الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من صنع العنف عبر التاريخ

مصدق الحبيب

2006 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لجأ الانسان، منذ فجر التاريخ، الى اساليب مختلفة من العنف واستخدام القوه لاشباع حاجاته الشخصيه بما فيها الجسديه والنفسيه والاجتماعيه. ولم تأت الاعتبارات الاخلاقيه والمعنويه, ولم تنشأ مفاهيم الضمير والانتماء والمصلحه العامه, ولم تظهر الانظمه السماويه والدنيويه الا في فترة متاخره من تأريخ الانسان على هذه الارض لتحد من شيوع العنف وتبدأ ببناء المجتمع الانساني المتميز بأنظمته وهياكله الاجتماعيه والاخلاقيه والقانونيه التي جعلته مختلفا اختلافا نوعيا عن مجتمعات الحيوان المحكومه بهياكل ونظم شريعة الغاب . وعند ظهور وتطور الانظمه الاقتصاديه والاجتماعيه التي نظمت حياة الانسان، ابتدءا من نظم الملكيه الخاصه وتشكيلات العائله الاساسيه الى نظم التجمعات المدنيه الحاليه، مرورا بأنظمة وهياكل متعدده ومتباينه كانظمة القبيله والدين والدوله والحزب والوحدات الاقتصاديه والتكتلات الاجتماعيه والعرقيه والطبقيه والمهنيه المختلفه, اتسع مفهوم الحاجه الشخصيه وتداخل مع حاجة الجماعه, وامتدت مع ذلك ممارسات العنف لاشباع الحاجه التي اتسعت الى دوائر اكبر لحماية نظم التجمعات التي ينتمي لها الافراد, فا نتقل تسبيب القتل ، على سبيل المثال، من الدافع الفردي الى الجماعي، وهكذا برر الانسان قتل اخيه الانسان لحماية العائله والدفاع عن شرف القبيله والجهاد في سبيل الدين والذود عن حدود وكرامة الدوله واعلاء مبادىء الحزب وما الى ذلك من اسباب بدت ضروريه لمن مارس فعل القتل. وبنفس الطريقه ايضا ابتكروبرر الانسان بدائلا عنيفة اخرى للقتل في فترة لاحقه وذلك لتناسبها مع ظروف وحاجات معينه كبدائل السجن والتعذيب والابعاد والتجويع والاضطهاد والعزل والتهميش والتمييز والتخويف.

ولو القينا نظرة متفحصة عامه على تاريخ العنف ومن مارسه في هذه الارض عبر تأريخ الانسان على وجهها, لوجدنا ان هناك ثلاث مجموعات مسؤوله بشكل جوهري عن ممارسة العنف وتبريره كوسيله مشروعه لتحقيق اهدافها المعلنه وغير المعلنه, وهذه المجموعات هي: المجرمون الاعتياديون, والسياسيون, ورجال الدين. على ان من الواجب المنصف التوضيح بان ذكر المجموعتين الثانيه والثالثه لايعني فئتي السياسيين ورجال الدين برمتهما وبشكل شمولي لايميز بين الصالح والطالح انما يخص اولئك الذين تطرفوا في معتقداتهم وسلوكهم في حقلي السياسه والدين بالشكل الذي جعل الغايه مبررة للوسيله .

فمجموعة المجرمين الاعتياديين تمثل كل من يسقط من خلال شبكة النظم الاخلاقيه التي يرسمها المجتمع، وكل من يتجاوز حدود الضمير وقيم الانتماء والمصلحه العامه كما تقرها الاعراف الاجتماعيه. ولعلماء النفس والاجتماع والتربويين وخبراء القانون والجريمه نظرياتهم المختلفه حول الاسباب المؤديه الى سقوط هذا الفرد دون غيره في منزلق الخطيئه . على ان هذه المجموعه لاتزال ترفل في توسعها وتقدمها للحد الذي اصبح فيه سلوكها الاجرامي صناعه ذات هيكل مؤسسي منظم ومحكوم بنمط خاص يضمن منافعها الموغله في الفرديه والانانيه، لكنها تعمل ، سواء بشكل فردي او تجمعي، وبقدر مايتعلق الامر بالاخرين وفق مباديء شريعة الغاب حيث لاتمنعها اي ضوابط او قيود من ان تفعل ماتشاء اشباعا لحاجاتها الآنيه الانانيه، الكبيره منها والتافهه، الاقتصاديه والجنسيه والاجتماعيه والنفسيه، بما فيها الحاجات المريضه والشاذه للافراد والمجموعات كتلك التي تتركز حول الرغبات الطائشه كنزوات العبث واللهو والشهره. وتشير تجارب المدنيه عبر التأريخ الى ان افضل من يردع هذه المجموعه ويحد من نشاطاتها الاجراميه هي سلطة القانون الدستوريه الصارمه والنزيهه التي تمنح المجتمع صلاحيات تعقّب ومطاردة ومقاضاة ومعاقبة كل من تسول له نفسه الانحدار في منزلق جرائم العنف والحاق الاضرار بارواح وممتلكات مجتمعه او مجتمعات اخرى. ويتمثل الرادع المنطقي الامثل قانونيا بجعل كلفة العواقب اكبر بكثير من المنافع التي يستحصلها المجرم من جريمته.

اما المجموعه الثانيه، مجموعة السياسيين ورجال النفوذ والسلطه، فقد اتحفتنا بالغزير من الامثله التاريخيه التي بررت فيها السلطة الحاكمه القتل الجماعي والتدمير الشامل سواء من خلال برامج القمع والاضطهاد والتمييز ضد المعارضين والاقليات وكل من تشاء الانظمه المتسلطه تصفيته او تهميشه ، او من خلال الحروب القصيره والطويله التي نشبت كلها حول ادعاءات تتعلق بالسياده والحدود والنفوذ والممتلكات الخاصه والعامه وحتى بالاختلافات الشخصيه والنزعات الفرديه للمتنفذين، وزجت فيها الشعوب الامنه وازهقت فيها ارواح الملايين من الابرياء وتحطمت فيها ماقاست تلك الشعوب في بنائه وتعميره من ممتلكات ومنجزات لدهور طويله. وفي هذا الصدد لنا امثلة عديده في ماقبل التاريخ مثل حروب طرواده وحملات سنحاريب وغزوات الاسكندر المقدوني وحروب القياصره الرومان. كما تزدحم الامثله ايضا في مابعد التاريخ على عنجهية واستبداد وطغيان وعدوانية السياسيين المتنفذين وحماقاتهم وانعدام مسؤولياتهم تجاه شعويهم والشعوب الاخرى كما حدث في الغزو المغولي والحروب الانكلو_فرنسيه والانكلو_اسبانيه، وحروب الاكتساب الامريكيه، والحرب الاهليه الاسبانيه، والثوره الروسيه، والحربين العالميه الاولى والثانيه والحروب الهندو_صينيه والكوريه والفيتناميه والحرب الجزائريه والحروب العربيه_الاسرائيليه وحرب السلفادوروامريكا اللاتينيه والحروب الافريقيه والحرب الاهليه اللبنانيه والحرب اليوغسلافيه وحروب العراق.

وليس بخاف على احد فأن المجموعه الثالثه كانت قد خطت لنفسها الكثير من المجد واخذت حصتها الكافيه من القمع والاضطهاد والقتل الجماعي والتدمير الشامل باسم الدين، رافعة راية الخالق ومتيمنة بكتبه السماويه .كما كانت هذه الفئه حريصة في كل مره على الادعاء بانها هي الجهه التي يعلو كلام الله في ماتقول وماتفعل ، وهي المخوله لاسترداد الحق وزهق الباطل وهي التي تنثر الخير وتنشر العداله ، كما حدث في الحروب اليهوديه_الرومانيه في القرنين الاول والثاني الميلاديين وفي حروب مقاومة الدعوه الاسلاميه والفتوحات الاسلاميه والحروب الصليبيه والمظالم المطلقه المخزيه للسلطه البابويه التي دامت ستة قرون ومانشا عنها من جرائم محاكم التفتيش اللاانسانيه والمحارق البشريه البشعه في اوربا التي اودت بحياة الالاف من اعلام الفكر والعلم والثقافه بتهم الالحاد والزندقه ، ووصولا الى الجرائم المعاصره بسبب التعصب اليهودي_الصهيوني والتعصب المسيحي اليميني المتطرف وجرائم الارهاب الاسلامي السلفي.

وقد اثبت لنا التاريخ الحديث على ان افضل من يحد من نفوذ المجموعتين الثانيه والثالثه ويحجّم من نشاطاتها المدمره هو شيوع نظم الديمقراطيه التي تصون حق الاشتراك للجميع وتمنع الاستئثاربالسلطه والانفراد بأتخاذ القرارات الحاسمه وتعمل على اشاعة روح التسامح وقبول الاختلافات واحترام التباينات.
ولربّ سائل يسأل: هل تمكنت الديمقراطيه الامريكيه من منع كوارث الحروب التي شاركت فيها او شنتها الولايات المتحده؟ الجواب هو لا، ولكن الامل الوحيد هو ان الديمقراطيه، ورغم كونها نظاما غير امثل، فهي النظام الاحسن نسبيا، المتوفر والمجرب والذي لايزال يمنح حق الانتقاد والاحتجاج والذي يعطي صوتا لمن لاصوت له، ويسمح في نهاية المطاف بتبديل السلطه بعد نفاذ ولايتها الشرعيه حين يقرر الشعب انها لم تكن اهلا للمسؤوليات المناطه بها، وكذلك يسمح بتقويم عمل السلطه اثناء مدة ولاياتها، وتحديث الانظمه وتحسين القوانين وتعديل الدستور. وهذا افضل مايمكن عمله في غياب اي آليه اخرى ممكنه لمنع الكوارث الكبرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و