الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تستطيع الهروب من الله ..؟؟

محمد حبش كنو

2017 / 8 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن محكومون بالإله سواء آمنا به أم لم نؤمن .

يولد الشرقي مؤمنا بالإله غالبا في بيئة يرى فيها الله في كل شيئ .. في البيت .. في المدرسة .. في الشارع .. في معاملات السوق .. في القسم باسمه بين الأطفال و بين الكبار .. وفي كل شيئ من حوله .

هذا الشرقي ربما يبقى على إيمانه الكلاسيكي وربما يزداد عنده الوعي ويتأثر بايديولوجيات معينة فيلجأ إلى الإلحاد لكنه يبقى متأثرا بذلك الإله سواء في استخدام الألفاظ التي تربى عليها أو الحلف باسم الله دون أن يتقصد ذلك أو حتى اللجوء إليه في ضائقة ما .

الأمر الأصعب من ذلك كله هو الدخول في صراع معه عبر سبه و شتمه والغضب منه رغم أن الملحد يؤكد أنه لا يؤمن به أساسا وهذا يعني وجود خلل فمن العبثية أن تغضب من كيان وتكره شيئا غير موجود أساسا في عقيدتك وهو يدل على عدم نضوج فكرة الإلحاد وغالبا لن تنضج الفكرة مستقبلا ولكن ما السبب ..؟؟؟

السبب يكمن في الدماغ فالدماغ وعاء تختزن ذاكرته أفكارا ومصطلحات مع الطفولة تصبح جزءا أساسيا منه لا تنفك ليغدو كل ذلك كيانا مرتبطا به وليست أفكارا قابلة للشد والجذب وبالتالي عندما تأتي الأفكار المستحدثة فإنك تتقبلها كفكرة واعية ولكن ليس كجزء من تشكيلة الدماغ لأن هذه ترتبط بمرحلة الطفولة تحديدا .

العلم التجريبي الحديث لن يوصلك إلى الإلحاد ولا إلى الإيمان لأنه مختلف أساسا حول ذلك فبينما نجد علماء ينفون وجود الله نجد بالمقابل عالما مثل ألبرت آينشتين يقول أنه من المستحيل أن تكون كل هذه الدقة والتنظيم عبثيا في الكون ولا يقف وراءه أحد ولكن العلم لا يستطيع أن يقدم صورة لهذا الإله كما تفعل الأديان وعليه فإن قضية الإيمان والإلحاد كلاهما يرتبطان بالعاطفة لا العقل حسب حاجة كل فرد ورغباته وخوفه وحساسيته وعاطفته وما يختلج في دواخله من اهتزازات .

لن تستطيع الهروب من الله لأنه التصق بك وإن حاولت فستدخل في صراع معه وتصبح أشبه بدونكيشوت الذي كان يحارب طواحين الهواء مضيعا وقتك في محاربة الوهم وإذا بقيت على إيمانك فستغضب بنفس الوتيرة لأنك لا تريد البقاء في الوهم أيضا .

الوعي ربما يتطور فتخلق إلها على مزاجك لكي تتخلص من هذه العقدة التي تقترب من المرض النفسي فهناك إله في داخلك إما ان تؤمن به أو تحاربه وفي كلتا الحالتين لا تتخلص منه وبالتالي تخلق لنفسك إلها يوافق مخيلتك وهذا مشهور عند الكثيرين حيث يقولون نحن نؤمن بالله ولكن لا نؤمن بالأديان وكل واحد يرسم إلها خاصا به في مخيلته و قد ظهرت بوادر لهذه الفلسفة عند اليونانيين القدماء حيث قالو إن إلهك هو من صنع بنات أفكارك .

لدى البروفيسور الكندي دونالد كاميرون نظرية اسمها نظام الصدمة يبرهن عبرها أنه من الممكن تغيير البشر عبر صدمهم بصدمة عظيمة تجعل ذاكرتهم شبه ممحية وجاهزة لاستقبال أفكار جديدة أو حتى تغيير الشخصية بالكامل لكنني أعتقد أن هذه النظرية ستنجح في تغيير كل شيئ عدا الله الذي تشكل في دواخلنا والسبب أن الدماغ ربط كهرباءه منذ وعيه الأولي في الطفولة بطاقة غيبية كانت هي التفسير الذي ارتاح له وتشكل على أساسه وبالتالي فقد دخل في حالة استرخاء فيما يتعلق بالغيب و من السهل في الوعي البسيط أن يغير تلك الفكرة لكنه لن يغيرها في الوعي الأعمق أبدا حتى يجد له بديلا كالإله الذي نخلقه من بنات أفكارنا مثلا .

من حقنا أن نتساءل هنا ما الذي يجعل بعض الناس يعيشون هذه الحرب الداخلية أو هذا القلق ..؟؟؟

حقيقة فإن أهم سبب هو عدم اقتناعهم بالشكل الذي تقدمه الأديان للإله فهو أقرب إلى الملوك والسلاطين والجلادين والمستبدين ويقضي كل وقته في الصراع مع البشر إن مارسو بشريتهم ووقعو في الأخطاء وبالتالي يحمر وجهه غيظا في السماء من هذه الأفعال ويأمر جنوده أن يسجلو كل شيئ حتى يعاقب هؤلاء مستقبلا عبر حرقهم وسحلهم وتعذيبهم في نيران عظيمة أبد الآبدين أو هو مشغول بتأليب البشر على بعضهم وجعلهم يتصارعون ويتقاتلون وتجري الدماء كالأنهار إرضاء لذاته النرجسية .

المشكلة ليست مشكلة دين بعينه فالأديان كلها متشابهة و مثلما يقال أن الكفر ملة واحدة فإن الدين أيضا ملة واحدة وستبدو فكرة عبثية الإنتقال من دين إلى آخر للوصول إلى مفهوم عقلاني للألوهية وتبدو الفكرة كالمستجير من الرمضاء بالنار وليس هناك دين واحد قدم نموذجا مقبولا للإله وبما أن الأديان كلها قديمة فإن ذلك النموذج ربما يتوافق مع تلك العقليات القديمة ولكنها لا تتناسب مع عصر العلم والمعرفة والإكتشافات وعليه فإننا نحتاج إما إلى أديان جديدة وهذا مستحيل أو تشذيب الأديان القديمة لخلق إله جديد يتناسب مع المفاهيم العلمية الحديثة بما أن الإله نفسه لا يريد التواصل مع أحد لكشف كنهه وماهيته أو أن يعيش البشر كما هم .. البعض يقتل باسم الله والبعض يدخل في صراع نفسي مع الله والبعض يخلق إلها في مخيلته ليتخلص من ذلك النزاع الداخلي والبعض لا يكترث لكل تلك الغيبيات كما حال الكثيرين في البلاد الغربية لكنهم قلة قليلة تكاد تكون معدومة في هذا الشرق التعيس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت