الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوانب من تاريخ العلاقات المغربية البريطانية: الحلقة الثانية: بعد الاحتلال البريطاني لصخرة جبل طارق سنة 1704م.

عبد الرزاق العساوي

2017 / 8 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تمكنت بريطانيا بعد محاولات عديدة من احتلال قاعدة بحرية متوسطية، تتمثل في جبل طارق سنة 1704م، مستغلة ظروف حرب الوراثة الإسبانية، ومستفيدة كذلك من علاقتها الجيدة مع المغرب، إذ طلب الأميرال روكRooke سنة 1702م من المغرب السماح لسفنه بالحصول على الماء من خليج طنجة. وقد وافق السلطان على هذا الطلب الذي سهل سيطرة بريطانيا على صخرة جبل طارق .
وقد ساهم الوجود البريطاني في صخرة جبل طارق في تمتين العلاقات بين المغرب وبريطانيا. ففي مارس 1706م أرسل المولى إسماعيل أحمد بن قردناش إلى لندن مبعوثا خاصا له، وكانت التعليمات التي تلقاها المبعوث، تقضي بأن يطلب من الملكة إرسال مبعوث لها لإتمام المفاوضات بين البلدين لتوقيع معاهدة التجارة والسلام، إلى جانب حث الملكة آن Anne(1702م-1707م) على مساعدة المغرب لاستعادة سبتة من الإسبان، مقابل تأكيده استعداد السلطان لإمداد حامية جبل طارق بما تحتاجه من مواد غذائية وغيرها. غير أن هذه الجهود المغربية باءت بانتكاسة كبيرة بعد وصول أنباء إلى لندن عام 1706م، تفيد قيام القراصنة المغاربة بتوقيف مركبين بريطانيين، وأسر بحارتهم .
وفي سنة 1710م، أرسل السلطان المولى إسماعيل السلطان مبعوثا آخر اسمه بنتورا دي زاري Bentura de Zari. وقد تأثرت هذه البعثة على غرار سابقتها بأنباء تعرض السفن البريطانية لهجمات القراصنة المغاربة، مما أثار انزعاج بريطانيا التي طالبت السلطان بإطلاق سراح الأسرى، إلا أنه لم يستجب لطلباتهم، وكانتقام منه تقرر وضع مبعوثه في إقامة جبرية.
وفي سنة 1713م أرسلت الملكة آن مبعوثا إلى السلطان المولى إسماعيل لتسوية المسائل العالقة بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بإطلاق سراح الأسرى البريطانيين . وقد حمل هذا المبعوث رسالة تضمنت اقتراحات بعقد هدنة بحرية، كما تلقى تعليمات للقيام بأعمال تأديبية ضد قراصنة سلا، في حالة فشل المفاوضات، وتم وضع عدد من السفن الحربية بجبل طارق رهن إشارته. غير أن هذا المبعوث لم يكن مضطرا إلى القيام بهذه الإجراءات التأديبية، إذ نجح في انتزاع هدنة بحرية من المغرب، كما أقنع المولى إسماعيل بضرورة تحرير الأسرى البريطانيين.
وانطلاقا من سنة 1716م، عادت العلاقات المغربية - البريطانية إلى التوتر من جديد بفعل احتدام أزمة الأسرى، مما دفع بريطانيا إلى إرسال أدميرال كورنوول Cornwall على رأس قوة بحرية إلى جبل طارق. وكتب من هناك رسالة إلى المولى إسماعيل يطلب منه إرسال مبعوث إلى جبل طارق لإنهاء الاصطدامات البحرية القائمة بين البلدين. وقد استجاب المولى إسماعيل لهذا الطلب وأرسل مبعوثا إلى جبل طارق. كما وافق على هدنة بحرية مدتها عام وعلى تبادل الأسرى. غير أن السلطان رفض المصادقة على اتفاق رسمي ملزم، مما دفع كورنوول إلى محاصرة الموانئ المغربية الرئيسية والتهديد بالاستيلاء على السفن المغربية، إضافة إلى أخذ المغاربة العابرين لجبل طارق كرهائن .
إلا أن هذا التهديد لم يحد من نشاط القرصنة المغربية، فقد استمر عدد الأسرى الإنجليز في التزايد، بلغ عددهم في غشت 1716م نحو 125 أسيرا. كما واصل المولى إسماعيل رفضه لحل قضية الأسرى، واكتفى بإرسال رسالة عبر فيها عن عطفه على الأسرى الإنجليز من خلال عدم تكليفهم بالأعمال الشاقة . وساهم هذا الوضع في تزايد استياء الرأي العام البريطاني تجاه المغرب، خاصة بعد وصول عدد مهم من رسائل الأسرى إلى بريطانيا محملة بكافة أشكال الأسى والمعاناة، فأحدث ذلك ضغطا كبيرا على المسؤولين البريطانيين الذين عملوا على إطلاق سراحهم .
وفي سنة 1720م أرسلت بريطانيا مبعوثا جديدا هو تشارلز ستيوارتCharles Stuart ومنحته كافة الصلاحيات لحل مشكل الأسرى، وتوقيع معاهدة سلام وتجارة مع المغرب. وقد نجح في تحقيق هدفه، إذ وقع الطرفان (المغربي والبريطاني) على معاهدة سنة 1721م، والتي تم بموجبها إطلاق سراح الأسرى الإنجليز البالغ عددهم 273 أسيرا .
وبعد وفاة المولى إسماعيل سنة 1727م، دخل المغرب فترة اضطراب كان لها انعكاس واضح على العلاقات المغربية – البريطانية. فقد حاولت بريطانيا ضمان وجودها من خلال إرسال مبعوث سنة 1729م لتجديد معاهدة 1721م، والتي تم خرقها في مناسبات عديدة بفعل أسر المزيد من الإنجليز. غير أن هذه البعثة فشلت، بدورها، في تحقيق مسعاها، فكلفت بريطانيا حاكمها العام بجبل طارق لإيجاد حل لهذا المشكل حيث تمكن من إجراء مفاوضات ناجحة مع المغرب، خاصة بعد وصول أسطول حربي بريطاني إلى سواحل المغرب الشمالية، إذ أقنع السلطان بإطلاق سراح الأسرى الإنجليز بتطوان مقابل فدية محددة.
وخلال فترة حكم محمد بن عبد الله (1757م - 1790م) استمر توتر العلاقات المغربية - البريطانية، بفعل الانطباعات السيئة لهذا السلطان حول البريطانيين. وكان من أبرز مظاهر تأزم العلاقة بين المغرب وبريطانيا خلال هذه الفترة حادثة القنصل "جيمس ريد" Reade سنة 1758م ، التي أعقبها تحول مهم في العلاقات المغربية - البريطانية. فقد أبرم محمد بن عبد الله معاهدة جديدة مع البريطانيين سنة 1760م، والتي أضحت لبنة أساسية استندت إليها العلاقات المغربية - البريطانية فيما بعد.
وقد حاول الطرفان (المغربي والبريطاني) الحفاظ على علاقاتهما الجيدة، على الرغم من بعض المشاكل التي كانت تعكر صفو هذه العلاقات بين الحين والآخر، وذلك بهدف ضمان مصالحهما، فبريطانيا كانت حريصة على ضمان تموين حاميتها بجبل طارق، في حين حرص المغرب على الحصول على الأسلحة والذخيرة انطلاقا من جبل طارق.
وخلال فترة حكم المولى اليزيد (1790م - 1792م)، حافظ المغرب على علاقاته الجيدة مع بريطانيا. فقد تعهد المولى اليزيد، بتخفيض الرسوم المفروضة على الماشية المصدرة إلى جبل طارق تنفيذا لمعاهدة السلام والصداقة، مقابل ذلك طلب من البريطانيين إمداده بقنابل المدافع انطلاقا من جبل طارق. كما طلب تزويده بخبراء المدفعية لتدريب جنوده من أجل محاصرة سبتة واستعادتها. غير أن بريطانيا لم تف بوعودها نتيجة تحسن علاقاتها مع إسبانيا .
وعندما تولى المولى سليمان حكم المغرب سنة 1792م، كانت بريطانيا قد دخلت في مواجهة مفتوحة مع فرنسا "الثورة". لذا فقد عملت على ضمان سلامة مواصلاتها البحرية، وتأمين جبل طارق ضد تهديدات نابليون بونابرتNapoléon Bonaparte(1804م - 1815م)، وذلك من خلال الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع المغرب. وقد توجت هذه المجهودات بالتوقيع على معاهدة 1801م التي مكنت البريطانيين من الحصول على تموينهم الكافي لحاميتهم بجبل طارق، وكذلك لأسطولهم بالبحر الأبيض المتوسط .
والجدير بالذكر أن الفرنسيين خلال هذه الفترة مارسوا ضغوطا قوية على المولى سليمان قصد إيقاف إمداد حامية جبل طارق. غير أنه لم يخضع لهذه الضغوط وحافظ على علاقاته مع البريطانيين، التي ازدادت متانة بعد استقبال السلطان للقنصل العام البريطاني كرين Green عام 1806م، بحيث تعهد السلطان بتخفيض الرسوم الجمركية على الصادرات الموجهة إلى جبل طارق. مقابل ذلك استجاب كرين لطلبات السلطان بالحصول على المدافع، وتسهيل حج ابنه المولى إبراهيم عام 1812م .
وحاول البلدان الحفاظ على علاقتهما الجيدة طيلة فترة حكم المولى سليمان وبداية حكم المولى عبد الرحمان، على الرغم من بعض المشاكل الطفيفة التي كانت تعكر صفو العلاقة بينهما، مثل قضية محمد بن عمر بجة، القنصل المغربي بجبل طارق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية