه الفصائل لم تأخذ من أحداث أيلول 1970 في الأردن دروساً وعبراً في ممارسة نضالها والتعبير عن وجودها في لبنان بصور مغايره لكل ممارساتها في الأردن ، بل على العكس ، مارست نفس أساليبها السابقة سواء بالنسبة لتمايز م.ت.ف وحركة فتح وبقية الفصائل عن أطراف الحركة الوطنية اللبنانية من ناحية، وتعاملت مع الفلسطينيين في مخيمات لبنان ، ومع الدولة اللبنانية باعتبارها سلطة أو "دولة" موازية أطلق عليها البعض "دولة الفكهاني" وتدخلت في كافة الشئون الحياتية والأمنية للفلسطينيين من ناحية ثانية ، كما لم تأخذ الدروس والعبر مما جرى في الأردن لكي تمارس نشاطها الفدائي ضد العدو الإسرائيلي من خلال الحرص على سرية تدريب وانتشار الفدائيين حيث كان من الممكن ممارسة العمل الفدائي ليلاً، وعودة المقاتلين إلى أعمالهم المعتادة نهاراً ، لكن عقلية القيادة البورجوازية الحريصة على الظهور العلني الفاقع والتلذذ بالمظاهر الدبلوماسية الاعلامية وغير ذلك من المظاهر التي راكمت عوامل نجاح كافة الاطراف في اقحام م.ت.ف في اتون الحرب الأهلية اللبنانية، من منطلق حرص القوى الانعزالية وحلفائها في اسرائيل والولايات المتحدة، على أن ذلك الاقحام هو الخطوة الأولى صوب خروج م.ت.ف النهائي من لبنان كما جرى في حزيران 1982.
غني عن القول بأن الانعزاليين اللبنانيين هم من افتعلوا الحرب المذكورة . وللتاريخ، فقد ضبطت الفصائل الفدائية الفلسطينية نفسها إلى أن فقدت صبرها، وكان ما كان ، وان كان هذا الانجرار/الإقحام قد أسهم في اضعاف حركة المقاومة الفلسطينية وتشتيتها في منافي عربية جديدة، وبالتالي سَهّل للقيادة الفلسطينية المتنفذة مهمتها في الانزلاق صوب الهبوط السياسي عبر متغيرات سياسية ابتعدت بالتدريج عن الثوابت الوطنية وجعلت من م.ت.ف أداة تنفيذية لشروط "أوسلو" والممول الخارجي –الأمريكي والأوروبي والعربي الرسمي- ترافق ذلك مع قيام السلطة الفلسطينية التي باتت بدورها "مرجعية" م.ت.ف من ناحية ومجالاً خصباً لانتشار مظاهر وأدوات الفساد الإداري والمالي والسياسي من ناحية ثانية ، الأمر الذي عزز الصراعات الداخلية، ومن ثم الانقسام إلى حكومتين غير شرعيتين في "رام الله" و "غزة" على حساب مستقبل م.ت.ف ومبادئها التحررية .

س3) هل كان لانطلاق عملية التسوية السلمية بين مصر وإسرائيل، تأثيراً على سياسات منظمة التحرير الفلسطينية العسكرية والسياسية ؟
منذ ان بدأت مصر السادات بتطبيق ما عرف بسياسة الانفتاح والخصخصة ، كان ذلك التوجه إيذانا بإلغاء وتجاوز نهج القائد الراحل جمال عبد الناصر بالنسبة لثوابته الوطنية في إطار الصراع العربي الصهيوني، وبداية مرحلة نقيضة لكافة مواقف وسياسات عبد الناصر، بحيث تتوافق سياسات الانفتاح الاقتصادي مع متطلباتها السياسية الهابطة بالنسبة لعملية التفاوض والاعتراف بدولة العدو الإسرائيلي .
وفي هذا الجانب، لم تكن قيادة م.ت.ف وحركة فتح تحديداً، قادرة على رفض سياسات السادات الجديدة ، ليس لان ياسر عرفات محكوم تاريخياً بـ"هواه المصري" فحسب، بل لأنه ومعظم اعضاء قيادته كانوا طبقياً أقرب في السياسة والاقتصاد إلى التركيبة الطبقية في مصر السادات، واعتقد أن السادات كان على اطلاع بأوضاع القيادة الفلسطينية عموماً وحركة فتح خصوصاً ، وإدراكه بأهمية التواصل مع قيادة فتح التي رأى في منطلقاتها وسياساتها البرجماتية مساحة مشتركة مع سياساته ومنطلقاته ، وبالتالي لم يكن مستغرباً حرصه على التواصل مع قيادة حركة فتح ، لذلك حرص على اطلاعها على خطواته أولاً بأول ، منذ انفرد بالحكم صيف 1971 ، وبناء على ذلك قام بإبلاغ المرحوم صلاح خلف بأمر حرب أكتوبر قبل اندلاعها بخمسة أيام، فسافر "خلف" من فوره إلى بيروت، وأبلغ الراحل أبو عمار، الذي قام بدوره بدعوة المجلس الثوري إلى الانعقاد لبحث الأمر واتخاذ الخطوات التي تكفل مشاركة م.ت.ف في الحرب في حدود امكاناتها ، وعلى أثر انتهاء الحرب وبدء العملية السياسية ، والاتفاق على عقد مؤتمر جينيف، أعاد السادات الكرّة، وأبلغ صلاح خلف بضرورة موافقة المنظمة على المشاركة في المؤتمر المذكور، ووافق الراحل ياسر عرفات على ذلك ، فانشقت الساحة الفلسطينية ما بين مؤيد لتسوية لم يطرحها أي من المعنيين (إسرائيل والولايات المتحدة) وما بين رافض لتلك التسوية! وفي هذا السياق، ليس خافياً، ان غرض السادات توفير رديف فلسطيني له في خطواته التفريطية المعروفة . لكن الغريب في الأمر أن مبادرة السادات سيئة الصيت، بدل ان تُسقِط الواهمين بوجود تسوية ، عززتهم ، ووحدت صفوفهم وأهدافهم ، فيما تراجع، ثم انفرط عقد جبهة القوى الرافضة للحلول الاستسلامية . واستمرت بذرة السادات في النمو والانتشار إلى ان كان أوسلو وهو الأسوأ بمراحل من "كامب ديفيد" .

س4) من المعروف أن الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، كان له تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية على وجه العموم ، وعلى منظمة التحرير الفلسطينية على وجه الخصوص، في ضوء ذلك :
أ) هل أثر فقدان منظمة التحرير الفلسطينية لقوتها العسكرية على قراراها السياسي، وجعلها تلج نحو الحلول السلمية في المنطقة ؟
لا أعتقد أن فقدان أو ضعف القوة العسكرية من الناحية الكمية يجعل منه عاملاً رئيسياً أو أولياً في انحراف اية حركة وطنية تحررية عن أهدافها، خاصة وأن بدايات المسار النضالي المقاوم لهذه الحركات، كما نلمس من التجارب العالمية والعربية والفلسطينية ، لم تكن تشترط توفير القوة العسكرية بصورة متكاملة أو نوعية، بمعنى خلق نوع من التوازن في القوى بين الحركة التحررية وعدوها ، وهذا لا يعني اغفال أهمية مراكمة عناصر القوة العسكرية، كشرط من شروط الانتصار، كعامل أساسي، لكنه يأتي في الدرجة الثانية بعد التنظيم و الوعي والقيادة والارادة الشعبية (على المستويين الفلسطيني والعربي) التي تجسد الإيمان باستمرار النضال التحرري الوطني في إطار النضال القومي حتى تحقيق الانتصار ، لكن هذه العملية تحتاج إلى قيادات ثورية منبثقة ومعبرة عن مصالح الجماهير الشعبية الفقيرة ، على النقيض من قيادة م.ت.ف ومنشأها وتركيبتها الطبقية من أوساط البرجوازية ، الأمر الذي يفسر موضوعياً رخاوتها واستعدادها للتراجع عن الاهداف التحررية والثوابت الوطنية باسم الاعتدال أو المرحلية التي مهدت الطريق صوب "أوسلو" وما تلاه من تنازلات وانقسامات داخلية .

أما فيما يتعلق بالإجابة المباشرة على الفقرة (أ) من السؤال ، فإنني أرى أن القيادة الفلسطينية توهمت بان الصمود الفلسطيني – اللبناني – السوري – في وجه الاجتياح الاسرائيلي للبنان سيترتب عليه تسوية، وعدت الإدارة الأمريكية الرئيس الراحل عرفات بها ، "ولم يفق عرفات من هذا الوهم" إلا بعد خمس سنوات على ذلك الاجتياح ، فدعا إلى الدورة التوحيدية للمجلس الوطني بالجزائر (ابريل 1987) ، وفي تلك الدورة أنهت الجبهتين الشعبية، والديمقراطية ، والحزب الشيوعي الفلسطيني (بشير البرغوثي) ، وجبهة التحرير الفلسطينية مقاطعتها للمنظمة ومؤسساتها .
ب) هل كان الانشقاق الفلسطيني الداخلي بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، دوراً فعالاً في تبني المشروع السلمي كخيار استراتيجي ، عوضاً عن الحل العسكري المقاوم ؟
(ب) الانشقاق في المقاومة الفلسطينية عام 1982، كرس الاصطفاف ليس إلا ، حيث ثمة من يراهنون على حل أمريكي ، مقابل من يرفضون هذه المراهنة . واحتاج الأمر إلى نحو خمس سنوات حتى تقتنع القيادة المتنفذة بان مراهنتها خاسرة ، فقامت بالدعوة إلى عقد الدورة التوحيدية للمجلس (ابريل 1987) حيث عاشت م.ت.ف حالة غير مسبوقة من العزلة على الصعيدين العربي الرسمي والدولي ، وجاءت الانتفاضة الأولى (ديسمبر 1987) لتنتشل المنظمة وقيادتها، ومن ثم استعادت م.ت.ف بعض هيبتها وتأثيرها ، كما جلبت مزيداً من التأييد العربي والدولي لبرنامج الدولة المستقلة وأنعشت آمال الفلسطينيين . أما ما وقع بعد ذلك ، فأوهن الآمال وأوقع المسيرة في التعثر بسبب توجهات قيادة م.ت.ف صوب التسوية ، وانفرادها بقيادة الانتفاضة وتوجيهها ، ونجحت في استخدام الانتفاضة وتجييرها لحساب ما يسمى بـ"سياسات الاعتدال" تمهيداً لمؤتمر مدريد ثم مفاوضات واشنطن ثم محطة "أوسلو" والكوارث التي جلبتها على شعبنا ، الأمر الذي أنتج مزيداً من خيبات الأمل لدى أحزاب الحركة التحررية والثورية العربية ، الذين توقعوا –أو توهموا- أن يعمل النضال الوطني الفلسطيني كشرارة للنضال الشعبي العربي في كل مكان، لكن العكس هو الذي تحقق إلى حد كبير بسبب الطبيعة الطبقية لقيادة م.ت.ف التي لا تختلف جوهرياً عن الطبيعة الطبقية السائدة في معظم أنظمة الدول العربية ، مما سهل امتداد الهيمنة البيروقراطية والتسلطية الرائجة في العالم العربي إلى حقل النضال الفلسطيني، وبالذات داخل هياكل منظمة التحرير ذاتها ومن ثم تعرضها لمزيد من الإخفاقات من أهمها :
1. بسبب بنيتها الطبقية عموماً وبنية وسياسات حركة فتح خصوصاً لم تستطع م.ت.ف التمسك بمنطلقاتها واهدافها السياسية في تحرير كل فلسطين، وفق نصوص ميثاقها (هذه الاهداف سرعان ما تلاشت لمصلحة سياسة، قيل أنها تكتيكية، تهدف إلى الإفادة من الوضع الدولي الذي نشأ عن وجود المقاومة، من أجل القبول بما يمكن أن يسمى "الحدّ الأعلى" الذي يقبل به العالم، و"الحدّ الأدنى" للفلسطينيين. وهي السياسة التي قامت على قبول دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة) ... الواضح هنا أن طبيعة البنية الطبقية القيادية المتفردة لحركة فتح هي التي أدت إلى مسار الهبوط والتراجع في م.ت.ف بصورة تدرجية وبذرائع مختلفة ، كما عبرت عنها قرارات المجالس الوطنية منذ عام 1974 المشار إليها .
2. الإخفاق الثاني لمنظمة التحرير الفلسطينية بدأ مع مغادرة بيروت ، والذي توضح خلال فترة تونس، من العام 1982 إلى 1994 ، وتفاقم خلال مفاوضات أوسلو، وتجذر مع تأسيس السلطة الفلسطينية، حيث رضخت قيادة م.ت.ف – للخروج من أزمتها - بقبولها الصيغة التفاوضية التي فرضها عليها جيمس بيكر في مدريد عام 1991 بطلب من الإسرائيليين، وهي صيغة خططت لأن يجري تناول قضية اللاجئين (وجميع القضايا المهمة) في وقت لاحق، عند التفاوض على الترتيبات المؤقتة للضفة الغربية وقطاع غزة ، عبر ما يسمى بمفاوضات الوضع النهائي ، التي تأجلت لما يقارب العقد ، لحين انعقاد مؤتمر "كامب ديفيد" الاجهاضي عام 2000 ، وتأجل الآن إلى أيلول / سبتمبر 2010 لتبدأ جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بالشروط الإسرائيلية الأمريكية (وفق رسالة أوباما أواخر تموز الماضي ) التي يبدو ان قيادة م. ت. ف يمكن أن توافق عليها مقابل الاعتراف بدولة شكلية أو قابلة للحياة بدون حق العودة ، وبدون سيادة حقيقية على أرضها ومواردها من ناحية وتكريس الاعتراف بيهودية دولة العدو الإسرائيلي من ناحية ثانية . من الواضح إذن، أن هذه السياسات ليست جديدة علينا ، سوى أنها في تقديرنا ، أسوأ وأكثر هبوطاً من تلك السياسات التي مارسها الراحل أبو عمار طيلة العقود الثلاث الماضية.
3. الفشل في تطوير دوائر منظمة التحرير إلى مؤسسات ديمقراطية حديثة تمهد لترسيخ مشروع دولة فلسطين.
4. المحاباة ، والاستخدام التعسفي للسلطة ، والفساد، وعدم ضبط مختلف فئات منظمة التحرير أفسد أدائها بشكل خطير، وكل ذلك في إطار قيادة فردية مطلقة ، جعلت الحديث عن مسار حركة التحرر الوطني الفلسطينية بكل فصائلها غير ممكن دون تتبع دور وهيمنة القائد الفرد الراحل ياسر عرفات .
ورغم رفض أو معارضة بعض الفصائل الفلسطينية وخاصة الجبهة الشعبية ، إلا أن هذه السياسات جعلت المنظمة في وضعية يرثى لها، حيث جرى تغيير برنامجها بعد أوسلو لكي يتوافق مع الاتفاقات الموقعة، وبالتالي بات برنامجها هو برنامج أوسلو لا غير. بمعنى أن المنظمة لم تعد منظمة للتحرير، بل باتت "خيال مآتا" لا دور سياسي، ولا دور نضالي، ولا دور تمثيلي. وهي محتكرة من قبل قيادة السلطة، وليس فتح، لأن فتح تهمّشت كذلك، لهذا لم يبق سوى الاسم: منظمة التحرير الفلسطينية. هل يفيد؟ الجواب متروك لكما !.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر