الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (79) الاستخبارات والسلطة

بشير الوندي

2017 / 8 / 2
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
----------
اجهزة الاستخبارات اجهزة سرية بطبيعتها , وتلك السرية قد تنقلب وبالاً على البلاد مالم يكون هنالك توازن دقيق ومعيار واضح لعلاقتها مع السلطة السياسية الحاكمة , فالمعيار الدقيق يؤدي الى وضوح الواجبات والصلاحيات ويمنع من بروز مراكز القوى والدولة العميقة , لانهما وبال حقيقي يؤديان الى انهيار السلطة .
ولاشك من ان تحديد الواجبات الاستخبارية وضبط ايقاع العمل بين ماهو سياسي وبين ماهو استخباري يحتاج الى ان لايتم الانجراف نحو الافراط ولا الى النزوع نحو التفريط وانما بالتوازن في العلاقة بين مؤسسات الدولة والسلطة السياسية من جهة وبين الاجهزة الاستخبارية من جهة اخرى .
ان حال الاستخبارات كحال الثروة والاقتصاد والعلم والمياه وغيرها , اذا لم تستثمر جيدا تكون عبئاً , فمثلا النفط بالعراق بحسب احصائيات سابقة. استحصل العراق من عام 1927 الى 1958 ما يعادل مليار دولار من النفط ,وترى اثار ذاك المليار في كل مكان , وفي حكم عبد الكريم قاسم (بسبب قانون 60 ) استحصل قاسم ما يعادل حوالي 4 مليار دولار وشواهد تلك المليارات كثيره ومحسوسة من مشاريع وبنى تحتية ومؤسسات ومدارس ومستشفيات وغيرها , بينما من 1963 الى 2003 , وبمدة 40 عام , استحصل العراق مئات مليارات الدولارات وخرج مطلوب 400 مليار , اي انها ذهبت هباء.
ذات المنطق يصح في الاستخبارات ,فاذا كانت استخبارات ناجحة وسلطة غير قادرة على الافاده من تلك القدرات فان قدرة الاستخبارات تذهب هباء , واذا كانت الاستخبارات عاجزة في ظل سلطة طموحة فسوف تتسبب بمشاكل واضرار للسلطة.
فعدم استثمار الجهد الاستخباري الصحيح والمحترف وفهم الامور بشكلها الصحيح سوف يسبب اضرار لايمكن تعويضها ويذهب بالسلطة الى الاطاحة والانهيار لان اعمال الاستخبارات بشكلها المحترف المعقول ينتج عنه حماية السلطة بينما يؤدي اغفال الجهد السليم للاستخبارات لضياع السلطة.
----------------------------------
مخاطر الاخفاق الاستخباري
----------------------------------
قد تكون الاستخبارات العالمية هي الاكبر من حيث العدة والانتشار واسلوب التنسيق والتعاون وتقديم الادوار للسلطة والحكم , لكن هذا لا يعني انها الاكفأ في قراءة المعلومات وفهمها او الاخذ بها.
والامثلة كثيرة عن تلكؤ السلطات في الاخذ بتحذيرات الاجهزة الاستخبارية بجدية , وكذا باخفاقات الاجهزة الاستخبارية الكبرى في استشعار الخطر في الوقت المناسب وماتبع ذلك من كوارث . كما في تدمير اليابانيين للقوات الامريكية في ميناء بيرل هاربر برغم وضوح المعطيات والمعلومات , وكذلك سقوط شاه ايران وقيام الجمهورية الاسلامية الايرانية رغم ان المؤسسات الاستخبارية كانت توحي بقوة الشاه واستقرار نظامه .
وكذلك الامر في احداث البيريسترويكا عام 1989 في الاتحاد السوفيتي واوروبا الشرقية , فجهاز ال KGB جهاز عملاق وكان احد اركان القوة لكن فشل في حفظ السلطة , وكذلك الاجهزة السرية في المانيا الشرقية كانت الافضل عالميا , لكنها فشلت في منع انهيار السلطة والنظام الشيوعي .
ورغم التطور الهائل , لم تتمكن الاستخبارات من تأكيد هجوم الجيش العراقي على الكويت(1990 )برغم تحشده لعده ايام على الحدود وانهيار المفاوضات السياسيه , لكن الاستخبارات العالمية تمسكت بان صدام يهدد ولن يهاجم.
بل ان تفجير ابراج نيويورك احد المحطات البارزة للصمم الحكومي امام التحذيرات الاستخبارية , وفي ذات الوقت عن عجز اقوى الاجهزة الاستخبارية عن استشراف الخطر بدقة .
------------------
اشكالية السلطة والاستخبارات
-------------------------
يعتبر البعض ان جمع المعلومات هو فن الممكن كحال السياسة , بينما يرى اخرون بأن الطموح هو محور السلطة وان الخيال الواسع هو محور الاستخبارات , والواقع ان السلطة الذكية والمدركة لدور الاستخبارات تطلق يد الاستخبارات في حدود المعرفة والحقيقة ودفع الشر والخطر وتحقيق الامن , فالمطلوب من السلطة امن وغذاء وكلا الامرين يحتاجان للاستخبارات , فتحقيق الامن يتأتى من خلال الاستخبار , وحمايه الغذاء والثروة والمال والاقتصاد هو من مهام الاستخبارات ايضاً.
ولا يمكن حصر فوائد الاستخبارات لديمومة السلطة وبنفس الوقت حجم أضرار الاستخبارات في سقوط السلطة , فالاستخبارات يمكن ان تكون عين السلطة , ولكن اذا تحولت الى العوبة تطبل للسلطة فانها تنقلب وباءاُ على السلطة والنظام الحاكم .
ان الاستخبارات تساعد على ان تكون السلطة ذكية منتبهة تفهم وتدرك الامور , ولكن اذا استخدمت الاستخبارات بشكل خطأ , فستنعكس المعطيات فتكون السلطة جاهلة غافلة لاتدرك ما حولها .
ان على السلطة ان توازن بين القوة والاستخبارات والثروة والسياسة والادارة , ولقد اصيبت بعض الانظمة بالهوس الاستخباري وافرطت في اعطاء الاستخبارات مهام وادوار ومساحات بلا حدود حتى غدت ركنا مهما من اركان الفساد , فالثروة والسياسة والاستخبارات هم اركان مثلث لفساد السلطة , وهنا نذكِّر بأن اغفال الجهد الاستخباري يكلف السلطة كثيرا وكذا يفعل الافراط.
امر اخر يجب ان تتنبه له السلطة هو ان تعدد الاجهزة الاستخبارية غير المنضبط قد ينشب حربا داخلية وصراعات مراكز قوى تضر بالنظام , ويصبح لكل جهاز توجه فكري وبناء استخباري مختلف يؤدي للتنازع خصوصاً في البلدان التي تسعى للنهوض والتطور.
كما يجب ان تختبر السلطة جهازها الاستخباري من حيث المصداقية والدقة والكفاءة , مثلما يجب ان تختبر الاستخبارات اذرعها وتختبر الاذرع بدورها مصادرها.
------------------------------
الاستخبارات والتحزب
------------------------------
ان اخطر اشكالية تفسد العمل الاستخباري وتؤدي الى تفشي الفساد وانهيار الدولة تتمثل بأفة استخدام الاجهزة الاستخبارية في الاعيب السياسة وجعلها العوبة بيد النظام الحاكم لخدمة مصالحه وفي تقويض الحريات .
ففي الكثير من الانظمة التي تنزع للدكتاتورية , يعمد الدكتاتور او الحزب الحاكم الى تكليف الاجهزة الاستخبارية بواجبات لاقانونية وتتعارض مع الحريات العامة , وتتحول واجبات التجسس والمراقبة والاختراق الى واجبات موجهة للمعارضة السياسية والمنظمات التي تنافس الحزب الحاكم على السلطة وتتحول الاجهزة الاستخبارية الى ادوات يحارب بها الحاكم وحزبه منافسيه السياسيين , مما يحول الاجهزة الاستخبارية الى اجهزة قمعية تصطدم بالمواطن بدلاً من ان تحميه .
وبذلك تتحول مهام الاستخبارات الى مهام سلطوية ترسم لها السلطة الاعداء المنافسين مما يشتت الجهد الاستخباري تجاه اعداء الوطن والجواسيس والدول المعادية , وتتكيف الاجهزة الاستخبارية لتصبح ممسحة تلمع بها السلطة وجهها والى عصا غليضة تضرب كل من يسعى الى مستقبل افضل لبلاده , مما ينتج عنه ابتعاد المواطنين عن اي تعاون مع الاجهزة الامنية والاستخبارية التي تقمعه وينحصر التعاون بالشذاذ ممن يصبحون جواسيس على ابناء جلدتهم وتتضخم الممنوعات وترهق الاجهزة الاستخبارية بواجبات لاشأن لها بها , مما يؤدي الى ازدياد النقمة والحكم بالنار والحديد واندلاع الثورات ومن ثم سقوط النظام واجهزته الاستخبارية .
ولعل ابرز مثال على انحراف مسار الاجهزة الاستخبارية عن عملها الحقيقي هو ماحصل في زمن النظام الصدامي البائد , فصرنا نسمع من بعض السذج قصص يفخرون بها من قبيل ان النظام كان يضع ضابط كبير يعمل متخفٍ كصباغ احذية امام المراقد المقدسة , وكأن هذا من واجب الاستخبارات , ولايعلم هؤلاء البعض بان هذا نموذج للانتكاسة التي جعلت اجهزة الاستخبارات مراكز قتل وتعذيب لاعلاقة لها بعملها الاصلي في اختراق العدو وكشف مخططاته , فالمشكلة تكمن كلها هنا في الاجابة عن تساؤل جوهري هو : من هو العدو ياترى ؟!!!!.
ومن مقارنة بين دولة كماليزيا وحاكمها مهاتير محمد الذي حكم من 1981 الى 2003 وصدام الذي حكم من 1979 الى 2003 نستطيع ان نرى الفرق وان نفهم دور الاستخبار والسلطة في البلدين وكيف تعاملت السلطة هنا وهناك , ولماذا يتجول مهاتير متفاخرا بين شعبه الان وهو بعيد عن السياسة وتنازل عن الحكم بسلاسة , وكيف ترك بلدا اقتصاديا قويا بعد ان كان يعيش الفقر والحرمان , وبين صدام الذي اختفى في حفرة وتم اعدامه , فكم كانت الاستخبارات الماليزية موفقة في حفظ السلطة وكم ابتعدت الاستخبارات العراقية عن مهامها لتصبح مطية لأهواء ومغامرات الحاكم , ان الاستخبارات الذكية هي التي تجنب بلادها الحروب , لانها تعرف كوارث الحروب , اما الاستخبارات التي تدفع او تساير سلطة بلدها في مغامرات الحروب , فهي اما غبية او متآمرة او خائفة من السلطة .
ان السلطه الذكية هي السلطة التي تضع الاستخبارات لخدمه البلد , وبها تعرف المشاكل والتحديات والاخفاقات والمطالبات والخطر والتهديدات وتمنع وصول المشاكل الى الذروة وتعالجها بالامن الناعم .
كما ان الاستخبارات الناجحة تكون مرشدة حقيقية للسلطة تصل بها لبر الامان وتنقل الحقائق بلا تلاعب وتقرا جيدا وتقيم جيداً وتبحث جيدا وتضع الاحتمالات والسيناريوهات والفرضيات بإحكام وتقدم الاطاريح والمعالجات وتتابع التنفيذ خاصة في مجال الامن والخلل الامني والتهديدات الناعمة والخشنة والخارجية والداخلية ومشاكل البطالة والفقر والجهل التي سرعان ما تتحول الى تحديات امنية , وسرعان ما تتحول الى مخدرات وتهريب وعصابات مسلحه وخرق القانون وسطو مسلح وتمرد وغيرها , ناهيك عن التجسس والعمل لصالح الاجنبي وتبيض المال وغيرها من انواع الجرائم التي تنتهي بتقويض السلطه او انهاكها.
------------------------------------
الاستخبارات العراقية والسلطة
------------------------------------
بالرغم من ان درس سقوط صدام ونظامه هو درس نهاية وفشل لاجهزته الاستخبارية , الا ان العلاقة بين السلطة والاجهزة الاستخبارية في فترة مابعد السقوط لاتزال بعيدة عن ان تعي الدرس ولاتزال علاقتها بالسلطة ملتبسة .
فلم تسلم الاجهزة الاستخبارية من امراض الطائفية والمحاصصة السياسية والحزبية مما اوقعها في فخاخ الفساد المالي والاداري والسياسي , وزاد عليها قلة الكفاءة واهمال التخصص وانعدام الشعور بالمسؤولية والانكى من كل ذلك توزع الولاءآت وتفضيل الولاء الحزبي على الولاء الوطني .
وقد انعكس كل ذلك على فشل الاداء الاستخباري الذي افتضح وبان اثر سقوط ثلث العراق بيد عصابات داعش التي كانت تصرخ منذ سنين بانها دولة العراق والشام اي ان عينها وطموحها على العراق . ولكن الاستخبارات كانت غافلة عن ادراك الخطر .
اما مانسمعه من ادعاء البعض من قادة الاجهزة الاستخبارية من انه كان يملك المعلومة عن داعش وان الحكومة لم تستجب لتحذيراته!!!! فهؤلاء (البعض ) يجب ان يقدموا الى القضاء العسكري ,لان الاستخبارات عندما تشخص الخطر بدقة , فلابد لها ان تعالجه لاان تقف مكتوفة الايدي.
ان هذه الاستخبارات التي تدعي المعرفة الم تكن تعرف ماذا كان يدور في الموصل ولا عن معنويات القوات الامنية وتآمر السلطة المحلية وخيانات وفساد الضباط الكبار وبيع المناصب وفساد قادة الاجهزة الامنية في المركز وكتابة التقارير المغلوطة وغباء وغرور السلطة السياسية التي لم تكن بحاجة الى استخبارات لمعرفة المستقبل .
فالمناطق متمردة ضد الحكومة وحكومات محلية تطالب بالانفصال و مؤامرة خارجية صارخة وعمالة داخلية فاضحة وطابور خامس وسادس واعلان داعش بانها في العراق والشام واعتبرت العراق اولاُ وقيادات امنية فاسدة وغير كفوءة وامبراطوريات عسكرية بنيت من الابتزاز والسرقة كلها توشر على قرب الانهيار الذي لم يكن وليد اللحظة وقبلها كانت الفلوجة قد خرجت عن سلطة الحكومة بستة اشهر.
------------
خلاصة
------------
الاستخبارات هي كشاف الضوء الذي تساعد على تمييز الاصدقاء والاعداء , فالاستخبارات هي احد ادوات السلطة الفعالة , تستخدمها السلطة الخيرة او السلطة الشريرة كل بطريقتها , فقد يؤدي عمل الاستخبارات الى حفظ دماء الملايين , وقد تسفك دماء الملايين , ولأن الاستخبارات احد ابرز ادوات الحكم الحديث , فلابد من ان تكون العلاقة بين الاستخبارات والسلطة علاقة سليمة تضمن دوراً استخبارياً وطنياً لاعلاقة له بمغامرات الحزب الحاكم وصراعات السلطة وانما تحصر دورها بالمعلومات وكشف اسرار العدو ومخططاته وتنبيه الدولة الى المخاطر , وان لاتكون ذيلاً للاهواء الحزبية , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر