الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبعية التكنولوجية!

فهد المضحكي

2017 / 8 / 5
السياسة والعلاقات الدولية


مهما تعددت أشكال الاستعمار فالهدف واحد، يفرض سيطرته على الدول الضعيفة، يستغل مواردها، وينهب ثرواتها، وينكر حقوقها الطبيعية، ويدفع الحكام إلى التسلط والبطش بشعوبها.
وبالرغم من تراجع وانتهاء ظاهرة الاستعمار في القرن العشرين إلا أن الاستعمار التكنولوجي الملقب في القرن الماضي بالاستعمار الجديد حَوّل بلدان العالم الثالث إلى اجزاء في خط التجمع العملاق للانتاج الرأسمالي الدولي.
وكنتيجة لهذه السياسة، جرى ربط الدول النامية بصورة اكبر واوثق بالتكنولوجيا وبكل نظام الانتاج في الدول الرأسمالية المتطورة (المصدر دراسات اشتراكية مارس 1983).
لا يختلف اثنان أن الثورة التكنولوجية الكبيرة تشكل حدثًا مهمًا في التاريخ، ونظرًا لفوائدها واهميتها في مختلف المجالات العلمية والتطبيقية والنظرية فهي جزء اساس في الحياة، ومع ذلك فان التبعية التكنولوجية تهدف إلى الاحتفاظ بالبلدان النامية في داخل مجال نفوذ الدول الرأسمالية والاحتكارات.

ما هي الطريقة التي تنفذ بها هذه السياسة في الواقع؟
سؤال تجيب عليه احدى الدراسات موضحة ان الاحتكارات متعددة الجنسيات تستخدم تخصص الانتاج، الذي يعتبر سمة مميزة للثورة العلمية والتكنولوجية، لكي تبني في العديد من البلدان النامية المتجاورة مجموعة من المؤسسات في احد البلدان في انتاج المواد الخام. وتصنع منتجات نصف جاهزة في بلدان مجاورة، وفي النهاية تنتج بلدان اخرى المنتجات الجاهزة، وفي مثل هذه الظروف يصبح من الصعب في الغالب على دولة ذات سيادة ان تؤمم مؤسسة اجنبية، لأن هذه المؤسسة من حيث التكنولوجيات والانتاج تعتمد بشكل كامل على مؤسسة اخرى لنفس الشركة موجودة في بلدان اخرى.
وفي مثل هذه الحالة ولكي تحصل على الحد الاقصى من الارباح، غالبًا ما تبيع الرأسمالية الحديثة والاحتكارات متعددة الجنسية للبلدان النامية الآلات التي ما تزال في مرحلة التجريب!
والبلدان التي تشترى الآلات والتجهزات الجديدة مضطرة لأن تسعى إلى مساعدة الخبراء الغربيين ذوي الاجور المرتفعة، الذين يقومون بعمل التعديلات اللازمة.
وهكذا تستفيد الاحتكارات الرأسمالية، اولًا، من الارباح الضخمة التي تحصل عليها من بيع التجهيزات الحديثة للغاية، وثانيًا، من تحويل البلدان النامية إلى ارض للتجارب لتجديداتها التكنولوجية، وتدفع الجماهير العاملة في هذه البلدان الافريقية والآسيوية وامريكا اللاتينية لتجارب الاحتكارات الرأسمالية هذه.
وتتضح التبعية التكنولوجية للبلدان النامية للبلدان الرأسمالية الصناعية ليس فقط في توريدات التجهيزات التكنولوجية الحديثة وقطع الغيار، وانما كذلك في بيع براءات الاختراع ونتائج الابحاث ومشروعات التنمية.
والبلدان الرأسمالية الصناعية، مستفيدة من تفوقها التكنولوجي، تزيد على الدوام من بيع الاسلحة والمعدات العسكرية إلى البلدان النامية. وليس هناك جديد فيما يتعلق بتكتيكات الاستعماريين الجدد في هذا المجال. وهم اذ يلجأون إلى سياسة الاستعمار التقليدية. سياسة «فرق تسد» يثيرون النزاعات بين البلدان النامية ثم يقدمون لها الاسلحة الحديثة. وما تقوم به الولايات المتحد اليوم من تفتيت الدول وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية، ودعم الاسلام السياسي كما حدث في عهد اوباما ابلغ دليل على ذلك!
كل ذلك يحدث بحجه الديمقراطية في حين أن الواقع لا يخرج عن دائرة الابتزاز والمصالح الامريكية الحيوية التي من مخططاتها بيع الاسلحة إلى مناطق النزاعات الحادة. كما تعتبر بريطانيا وفرنسا والمانيا من مصدري الاسلحة كذلك.
وهكذا يحاول الاستعمار الجديد ان يحول بيع الاسلحة إلى وسيلة هامة ضد قوى التغيير!
منذ عقود والدول الرأسمالية مضطرة لدرجة معينة للمشاركة في تدريب الكوادر الوطنية للدول الفتية.
وبعبارة اخرى الدول الرأسمالية لا تعرقل تدريب الكوادر التكنيكية الوطنية للبلدان النامية، ولكنها تحاول اغراء الاختصاصيين الاكفاء بالعمل لدى الاحتكارات الرأسمالية.
ان هجرة العاملين في مجال العلوم والتكنولوجيا من البلدان النامية إلى الدول الرأسمالية الكبرى قد اتخذ ابعادًا واسعة. وتفقد هذه البلدان كل عام اختصاصات كثيرة. وهذه السرقة للعقول مفيدة للبلدان الرأسمالية الكبرى. إذ أن تدرب كوادرها الخاصة يكلف اكثر بكثير من تأجير الاختصاصيين الاجانب المدربين.
والبلدان التي تخصص مبالغ طائلة لتدريب كوادرها في الداخل والخارج تجد نفسها في وضع صعب، اذ تفقد كلًا من اختصاصييها وكذلك الاموال التي انفقتها على تدريبهم.
ثمة رأي يقول: «اذا ما حسبنا فقط تكاليف تدريب هؤلاء الاختصاصيين، فان هروب الكوادر العملية والتكنيكية يكلف البلدان الافريقية على سبيل المثال اكثر من ضعف قيمة «المعونة» الامريكية في المجال التعليم العلمي والتكنيكي».
ومن دون شك إن هجرة العقول والكفاءات من البلدان النامية إلى الدول الرأسمالية الصناعية لا يعود فقط إلى الاغراءات وشروط العمل الجيدة واجور العمل المرتفعة التي توفرها هذه الدول، وانما ايضًا إلى الاوضاع السياسية غير المستقرة في بلدانهم بفعل غياب الحريات والديمقراطية وكذلك إلى الظروف الاقتصادية الصعبة والفساد والبيروقراطية والنزاعات العرقية والمذهبية والطائفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة