الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من شارون إلى شارون: التخطيط المكاني ونظام الفصل في إسرائيل / فلسطين الجزء الثاني

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2017 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


شارون الثاني
بنى أرييل شارون، في أنشطته التخطيطه السياسية، على النهج المكاني الذي اتبعه أرييه شارون، وقام بتعميقه على مر السنين من خلال تكثيف القوى العسكرية وقوى السوق. وعزز العمليات الاستعمارية الداخلية والخارجية التي خلقت خريطة إسرائيل / فلسطين المتنازع عليها بشدة (الشكل 4)

شكل 4 الجغرافية الإثنية في إسرائيل-فلطين 2009
وتظهر هذه الخريطة فعالية تهويد الفضاء: فالفلسطينيون الذين يشكلون الآن 46٪ من السكان في المنطقة الممتدة من الأردن إلى المتوسط، اقتصر وجودهم على جيوب منفصلة لاتغطي أكثر من 14٪ فقط من تلك المنطقة.ويزداد الأمر حدة داخل الخط الأخضر فالفلسطينيون (هناك)يشكلون18 % من المواطنين الإسرائيليين، ولكن المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم تقل عن3 %، ومحرومون فعليا من التوطن في حوالي 80 % من مساحة بلدهم (6). مع العلم أنه قبل عام 1948، لم يكن اليهود يملكون سوى 1.4 مليون دونم، أو 7٪ من الأرض في فلسطين الانتدابية، في حين أن الفلسطينيين امتلكوا خمسة اضعاف هذا الرقم(Fischbach, 2003) . وأدت عملية التهويد ,في نواح عدة,وبتطبيقها الاستراتيجية الشارونية إلى عكس نظام السيطرة على الأرض الذي كان سائدا قبل العام 1948، من خلال تجريد مكثف لملكية الفلسطينيين للأرض . إن إرث شارون الثاني هو أكثر تعقيدا من الأول، لأنه عمق وعدل ثلاثة عناصر من المبادىء الاستراتيجية : جغرافية الاستيطان ؛ والأمن، وعسكرة الفضاء؛ والخصخصة التجارية. وقد حث المبدأ الشاروني الأول على خلق معمار استيطاني مبعثر للفضاء اليهودي عبر الاستيطان المكثف والفصل الإثني .وشدد شارون الثاني على هذه العملية من خلال استيطان ليس فقط المناطق الشاغرة بل توسيع المستوطنات في قلب المناطق العربية المأهولة بالسكان على جانبي الخط الأخضر. كما أضاف أرييل شارون بعدا عموديا لمورفولوجيا الاستيطان – أي أن الهدف هو استيطان اليهود "فوق" العرب (Azoulay and Ophir, 2008- Efrat, 2002- Gordon, 2008- Weizman, 2007) . وبعبارة أخرى، من خلال تحويل المعمار المتناثر إلى طبوغرافيا ثلاثية الأبعاد، مثل مستوطنات التلال في الجليل ومستوطنات الضفة الغربية، وبهذا تم إنشاء استمرارية إثنية-مكانية تؤكد على توحد الفضاء اليهودي على جانبي الخط الأخضر.
أسفرت هذه العمليات عن توغل اقليمي باستخدام القوة للجماعة الآخذة في الاتساع ضمن الحيز المتقلص لمجموعة السكان الأصليين في ذات الوقت الذي تحافظ فيه على الفصل الإثني . وقد حدث هذا في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي ، عندما حول التخطيط تركيزه إلى الأراضي المحتلة بإنشاء حوالي 140 مستوطنة "شرعية"، ناهيك عن 100 "بؤرة استيطانية"(مستوطنات لاتحمل موافقة تخطيطية )أنشئت لاحقا (7).سرع مثل هذا التوغل من عمليات الاستعمار الخارجية الواسعة ، وحيث غذى التخطيط الاستيطاني "الطابع العرقي " للجماعات الإثنية ، فقد خضع ترسيخ حدود الهوية بينهم لمنطق تاريخي - بيولوجي لا يمكن تجاوزه.إن الاستيطان الواسع للأرض الذي خطط له أرييل شارون أدى إلى إنشاء أساس مكاني -إثني وقانوني للفصل العنصري(الأبارتيد)،حيث تكون فيه الفضاءات الإثنية منفصلة تماما ، ويتم تكريس تراتبية واضحة بين هذه الفضاءات . وزاد في تلك السنوات(السبعينيات و الثمانينيات)، الخطاب الديني الداعم للاستعمار، حيث انضمت المستوطنات اليهودية إلى المواقع الكتابية المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية كافة، وأسبغ على " أرض إسرائيل الكاملة" صفة القداسة كإقليم وعد به اليهود حصرا. ويجب أن نلاحظ أن الخطاب الديني أصبح أيضا محور الخطاب الفلسطيني الذي عارض الاستعمار الإسرائيلي. ويؤكد هذا الخطاب على مركزية فلسطين كوقف إسلامي، ويضع القدس كعاصمة لفلسطين المستقبلية ، فضلا عن كونها مركزا مقدسا في العالم الإسلامي يقع الآن في قبضة اليهود "الكفار" .وبتأثير من نفوذ أرييل شارون وتشجيعه، وجد الزخم الاستيطاني الذي شحذ الحدود الإثنية تعبيره داخل الخط الأخضر أيضا. وهذا ما حدث في أواخر السبعينيات عبر مشروع "تهويد الجليل"، حيث تم إنشاء 60 مستوطنة على قمم التلال . وفي الوقت نفسه، تم إنشاء 20 مستوطنة صغيرة في النقب، بعض منها على أراض يطالب بها السكان العرب المحليون، وتم مؤخرا إنشاء حوالي 50 مزرعة خاصة. وهكذا، كان مئات الآلاف من اليهود "مبعثرين" في أنحاء قلب المناطق العربية، مما خلق وجود "منفصل و غير متكافىء" واضح في النقب والجليل. هنا يمكننا الكشف عن عمل الاستعمار الكلاسيكي الذي يخلق بيئات فصل عنصري و عدم مساواة طويلة الأمد ، الأمر الذي من شأنه أن يخلق استفزاز متعمدا يسببه مثل هذا الاحتكاك .
أما العنصر الثاني التي تقدم به أرييل شارون فهو "أمن التخطيط". وتصبح مقولة كارل فون كلاوزفيتز الشهيرة –"الحرب استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى"، في الفضاء الشاروني،-"التخطيط استمرار للحرب ولكن بوسائل أخرى" .تبدأ عادة عملية التوسع والسيطرة باحتلال عسكري، لكنها لا تنتهي هناك, فهي تتواصل من خلال مأسسة الترتيب الإقليمي الجديد، مما يضع التخطيط كأساس مركزي للتنظيم والمقايسة والسيطرة، ياستخدام أسباب أمنية , في الغالب, لإضفاء الشرعية على الوضع المكاني غير المتكافئ لهذه العملية. وأصبح الأمن ,في عهد شارون الثاني العمود الفقري لمشروع التخطيط الإسرائيلي، لتوفير المنطق العميق لاستراتيجيات هذا المشروع المكانية، حيث غالبا ما يتبع الفترة الأولية من السيطرة العسكرية نوع من التحصينات المدنية (Weizman, 2006)..في الواقع، استوحي من التفكير الأمني العسكري العديد من اعتبارات التخطيط خلال الفترتين، ولكن خصوصا الثانية،كما يتبين من خطاب التخطيط الذي يتضمن مثل هذه العبارات المتكررة على النحو التالي: "الحدود"(المكانية و الديموغرافية) " التهديدات", "المناطق العازلة",الأسافين",التحكم بالشرايين الرئيسية (المواصلات) و"نقاط استراتيجية","حماية الأرض القومية", "الغزو","الاختراق" ,"البؤر الاستيطانية" (لمزيد من التفصيل , انظر Tzfadia, 2009a ). إن استخدام هذه اللغة أمر معروف في معظم خطط المناطق الحدودية، باعتباره تعاون فعال من قبل سلطات التخطيط مع الأجهزة العسكرية (8) .وهكذا، أصبح التخطيط جزءا من النظام العسكري في اشكاله الظاهرة و المستترة على حد سواء ,فعلى سبيل المثال، يستخدم الجيش اليوم في إسرائيل أكثر من 40٪ من الأراضي بشكل مباشر (Oren and Regev, 2008) .وتشرف الحكومة العسكرية (من خلال "إدارتها المدنية" )على جميع أنشطة التخطيط في المنطقة "ج" في الضفة الغربية، وقد قام مجلس الأمن القومي بتطوير استراتيجية التخطيط الحكومية الحالية للتعامل مع البدو في النقب. كما يجري على نحو أكثر صرامة إحراز تقدم في التخطيط العسكري من خلال شبكات غنية ومتنوعة من الصلات بين قوات الأمن وسلطات التخطيط – منها على سبيل المثال، مشاركة العديد من الضباط العسكريين في مجالس التخطيط؛ والخطاب العام الذي يربط باتساق بين الفضاء والمخاوف الأمنية. والمراقبة الدائمة للأماكن العامة (مثل الحدائق ومراكز التسوق ومباني المكاتب والحرم الجامعي والمصانع) في المقام الأول من قبل شركات الأمن؛ وتبعیة خلاصة التخطیط" للاحتیاجات الأمنیة "التي تحددھا مؤسسة الدفاع، في حد ذاتھا بدون أي نظام کبیر من الضوابط والتوازنات.و المؤسسة المركزية التي تترجم الاعتبارات العسكرية في الخطط المكانية هي "لجان تثبيت الأمن" التي وضعت في كل منطقة إسرائيلية. وبموجب القسم 6 من قانون التخطيط والبناء الإسرائيلي، فإن هذه اللجان المكونة من ثلاثة أشخاص اثنين عن الجهاز الأمني ومخطط المقاطعة ولهذه اللجان سلطة القانون لاتخاذ قرارات التخطيط الرئيسية حول "المنشآت العسكرية" بأوسع معانيها. وتعمل هذه اللجان في سرية تامة، دون الحاجة إلى التدقيق العام أو التنسيق العام لعملها ، ودون الإشارة لعملية التخطيط المدني المفتوح (Oren and Regev, 2008).لكن قوى أخرى خارج الجيش تعمل على الفضاء الإسرائيلي / الفلسطيني. ففي التسعينيات، توصل نهج أرئيل شارون التخطيطي إلى مستويات التشعب الاستراتيجي. ومنذ ذلك الحين، استمر في نموذجين فرعيين متوازيين (الشكل 5). الأول يمكن وصفه بأنه "تسويق تجاري " قومي لموارد الأراضي وإخضاع التخطيط لاعتبارات وأرباح مجموعات المستثمرين المحليين من الطبقات الوسطى في الضواحي. والثاني يشير إلى رأس المال الريادي - الإسرائيلي أو الدولي - لتطوير العقارات والاستثمار على نطاق واسع. وأدت هذه الاستراتيجية إلى اعتماد جدول أعمال للتخصيص الحضري والخصخصة وتكثيف المناطق العمرانية، وهو نظام يتقدم فيه نظام التخطيط منذ تلك السنوات. وتؤكد هذه الأجندة على الجانب الطبقي لتأثير تخطيط أرييل شارون.

شكل 5 التصور الشاروني المكاني :الاستمرارية و التغيير في استراتيجيات التخطيط المكاني
في حين أن تحقيق "الأهداف القومية"، المتمثل على سبيل المثال، تشتيت المستوطنات اليهودية في[يهوذا و السامرة و غزة] ؛ وإسكان الموجة الهائلة المهاجرة من الاتحاد السوفييتي وإثيوبيا – كان أرييل شارون يشجع الإسكان في الضواحي وخصخصة الأراضي في المناطق الريفية القريبة من المدينة. فمثل هذه العملية سوف تحول موارد عامة كبيرة إلى مجموعات أكثر رسوخا داخل المجتمع: أي أولئك الذين يسيطروا على موارد الأراضي منذ الخمسينيات، وهم اليهود الأشكناز (انظر أيضا Kedar and Yiftachel, 2006 ).وفي الوقت نفسه، قاد شارون الثاني بناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية في المناطق البعيدة لإيواء موجة المهاجرين، ومنح ضمانات حكومية سخية للمطورين. وهكذا، أبعد شارون المهاجرين السوفييت"الروسنة"من مراكز السلطة والموارد في المجتمع الإسرائيلي بطريقة مشابهة لإنشاء مدن التنمية في الخمسينيات. ولذلك فقد واصل الأجندة التي بدأها شارون الأول، حيث يجد المهاجرون المحرومون أنفسهم على الهامش، مع أمل ضئيل في الهروب من وضعهم المهمش. وفي مكان آخر، أطلق على هذه الديناميكية "العملية الأمامية"، حيث تقوم الدولة بتعبئة الموارد والسكان من خلال بناءها كحدود قومية مجيدة. ومع ذلك، فبمجرد تهويدها، تتخلى الدولة عادة عن الحدود من حيث الاستثمار والأولوية، مما يخلق شروطا طرفية جغرافية واجتماعية واقتصادية (Yiftachel and Tzfadia, 2008- انظر أيضا Hasson, 1991).