الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان يا ما كان في رواية الزمكان

جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)

2017 / 8 / 5
الطب , والعلوم



الذي نعرفه عن الزمان هو أدوات قياسيه لمفاهيم كالثانية والدقيقة والساعة واليوم والشهر والسنة، وما نعرفه عن المكان أنه وعاء ثلاثي الأبعاد ، الطول والعرض والارتفاع، ولكن في واقع الأمر ، إن الزمان والمكان مفهومان سيكولوجيان يتأرجحان بين النسبي والمطلق، وبين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر. عندما نصل إلى النقطة الحرجة المعروفة باسم " الفرادة الكونية" وهي نقطة تقع في اللامتناهي في الصغر النسبي، لأنه مقيد بحدود كوننا المرئي، نلج إلى اللامتناهي في الصغر المطلق، في كون أوسع وأشمل ولا متناهي في الكبر هو الكون المطلق ، في نطاق مفهوم التعدد الكوني أو الأكوان المتعددة، فالكون المرئي ليس سوى جسيم لامتناهي في الصغر داخل الكون المطلق. وعندما نبلغ حدود اللامتناهي في الكبر النسبي ، أي ما وراء الأفق الكوني للكون المرئي القابل للحساب والقياس، يمكننا أن نعبر إلى اللامتناهي في الكبر المطلق، ومن ثم ننزلق من أحدهما للآخر على نحو تعاقبي. قد يكون هذا النص بالنسبة للكثيرين مجرد ثرثرة كلامية وهرطقة معرفية لكنه في الحقيقة أحد المعطيات العلمية الحديثة المؤكدة علمياً في مجال علم الأكوان الكوسمولوجيا الحديثة.
لنراجع معاً بعض الأرقام لكي نفهم ونستوعب ما قرأناه أعلاه قبل المضي في رحلتنا الطويلة خارج الزمان والمكان المألوفين لدينا :
النظرية العلمية السائدة اليوم عن أصل الكون المرئي هي نظرية البغ بانغ أو الانفجار العظيم أو الكبير والذي وقع منذ 13،82 مليار سنة وبعده بــ 377000 سنة تشكلت أولى الجسيمات الأولية حيث ظهرت الأشعة الأحفورية الخلفية المكروية المنتشرة في أرجاء الكون المرئي أو المنظور . وبعد 200 مليون سنة من الانفجار العظيم تشكلت أولى النجوم والتي انتظمت بعد مرور مليار سنة على هيئة حشود وأكداس وعناقيد والتي تسمى بــ الآماسات المجرية، وبعد 9 مليار سنة من الانفجار العظيم تشكلت الشمس ونظامنا الشمسي وبعد 18،7 مليار سنة ستموت شمسنا وتنطفئ وبالطبع ستموت معها الحياة على الأرض إذا لم يعثر العلماء على وسيلة لإدامة الحياة و إنقاذ النوع البشري على كوكب آخر مشابه للأرض خارج نظامنا الشمسي.
القياسات والحسابات على المستوى الكوني في الكون المرئي ، خاصة للمسافات ، تتم بالسنة الضوئية وهي ما يقطعه الضوء خلال عام بسرعة 300000 كلم في الثانية الواحدة ، ولقد تمكن العالم البريطاني جيكس برادلي من حساب سرعة الضوء التقريبية سنة 1729 في حين نجح العالم الألماني فردريك باسيل من حساب ما يقطعه الضوء خلال عام وسماه السنة الضوئية وذلك في عام 1938. ولسرعة الضوء قصص مثيرة مرتبطة بالزمن والسفر عبر الزمن والعودة إلى الماضي والذهاب إلى المستقبل حسب مبدأ آينشتين في النسبية العام تباطؤ الزمن مع السرعة والمعروف عند العامة بمفارقة التوأم والتي يرويها كمثال عن شقيقين توأمين يبلغان من العمر20 عاماً، ذهب أحدهما في رحلة فضائية استغرقت 8 أعوام ذهاباً وإياباً وعند عودته إلى الأرض كان عمره 28 عاماً لكنه لم يجد شقيقه بانتظاره بل حفيد حفيد حفيد حفيد شقيقه وعمره 28 سنة أي أن هناك 800 سنة قد مرت على الأرض منذ مغادرته لها في حين بقي عمره كما هو أي مجرد ثمانية أعوام إضافية هي مدة رحلته أي إنه عاد إلى المستقبل الأرضي.
كلنا يعلم أن ضوء الشمس يحتاج إلى 8،4 دقائق لكي يصل إلى الأرض ليقطع مسافة تقدر بــ 160 مليون كلم أي أننا نرى الشمس قبل أكثر من ثمانية دقائق مما هي عليه في هذه اللحظة فلو كانت مأهولة بالسكان فربما يحدث خلال هذه الدقائق الثمانية زلزلال أو انفجار أو انقلاب عسكري أو حرب أهلية دون أن نعلم بها إلا بعد مرور ثمان دقائق ونصف تقريباً. هناك إحدى النجوم التي نراها بالعين المجردة بدون تلسكوب وهي نجمة V762 في كوكبة كاسيوبيه لكنها تقع على بعد 154 مليار كلم أو على بعد 16308 سنة ضوئية وإننا ننظر إليها الآن لكن قد مر عليها أكثر من 16000 سنة وربما تكون قد انقرضت وماتت أو أن الحياة فوقها تطورت لكننا نراها كما كانت عليه قبل هذه المدة وليس كما هي عليه اليوم إذ أن الضوء القادم منها ويحمل أخبارها إلينا يحتاج إلى 16308 سنة لكي يصل إلى الأرض بسرعة 300000 كم في الثانية. وأقرب نجم إلينا يبعد عنا بمقدار 4 سنوات ضوئية وهناك نجوم تبعد عنا 13 مليار سنة ضوئية . وهكذا فإن النجوم كالبشر تولد وتكبر وتشيخ وتموت لكن عمرها يقاس بمليارات السنين فالاختلاف بين الأحجام مهول تخيلوا الفرق بين ذرة وما دونها وكون وما بعده. فلو تصورنا الذرة بحجم الكرة الأرضية فإن النواة في داخلها لاتتعدى حجم ملعب كرة قدم بالنسبة إلى الأرض فتخيلوا مدى صغر نواة الذرة نسبة لحجمها وهناك ما هو أصغر منها بالطبع في داخلها من الكترونات وبروتونات ونيوترونات وأصغر منها مثل الكواركات وأصغر منها مثل الأوتار. وبالطبع هناك الأصغر فالأصغر الذي لم نكتشفه بعد بأدواتنا التكنولوجية التي ما تزال بدائية لمثل هذه المهمة. هناك عالم غريب كمومي أو كوانتي يحتوي غلى الرغوة الكمومية أو الكوانتية mousse quantique وفي داخله يوجد أصغر بعد مكاني عرفه البشر وهو ما يسمى بطول بلانك ويقع عنده جدار بلانك الشهير ويقترن به أصغر وحدة زمنية هي زمن بلانك ، ولكن هناك ما هو أصغر منه وهو من الصغر بمكان بحيث تبدو الجسيمات الأولية مقارنة به وكأنها بحجم الكرة الأرضية أو أكبر. العلم الذي يتعاطى مع هذه الأبعاد اللامتناهية في الصغر هو ميكانيك الكموم أو فيزياء الكوانتوم ، وهو الذي قال عنه العالم الدنماركي نيل بور: لو قال لنا أحدهم بأنه يستطيع أن يدرس ويتأمل ويتعامل مع الفيزياء الكمومية أو الكوانتية بسهولة دون يصاب بالدوار إن لم نقل بالجنون فهو وبكل بساطة لم يفهم شيئاً منه. أما العالم الفذ ريشارد فينمان فقال: أعتقد أن علينا أن نتوخى الحذر ونقول وبكل ثقة وتأكيد أنه لا يوجد أحد يفهم الميكانيك الكمومي أو الكوانتي حقاً ومن يدعي ذلك فهو كاذب. ومن غرائب هذا العالم أن أحد أقطابه وهو إروين شرودينغر قد اكتشف غرابة هذا العالم وعبر عنه بقطته الشهيرة قطة شرودينغر وهي قصة خيالية عن مفارقة غريبة عرفت بمفارقة قطة شرودينغر الحية والميتة في آن واحد وفي نفس الوقت وهي تجربة فكرية تخيلية معبرة عن قطة مسجونة في صندوق محكم الإغلاق يحتوي على ميكانيزم يحتم كسر علبة صغيرة فيها غاز سام ولكن لا أحد يعرف متى وكيف ستنكسر وبالتالي لا يعرف ما إذا كانت القطة حية أم ميتة إلا بفتح الصندوق . هناك مبدأ علمي بهذا الخصوص يقول بأنه بدلاً من أن يكون الجسيم الأولي عبارة عن نقطة كتلية أو ذات كتلة محددة هو في حقيقة الأمر بمثابة منطقة ذات تأرجحات وتفاوتات fluctuations كمومية أو كوانتية كامنة منتشرة وموزعة عشوائياً في فضاء معطى أو في مكان أو حيز كوني على هيئة موجة رغم كونه جسيم، أي إنه ذو طبيعة مزدوجة جسيمية وموجية في آن واحد ومنتشرة في الفضاء الكوني وليس له موضع ثابت ومحدد ومعروف قابل للقياس، فقمم وتقعرات موجته هي بمثابة مناطق احتمالية أو مواقع احتمالية يمكن أن يتواجد فيها في كل لحظة في آن واحد . إذن يمكننا معرفة اتجاه الموجة للجسيم ولكن لا يمكننا تحديد موقعه على نحو دقيق ومضبوط وإذا قمنا بحساب موقعه بدقة فسوف تنهار دالة موجته ويتعذر علينا معرفة اتجاهه وسرعته ، ويعرف هذا الوضع المحير بمبدأ الريبة أو اللايقين وعدم الدقة principe d’incertitude لهيزنبيرغ . هذا ما يقوله لنا العلم الحديث اليوم وخاصة فيزياء الجسيمات ونظرية النسبية الخاصة والعامة لآينشتين ونظريم الكموم أو الكوانتم وهما دعامتي علم الفيزياء الحديثة التي جاءت لتقد صورة أخرى عن الكون الذي نعيش فيه تختلف عن الصورة الميثولوجية الخرافية التي أتت بها الأديان ، السماوية والوضعية. بزغ عصر العلم بفضل المشاهدة والمراقبة والمثابرة والتجارب العلمية والمنجزات التقنية أو التكنولوجية، اكتشف البشر قوانين الطبيعة الجوهرية الأربعة وهي الثقالة أو الجاذبية والكهرومغناطيسية والنووية القوية أو الشديدة والنووية الضعيفة، كما اكتشفوا حقيقة وآلية عمل الكون المرئي أو المرصود والمنظور و وجدوا التفسيرات العلمية والعقلانية لظواهر الطبيعة الغامضة التي كانوا يعتبرونها منجزات إلهية ومعجزات، وتنامى الوعي و الروح النقدية، ونجح العلم في تقديم الإجابات عن سر الحياة ونشأتها، والكون وطبيعته الحقيقية ومكوناته وآليات عمله ، والأهم من كل ذلك حقيقة البشر وتطورهم من الخلية الأولية البدائية إلى العقل العلمي الجبار في يومنا هذا. إن هذه الأوديسة أو الملحمة الوجودية بدأت كما قلنا قبل قليل منذ ما يربو على 13،820 مليار سنة هي عمر الكون المرئي الافتراضي حالياً . لنعد إلى الوراء بمخيلتنا ونتخيل يوماً بلا أمس ، ما قبل المكان والزمان الماديين اللذين نعرفهما جيداً، وسط اللامكان واللازمان واللاشيء واللاأين، عندما كان كل شيء مضغوطاً في حيز مكاني لا يتعدى مكان أو فضاء بلانك وهو 1,616 252 10-35 m ، وفي لحظة زمنية لا تتعدى زمن بلانك 5,391 10-44 seconde ، وهما أصغر وحدات قياسية في الوجود المادي، حين كانت المعلومة مركزة في الفرادة الكونية ، وفجأة ، بسبب غير معروف لحد الآن، تحرر كل شيء ووقع الانفجار العظيم وخرج المكمون إلى الوجود الظاهر، أولاً على شكل حساء بالغ السخونة ، نوع من البلازما الكونية، ثم بات أقل سخونة ويبرد تدريجياً كلما امتد، مما أتاح إمكانية تشكل الجسيمات الأولية، إنه الكون الوليد. كانت الجسيمات الأولية على نوعين شبه متكافئين هما الجسيمات المادية والجسيمات المادية المضادة matière et antimatière،، ولو كانت كميتيهما متساوية تماماً لمات الكون المرئي لحظة ولادته لأن الجسيمات المتناقضة والمتباينة ستفني بعضها البعض، ولكن لأسباب ما تزال غامضة حدث خلل في التناظر الفائق وكان عدد الجسيمات المادية أكبر قليلاً من عدد الجسيمات المادية المضادة، وهو الأمر الذي سمح للكون المرئي بالوجود والبقاء على قيد الحياة.
الفرادة التي قادت إلى ولادة الكون المرئي بعملية الانفجار العظيم:
في تلك النقطة الغامضة الفريدة من نوعها التي تكاثفت فيها كل مكونات الوجود المادي، حدثت تقلبات أو تأرجحات وخلخلات كمومية أو كوانتية fluctuations quantiques أدت إلى حصول الانفجار العظيم الذي اعتبر بداية لكل شيء موجود اليوم في الكون المرئي ، ولكن ماذا بعد؟ ما يزال علم الأكوان الكوسمولوجيا يواجه صعوبات جمة وتحديات وألغاز وصعوبات وأسرار عصية. المادة السوداء أو المظلمة والطاقة السوداء أو المعتمة أو الداكنة هي من المشاكل الكوسمولوجية الجوهرية والأساسية التي تبحث عن إجابات وتفسيرات علمية. وكذلك هو حال اللاتماثل واللاتناظر dissymétrie الذي قد اختار التحيز للمادة على حساب نظيرتها وتوأمها المادة المضادة وحطم حالة التماثل والتناظر التام أو الفائق super symétrie. لقد اتضح ذلك بجلاء عند التعمق في دراسة وتحليل الخلفية الإشعاعية الكونية الميكروية rayonnement cosmique. حاولت عدة نظريات كونية كوسمولوجية، أعقبت نظرية الانفجار العظيم لتكملها، أن تسد النواقص والثغرات في هذه الأخيرة، من بينها نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية التعاقبية، الدائرية أو الحلقية La Gravitation Quantique à Boucles، التي عملت على الاستفادة من دروس نظرية آينشتين النسبية ومعادلاتها الرياضية للذهاب إلى أبعد ما يمكن من فرضيات علمية بديلة أو مكملة. وعلى نحو خاص قلب وجوهر هذه النظرية المتمثل بمقولة الاستقرار واللاتنوع أو الثبات الجوهري L’invariance de Fond، أي حقيقة عدم وجود أية بنية أو هيكلية جامدة في العالم فكل شيء متحرك ونسبي وعلائقي relationnel مرتبط ببعضه البعض، وفي ذات الوقت، تحاول هذه النظرية أو تبحث عن وسيلة لإدخال ودمج المبادئ الأكثر جوهرية للميكانيك الكمومي أو الكوانتي Mécanique Quantique، وعلى الأخص إن التسلسل والنظام أو السياق الذي نتبعه في الحسابات والقياسات هو أمر مهم للغاية. فقبل خمسة وعشرون عاماً نجح العالم آبهي آشتيكار Abhay Ashtekar، وهو اليوم مدير معهد الجاذبية أو الثقالة والكون في جامعة الدولة في بنسلفانيا، في إعادة صياغة النسبية العامة لآينشتين بطريقة تسمح لها أو تجعلها ملائمة وقابلة للتوافق مع الميكانيك الكمومي أو الكوانتي، بعد تجارب وعمل مضني استغرق وقتاً طويلاً وصعوبات جمة وعقبات كأداء ونجح بمعية علماء آخرين معه مثل العالم الإيطالي كارلو روفيللي Carlo Rovelli، ونجح في وضع أسس هذه النظرية المعروفة باسم " الثقالة الكمومية أو الكوانتية التعاقبية، الدائرية أو الحلقية La Gravitation Quantique à Boucles" والتي يشتغل عليها اليوم أكثر من مائة عالم وباحث علمي . لم تنته أو تكتمل هذه النظرية بعد ولم تتوج بانتصار حاسم، لكنها اثبتت فعاليتها وأناقتها واتساقها cohérence. وكانت الطرق والأساليب المتنوعة لصياغتها قد قادت كما يبدو إلى نفس النموذج paradigme مما يعزز ويرسخ مقبولية وصلاحية هذا البناء أو الصرح النظري الكوسمولوجي المعاصر.
ففي نظرية الثقالة الكمومية الحلقية لا يكون الزمكان نسيجاً متصلاً بل ينبغي تخيله على هيئة شبكة هائلة التعقيد والتشابك. مثلما هو حال المادة المكونة من عدد مهول من الذرات وجسيماتها الأولية مادون الذرية، فالفضاء في هذه الحالة يكون مؤلف من حبيبات أولية، أي حبيبي . وبما أن المجموع الكلي هو كوانتي أو كمومي فإن تطوره يجب أن يتم على نحو إحتمالي أو بصيغ إحتمالية termes probabilistes. وإذا كان هذا النموذج ، الذي يصفه المتخصصون بـ الرغوة ذات الدورانات المغزلية mousse spins، صحيحاً ، فسوف يسجل ثورة عارمة في عالم الفيزياء الكوسمولوجية وفيزياء الجسيمات والفيزياء الكمومية والفيزياء النظرية. فهذا النموذج النظري لا يصف الحركة والتكوين للأشياء الموجودة داخل المكان والزمان بل يصف الزمكان نفسه ، حينها يبدو الكون المرئي كما لو إنه عبارة عن حقول كوانتية أو كمومية في حالة تداخل وتفاعل وتشابك interaction مستمر ولن تعد هناك أية بنية أو هيكيلية فائقة métastructure تنتشر فيها تلك الحقول الكمومية . واليوم هناك تفهم أكبر لديناميكية وحيوية لهذا الزمكان الكوانتي أو الكمومي الحبيبي، وذلك بفضل عدة مقاربات علمية مكملة. وتبدو النظرية على وشك النجاح في إحداث التصالح بين العناصر المؤسسة للنسبية الآينتشتينية من جهة والعناصر المؤسسة للميكانيك الكمومي أو الكونتي من جهة أخرى. وعند تطبيقها على الثقوب السوداء أعطت معنى مفهوماً لهذا اللغز الأنثروبي الغامض أو الكون المرئي الغامض mystérieuse entropie: فالحالات الكمومية أو الكوانتية لأفق الحدث للثقب الأسود تخزن المعلومة التي بدت وكأنها ضاعت إلى الأبد. ولقد أحدث هذا الاستنتاج جدلاً واسعاً ونقاشاً حاداً في الأوساط العلمية الفيزيائية، خاصة في معبد الفيزياء النظرية في كندا وهو معهد بيرميتر perimeter institute أو معهد المحيط حيث ادعى عالم فيزياء شاب هناك أنه وجد بأن الأنثروبي entropie لا تعتمد على عامل حر أو معلمة حرة paramètre libre، أو بعبارة أخرى على عامل مجهول في النظرية، ويسعى لتطوير النظرية بسرعة وعلى مراحل سوف تشهد قفزات مدهشة في السنوات القليلة القادمة، بعد ركود ونكوص أحياناً هيمن على الفيزياء النظرية في الآونة الأخيرة ، هذا ما سوف يقودنا إلى تمثل ثوري جديد وتصور جريء للعالم représentation du monde.
أحد نجاحات نظرية الثقالة الكمومية الحلقية هو إمكانية تطبيقها في حقل علم الأكوان الكوسمولوجيا ، ولقد اثبت العالم الألماني مارتن بوجوالد Martin Bojowald الذي يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية سنوات الألفين بأن فرادة البغ بانغ " الانفجار العظيم" اختفت وهذه نتيجة جوهرية، حيث تم حل التناقض الأساسي للكوسمولوجيا المعاصرة l aporie. كما كان العلماء المقربون منه يأملون ذلك، ولكن ليس الأمر بهذه البساطة أو البديهية الظاهرة فأكممة أو تكميم la quantification، وتحديد مقادير معادلات آينشتين بطريقة الحلقات الكمومية سوف يؤدي إلى تسطيح أو تنعيم الاختلافات الأصلية لا أكثر من ذلك كما يعتقد المناوئون. فالقيم الفيزيائية لم تعد تتجه نحو اللانهاية ولم تعد النظرية باثولوجية أو مرضية pathologique. ولكن لو اختفت نظرية الانفجار العظيم أو الكبير البغ بانغ فبماذا سوف تستبدل؟ هل بنظرية القفزة الكبرى أو الإنتعاش الكبير grand rebond أو بنظرية الإنكماش الكبير أو التقلص والارتداد الكبير Big Bounce؟ بعبارة أخرى لن يعد هناك للكون المرئي أصل ولا بداية ، وبالتالي فهو في مثل هذه النظرية موجود منذ الأزل وباقي إلى الأبد وإن ما أسميناه بالانفجار الكبير لا يمثل سوى عنق الزجاجة goulet d étranglement لحلقوم، وهو ليس أكثر من ممر لحلق ثوري gorge rabelaisienne أو حنجرة كونية تتوسع بانتظار الانكماش والتقلص أو الارتداد الكبير، وهكذا دواليك في حالة تكرار على الدوام تسبقها حالة من لانتفاخ والتضخم المفاجيء في المرحلة المعروفة بمرحلة التوسع والتمدد الكوني expansion التي نتواجد فيها حالياً، وربما تكررت هذه الحالة مرات لامتناهية منذ عدد لامتناهي من السنين استمر مليارات المليارات المليارات من السنين ما يقودنا لصيغة الكون التعاقبي الحلقي المتكرر منذ الأزل إلى الأبد، بلا بداية ولا نهاية ما يذكرنا بالنظريات الكوسمولوجية الغارقة في القدم والمشوبة بالكثير من الخرافات والأساطير، فصورة الكون وأصله وبدايته المعروفة حالياً سوف تنهار وتجتز. ولو صحت هذه الفرضية فلم تعد مسألة الأصل والبداية مطروحة وسوف نقتصد ونتخلص من الكثير من المفاهيم الميتافيزيقية المرتبطة بموضوعة الأصل والبداية والخلق.
كانت النظرية تعتبر مجرد مضاربات وتكهنات رياضية spéculations mathématiques غير قابلة للتجريب والاختبار وغير خاضعة للحسابات والقياس ، ولكن قد يكون هناك اثر باقي لحدث الانكماش والارتداد الكبير كما هو حال الانفجار الكبير من خلال إشعاع الخلفية الكونية ألأحفورية الميكروية، مما يفتح الطريق أمام محاولات العثور عليه وتوفير الدليل على صحة نظرية الثقالة الكمومية الحلقية. لقد افترض العلماء وهم مصيبون في ذلك، أن هناك مرحلة بعد الانفجار العظيم أو الكبير حدثت وسميت بالتضخم الهائل المفاجيء والفوري ، الذي أدى إلى توسع هائل لحجم الكون. وهذا الافتراض أساسي وجوهري وضروري لفهم لماذا يبدو الكون المرئي متجانساً وقليل الانحناء أو التحدب ويولد تقلبات اعتبرت السبب في البنيات أو الهيكليات الظاهرة للكون المرئي، ولقد اضطر العلماء إلى إضافة هذه الفرضية التضخمية للنموذج الكوني الآينشتيني ولو بصورة مصطنعة وقسرية وتتطلب توفر ظروف مسبقة شديدة الخصوصية ، أي حالة فيزيائية معينة في لحظة ولادة أو حصول التضخم والحال إن نظرية الثقالة الكمومية الحلقية تفسر وتحل هذا الإشكال حيث اعتبر التضخم الفوري المفاجيء كنتيجة حتمية لهذا النموذج الكوسمولوجي النظري أي الثقالة الكوانتية أو الكمومية الدائرية أو الحلقية المتعاقبة. وفي هذه الحالة يجب أن يكون هناك فهم وإدراك لمعنى التغيير في القيمة القياسية التي توصل إليها العلماء changement de la signature de la métrique، وهي نتيجة سبق للعالم البريطاني الفذ ستيفن هوكينغ أن اقترحها ومعه علماء آخرين قبل سنوات طويلة، وثبتت صحتها اليوم ما يعني أن الزمن أصبح " خيالياً imaginaire عند اقترابه من الانكماش أو التقهقر أو الارتداد الكبير Big Bounce، وسوف يؤثر ذلك على الكثير من مفاهيم تطور الكون وديناميكيته وحركيته.
نظرية الأوتار:
هناك طريق آخر ممكن من الناحية النظرية للخروج من مأزق توحيد نظريتي النسبية في اللامتناهي في الكبر والكمومية في اللامتناهي في الصغر، ألا وهو نظرية الأوتار théorie des cordes التي استكملت مؤخراً بنظرية الأوتار الفائقة théorie des supercordes، وهي جزء من نظرية كل شيء أو النظرية أم théorie M، التي تعتبر المدخل للنظرية الشاملة والجامعة الكلية التي يفترض أنها ستقدم الحلول والأجوبة المنشودة. اقترحت نظرية الأوتار الفائقة أن المكونات الجوهرية للكون المادي المرئي ليست الجسيمات الأولية كالكواركات والنيوترونات والإلكترونات الخ،، بل أجسام مطاطة لامتناهية في الصغر هي عبارة عن أوتار كمومية أو كوانتية يشبه بعضها الغرافيتونات gravitons، وهي الجسيمات الأولية للثقالة أو الجاذبية، وهذا يعني أن نظرية الأوتار تتنبأ على نحو آلي أتوماتيكي بالجاذبية أو الثقالة التي هي العمود الفقري للنسبية الآينشتينية. ومن هنا يمكننا أن نفترض وجود إمكانية لتوحيد المكونات الأولية للمادة المعروفة والتي أعيد تفسيرها على أنها عدة ترددات مختلفة ومتنوعة ممكنة لكل نوع من أنواع الأوتار الجوهرية الأولية على غرار وتر آلة الكمان أو الآلات الموسيقية الوترية الأخرى حيث بالإمكان إنتاج مختلف النوتات اللحنية الموسيقية الصوتية حسب موضع الإصبع على الآلة وعلى الأوتار ودرجة الضغط على الوتر.
تقدم هذه النظرية نفسها على أنها نظرية للتوحيد ونظرية للثقالة الكمومية أو الكوانتية، في آن واحد، وهذا ليس بالأمر البديهي لأنها تتعامل مع مسألتين متعارضتين ومتنافرتين ومتفككتين وهي لا تعتمد على عامل أو معلم حر واحد ما يجعلها في غاية الأناقة والجمال رغم تعقيدها. فالأوتار هي أساس الفيزياء المعاصرة حسب أنصار وأعمدة هذه النظرية سواء اندمجت أو انفلقت. تجدر الإشارة إلى أن هذه النظرية تضفي على الفضاء أو المكان تسعة أو عشرة أبعاد مكانية وبعد زماني واحد ، لكننا لا نعرف ولا نتعامل سوى مع ثلاثة أبعاد مكانية هي الطول والعرض والارتفاع، وبالتالي يتسرع البعض في اعتبار النظرية زائفة وغير قابلة للتحقيق ، وذلك لأنهم عاجزون عن تصور أو تخيل ستة أبعاد أخرى للمكان غير مرئية، خفية منطوية على نفسها وغاية في الصغر يستحيل مشاهدتها أو كشفها.
أما طرق إخفاء وطوي compactifier الأبعاد المكانية الستة الإضافية فقد كانت عديدة لا تعد ولا تحصى وقد تجاوزت العشرة أس خمسمائة الــ 10500 من القوانين الفيزيائية الممكنة. في عدد من الأكوان الإضافية المتوازية أو المتداخلة أو المتجاورة مما يدفع لإعادة التفكير والتأمل في طبيعة العلم نفسه وإمكانياته الخارقة.
كما تشرح نظرية الأوتار الفائقة أنثروبيا الثقوب السوداء entropie des trous noirs، وبطريقة حتى أفضل من نظرية الثقالة الكمومية الحلقية لأنها لا تتطلب تعديل أي عامل paramètre أو معلمة من أجل الحصول على النتيجة المطلوبة أو المرجوة، إلا في حالة الثقوب السوداء ذات الخصوصية المتميزة والفريدة والنادرة جداً، ولكن من الصعب تطبيق نظرية الأوتار الفائقة على علم الأكوان الكوسمولوجيا، لصعوبة الخروج بتكهنات وتنبؤات دقيقة في الوقت الحاضر، لكن ذلك لا يقلل من أهمية وصلاحية النظرية وجماليتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجفاف يقيد حياة الكولومبيين ويدفع السلطات لتقنين المياه


.. المتحدث باسم منظمة الفضاء الإيرانية: الدفاعات الجوية أسقطت ع




.. سندوتش بالتنمية البشرية.. ماما دهب بعتبر كل زبون جزء منى و


.. الأمير وليام يستأنف أنشطته بعد إصابة كيت بالسرطان




.. -ناسا- تتهم الصين بالقيام بأعمال عسكرية في الفضاء وتحذر من و