الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد واليد الخفية

صبحى إبراهيم مقار
(Sobhi Ibrahim Makkar)

2017 / 8 / 6
الادارة و الاقتصاد


تكرس حوادث الفساد فى بعض الدول لمبدأ جديد يسمى باليد الخفيفة ليحل محل مبدأ اليد الخفية لأدم سميث، فبدلاً من تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ككل نتيجة لسعى كل فرد لتحقيق مصلحته الشخصية (وفقاً لمفهوم اليد الخفية)، ساد مبدأ اليد الخفيفة بمعنى عدم تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ككل نتيجة لسعى الفاسدين إلى تحقيق مصلحتهم الشخصية بطرق غير مشروعة على حساب تضرر مصالح باقى أفراد المجتمع. وذلك نتيجة لتعدد الأيادى الخفيفة التى تحترف سرقة ونهب ثروات الوطن والمواطنين. وللأسف، كان أدم سميث حسن النية، لأنه لم يتوقع تصاعد الفساد ليصل إلى الحالة التى نشاهدها اليوم، وهى تعارض أغلب المصالح الشخصية للأفراد مع المصلحة العامة للمجتمع. ونتيجة لذلك، تهدف منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة مجتمع مدني عالمية رائدة في مجال مكافحة الفساد مقرها الرئيس في برلين ولها أكثر من 90 فرع في جميع دول العالم، إلى التوعية بالآثار الضارة للفساد والتعاون مع الشركاء في الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني في وضع وتنفيذ تدابير فعالة للتصدي لتلك الآثار الضارة وتحجيمها وعدم انتشارها.
وتصدر المنظمة منذ عام 1995 تقريراً سنوياً عن مؤشر مدركات الفساد ليعكس درجة التحسن في ممارسات الإدارات الحكومية والشركات العالمية الهادفة إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، حيث يقيس المؤشر مدى تفشي الفساد في دول العالم ودرجة تأثيره في مناخ الاستثمار كأحد المعوقات الأساسية التى تواجهها هذه الدول فى جذب الاستثمارات الأجنبية. ويعتبر مؤشر مدركات الفساد بمثابة تذكير بأن إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة تستمر في نهب وتخريب المجتمعات في كل دول العالم، حيث يعرف على أنه ذلك المؤشر الذي يقيم دول العالم ويرتبها وفقاً لدرجة وجود الفساد بين المسئولين والسياسيين بناءً على إدراك رجال الأعمال والمحللين من جميع دول العالم بما في ذلك المتخصصين والخبراء من نفس الدولة التي يتم تقييمها. ويركز المؤشر بشكل أساسي على الفساد في القطاع العام، ويعرفه بأنه "سوء استغلال الوظيفة العامة من أجل تحقيق مصالح خاصة". وتتراوح قيمة مؤشر مدركات الفساد ما بين صفر (وجود تصور بدرجة عالية من الفساد) إلى 100 (وجود تصور بأن الدولة نظيفة للغاية أو وجود درجة شفافية عالية).
وقد بلغت نسبة الدول التى أحرزت قيماً أقل من 50 نحو 69% من الـ 176 دولة التي تضمنها مؤشر عام 2016 مما يشير إلى وجود حالة من عدم المساواة تؤدى إلى حرمان الفئات الفقيرة من الاحتياجات الأساسية للحياة الكريمة نتيجة للتوزيع غير العادل للثروة وعدم محاسبة الفاسدين فى هذه الدول، والتى لا تزال تواجه تهديد الفساد على جميع المستويات الحكومية بداية من إصدار التراخيص المحلية وحتى تنفيذ القوانين واللوائح مما يمثل أحد أهم المعوقات أمام الجهود المبذولة لمكافحة الفقر وتعافي الاقتصاد العالمي. لذلك، تعتقد منظمة الشفافية الدولية بأن الإصلاح الإداري ضروري لأي دولة لم تسجل 70 على مقياس مدركات الفساد، حيث يعتمد المستثمرون الدوليون بصفة أساسية على تقرير منظمة الشفافية الدولية عند اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بتفضيل دولة على أخرى. ونخلص مما سبق إلى أن مؤشر مدركات الفساد يفسر النمو الاقتصادي لدول العالم، فالدول التي تتراجع اقتصادياً تحتل مراكز متأخرة في قائمة مكافحة الفساد.
وعلى الرغم من تقدم مصر 24 مركزاً لتصل إلى المركز 88 (من بين 168 دولة) عام 2015 مقارنة بالمركز 112 (من بين 183 دولة) عام 2011، إلا أن قيمة مؤشر مدركات الفساد فى مصر قد انخفضت درجتين مقارنة بعام 2015 لتصل إلى 34 والمركز 108 (من بين 176 دولة) عام 2016. وذلك لربط تقرير هذا العام بين حصول مصر على هذه الدرجة وإقالة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السابق وإدانته ومحاكمته قضائياً عندما كشف عن حجم الفساد فى مصر.
وعلى الرغم من أن مصر لا تزال ضمن ثلثي دول العالم (أقل من 50)، إلا أنه يتوقع تحسن ترتيبها خلال الأعوام القادمة فى حالة استمرار الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين فى كل مكان وعلى كافة المستويات مستغلة فى ذلك تحسن الحالة الأمنية وحالة الاستقرار السياسى الحالية مما يضمن عملية السير فى الطريق الصحيح نحو تعزيز الجاذبية الاستثمارية وزيادة ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري وقدرته على استيعاب الاستثمارات الجديدة. وهذا يتطلب التطبيق الكامل والفورى لمعايير العمل المؤسسى ومعايير الحوكمة والشفافية فى كافة القطاعات، وزيادة درجة تمكين واستقلالية الأجهزة الرقابية والضبطية وإعطائها كافة الصلاحيات حتى يمكنها متابعة كافة الملفات المتعلقة بهذا الشأن مدعومة بتعاون صادق من كافة الجهات الحكومية المعنية بتوفير المعلومات المطلوبة ونشرها وتزويد المنظمات المختصة بها لتعطي صورة حقيقية عن سلامة البنيان الاقتصادي المصرى، استقلال السلطة القضائية والهيئات الرقابية، والتزام الدولة بضمان كشف الفاسدين ومحاكمتهم وإرجاع كافة الأصول التى تم الاستيلاء عليها بدون وجه حق. وبالتالى، مكافحة الفساد على الوجه الأمثل الذى يضمن استمرارية تحسن قيمة مؤشر مدركات الفساد فى مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة


.. تطور كبير فى أسعار الذهب بالسوق المصرية




.. صندوق النقد يحذر... أزمة الشرق الأوسط تربك الاقتصاد في المنط


.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل




.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