وعبر هذه العملية، منح أرييل شارون أيضا الامتيازات لملاك الأراضي والمطورين، بتقديم الفرصة لهم لتطوير وحدات سكنية صغيرة ورخيصة بسرعة وبدون أي مخاطر مالية تقريبا. وخلال الفترة 1991-1996، شرعت الدولة أيضا في عملية تخطيط سريع للتنمية الطرفية، تجاوزت مشاريع الإسكان الجديدة فيها العديد من أنظمة وقيود التخطيط (Tzfadia and Yiftachel, 2004) . وقد أدت هذه الخطوات إلى تقدم كبير في مكانة رأس المال في عملية التخطيط مع خلق فجوات غير مسبوقة في الطبقات الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي( مركز أدفا للمساواة الاجتماعية، 2009 ).انتقل الفرع الثاني من استراتيجيات أرييل شارون المكانية في اتجاه مختلف، وإن كان بطريقة أولية وجزئية. وأشير إلى التوحيد المكاني الصهيوني والانسحاب الجزئي الذي قاده شارون حتى نهاية عهده. وشملت التحركات المكانية فك الارتباط مع غزة في العام 2005 وبناء السياج الأمني (الجدار، الحاجز) خلال الفترة 2003-2007. ولأول مرة، قامت إسرائيل بإجلاء المستوطنات اليهودية وتدميرها، فضلا عن إنشاء حاجز دفاعي ضخم داخل أرض إسرائيل (أي إسرائيل / فلسطين). بالإضافة إلى ذلك، اعترفت إسرائيل في سياق صراعها مع لبدو في الجنوب، بعشر مناطق عربية حاولت من خلالها طرد البدو على مر السنين. وتؤكد هذه التحركات على دور التخطيط في الانتقال إلى مرحلة "الدمج الجائر"الحالية في الجغرافيا السياسية. ومن المحتمل أن تكون هذه العملية هامة، بل تتعارض مع الزخم الاستعماري. ومع ذلك، يبدو في هذه المرحلة أن لاشيء يبشر بتغيير بنيوي، بل هي مجرد تغيير في التكتيك، نظرا لعدم ترافقها مع أي تحول في الأيديولوجيا ولا مع أجندة مخلصة تصالحية . وكما مر سابقا ,في ظل هذا الهيمنة الجيوسياسية اليهودية التي لا تتزعزع، فإن الانكماش الجزئي يخلق "إيثنوقراطية عمودية"، تعيد تنظيم المناطق المهودة في البلاد مع الاستمرار في حصار وإضعاف الجيوب الفلسطينية المجاورة.
بالإضافة إلى ذلك، تتناسب عملية الانسحاب الجزئي بصورة جيدة مع استراتيجية "التسويق القومي"حيث أنها تتخلى عن عبء اقتصادي / دفاعي مفرط، وتركز موارد الأمن والتنمية في المناطق التي يمكن فيها لعملية التهويد أن تحصل على شرعية إسرائيلية وحتى دولية كاملة، وبالتالي فهي تحمل أيضا ثمرة اقتصادية. وتسمح هذه الخطوات التي اتخذها أرييل شارون لإسرائيل بمواصلة الاندماج في الاقتصاد العالمي والإسراع بالتنمية في المناطق المهودة مع الاستمرار في استبعاد الفلسطينيين من خلال الوسائل الجغرافية والاقتصادية و القانونية .ومن المهم التأكيد على أن النماذج الشارونية المبينة في الشكل 5 ليست خطية، ولكن يمكن في بعض الأحيان أن تحدث في وقت واحد، مثل أسهم متوازية تتقدم عبر الفضاء المتنازع عليه. ومن شأن اتباع مقاربة بسيطة أن ترى التاريخ بمثابة سلسلة من العصور المتغيرة. وهكذا، على سبيل المثال، رأى الخطاب العام أن فترة أوسلو ترعى حقبة مدنية، والانتفاضة، ترعى حقبة تجدد القومية. ومن ناحية أخرى، تسعى مقاربة غرامشي المتبعة هنا إلى دراسة التاريخ على أنه سلسلة متواصلة من النضالات الجماعية التي تشن في وقت واحد لتأسيس هيمنة قومية واقتصادية. إن تصرفات أريئيل شارون تتفق مع هذا الفهم الغرامشي، لأن هذه التصرفات تشهد على ضرورة تغيير المشروع المهيمن و أن تكون مرنة مع الحفاظ على جوهر جهود التخطيط - لتحصين وترسيخ الحكم اليهودي للأرض من خلال التنمية الاقتصادية المستمرة وضمان الوضع المرتفع للنخبة الإسرائيلية.
ويلخص الشكل 5 الاستراتيجيات المكانية التي يقودها الشارونين، مما يدل على الاستمرارية والاختلافات بينهما. وكما يتضح من هذا الشكل، فإن إنجاز شارون الثاني هو التعايش الناجح بين عمليتين تبدوان متعارضتين من الناحية البنيوية: التحرير والنزعة القومية الإقليمية . ويتحقق ذلك من خلال فرض الحصار الجغرافي والاقتصادي والدفاعي الذي يمنع ولوج الفلسطينيين بشكل كبير في عملية الخصخصة والعولمة المربحة. وبالتالي، يبقى تسويق الفضاء عملية يهودية شبه حصرية. وهكذا، قام أرييل شارون بتحييد إمكانات الحرية والمساواة المتأصلة في عملية التحرير التي بدأت في التسعينات، وبدلا من ذلك حولها إلى خدمة النظام الإثنوقراطي والوضع الإثني-الاجتماعي القائم (انظر أيضا Hasson and Abu-Asbeh, 2004 ).وكما لوحظ، فإن مبدأ التخطيط الرئيسي الذي وضعه الشارونين تمثل في الفصل القسري وغير المتساو بين قطاعات السكان، بالدرجة الأولى على أسس إثنية-قومية و طبقية-إثنية . ومن النقاط الرئيسية في نقاشي الشامل يتعلق بتأثير هذه التكنولوجيات المكانية على النظام الذي تم إنشاؤه من خلال هذا الفضاء المنفصل خلال العقود الستة الماضية. وثمة حجة مركزية هنا ,هي أنه في خضم التخطيط ومأسسة الفضاء المنفصل، استولدت الإثنوقراطية اليهودية عملية "الأبارتيد الزاحف": وهي عميقة جدا في أجزاء من الضفة الغربية، بيد أنها "مترسخة"بطريقة أكثر تقييدا في معظم المناطق الأخرى داخل إسرائيل / فلسطين، مثل النقب، "المثلث" والجليل.
ولكن لماذا هو "أبارتيد"؟ .لأنه لا يوجد مصطلح أفضل في معجم العلوم الاجتماعية لوصف الفضاء المكاني السياسي الذي يصنف سكانه، بحكم القانون وبحكم الأمر الواقع، وفقا للهوية الإثنية -العرقية. ويتم إنشاء بيئة النظام عندما يصبح هذا الفصل قانونيا ومؤسسيا من خلال القوانين والسياسات التي تحكم الهجرة، وتخصيص الأراضي ، والقيود المفروضة على الحركة، والتمييز في أسواق الأراضي و المساكن ، والاستبعاد من مراكز السلطة(Blank, 2006) ومن ثم، أصبحت الآلية المكانية، المتضمنة في المذاهب التي يقودها الشارونين، أسس نظام الفصل الذي يحكم إسرائيل / فلسطين.
ثم , لماذا هو " زاحف" ؟. أولا، لأنه لا يوجد إعلان رسمي عن نظام الفصل العنصري(الأبارتيد) على سبيل الإطلاق ، فحالة عدم المساواة لا زالت تعتبر "مؤقتة" من وجهة نظر قضائية ورسمية، لا سيما فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية والمناطق البدوية.وثانيا، هناك ثمة إجراءان متوازيان يميزان الطبيعة الزاحفة للخطة في عبورها للخط الأخضر. فاستمرار أسرلة الأراضي الفلسطينية يخلق فضاء يهوديا موحدا يشمل إسرائيل الآن وقرابة نصف الضفة الغربية. ويرجع ذلك إلى فرض القانون الإسرائيلي في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ومناطقها البلدية كافة، فضلا عن البنية التحتية للنقل والأمن اللذان يربطان بشكل مباشر بين اليهود فقط ,أي الأجزاء اليهودية من الضفة الغربية وإسرائيل نفسها. وفي الوقت نفسه، "تصدر" عمليات موازية أدوات سياسة تستخدمها إدارة الاحتلال في الضفة الغربية من أجل السيطرة على الفلسطينيين داخل إسرائيل، بما في ذلك القيود المفروضة على التخطيط والبناء، وهدم المنازل، والقيود المفروضة على التنقل، والزواج، وحرية التعبير، رفض الاعتراف بعشرات القرى، ولا سيما في منطقة بئر السبع.وثالثا، اصبحت ,مؤخرا,السياسات التي تظهر السيطرة على الفلسطينيين داخل إسرائيل تشبه الآليات المستخدمة في الأراضي المحتلة، إن لم تكن مكررة. وتشمل هذه التدابير استخدام لوائح الطوارئ، والقيود المفروضة على الهجرة والزواج، وتسلل العناصر السرية، والقيود المفروضة على التحويلات النقدية، ومراقبة أجهزة الأمن العام للمنظمات الديمقراطية، واستمرار القيود المكانية والتخطيطية. صحيح أن العرب في إسرائيل يتمتعون بحرية مدنية وسياسية أكثر مما يتمتع به نظرائهم في الأراضي (المحتلة)، ولكن حتى داخل الخط الأخضر فقد تعمق التمييز ضدهم وازداد استبعادهم من الدولة الإسرائيلية. وفي هذه الحالة، تتعاظم الحالة الاجتماعية المنفصلة و المتدرجة على الصعيد المؤسسي على جانبي الخط الأخضر، حيث لا يتمتع الفلسطينيون في كلا الجانبين بسلطة تذكر لوقف هذه العملية البنيوية.
واسمحوا لي أن أكرر: ترتبط السياسة المكانية ارتباطا مباشرا بعملية "الأبارتيد الزاحف".فالعديد من فضاءات السيطرة على الفلسطينيين المخططة ترتبط بالاستراتيجيات المكانية والتخطيط للتفاوت غير المتكافئ الذي تمت مناقشته سابقا ( انظر ايضا Hanafi, 2009- Handel, 2007- Qumsiyeh, 2008). وبرز في السنوات الأخيرة حيز إثني- عرقي، يذكرنا بنظام جنوب افريقيا لما قبل عام 1994، وإن كان ذلك من خلال ظروف تاريخية وجغرافية وسياسية مختلفة. وكما هو موضح في الشكل 6، فقد أنشأت المبادىء الاستراتيجية جغرافية تفصل الفضاءات في كل جانب تقريبا من جوانب الحياة على أساس الهوية, وقد أدى هذا إلى ظهور ثلاث مجموعات هوياتية مكانية اساسية : اليهود (في كل فضاءفلسطين-إسرائيل),الفلسطينيون في إسرائيل و أخيرا الفلسطينيون في الأراضي المحتلة . وكل مجموعة منهما منقسمة بدورها إلى مجموعات ثانوية , مما خلق نحو 11 "فئة حقوق مدنية" مختلفة و منفصلة تحت حكم النظام الإسرائيلي (لمزيد من التفصيل انظر Yiftachel, 2006, 2009 ).
ويمكننا من خلال المقارنة مع الوضع في جنوب أفريقيا أن نشير إلى ثلاثة أنواع من الطبقات "العرقية" تحظر من بينها دولة إسرائيل الاختلاط لجميع الأغراض العملية . فتشكل المناطق اليهودية "الفضاء الأبيض" الذي يتضمن معظم المنطقة من الأردن حتى المتوسط، بما في ذلك النصف اليهودي من الضفة الغربية. هذا الفضاء "ناعم" نسبيا, ويسمح بحرية الحركة والاستثمار والاستحواذ في جميع أجزائه. يعيش اليهود في جيوب تتراصف طبقيا وفقا للطبقة و الإثنية، ولكن حدود هذه الجيوب قابلة للاختراق نسبيا ليهود آخرين (باستثناء السكان الحريديين ، الذي يقومون بفصل طوعي لأنفسهم ). ومن ناحية أخرى، فإن الفضاء الفلسطيني فضاء "قاس" يتكون من بقع منفصلة على هيئة جيوب و غيتوات لمجموعتين رئيسيتين: مجموعة "ملونة" ومجموعة "سوداء" . هذه الجيوب مقيدة بالقوة. ويكون هذا التقييد في إسرائيل نفسها غير مباشر، نتيجة التشديد المكاني، والوقاية التنموية، وعجز معظم المواطنين الفلسطينيين في الحصول على الفضاء اليهودي و الاستيطان فيه والاندماج.ويتم التحكم في الغيتوات "السوداء" في الأراضي المحتلة بشكل مباشر فحركتهم و مرورهم محجوزة و تسير التنمية في حدودها الدنيا .أما الجيوب"الملونة"، التي يعيش فيها ما يقرب من 1.2 مليون فلسطيني، فتنتشر على حوالي 2٪ من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل (حوالي 3٪ من إسرائيل)، في حين أن الجيوب "السوداء" التي يعيش فيها ما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني تنتشر علىى حوالي 12٪ من المنطقة (المناطق ألف وباء). وعلى الرغم من أن الفلسطينيين يشكلون تقريبا نصف سكان إسرائيل-فلسطين , إلا أنهم يعيشون في مساحة تقدر بنحو 14٪ فقط.
ولا يسمح المكان هنا بتفصيل الاختلافات في الحقوق و الفرص التي تم إنشاؤها بين الفئات المتفاوتة في الفضاءات "البيضاء ", و"الملونة" و"السوداء". ويكفي أن نشير إلى العديد من المؤشرات التي تظهر بوضوح امتياز الفضاء اليهودي في جميع جوانب الدخل والتعليم ونوعية الحياة والتنمية وحقوق التخطيط والحماية من العنف والدمار (مركز أدفا للمساواة الاجتماعية، 2009؛ - Azoulay and Ophir, 2008- Bimkom, 2008- Roy, 2007). وسأقوم بطرح أمثلة في مجالين رئيسيين: الاقتصاد والتخطيط.: كان متوسط نصيب الفرد من الدخل بين السكان اليهود في جميع أنحاء إسرائيل / فلسطين في العقد الماضي ضعف المعدل الذي يحصل عليه مواطن فلسطيني في إسرائيل، و 12 (ضعف) ما يحصل عليه الفرد الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وفيما يتعلق بالتخطيط، دمرت سلطات التخطيط الإسرائيلية ما بين عامي 2000 و 2008 ما مجموعه 626 1 منزلا فلسطينيا في المنطقة جيم (Bimkom, 2008) ونحو نصف هذا العدد في التجمعات الفلسطينية داخل إسرائيل، 604 منها في المناطق العربية في النقب (منتدى التعايش في النقب ، 2009). كما دمرت السلطات خلال الفترة نفسها نحو 70 مبنى يهودي. علاوة على ذلك، تبرز في القطاع اليهودي سياسة "التستر".فمن بين أكثر من 16 ألف مبنى غير مأذون به في المناطق اليهودية شبه الريفية، تم تدمير ثلاثة فقط بين عامي 2000 و 2004، والباقي استمر وهو في طور الحصول على الموافقة. وبالتوازي مع ذلك، تم في وقت لاحق التعرف على ما يقرب من 60 تجمعا من تجمعات التلال التي أنشئت في الجليل وحوالي 50 "مزرعة عائلية "بنيت في النقب دون إذن من لجان التخطيط، وقد تم الاعتراف بها لاحقا وتم ربطها بمجاميع كاملة من البنية التحتية للتنمية. وهذا الأمر يصح في المناطق العربية أيضا ,فثمة مئات من المباني التي بنيت من دون تصريح تم "التستر" عليها في الواقع, لكن عملية إدراجها في الخطة أبطأ وأكثر تعقيدا مما هو عليه في المستوطنات اليهودية وهو دائما داخل حدود منطقة موجودة، ولكن ليس مستوطنة جديدة كما هو شائع جدا في القطاع اليهودي (Gazit, 2000).
وأخيرا، فإن أحد التكتيكات الحكومية المشتركة للحفاظ على التسلسل الهرمي والامتيازات اليهودية هو تنظيم الشعب الفلسطيني في فضاءات "رمادية". وهذا يشير إلى أماكن وتنميات وسكان يقعون بين الشرعية والأمن والإدماج الكامل من ناحية، والطرد، والدمار، والموت من جهة أخرى. وتقع الغالبية العظمى من الفلسطينيين بين هذين القطبين، في حالة مؤقتة "دائمة" لها صفة الديمومة ," التي لم يتم حلها " لمدة (تزيد عن)ستة عقود. وبالتالي تحول الدولة سكان تلك الأماكن إلى سجناء صراع مستمر من أجل الحصول على الحقوق والحماية والقدرات التي تعطى في الفضاءات اليهودية "المظللة". وهنا يلعب التخطيط المكاني دورا محوريا في بلورة هذا النظام المكاني الاجتماعي، حيث أنه يوفر الأدوات والتعاريف والمؤسسات لتصنيف المساحات والسكان على أنها "رمادية". ومن الأمثلة على ذلك عدم الاعتراف بالمستوطنات وعدم اكتمال الخطط والحدود وتقليل الحيز إلى أدنى حد، وإنشاء تصاريح تقييدية للهجرة وقوانين الزواج، والاستبعاد من الاندماج في مواطنة متساوية بسبب الاهتمامات الإثنوقراطية (مثل "الأمن".)

شكل 6 الفضاء اليهودي و الجيوب الغيتوية الفلسطينية
وتؤدي عملية الدمج هذه من خلال الفصل إلى خلق عنف متدرج وعام للوجود الإثني-المكاني الطبقي المتشقق ( للمزيد أنظر Yiftachel, 2009 (..وبطبيعة الحال، فإن القوى القوية الأخرى التي تتجاوز السياسة المكانية تؤثر أيضا على الفضاء الإسرائيلي / الفلسطيني، مثل الاعتبارات الأمنية والمذهب الديني والأزمات المالية، فضلا عن الإرهاب الفلسطيني و إرهاب الدولة . ومن المهم أيضا أن نتذكر أن الفلسطينيين ليسوا سلبيين، ولكنهم نشطون بلا هوادة في إعادة صياغة الفضاء المتنازع عليه باستخدام مجموعة متنوعة من تكتيكات المعارضة العنيفة والمدنية، وعن طريق تأجيج الجدلية غير المتماثلة التي تؤدي إلى الفصل القسري. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن الفضاء المهود والمنفصل والمجزأ والطبقي، الذي أنشئ في مكاتب العمل وفي عقول الشارونين، لعب دورا رئيسيا في الصراعات الوطنية والإثنية والطبقية الجارية في هذا البلد.
ومن المهم أيضا التحفظ على مثل هذه المقولات فليس كل فصل هو فصل سلبي، وفي بعض الأحيان لا يعبر عن ميزة للقمع، ولكن ماهو سلبي و قمعي يكمن في الاستراتيجية التي تستخدمها مجموعات متميزة للحفاظ على هويتها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الصورة الثابتة للفصل لا تشهد دائما على أهميتها. ومن أجل فهم الآثار الاجتماعية والسياسية للجغرافيا المنفصلة، علينا أن ندرس ديناميات السلطة التي تخلق الفصل. على سبيل المثال، وضع الفصل المستقر مثل إيرلندة الشمالية، أو بين الأحياء المهاجرة الفقيرة والطبقة الوسطى في برلين، ليس هو نفس الفصل الذي ينشأ عن توسع "المعاقل" ضد غيتوات مفصولة بالقوة، كما هو الحال في الفضاء الإسرائيلي / الفلسطيني (Marcuse, 1997) . وما يجعل الوضع في إسرائيل / فلسطين متقلبا بشكل خاص هو المستوى العالي من الفصل بين المستوطنات وجيرانها الذي يترافق مع اتجاه أحادي الجانب لعملية الفصل هذه. ويشمل ذلك السيطرة اليهودية غير المتناسبة على موارد الأراضي والآليات التي تعرقل العرب من التقدم والحصول على الفرص الإنمائية بشكل عام، ومن الفضاء المهود بشكل خاص .ولذلك،خلق تشكيل الفضاء على النحو المستوحى من النماذج الشارونية بصمات عميقة من العزل، والأقليات المتقوقعة ،وعدم المساواة الاجتماعية و الأمن ،مع نظام معقد من الحدود التي تهدف إلى تعزيز مظهر تلك المبادىء الاستراتيجية للتخطيط الشاروني . وغني عن القول أن المسؤولية عن هذا النظام تتجاوز دور المختصين في التخطيط، لأن كثيرا من الحدود الاجتماعية تنشأ في مجالات أخرى من المجتمع، مثل الأسواق وأماكن العمل والقوانين الضريبية والتعليم. ومع ذلك، يلعب مثل هؤلاء المختصين دورا هاما في إنشاء واقع مادي قوي يخلق أطر طويلة الأمد لا مفر من وجودها .
كلمة أخيرة: استنهاض الأخلاقيات المهنية؟
لن تكتمل قط عملية تشكيل الفضاء. فها قد انقضى عمر الشارونين، ولكن العمليات المكانية التي أوجدتها إستراتيجيات مبادئهما الخاصة انطبعت عميقا في إسرائيل / فلسطين وستستمر في تشكيلها لأجيال. وقد مهد القبول التام لتلك المبادئ من قبل غالبية المهنيين المكانيين في إسرائيل، مثل المخططين والجغرافيين والمحامين والمهندسين المعماريين والمهندسين، الطريق أمام فصل مفزع بين النشاط المهني والأخلاق الاجتماعية / الروحية.كرس الشارونين، بوصفهما ممثلين للنظام برمته، فكرتهما التخطيطية عن طريق تشكيل سياسة –"من الأعلى" التي تمثل حالة "موضوعية" مزعومة تتجاوز القيم والأخلاق والسياسة. وقد حقق شارون الأول ذلك باستيراد وتطبيق نماذج غربية دولية لخلق فضاء قومي واشتراكي، وقام شارون الثاني بتحقيق ذلك من خلال تبني "الأمن" وعولمة التنمية باعتبارها المحركات النهائية للتحول المكاني. وهكذا، تكثفت استراتيجية المبادئ ولا تزال تعمل اليوم عن طريق التشويش المتعمد لدلالتها السياسية والأخلاقية الهدامة.
حجتي ليست مجرد حجة أخلاقية، بل حجة مهنية وسياسية. فالفضاء الذي خلقه الشارونين قوض إلى حد كبير رفاه المجتمع الإسرائيلي وتنميته. وقد خلقت استراتيجية المبادئ التخطيطية مساحة منفصلة، استعمارية، غير متكافئة وغير قابلة للحياة. وعلى الرغم من البدايات الكبيرة للتفكير والنقد التقدمي في السنوات الأخيرة، فإن جيل المخططين الجدد، وخاصة في السلطات العامة والشركات الخاصة، يواصلون بهدوء اتباع مسار الشارونين والمساهمة في عملية الفصل وعدم المساواة. وبدون أي تغيير أساسي في التصور وإصلاح كامل للتخطيط من شأنه أن يعزز المساواة والانفتاح والعدالة، فمن المعقول الافتراض بأن الأجيال المقبلة ستواجه صراعات مستمرة حول مسألة الفضاء ذاتها.
ومع ذلك، فالتخطيط له أيضا "جانبه مشرق" الذي يتضمن تاريخا طويلا من التحول الاجتماعي و المكاني التقدمي و التغيير نحو الأحسن . ومن المؤكد أن التخطيط يمكن أن يتعافى ويحقق تحسنا مكانيا بروح مهنة تولد من الرغبة في إيجاد حيز عادل ومتاح ومنظم لكل قطاع من قطاعات المجتمع، مع تفضيل الضعفاء والمهمشين. وسيتيح هذا التخطيط فرصا لجميع المقيمين وفقا للمبادئ الديمقراطية للحصول على الاحتياجات والعدالة التاريخية والإنصاف. وهذه ليست مجرد مفاهيم إيديولوجية أو أخلاقية، وإنما أيضا مبادئ سياسية تضمن قدرة المجتمع على الانتقال من الصراع إلى المصالحة ومن النظام الاستعماري إلى ما بعد الاستعماري. وبقدر ما يشكل التخطيط غير المتكافىء و المستند على الفصل الأساس لنظام إثنوقراطي، فإنه يمكن أيضا أن يحول من نظام قمعي عن طريق فتح مساحاته والتحرك نحو مزيد من المساواة والعدالة في السكن والأرض والمشاركة.ويمكن أن تأتي التحسينات بأشكال وصيغ مختلفة، حيث توجد نماذج متنوعة تعزز المساواة والاعتراف واللامركزية والاستقلالية والتوزيع العادل. إن التخطيط الإسرائيلي عليه أن يتعلم كثيرا من حالات مثل إسبانيا وجنوب أفريقيا وكندة وإيرلندة الشمالية، حيث تحولت العلاقات الإثنية - المكانية القمعية إلى نظم تخطيط أكثر عدلا وإنصافا، مسترشدة بالاعتراف والمساواة والاتفاق وتصحيح الأخطاء السابقة. ولكن لكي يحدث ذلك، يجب أن تنتهي استراتيجية مبادىء التخطيط الشارونية وأن تتحول إلى عملية مكانية خالية من التوسع الإثني ، والهيمنة الاستعمارية والقمع المكاني.
ولمجتمع المهنيين المكانيين الإسرائيليين دور خاص في تغيير هذا التوجه فيمكن حتى لمجموعة صغيرة منظمة أن تفتتح خطابا سوف يوقظ الأغلبية النائمة من بين المخططين وتوضيح الآثار المترتبة على السياسة الحالية. والمبادرات في هذا الاتجاه واضحة بالفعل، في المقام الأول من قبل جماعات المجتمع المدني، مثل بيمكوم، و (الاتحاد الإسرائيلي للدفاع القانوني البيئي)، والمركز العربي للتخطيط البديل، وعدالة، ورابطة العدالة التوزيعية، وجمعة المزراحي الديمقراطية قوس قزح . ولكن لا يزال هناك طريق طويل أمام هذه المبادئ لاختراق التخطيط السائد وإنشاء الأراضي.
قد يكون من المناسب أن نختم بالكلمات الثاقبة للكاتبة الهندية أرونداتي روي، الذي يعلق على دور الشهود المحترفين في طرد الفئات المهمشة من قراهم باسم "التخطيط" ....:والمعضلة هي أنه بمجرد رؤيتها [حرب الدولة ضد الجماعات الهامشية]، لا يمكنك أن تغض نظرك عنها .ومجرد أن تراها , وتحافظ على هدوئك ,ولا تنبس ببنت شفة,، يصبح صراخك عملا سياسيا . ليس ثمة براءة .في كلتا الحالتين، أنت مسؤول (Roy, 2001:7).
......................................
العنوان الأصلي للمقالة : From Sharon to Sharon: Spatial planning and separation regime in Israel/Palestine
المؤلف: OREN YIFTACHEL
تاريخ النشر:2010
الناشر: HAGAR Studies un Culture, Polity and Identities Vol.10 (1) 2010: 73-106
ترجمة: محمود الصباغ
......................................
ملاحظات
5- تنص الفقرة 14 ("أراضي الدولة") من الدستور المقترح على ما يلي:
(أ) تظل أراضي الدولة في حوزتها.
(ب) يجب أن تتم المصادرة من قبل الدولة وفقا للقانون.
(ج) لا تتم مصادرة الأراضي إلا وفقا للقانون، ومع التعويض المناسب.
(د) تفتح الدولة مواردها البرية لصالح جميع سكانها. وسيحترم تخصيص الأراضي طريقة حياة المجتمعات المتميزة. انظر http://www.huka.gov.il/wiki/index.php.
6- تم التوصل إلى هذا الرقم عن طريق حساب المناطق الخاضعة للسيطرة العربية على جانبي الخط الأخضر: المنطقتان ألف وباء في الأراضي المحتلة، ومنطقة البلديات العربية المحلية داخل إسرائيل. والمناطق التي يمنع فيها العرب الإسرائيليون من الإقامة هي المجالس الإقليمية، حيث تستخدم معظم المستوطنات لجان فحص. حتى حكم القاعدة، الذي قضت فيه المحكمة العليا بأن استبعاده من العرب من منطقة محلية "غير قانوني، لم يغير كثيرا الوضع، بسبب زيادة سلطة لجان الفرز، كما ذكرنا سابقا.
7- وبطبيعة الحال، فإن كلا النوعين غير قانونيين بموجب القانون الدولي.
8- على سبيل المثال، ناحال مستوطنة عسكرية أصبحت "مدنية" لاحقا ومندرجة في الخطط الإقليمية؛ يقوم الجيش بتعيين أفراد "الدفاع المدني" في المناطق الحدودية من بين المستوطنين؛ ولدى وزارة الدفاع هيئات تنسيق دائمة مع زعماء المستوطنين والمجالس الإقليمية للمنطقة الحدودية والمستوطنين اليهود الجدد في مزارع النقب.
المصادر :
Abercrombie, N., Hill, S., and Turner, B. S. (2000). The Penguin Dictionary of Sociology (4th ed.). London: Penguin Books.
Adva Center for Social Equality. (2009). ―Israel: Social profile.‖ http://www.adva.org
Alfasi, N. (2006). ―Planning policy? Between long-term planning and zoning amendments in the Israeli planning system.‖ Environment and Planning A 38,3:553–568.
Alterman, R. (2002). Planning in the Face of Crisis: Land, Housing and Mass Immigration in Israel. London: Routledge.
Alterman, R., and Han, I. (2004). Protection of Open Spaces: What Can We Learn From Other Countries and Implement in Israel? Haifa: Shmuel Neeman Center, Technion (Hebrew).
Azoulay, A., and Ophir, A. (2008). This Regime Which is Not One: Occupation and Democracy from the Jordan to the Sea. Tel Aviv: Resling (Hebrew).
Bimkom. (2008). The Forbidden Zone: Israeli Planning Policy in the Palestinian Villages in Area C. Jerusalem: Bimkom. See also http://www.bimkom.org/publications.asp
Blank, Y. (2006). ―Community, space, subject: Theses of space and law.‖ Haifa Law Review 2:19–61 (Hebrew).
Blomley, N. (2003). ―Law, property and the geography of violence: The frontier, the survey and the grid.‖ Annals of the American Association of Geographers 93:121–141.
Carmon, N. (1998). Housing in Israel: The First Fifty Years. Haifa: Center for Urban and Regional Studies (Hebrew).
Efrat, E. (1998). Cities and Urbanization in Israel. Jerusalem: Carmel (Hebrew).
———. (2002). Geography of Occupation: Judea, Samaria, and the Gaza Strip. Jerusalem: Carmel (Hebrew).
Efrat, Z. (2005). ―The plan.‖ In Z. Efrat (Ed.), Border Disorder (pp. 111–132). Jerusalem: Bezalel (Hebrew). See also English version: http://apjp.org/archives/2006/7/16/the-plan-zvi-efrat.html
Fenster, T. (2002). ―Planning as control: Cultural and gendered manipulation and misuse of knowledge.‖ Hagar–International Social Science Review 3,1:67–86.
Fischbach, M. (2003). Records of Dispossession. New York: Columbia University Press.
Flyvbjerg, B. (2000). ―Bringing power to planning research: One researcher‘s story.‖ Paper presented at the Planning Research 2000 conference, London School of Economics and Political Science, March.
Gazit, S. (chair). (2000). Report of the Inter-Ministerial Committee for Examining Illegal Construction in Israel. Jerusalem: Government ---print---ers (Hebrew).
Goldberg, E. (chair). (2008). Report of the Special Committee for the Regulation of Bedouin Settlement. Jerusalem: Ministry of Housing, Government ---print---ers (Hebrew).
Gordon, N. (2008). Israel’s Occupation. Los Angeles: UC Press.
Gradus, Y. (1993). ―Beer Sheva: Capital of the Negev desert.‖ In Y. Golani, S. Eldor and M. Garon (Eds.), Planning and Housing in Israel in the Wake of Rapid Changes (pp. 251–265). Jerusalem: Ministry of the Interior.
Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks. New York: International Publishers.
———. (2004). On Hegemony: Selections from the ―Prison Notebooks.‖ Tel Aviv: Resling (Hebrew).
Hanafi, S. (2009). ―Spaciocide.‖ Teoria Uvikoret [Theory and Critique] 27:190–221 (Hebrew with English abstract).
Handel, A. (2007). ―Control of space by means of space: Uncertainty as a control technology.‖ Teoria Uvikoret (Theory and Criticism) 31:101–126 (Hebrew).
Hasson, S. (1991). ―From frontier to periphery.‖ Eretz Yisrael 22:85–94 (Hebrew).
———. (2002). ―Without ---dir---ected land regulation, Israel is likely to become a polarized product of suburbs, ghettos, and slums.‖ Karka 55:74–78 (Hebrew).
Hasson, S., and Abu-Asbeh, K. (Eds.). (2004). Jews and Arabs Facing a New Reality. Jerusalem: Floresheimer Institute for Policy Studies (Hebrew).
Hershkowitz, A. (2008). Spatial Planning in Israel: Politics Anchored in Earth. Haifa: Center for Urban and Regional Studies, Technion (Hebrew).
Huxley, M. (1994). ―Planning as a framework of power: Utilitarian reform, enlightenment logic and the control.‖ In S. Ferber, C. Healy and C. McAuliffe (Eds.), Beasts in Suburbia: Reinterpreting Culture in Australian Suburbs (pp. 148–169). Melbourne: Melbourne University Press.
Kellerman, A. (1997). Society and Settlement: Jewish Land of Israel in the Twentieth Century. The Hague: Kluwers Academic.
Kedar, S. (2003). ―On the legal geography of ethnocratic settler states: Notes towards a research agenda.‖ In J. Holder and C. Harrison (Eds.), Law and Geography: Current Legal Issues (pp. 401–442). Oxford: Oxford University Press.
Kedar, S., & Yiftachel, O. (2006). ―Land regime and social relations in Israel.‖ In H. de Soto and F. Cheneval (Eds.), Realizing Property Rights: Swiss Human Rights Book (pp. 129–146). Zurich: Ruffer & Rub.
Khamaissi, R. (2003). ―Mechanisms of land control and Judaization of space in Israel.‖ In M. Al-Hag and U. Ben Eliezer (Eds.), In the Name of Security (pp. 421–448). Haifa: University of Haifa Press (Hebrew).
King, A. (2002). ―Urbanism, colonialism and the world-economy.‖ In G. Bridge and S. Watson (Eds.), Blackwell City Reader (pp. 524–541). Oxford: Blackwell.
Lefebvre, H. (2009). State, Space, World: Selected Essays (Eds.: N. Brenner and S. Elden). London: University of Minnesota Press.
Lustick, I. (1996). ―Hegemonic beliefs and territorial rights.‖ International Journal of Intercultural Relations 20,3–4:478–492.
Marcuse, P. (1997). ―The ghetto of exclusion and the fortified enclave: New patterns in the United States.‖ American Behavioral Scientist 41,3:311–326.
Masalha, N. (2000). Imperial Israel and the Palestinians: the Politics of Expansion. London: Pluto.
Mazor, A. (1997). ―Introduction.‖ In A. Mazor (Ed.), Israel 2020: Master Plan for Israel of the 2000s. Haifa: Faculty of Architecture and Town Planning, Technion (Hebrew).
Negev Coexistence Forum. (2009). ―Fact database,‖ http://www.dukium.org
Njoh, A. J. (2002). ―Development implications of colonial land and human settlement schemes in Cameroon.‖ Habitat International 26:399–415.
———. (2007). Planning Power: Town Planning and Social Control in Colonial Africa. London: UCL Press.
Oren, A., and Regev, R. (2008). A Land in Khaki: Geographic Dimension of Defense in Israel. Jerusalem: Carmel (Hebrew).
Perera, N. (1998). Society and Space: Colonialism, Nationalism and Postcolonial Identity in Sri Lanka. Boulder: Westview Press.
———. (2002). ―Indigenizing the colonial city: Late 19th-century Colombo and its landscape.‖ Urban Studies 39,9:1703–1721.
Qumsiyeh, M. (2008). ―The next sixty years for Palestine.‖ Israel-Palestine Journal 15,1–2:181–188.
Roy, A. (2001). Power Politics. New Delhi: South End Press.
Roy, S. (2007). Failing Peace: Gaza and the Israeli-Palestinian Conflict. London: Pluto.
Shachar, A. (1998). ―Reshaping the map of Israel: A new national planning doctrine.‖ Annals of American Political and Social Sciences 555,1:209–218.
———. (2000). ―The state of four metropolises.‖ Pnim: A Journal of Culture, Society and Education 13:3–11 (Hebrew).
Sharon, A. (1951). ―Fundamentals of physical planning in Israel.‖ In Physical Planning in Israel (pp. 5–11). Jerusalem: Government Press (Hebrew).
Shenhav, Y. (2003). ―Introduction.‖ In Y. Shenhav (Ed.), Space, Land, Home (pp. 5–19). Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).
Thomas, J. (2008). ―The role of minority planning in the search for the just city.‖ Planning Theory 7:227–247.
Tzfadia, E. (2009a). ―Militarism and space in Israel.‖ Israeli Sociology 10:337–361 (Hebrew, with English abstract).
———. (2009b). ―Settlement in Israel: A view of militarism.‖ In A. Oren (Ed.), Defense Space: A New Look at the Use of Land Resources for Defense and the Military in Israel (pp. 45–59). Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).
Tzfadia, E., and Yiftachel, O. (2004). ―State, space and capital: Immigrants and socio-spatial stratification.‖ In D. Filc and U. Ram (Eds.), The Rule of Capital: Israeli Society in a Global Era (pp. 197–222). Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).
Watson, V. (2006). ―Deep difference: Diversity, planning and ethnics.‖ Planning Theory 5,1:31–50.
Weizman, E. (2006). ―The architecture of Ariel Sharon.‖ Third Text 20,3–4:337–353.
———. (2007). Hollow Land: Israel’s Architecture of Occupation. London: Verso.
Wilson, E. (1991). The Sphinx in the City: Urban Life, the Control of Disorder, and Women. Berkeley: University of California Press.
Yacobi, H. (2009). The Arab-Jewish City: Spatio-Politics in a Mixed Community. London: Routledge.
Yiftachel, O. (1998). ―Planning and social control: Exploring the dark side.‖ Journal of Planning Literature 12:395–406.
———. (2006). Ethnocracy: Land, Politics and Identities in Israel/Palestine. Pennsylvania: Penn Press.
———. (2009). ―Creeping apartheid in Israel/Palestine.‖ Middle East Report 253:7–37.
Yiftachel, O., and Tzfadia, E. (2008). ―Frontiphery: The development towns and Mizrahi space.‖ Block: Architecture/City/Media/Theory 6:22–30 (Hebrew).
Ziv, N., and Shamir R. (2003). ―Build your home: Big and small politics in the struggle against land discrimination.‖ In Y. Shenhav (Ed.), Space, Land, Home (pp. 84–112). Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة