الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمن من الحرب والكوليرا الى الثورة .

حزب الكادحين

2017 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



تعرّف منظمة الصحة العالميّة مرض الكوليرا بأنّه عدوى معويّة حادّة تنجم عن ابتلاع بكتيريا الكوليرا المنقولة بالمياه أو الأطعمة الملوّثة وتتّصف حالاته بحدوث إسهال مائي حادّ ومفاجئ يمكن أن يؤدّي إلى الوفاة نتيجة للجفاف الشديد. وحضانة هذا الوباء القاتل تتراوح بين 12 ساعة و05 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص المصاب وهو ما يتسبّب في سرعة انتقاله إلى أشخاص آخرين مع إمكانية القضاء على حياتهم في غضون ساعات إن ترك بدون علاج. فما هي الأسباب التي جعلت هذا الوباء القاتل ينتشر بسرعة في اليمن ؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا في البداية معرفة الأسباب التي تؤدّي إلى ظهور هذا الوباء القاتل والتي تتلخّص في تناول الأطعمة أو شرب واستعمال المياه الملوثة ببكتيريا الكوليرا ثم تحديد المناطق التي تمثّـل التربة الخصبة لاحتضان هذه البكتيريا قبل أن تتمكن من الإنسان.
تعتبر الأحياء الفقيرة المتاخمة للمدن والتي تنعدم فيها البنى التحتية الأساسيّة الحاضنة الرئيسية لهذا الـوباء، وكذلك مخيمات المشردين واللاجئين، وبصفة عامّة كل المناطق التي تفتقر لأدنى المتطلبات المتعلقة بتوفير إمدادات المياه النظيفة وكذلك مرافق الصرف الصحي. فهل كانت اليمن مهيّـأة لاحتضان مرض الكوليرا ؟
لقد كان للحرب الرجعية الدائرة في اليمن منذ 21 سبتمبر 2014 نتائج كارثيّة أثّرت على الحياة اليوميّة للجماهير الكادحة وزادت في معاناتهم نتيجة لتدمير البنية التحتية من مستشفيات ومحطّات توزيع المياه الصالحة للشرب وقنواتها وكذلك تجهيزات الصرف الصحي، إضافة إلى تجمّع أكداس القمامة وتعفّنها نتيجة لعدم توفّـر المعدات اللازمة لرفعها وإضراب عمال النظافة لمدّة عشرة أيام متتالية لعدم حصولهم على مرتباتهم خاصة في العاصمة صنعاء ممّا اضطر أغلب السكان إلى ارتداء أقنعة لتجنّب الروائح الكريهة المنبعثة من هنا وهناك، إلى جانب تكاثر المصبات العشوائيّة غير الخاضعة للمراقبة، زيادة على تهاطل الأمطار بكميّات غزيرة سنة 2017 ممّا زاد في تعفن الفضلات المنزلية المتراكمة في كل الأماكن وانبعاث الروائح الكريهة وهو ما تسبّب في ارتفاع منسوب تلوث البيئة التي تعاني من ناحيتها من تلوّث مستمر ناتج عن مخلّفات الأسلحة المستعملة في هذه الحرب الطائفية التي تخوضها عدّة أنظمة عربية رجعية بتواطؤ مع الإمبريالية الأمريكية وكذلك الدمار الحاصل بالمباني والتجهيزات.
لقد ساهمت مياه الأمطار بقسط وافر في تلوّث مياه الشرب نتيجة لتراكمها لعدة أيام بأماكن لتجميع القمامة ثم انتقالها كمياه جوفية لتختلط بالمياه التي يتم استخراجها لغاية الشرب والاستعمالات المنزلية لأن أغلب مصادر المياه في اليمن هي مياه جوفية يتم استخراجها عبر الآبار.
إضافة للتلوّث بجميع مصادره، ساهمت الحرب أيضا في تشريد مئات الآلاف من السكان واستقرارهم في أماكن غير مهيّأة وتفتقر لأبسط مقوّمات الحياة وفقدانهم لموارد رزقهم ممّا نتج عنه ارتفاع في نسبة الفقر. فاليمن التي تعدّ حوالي 26 مليون نسمة أصبح 19 مليون منهم في حاجة إلى المساعدات الإنسانية من بينهم 14.5 مليون لا يحصلون على مياه الشرب النظيفة وخدمات الصحة و3.3 مليون سيّدة وطفل يعانون من سوء التغذية الحادّ الذي يجعل الجسم عرضة لكل الأمراض لعدم قدرته على المقاومة.
و ضمن هذه الظروف المعيشيّة القاسية ظهرت العديد من الأمراض حسب تأكيدات منظمة الصحة العالمية التي ذكرت بأنّ حالات الأمراض المعدية ازدادت سنة 2016 مثل حمّى الضنك والملاريا والجرب والتهاب الجهاز التنفسي وأمراض الإسهال لأنّ ممثلي السلطة في اليمن انشغلوا عن العمل على تحسين أوضاع الجماهير الشعبية والتخفيف قدر الإمكان من معاناتهم بإدارة حرب رجعية طائفية طاحنة ومدمّرة للحفاظ على كراسيهم ومصالحهم الشخصية ومصالح حلفائهم من رجعيين وإمبرياليين. في ظل هذا الوضع البائس ظهرت أولى بؤر الكوليرا في اليــمن في 6 أكتوبر 2016 في أحد أحياء العاصمة صنعاء، وخلال شهرين فقط امتد هذا الوباء القاتل إلى حوالي 15 محافظة ليحصد أرواح المئات في ظلّ عجز السلطات الصحيّة عن محاصرته بشكل تام إذ سجّل إلى حدود 20 ديسمبر 2016 حوالي 11061 حالة مشتبه بإصابتها بهذا المرض من بينها 93 حالة وفاة .
و نظرا لعدم تجنّد السلطات الحاكمة في اليمن لمقاومة هذا الوباء والتصدي له بكل جديّة عبر توفير التلاقيح اللازمة وتركيز وحدات صحية لتقديم الإسعافات اللازمة والمستعجلة وتوفير المياه الصالحة للشرب والقضاء على بؤر التلوث، تفاقم الوضع الصحي في اليمن بصفة متسارعة منذ بداية شهر ماي 2017. فحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن انتشر وباء الكوليرا بتاريخ 05 جويلية 2017 بكافة محافظات اليمن، بينما تم تسجيل 270 ألف حالة مشتبه فيها، فيما بلغ عدد الوفيات أكثر من 1600 وهو ما دفع بالمتحدث باسم الأمم المتحدة إلى إرسال صيحة فزع وطلب المساعدة العاجلة لتكثيف الجهود لمقاومة هذا الداء الفتاك، فرغم توفير حوالي 400 طن من اللوازم والمعدات الطبية المنقذة للحياة منها 30 سيارة إسعاف مجهزة تجهيزا كاملا ومجموعات أخرى لمعالجة 10 ألاف شخص في عدن والحديدة وتركيز 2350 سرير و600 نقطة لمعالجة الجفاف عن طريق الفم، فقد تبيّن أنّ ما تم توفيره لا يكفي لمجابهة هذا الخطر الداهم الذي يتطلّب مجهودات أكبر لمحاصرته ثم القضاء عليه خاصة أن المجاعة أصبحت تهدّد جزءا كبيرا من اليمنيين وأنّ سوء التغذية والجوع يجعل جسم الإنسان عرضة لكل الأمراض الممكنة ويضعف جهاز مناعته وقدرته على مقاومة المرض. لقد أكد ممثل برنامج الأغذية العالمي بأنّ اليمن يقترب من المجاعة وأنّ أكثر من 17 مليون شخص أو ثلثي السكان لا يعرفون من أين ستأتي وجباتهم الغذائيّة القادمة ، بمعنى آخر حين تتوفر وجبة ما تبقى الوجبة القادمة غير مضمونة الوصول لعدم توفر المخزون الغذائي الكافي لدى المنظمات الإنسانية نتيجة للحصار الذي يفرضه أباطرة وأمـراء الحرب على الموانئ وطرق الإمداد. كما أنّ المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أكّد بأنّ اليمن يمرّ بأسوأ انتشار للكوليرا في العالم محذرا في الآن نفسه من تعرض حياة عشرات الآلاف من الأطفال خاصة للموت مشيرا في الآن نفسه بأن الكوليرا وسوء التغذية قد خلقا أوضاعا مميتة مبيّنا أنّ إمكانيّة علاج الإسهال الذي تسببه الكوليرا ممكن لكن الإشكال الذي يعيق مجهوداتهم المبذولة في هذا الشأن يكمن في استمرار الحالات التي يتم إنقاذها من الموت في شرب المياه الملوثة مما يعرضها مجددا للإصابة بهذا الوباء، مؤكّدا على أنّ الوقاية الأوليّة والضروريّة لمحاصرة هذا الداء تتطلب توفير الماء الصالح للشرب وتركيز وإصلاح تجهيزات الصرف الصحي للحد من ظاهرة التلوّث.
لقد أصبحت معالجة مرض الكوليرا سهلة متى تمّ التفطن للحالة منذ بداياتها ومتى توفرت الأدوية المتمثلة في محلول بسيط من الأملاح والسكر يقدم للمصاب عن طريق الفم ويعرف في جميع أنحاء العالم بالإمهاء الفموي. وهذا العلاج يتم تقديمه للمريض بمحل إقامته وتتم تغذيته بهذه المحاليل في جميع الأوقات لاستعادة الحجم السائلي في الجسم ولتجنب الجفاف. كما يعرف هذا الدواء أيضا بمحلول الإرواء الفموي. غير أنّ الإشكال الذي تتعرض له المنظمات الصحية والإنسانية في مواجهة هذا الداء والحد من خطره في اليمن هو النقص في مياه الشرب غير الملوّثة لأنّ المريض يحتاج في اليوم الأول لمرضه إلى حوالي 06 لترات من هذا المحلول، فيما تتطلب حالة الجفاف الحاد إلى حوالي 07 لترات إضافة إلى المضادات الحيوية المناسبة لتخفيض مدة الإسهال ما أمكن لأنّ الكوليرا تتصف حالاتها الشديدة بحدوث إسهال مائي حادّ ومفاجئ يمكن أن يؤدّي إلى الوفاة نتيجة لجفاف جسم المصاب وهو ما يتطلب السرعة في الكشف عن الحالة ومعالجتها قبل استفحالها و انتقــــال عدواها للمحيطين بها.
ولسائل أن يسأل هنا، ماذا فعلت كل الأطــراف الرجعية المتصارعة في اليمن لمجابهة هذا الخطر الداهم الذي يهـــددّ في صورة عدم القضاء عليه بالفتك بملايين البشر ؟
لقد استمر أباطرة وأمراء الحرب الرّجعيّون في حربهم غير عابئين ببؤس الكادحين ومعاناتهم نتيجة للمجاعة التي تهدّد الملايين منهم وكذلك وباء الكوليرا فاستمرت محاصرة الموانئ والطرقات التي تصل منها المساعدات الطبيّة والغذائيّة للمنظمات الإنسانيّة العاملة باليمن، كما تواصل مسلسل تدمير ما بقي من منشآت صحية وتجهيزات الصرف الصحي والماء الصالح للشرب وبالتالي تأبيد الوضع البيئي الكارثي باليمن والذي مثل حاضنة لنموّ داء الكوليرا وانتشاره بسرعة.
إنّ زحف ذلك الوباء على الشعب في اليمن مرتبط رئيسيّا بالحرب الدّائرة هناك، وهو ما يبرهن مرّة أخرى على أنّ هذه الحرب ليست في مصلحة الكادحين وإنما تدار لصالح أطراف عميلة مرتبطة بقوى استعمارية وبأنظمة عربية رجعية مهمتها تدمير الوطن العربي ومزيد تقسيمه والسيطرة على ثرواته وهي بالتالي حرب رجعية يتوجب على الثوريين في اليمن مقاومتها بالحرب الثورية التى تضع كهدف استراتيجي لها كنس القوى العميلة وتحرير الأرض من الهيمنة الاستعماريّة مهما كانت طبيعتها وبناء مجتمع جديد، مجتمع الديمقراطية الشعبية الذي تسوده علاقات الإنتاج التي تمكّن الكادحين من السيادة على الثروات الطبيعية وتحسين ظروف العيش على جميع الأصعدة ومقاومة كل الأمراض الفتاكة والقضاء عليها بصفة نهائيّة والحد ما أمكن من التلوث والمحافظة على بيئة نظيفة وسليمة يستطاب فيها العيش.


طريق الثورة
العدد 40
تونس اوت 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نداءات لتدخل دولي لحماية الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية | #


.. غارات إسرائيلية استهدفت بلدة إيعات في البقاع شرقي لبنان




.. عقوبات أوروبية منتظرة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل.. وال


.. شاهد| لحظة الإفراج عن أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرا




.. مسؤول أمريكي: الإسرائيليون يبحثون جميع الخيارات بما فيها الر