الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبجد هوز … وخفة ظلّ العميد

فاطمة ناعوت

2017 / 8 / 8
الادب والفن




من أشهر أغاني الأفلام المصرية، التي صارت من مأثورات اللسان المصري والعربي، أغنيةٌ كتبها العظيمُ "حسين السيد"، ووضع موسيقاها المرحة، أسطورةُ الموسيقى العربية "محمد عبد الوهاب"، الموسيقار المصري الذي عزّ نظيرُه، وشدا بها كلٌّ من الجميلة "ليلى مراد"، وعظيم الكوميتراجيدي "نجيب الريحاني". “أبجد هوز حُطّي كلمُن/ شكل الأستاذ بقا منسجمٌ". ولنا أن نتصوّر عملا يصنعه عظماءُ رفيعو الطراز على هذا المستوى، ثم يُعلّق عليها عظيمٌ آخر عزّ نظيرُه في كل العصور، هو عميدُ الأدب العربي "طه حسين".
حينما عُرض فيلم "غزَل البنات" عام 1949، وانتشرت تلك الأغنية المرحة وذاع صيتُها؛ سألوا عميدَ الأدب عن رأيه فيها. فأجاب بأنه استملحَ كلمات الأغنية، وراق له لحنُها وصوت المطربة الشابّة ليلى مراد، إلا أن لديه تحفّظًا ما على الكلمات. وحين سُئل عن ذاك التحفّظ، دُهشَ السائلُ. قائل د. طه حسين إن كلمات الأغنية كان يجب أن تكون على هذا النحو: “أبجد هوز حطي كلمُن/ شكل الأستاذ بقا منسجمًا"؛ (وليس منسجمٌ).... لأنه "منسجم" خبر (بقا) بمعنى أصبح، من أخوات كان. كذلك ما قاله الأستاذ "حمام"/ نجيب الريحاني: “بدل المهية راح آخد صرمًا"، (وليس صرمٌ)؛ لأنها مفعول به منصوب.
وسواءً كان الأستاذ يتكلم بجدية، أم يمزح ربما، لأنه يعلم ضرورات الوزن والقوافي، خصوصًا في أغنية كوميدية كتلك. وسواء كانت "أبجد هوز" هي مقدمة الأبجدية العربية: (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ) أو أسماء ملوك مَدين أو غير ذلك، لكن الفكرة هنا هي يقظةُ عقل الأديب الذي لا يقبل الهِنات اللغوية والنحوية الصرفية، حتى في أغاني المرح والأفلام الكوميدية. والفكرة الأهم هنا هي خفّة ظل الأديب وسرعة بديهته في التقاط ما غاب عن آخرين.
ولا يجوز أن نذكر "أبجد هوز" دون أن نتذكّر أغنية "الشيخ إمام" التي كتبها عظيم الأغنية الثورية "أحمد فؤاد نجم" فرحًا بانتصار الفيتناميين وجلاء قوى الاحتلال الأمريكي وسقوط مدينة "سايجن":
أبجد هوز.. حطي كلمن/ افتح صفحة.. امسك قلمن/ اكتب زي الناس ما بتنطق/ سقطت سايجون رفعوا العلمن/ طلعت شمس اليوم دا أغاني/ كل ما نسمع نعشق تاني/ طلعت شمس اليوم دا حريقة/ تشفي الجرح وتبري القلمن/ سايجون عادت للثوار/ فوق الدم وتحت النار/ جدوا فوجدوا/ زرعوا فحصدوا/ وإحنا إيدينا للسمسار...”
وعودٌ على بدء، نعودُ لطرائف عميد الأدب العربي د. طه حسين الذي لم يكن يتساهل مطلقًا في صحيح اللغة العربية الفصحى وأجروميتها الصارمة. حكى لي حكّاء مصر العظيم "خيري شلبي" أنه قرّر في بداية حياته أن يكتبَ سيناريو وحوار لرواية: "الأيام" حتى تُذاع مسلسلا في الإذاعة. وكان لابد، أدبيًّا وقانونيًّا، أن يحصل على موافقة كاتب العمل د. طه حسين. ذهب خيري شلبي إلى بيت الأستاذ طه بالزمالك، فرحّب الأستاذُ بالفكرة، شريطةَ أن يكون الحوارُ بين الشخوص فى المسلسل بالعربية الفصحى، وليس بالدارجة المصرية! وأُسقِطَ فى يدِ السيناريست الشاب! كيف سيجعل أبناء الصعيد المصرىّ يتكلمون بالفصحى فى حياتهم اليومية؟ وكان من المستحيل مساومة الأستاذ فى شرطه الصعب فلن يقبل عن الفصحى بديلا، وليس ممكنًا، كذلك، أن يتخلى الشابُّ عن حلمه؛ فالتجأ إلى دهاء الفنان وذكاء المصرىّ؛ وكتب الحوار على النسق الذى يتَّسِقُ فصحًى ودارجةً فى آن؛ بحيث إن قرأه على الأستاذ مُنضّدًا، ظنّه فصحى؛ وهو عامية على ألسن الشخوص! مثلا: "معى جوابٌ، أَحْلِفُ بالله لو شَافَهُ مخلوقٌ لَرُحْتُ في داهية"، هكذا سيقرؤها خيرى شلبى على الأستاذ طه حسين، لانتزاع موافقته بالحيلة الجميلة. بينما فى المسلسل سينطقها عبد الوارث عسر، بتسكين نهايات الكلمات، مثلما نحن فى دارجتنا المصرية اليومية، مع تلوين اللسان باللكنة الصعيدية: “معي چواب أحلفْ بالْله لو شافهْ مخلوجْ لرُحتْ فـ داهية".
عاشت مصر بعظمائها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا في خبر كان ياما كان ولكن مصر ستعود
مروان سعيد ( 2017 / 8 / 8 - 16:34 )
تحية للاستاذة فاطمة ناعوت وتحيتي للجميع
رحم الله هذا الزمن الذي تتكلمين عليه ونتمنى رجوعه والعيش فيه ولا نرجوا اكثر من ذلك
كان زمن العمالقة في الادب والفن والابرى والايمان الصحيح الحر ايمان المحبة التي تبني وتسموا بالبشر
كان عهد السلام الروحي والاجتماعي والاخلاق الرائعة كانت ام كلثوم تغني بصحن طعمية وهي ليست جائعة بل لتطرب غيرها وتجعل البسمة على شفاه البشر
كان المؤلفين والادباء والمطربين والملحنين يعملون بهدف اسعاد الاخر ولو دفعوا من جيوبهم
رحمهم الله اجمعين لقد سطروا اجمل تاريخ لمصر ام الدنيا ورفعوها الى السماء فكانت قبلة البشرية اجمعين
ومودتي للجميع

اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في