الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.. وهل انعدم التساؤل أيضا ؟

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2017 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



كيف نمتلك الوعى لندرك الحقائق من تحت ركام الأكاذيب الموروثة والسائدة فى علوم التاريخ والسياسة والفلسفة والدين والطب والفن والقانون والأخلاق؟ كيف يمتلك العقل المصرى القدرة على كشف الخطط الذكية لإخفاء الظلم والاغتصاب الجسدى والاقتصادي، تحت ستائر من الروحانيات والمقدسات؟

أى عقل عبقرى يملك القدرة على فك طلاسم الاسلاموفوبيا مثلا، أو الحروب الداعشية والفتن الدينية، ليكشف الخطط الأوروبية الأمريكية الإسرائيلية الخفية، ويخترق الدخان الإعلامى الكثيف حول المسجد الأقصى مثلا، الذى تصنعه إسرائيل لتغطى على قتلها الفلسطينيين بالسجون وإقامة المزيد من المستوطنات غير القانونية دوليا ومحليا؟ هل يقترن الإجرام بالذكاء والمكر وتطور القدرات العقلية ؟ لماذا يزداد الثراء والقوة للدولة أو للفرد بازدياد القدرة على الكذب والخداع ؟

أصبحت إسرائيل أقوى دولة فى المنطقة، رغم جرائمها الوحشية وخرقها الدائم لقرارات الأمم المتحدة، وأصبحت الولايات المتحدة أقوى دولة فى العالم، رغم جرائمها المعروفة ومساندتها الدائمة لإسرائيل. من تجاربى فى الحياة وجدت أن أكثر الرجال أو النساء قدرة على الخداع هم الأكثر ثراء واعتلاء للمناصب، وبالأمس دعانى صديق قديم لا يكف عن الكتابة عن الديمقراطية، كان قريبا من الحكام فى كل العهود، لم يتعرض لبطشهم رغم أنه يعارضهم أحيانا، لكنه يجيد المراوغة والتبرير، معارضا كان أو مؤيدا، ويعتبر النفاق ذكاء اجتماعيا، كسب الجميع ولم يكشفه أحد، حتى زوجته لم تعرف شيئا عن حياته خارج البيت، يتخلى عن أصدقائه فى الأزمات، وإن بطشت بهم السلطة لمجرد التعبير عن رأيهم. لم أسمع صوته حين عشت المنفى والسجن وقضايا الحسبة وغيرها من الشدائد، ثم دعانى إلى بيته أخيرا فى الحى الراقي، لم أعرف لماذا؟ وقلت لنفسى ربما تلهمنى الدعوة بفكرة جديدة لقضية أو مقال.

كانت المائدة فى الفيللا الفخمة محملة بأشهى الأطعمة.. الخدم والسفرجية يحومون حولها حاملين الأطباق والصوانى والمشروبات الروحانية فى أوان فضية، والآيات المقدسات منقوشة داخل براويز ذهبية، وأجهزة التكييف تجعل الجو ربيعا، رغم ان الحرارة ثلاث وأربعون مئوية بالخارج والنوافذ الزجاجية الكبيرة، تكشف الحديقة الدائرية والأشجار.

تذكرت فيللا شكرى بيه فى طفولتي، نشأت بين طبقتين مختلفتين، أهل أبى الفقراء فى القرية، رغم «جلابيبهم» المتربة، كانوا أكثر إنسانية وصدقا من عائلة أمى الأثرياء، رغم بدلهم المكوية وفساتينهن اللامعة، وتم انحيازى لأهل القرية بالفطرة، ولأنهم وقفوا مع الثورة ضد الاستعمار والملك والإخوان والطبقة الحاكمة الثرية، الذين اتهموا عبد الناصر بالشيوعية، رغم أنه وضع الشيوعيين بالسجون عشرة أعوام بالأشغال الشاقة. ورثت الطبقات الحاكمة أساليب الخداع والمكر من الاستعمار القديم والجديد. وراحوا يلوكون كلماتهم البراقة، منها كلمة الديمقراطية، أصبحت إسرائيل هى الدولة الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة، والولايات المتحدة الأمريكية هى واحة الديمقراطية.

وتعمل إدارة دونالد ترامب اليوم مع بعض أعضاء الكونجرس على استصدار قانون يمنع المواطن الأمريكى من المشاركة فى الحملة الشعبية التى ترفع شعار المقاطعة لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراض فلسطينية محتلة، هكذا تكشف الديمقراطية الأمريكية عن حقيقتها الديكتاتورية، وهى تحاول ضرب شعبها ذاته، وانتهاك حريته فى التعبير عن نفسه ضد الظلم والاستبداد العنصري. وترفض إسرائيل تنفيذ إنذارات مجلس الأمن وقرارات الأمم المتحدة المتكررة على مدى السنين، ولا تتلقى أى عقاب إن ضربت العراق وسوريا بالقنابل، بل تكافأ بالمزيد من الأموال والسلاح الكيماوى والنووى المتطور، وتعاقب الشعوب العربية جميعا دون استثناء، الفلسطينى بالقتل والفتن والتقسيم والإرهاب، و«اغتيال» القذافى وصدام حسين وجمال عبد الناصر وغيرهم، بتهمة الاستبداد والديكتاتورية، ويكافأ الحكام العرب الذين تخلوا عن شعوبهم وتعاونوا مع الاستعمار الأمريكى الإسرائيلي.


اليوم هل تشارك النخب المصرية والعربية فى حملة مقاطعة منتجات إسرائيل؟ بدلا من الحملات ضد عبدالناصر؟ أو نشر الفتاوى فى الأكشاك والصلاة بالمسجد الأقصى؟ أو حملات تحجيب الأطفال البنات وختانهن وتعدد الزوجات وزواج القاصرات؟ ألا تسأل النخب المصرية والعربية نفسها هذا السؤال: لماذا تحدث حملات المقاطعة لمنتجات إسرائيل دائما من خارج الوطن العربي؟

هذه الجماعات الشعبية المناضلة من النساء والرجال، متعددة الثقافات والديانات وأغلبهم ليس لهم دين، لكنهم يؤمنون بالإنسانية والعدل والكرامة والحرية والمساواة بين جميع الشعوب، بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو الجنسية، ويدافعون عن حقوقنا أكثر مما ندافع نحن عنها، أليس هذا مثيرا للخجل؟ أو للتفكير؟ أو للتساؤل على الأقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى متى نعبد الطغاة
حيدرمحمود ( 2017 / 8 / 2 - 09:03 )
مع احترامي واعجابي بمقالك المفيد كعادة كل كتاباتك استاذه سعداوي لكنه لم يخرج عن النمطيه السائده عند الكتاب العرب في تمجيده واطرائه للرفاق الراحلين ممن كانت فترة تسلطهم ولااقول حكمهم سببا رئيسيا في الدمار والخراب الذي نعيشه الان ولايعلم الا الله كيف ستكون الامور مستقبلا وانا كعراقي عاصرت سلطة البعث و على راسها صدام الديكتاتور الارعن يؤلمني جدا ان اشاهد تاريخ بلدي مزورا ويكتبه او يتبنى طمس حقائقه بقصد او بلاقصد ناس على درجه من الوعي والثقافه لايجدر بامثالهم ان يرتكبوا مثل هذه الجريمه وهي التزوير والتضليل
اتمنى ان نتحرى الحقيقه من كل جوانبها ولا نسقط في فخ التعصب او ضيق الافق
لك كل احترام وتقدير


2 - عطاؤكِ السابق يكفي فحافظي لنا عليه
تنوير 4 ( 2017 / 8 / 2 - 12:27 )
عبد الناصر و السيسي = تيران وصنافير 2017 , وقبلهما : ميناء أم الرشراش في عام 1956 ..الآن هو : ميناء ايلاات الاسرائيلي -

يمكن ادانة جرائم أمريكا واسرائيل بدون تبرئة جرائم وفظائع طغاتنا انقلابيينا ديكتاتوريينا جلادينا
ويمكن أن يدعو الناس لمقاطعة منتجات المستوطنات الاسرائيلية بدون تنحية باقي قضاياهم الحيوية

لك مقال يا دكتورة , في الدعاية لكتاب جديد لابنة عبد الناصر . نرجو مراجعة تعليقات القراء عليه
قراؤك يقدرون عطاءك ونضالك , فلماذا الجنوح لايلامهم , لا تدعيهم يتذكروا قول - أم كلثوم - للقصبجي : انت لازم تستريح بقي ياقصب
تمنيات مخلصة لكِ بالصحة والعافية


3 - جمهورية الخوف
د.قاسم الجلبي ( 2017 / 8 / 3 - 11:48 )
في منتصف السبعينيات ولغاية 2003 , عاش العراقيون في زمن البعث وذاقوا الآمريين من حكم صدام اليكتاتوري المجرم , القتل والتدمير الاقتصادي وارسال شبابنا الى الموت من خلال 3 حروب كارثية, الخوف من الحاظر ومن المستقبل في عهد الديكتاتور , لا ادري كيف تمكنت السيدة السعداوي ان تغير مجرى التاريخ ومادحتا ل هذا النظام السادي لحكم المجرم صدام ؟ كما كان صدام مجرما وديكتاتوريا كان عبد الناصر المتأمر الاول على حكومة عبد الكريم قاسم عام 1959 حيث مد الآوغاد القومييم والبعثيين بالما ل والسلاح, ولا يختلف نظام القذافي بحق شعب ليبيا من نظام فاسد مستهتر بحق شعبه , يظهر السيدة نوال السعداوي بعيدة كل البعد عن تاريخ الشعوب العربية, وتقرآ التاريخ الحديث بالمقلوب, مزيدا من الموضوعية والتروي عند كتابتكم للتاريخ وبدون استفزاز لمشاعر القراء هنا في الحوار المتمدن , مع التقدير

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة